- بوعلام ممشرف المرسى الجامعي
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 374
نقاط تميز العضو : 102401
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 42
القصة
23/09/11, 03:45 am
-المقدمة:
يحتل فن القصة في عصرنا الحاضر مكانة مرموقة بين سائر الفنون الأدبية النثرية فهناك الخطابة و الرسالة و المقامة و المقالة و الرواية و المسرحية و السيرة و النقد. لكن فن القصة يقع في مقدمتها جميعا لما فيهمن جاذبية و تشويق.
و لأهمية هذا الفن نجد أن الكثير من الكتاب قد اعتنوا به و تناولوه في كتاباتهم و منهم:
محمود تيمور, أحمد رضا حوحو, بن هدوقة, أبو العيد دودو, عبد المالك مرتاض
II-تعريف القصة:
يمكننا أن نعرف القصة بأنها قالب من قوالب التعبير يعتمد فيه الكاتب على سرد أحداث معينة تجري بين شخصية أخرى. أو شخصيات متعددة يستند في قصها و سردها على عنصر التشويق حتى يصل بالقارئ أو السامع إلى نقطة معينة تتأزم فيها الأحداث و تسمى (العقدة) و يتطلع المرء معها إلى الحل حتى يأتي في النهاية على أن بعض النقاد لا يرى العقدة و لا الحل لازمين لفن القصة.
أ-الحكاية
و هي التي تساق فيه واقعة من الوقائع الحقيقية أو الخيالية-الأسطورية أو الخرافية- دون ا لالتزام بقواعد الفن القصصي –و غالبا ما تتضمن (النوادر) و (الخرافات و الأساطير) و تنتشر على أفواه الناس و ربما كان خير مثال لها في الأدب العربي (رسائل مطحتي) لألفونس دودية. و في الأدب العربي ما نقل من كتب مثل (كليلة و دمنة) لابن المقفع, و ما وضع منها مثل (البخلاء) للجاحظ.
ب-الأقصوصة:
و هي قصة قصيرة تصور جانبا من الحياة الواقعية, يستهدف الكاتب فيها تحليل حادثة معينة, أو شخصية ما, أو ظاهرة من الظواهر, أو بطولة من البطولات التاريخية, و قد لا يعنى فيها بالتفاصيل, و لا يلتزم بنهاية أو بداية, كما يفعل في القصة أو الرواية, و قد تدور حول مشهد أو حالة نفسية, أو لمحة محددة, و يمكن لذلك كله أن تقرأ في جلسة واحدة من خلال فترة قصيرة, نضرب لها مثلا قصص (غوغول الروسي) في النصف الأول من القرن التاسع عشر (تشيكوف و تورغنيف) و (أدغار آلن بو) الأمريكي و بعض قصص (محمود تيمور) و غيره من العرب.
جـ-القصة:
و هي وسط بين الأقصوصة و الرواية, إذ تعالج فيها جوانب أوسع و أحداث أرحب من أحداث سابقتها, و يشترط فيها من الناحية الفنية أن تحتوي على التمهيد للأحداث و العقدة التي تتشابك عندها و تشوق القارئ للحل, ثم الحل الذي يأتي في النهاية فيستريح معه القارئ., و من القصاصين العرب الذين وفقوا في فن القصة (محمود تيمور, توفيق الحكيم, عبد الحميد جودة السحار, عبد الحكيم عبد الله). على أن بعض الكتاب لا يلتزم بهذه الشروط فقد يبدأ مباشرة دون أن يمهد للأحداث, و قد لا يأتي بالحل في النهاية بل يترك لكل قارئ أن يتخيله حسبما يحلو له.
و لعل الفرق الجوهري بين الأقصوصة والقصة. أن الأولى تبنى على موجة واحدة الإيقاع بينما تعتمد القصة على سلسلة من الموجات الموقعة, تتوالى في مدها و جزرها و لكنها أخيرا تنتظم في وحدة كبيرة كاملة.
د- الرواية:
و هي أوسع من القصة في أحداثها و شخصياتها عدا أنها تشغل حيز أكبر, و زمنا أطول و تتعدد مضامينها –كما هي في القصة- فيكون منها الروايات العاطفية و الفلسفية و النفسية و الاجتماعية و التاريخية.
تطور القصة في الأدب العربي
أ-الأدب العربي القديم:
لم يكن للقصة في الأدب العربي القديم شأن يذكر, و كان لها مفهوم خاص لم ينهض لها, و لم يجعلها ذات رسالة اجتماعية أو إنسانية على أن القصة في الأدب العربي القديم لم تكن من جوهر الأدب (كالشعر و الخطابة و الرسائل مثلا), بل كان يتخلى عنها كبار الأدباء لغيرهم من الوعاظ و كتاب (السير و الوصايا) يوردونها شواهد قصيرة على وصاياهم و ما يسوقون من حكم, و قد يكون لذلك صلة بنبوغ كثيرة من مسلمي إيران في القصص و المواعظ العربية ممن كانوا يجيدون اللغتين العربية و الفارسية على ما يروي الجاحظ مثل الخطباء و القصاصين من أسرة (الرقاشي) و مثل (موسى الأسواري) و كان هؤلاء يفيدون من اطلاعهم على قصص (الشاهنامة) و من عيون الأدب العربي قديما مما يمت بصلة للقة وهي: ألف ليلة و ليلة, المقامات, رسالة التوابع و الزوابع, رسالة الغفران, قصة حي بن يقظان.
و تأخذ على سبيل المثال "ألف ليلة و ليلة" فهي مدونة في عصور مختلفة و من المقطوع به أن الكتاب في أصله كان معروفا لدى المسلمين قبل منتصف القرن 10م. و يشهد المسعودي و ابن النديم أن الكتاب في أصله مترجم عن الفارسية, و لكن المسعودي يقرر أن الأدباء في عهده تناولوا هذه الحكايات بالتنميق و التهذيب, و صنفوا في معناها ما يشابهها, فأصل الكتاب كان مدونا, ثم نزل الدب الشعبي (الفولكلوري) فغير منه و زيد فيه, فلا ينبغي إذن إنكار الآداب الأخرى في نشأته و نموه بحجة أنه من الأدب الشعبي الذي تمحى فيه الحدود و تتشابه الآداب دون حاجة إلى تلاق تاريخي ذلك أن هذا الكتاب لم ينشأ في أصله شعبيا. و العناصر الهندية في الكتاب تتمثل في داخل القصص و طريقة التساؤل و هما خاصتان هنديتان كما في "كليلة و دمنة" و تمثل العناصر الهندية كذلك في الإطار العام الذي تبدأ به ألف ليلة و ليلة من خيانة زوجة الملك "شاه زمان" و زوجة أخيه "شهريار" و عزم الأخير أن يقترن كل ليلة بفتاة يفتكها حين يصبح, ثم في زواج شهريار بشهرزاد, و حيلة شهرزاد حين ألهت الملك حتى لا يقتلها
و ترجمت ألف ليلة و ليلة إلى الفرنسية أولا ترجمها "أنطون جالات" ثم ترجمت إلى اللغات الأوروبية, و قد أثرت تأثيرات متنوعة كثيرة في المسرحيات و القصص.
ب-القصة في الأدب العربي الحديث:
لا يوجد أي شك في أن القصة العربية لم ينظر إليها قبل العصر الحديث على أنها جنس أدبي له قواعد أو له رسالة فنية أو إنسانية, و لا شك كذلك أن جنس القصة لم يلق أية عناية من نقاد العرب قبل العصر الحديث, لأن هؤلاء النقاد لم يعنوا بنقد الأدب الموضوعي و لم ينظروا نظرات ذات قيمة فيما يخص وحدة العمل الأدبي غنائيا كان أم غير غنائي ذلك أن نقدهم نقد الجزئيات العمل الأدبي في الأغلب من حالاته للأسباب السابقة و غيرها لم تدخل القصص عندنا في مجال الأدب الحق قبل العصر الحديث و لم تتجه إلى هذا الاتجاه بفضل تأثرنا بالآداب العربية و بفضل هذا التأثر سرنا في أطوار متعاقبة.
و قد بدأنا هذه الأطوار متأثرين بالقصص العربية و بالمأثور من قصص أدبنا القديم, و أوضح مثل للتأثر بفن المقامة العربية إلى جانب التأثر بالآداب العربية "حديث عيسى بن هشام" لمحمد المويحلي و فيها نجد البطل و الراوي عنه, و سرد المخاطرات المتلاحقة التي لا يربط بينها سوى شخصية البطل, مع العناية البالغة بالأسلوب و تلك وجوه تأثره بالمقامة, و لكن التأثير العربي واضح في تنويع المناظر و في نوع المغامراتو في التحليل النفسي للشخصيات في صراعها مع الأحداث ثم دلالة ذلك كله على جوانب النقد الاجتماعي لعهد جديد تتصارع فيه القيم التقليدية مع الوعي الاجتماعي الوليد و ينتهي الكاتب إلى وجوب الإنفاء على الصالح من القديم ثم اقتباس المفيد من نظم العرب و لا شك أن الكاتب متأثر في نواحيه الفنية و الاجتماعية بالثقافة العربية و بما أثرت في آراء المصلحين من معاصريه.
و في قصة "لاديباس" لأحمد شوقي, تظهر عناية المؤلف بالتعبير ثم اعتماده في تطوير الحوادث تطويرا خارجيا, على عنصر الزمن و في هذه النواحي يظهر تأثره بالمقامة و بألف ليلة و ليلة و لكنه متأثر كذلك بقصص الفروسية كما كانت في القصص العربية ذلك أن الأمير حماس المصري يتزوج من الأميرة اليونانية (لادياس) و يفقد الأمير عرشه الفرعوني, وتختطف الأميرة و لكن البطل يذل العقبات جميعا, فيستعيد عرشه و يتزوج آخر الأمر بالأميرة.
و في الطور الثاني:
من أطوار الأدب القصصي في عصرنا الحديث, أخذنا في أواخر القرن التاسع عشر ثم في القرن العشرين نتخلص قليلا قليلا من الاعتماد على التراث العربي القديم, و بدأ الوعي الفني يتلمس جنس القصة من مواردها الناضجة من الآداب الأخرى.
و قد بدأ هذا الطور بتعريب موضوعات القصص العربية مع تحوير فيها كي تطابق الميول الشعبية و لتساير الوعي الجمهوري آنذاك, فكان الكاتب يخلق الموضوع من جديد مستدهيا الأصل الأجنبي في مجموعة مستبيحا لنفسه تغيير ما يشاء على نحو ما رأينا في مسرحيات و على الرغم من تشويه القيم الفنية للأصل الأجنبي, فإن هذه القصص لقيت رواجا لدى المعاصرين لها.
و خير من نحى هذا المنحى مصطفى لطفي المنفلوطي المتوفي عام 1942 و قد ترجم قصة "بول و فرجيني" باسم "الفضيلة" و هكذا سار في القصص الطويلة و القصيرة, يقتبس الموضوع من القصص الأجنبي فحسب, ثم يسمو بالتعبير اللغوي, و لكنه تعبير متخلف عن الوعي الفني في جنس القصة و بهذا نال هذه القصص تشويه صارت به دون الأصل و إن كانت قد لقيت رواجا لدى من يولعون بفخامة العبارة فحسب, و قد سار على طريقته الشاعر "حافظ إبراهيم" حتى ترجمته لقصة "البؤساء" لفيكتور هوجو.
ثم نضج الوعي الفني, و نهض الجمهور ثقافيا, فتطلب الترجمة الصحيحة و كانت الترجمة القصصية في أكثرها من الآداب العربية, ثم من الأدب الروسي.
أما القصص العربية في عصرنا فقد أخذت تستقل عن القصص العربية في موضوعها و بدأت تعالج مشكلات بيئتنا و عصرنا, أو تشيد بماضينا القومي و الوطني و إن كانت –مع ذلك- متأثرة في نواحيها الفنية بالآداب الكبرى و التيارات الفنية العالمية.
و لقد تأثرت القصص العربية الحديثة بالاتجاهات الواقعية و الفلسفية للقصص العالمية و كمثال على ذلك قصة "أنا الشعب" للأستاذ "محمد فريد أو حديد" و قصة "عودة الروح" "توفيق الحكيم", "الأرض" "عبد الرحمن الشرقاوي" على اختلاف اتجاهات هذه القصص و التفاوت.
عناصر و مقومات القصة:
إن القصة تعنى بمعالجة لمحة أو لمحات محددة من الحياة, أو جانب من شخصية من الشخصيات, و لا بد لتحقيق هذا من توفر عناصر و مقومات هي:
1-الحدث و الأحداث:
و هو الموضوع الذي تدور حوله القصة, و يعد العنصر الرئيسي فيها, إذ يعتمد عليه في تنمية المواقف و تحريك الشخصيات و لما كان القاصي يستمد أحداثه من الحياة المحيطة به, لتكون مشاكله للواقع, كان لا بد له من اختيار هذه الأحداث و تنسيقها, و عرض جزئياتها عرضا يصور الغاية المحددة منها: بحيث من ما, و تنتهي بزمن آخر محدد
فما مجال القصة إذن ؟ و ما الحدث الذي يمكن أن تدور حوله
القصة لكونها أحد الفنون الأدبية النثرية. يستحسن أن نتناول الحياة الإنسانية التي تشمل الوجود في مختلف نواحيه المادية و الروحية, المحسوسة و غير المحسوسة ما دام الأدب و الحياة, في نظر معظم الأدباء و النقاد –صنوين لا يفترقان-
و يميز بعضهم بين تصوير المجتمع و تصوير الحياة, و نضرب مثلا على ذلك قصة "هملت" لشكسبير التي نالت شهرتها الواسعة لسموها إلى الإحاطة بالحياة البشرية الإنسانية كلها, و لم تقف عند تصوير بيئة معينة, أو طبقة محددة.
و هكذا نرى أن للأحداث في القصة أثر كبير في نجاحها و لا سيما إذا استطاع الكاتب أن يحتفظ في كل مرحلة من مراحل عرضها بعنصر التشويق الذي يعد من أهم وسائل إدارة الأحداث إن لم يكن أهمها جميعا فهو الذي يثير اهتمام القارئ, و يشده من أول القصة إلى آخرها.
و بالتشويق وحده يتمكن المؤلف من جعل أسلوبه نابضا بالحياة منسجما مع موضوع القصة, يرتفع نبضته العاطفية, و يهدأ و يرصن و يتزن إذا كانت القصة تعالج مشكلة اجتماعية أو فكرية و يموج و يثور في العواطف القوية و العنيفة.
2-الشخصية:
هذا العالم الذي تتمحور حوله كل الوظائف و الهواجس و العواطف و الميول, فالشخصية هي مصدر إفراز الشر في السلوك الدرامي داخل عمل قصصي ما فهي بهذا المفهوم فعل أو حدث و هي في الوقت ذاته تتعرض لإفراز هذا الشر أو ذاك الخير و هي بهذا المفهوم وظيفة أو موضوع, ثم أنها هي التي تسرد لغيرها, أو يقع عليها سرد غيرها, و هي بهذا المفهوم أداة وصف أي أداة للسرد و العرض, و ببعض ذلك تتشكل ثلاثة مستويات حولها, و قل إنها هي التي تشكل هذه المستويات و تخضعها لأهدافها و أهوائها تبعا للخيط الخلقي , غير المرئي و الذي يسيرها و يتحكم فيها, و الذي يكون وراء خص تطلق عليه المؤلف- و الحق أن هذه المستويات الثلاثة تراها شديدة الترابط فيما بينها إذ تشكل لمحة منسجمة متدرجة من مستوى إلى مستوى فالوظيفة لا تكون ذات معنى إلا إذا تبوأت مكانها في السلوك العام (الحركة و الفعل) للشخصية, كما أن هذا الفعل في حد ذاته إنما يستمد معناه آخر الأمر من الحدث المسرود, و يذوب في نص يكون له من الصفات الخصوصية ما يجعله منطبقا بطابع فني متفرد.
3-البيئة:
و من عناصر بناء القصة التي يجب العناية بها البيئة تدور فيها الأحداث, و تتحرك الشخصيات و نعني بها البيئة الزمانية و المكانية و الجو العام المحيط بها.
قد يعطي الكاتب الأولوية للبيئة الاجتماعية, و قد يوليها للمناخ السياسي أو النفسي أو العاطفي, بحسب مضمون القصة, فيخضع شخصياته لهه البيئة التي تتناسب و الأحداث الدائرة فيها مثال ذلك (زينب) لمحمد حسين هيكل التي يستهدف من خلالها تصوير بيئة الريف الصافية من خلال قصة حب ساذجة.
و لتصوير البيئة أثر كبير في اندماج القارئ مع القصة, و مشكلة مؤلفها بكل ما يرغب في التعبير عنه, و لا يكفي عند تصوير البيئة أن نصور الزمان و المكان, بل لا بد من رسم الجو العام حتى يحس القارئ بكل ما يحيط بالأحداث إحساسا دقيقا.
و الحقيقة أن الكاتب بقدر ينسينا أننا نقرأ قصة, و بقدر ما يجذبنا إلى الوسط الذي تدور أحداثها فيه, يكون عمله أقرب إلى الحقيقة, و بالتالي أكثر دقة من الناحية الفنية.
و يمكننا أن نضرب مثلا لذلك ما فعله (ظابو العيد دودو) في قصة (بحيرة الزيتون), فقد وصف لبيت الذي تسكن فيه فاطمة بقوله" كان الحنباء يقع على مرتفع في الأرض, يشرف على سهل مائل تقتعده أشجار الزيتون المتلاصقة و تسوقنا هذه القصة و غيرها, إلى مسألة أخرى هامة هي: ما الغاية التي يستهدفها الكاتب من قصصه؟ هل يتوخى الإصلاح حين يعالج مشكلة ما, أم هدفه قاصر على إمتاع القارئ بفنه و حسب؟
4-الهدف من القصة:
نلتقي هنا- كما في الغاية من الأدب عامة- بنظريتين هما: الفن للفن, و الفن للمجتمع و الحياة. و يقول أنصار النظرية الأولى إن أي لون من ألوان الأدب و الفن لا يكون جميلا مستساغا إلا إذا كان فنيا متقنا, و الكاتب أو الفنان أن يكون الفن للفن عنده هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه في إنتاجه, بصرف النظر عن مضمونه و فائدته, إذ هو غاية في ذاته.
أما أنصار المدرسة الثانية: فيقولون: لا بد أن يكون الأدب أو الفن مضمون اجتماعي أو قومي حيوي يستهدف وراءه إصلاح المجتمع عامة, أو حل مشكلة من المشكلات الإنسانية الحيوية كمشكلة الفلاح أو العامل أو معالجة الاستعمال و طغيانه على بعض بلاد العالم, و ما لم يستهدف الكاتب شيئا من هذا في إنتاجه الأدبي, لا يكون ناجحا مرضيا, فأي النظريتين أصح في ميدان القصة؟
لو دققنا في إنتاج القصاصين, لرأينا بعضهم يستهدف الفن لذاته, و لكنهم قلة إذ فنيوا بمن يستهدفون أغراضا اجتماعية أو حيوية, فمحمود تيمور في مجموعاته القصصية عامة, لم يكن هدفه سوى تصوير جانب من جوانب المجتمع, ففي قصته (نجاح 100%) يعكس لنا صورة حية عن الصحافة و الصحافيين الناجحين في عرف المجتمع المصري منذ سنوات عديدة.
و من هذا يتضح لنا أن لا قصة بلا هدف, بل يندر أن نجد قصة يستهدف فيها الفن للفن ذاته على أن بعضهم يفرق بين القصة الجيدة و الموضوع الجيد, و يرى أن القصة الفنية من حيث البناء و الصياغة, تظل موضوع الإعجاب و التقدير, و أن الموضوع الجيد في القصة يجب أن لا يبهرنا و يجعلنا نغفي على الناحية الفنية,و في رأينا, أن الفنان القدير هو الذي يجمع بين الناحيتين, فيحرص على سلامة قصته من الناحية الفنية إلى جانب مراعاته الهدف الجيد, لأنه بذلك يكون أشد تأثيرا و أقوى فنا.
خصائص القصة:
تتوفر القصة الفنية على ستة عناصر أساسية و هي: الحدث, و السرد و الحبكة و الشخصية, و الزمان و المكان, و الفكرة.
1-الحادثة:
في العمل القصصي, هي مجموعة من الوقائع الجزئية, تأتي مرتبطة و منظمة على نحو خاص ففي كل قصة يجب أن تحدث أشياء من نظام معين و أن تكون حوادثها و شخصياتها مرتبطة ارتباطا منطقيا يجعل من مجموعها وحدة ذات دلالة محددة.
2-السرد:
إن للأحداث التي تقوم بها شخصيات القصة أو تخضع لها, يعرضها الكاتب بلغته و أسلوبه, و إذا كان لكل كاتب زاده اللغوي الخاص به, فإن هناك صفات عامة للغة السرد, و هي السهولة و الخفة و الوضوح و ملاءمة المعاني, و في هذا يقول فلوبير:" مهما كان الشيء الذي يسعى الكاتب للتعبير عنه, فإن هناك كلمة واحدة تعبر عنه, و فعلا واحدا يوحي به, و صفة واحدة تحدده".
3-الحبكة:
يقوم عمل الأديب على اختيار الأحداث و تنسيقها, و وضعها في نسيج فني, يهيء مقدمة تبتدئ منها القصة, ثم يحرك الأحداث و يطورها ليجعلها تشتبك و تتأزم, ثم يتدرج بها إلى الانفراج و الحل.. هذا العمل التنظيمي بجملة أجزاء يسمى الحبكة, إنها التصميم العام المعقول لأحداث القصة و يستخدم الكاتب أربع طرائق لعرض أحداث قصصهم:
أ-طريقة السرد المباشر:
و فيها يقف الكاتب يرصد سلوك أشخاصه و يتحدث عنهم بضمير الغائب شأنه شأن المؤرخ, و هي أكثر الطرائق شيوعا, ومثال ذلك قصة (الأرض) لعبد الرحمن الشرقاوي.
ب-طريقة الترجمة الذاتية:
و فيها يتقمص الكاتب شخصية البطل, و يتكلم بلسانه في استخدامه ضمير المتكلم, كما في رواية (من أجل ولدي) لعبد الحليم عبد الله.
جـ- و هناك طريقة حديثة تصور البطل من داخله, من خلال أحلامه و ذكرياته و تصوراته, و في هذه الطريقة يتكسر الزمان و يتداخل, و تتداعى جدران المكان و يجري العمل القصصي بلا منطق عقلي. إن منطق اللاشعور يحكم الأحداث فيعقدها و يغرقها في الذاتية و الغموض و نجد ذلك في رواية (ثرثرة فوق النيل) لنجيب محفوظ.
4-الشخصية:
القصة معرض لأشخاص جدد يقابلهم القارئ ليتعرف عليهم, و يتفهم دورهم, و يحدد موقفهم, و من الطبيعي ألا نجد بين أنفسنا و شخصية من الشخصيات التي لم نعرفها و لم نفهمها نوعا من التعاطف, و من هنا كانت أهمية التشخيص في القصة, فقبل أن يستطيع الكاتب أن يجعل قارئه يتعاطف وجدانيا مع الشخصية, يجب أن تكون هذه الشخصية حية, فالقارئ يريد أن يراها و هي تتحرك, و أن يسمعها و هي تتكلم.
على أن الشخصيات ذاتها في القصة نوعان: نوع يمكن أن نطلق عليه اسم " الشخصية الجاهزة" و هي الشخصية المكتملة التي تتميز تصرفاتها و مواقفها بطابع واحد. و النوع الثاني يمكن أن نسميه الشخصية النامية و هي الشخصية التي يتم تكوينها بتمام القصة.
5-الزمان و المكان:
كل حادثة تقع, لا بد أن تقع في مكان معين زمان معين, و هي لذلك ترتبط بظروف و عادات و مبادئ خاصة بالزمان و المكان اللذين وقعت فيهما.
6-الفكرة
القصة تكتب لتقرر فكرة, لتنقل خلاصة تأمل أو تجربة شعورية. إن الكاتب يقوم بصوغ الفكرة التي جردها من الحياة في إطار فني جديد, و يجسدها في أشخاص و أحداث يخرجهم من محيط الحياة العادية, ليدخلهم في إطار عمله الفني و هو القصة, و قد كتب الكاتب الروسي تولستوي يحدد طبيعة العمل القصصي, فقال:" يقوم فن القصة على أساس تصوير أناس لهم طبائع متباينة, يخضعون لمواقف مختلفة, فيطرح الكاتب مشكلة حيوية... فيكلفهم مواجهتها و العمل فيها, و يراقبهم و يلاحظهم في سعيهم لحلها..إنها تجربة مختبرة.."
خصائص إضافية للقصة:
تبنى معظم كتابها الواقعية, و خاصة الاشتراكية و الانتقادية. و جاهروا بذلك علنيا يقول عيسى عبيد:"قد حذونا حذو بلزاك شيخ الروائيين"
عالجوا مواضيع واقعية مثل معاناة الطفل, قضية المرأة العاقر, التعليم, قضية للسفور و الحجاب, الشرف, زواج بالإكراه, تحرر المرأة.
- كان أهم جنس أدبي اهتم بالبسطاء كاليتيم و الطفل و المرأة الفاجرة, و العامل البسيط.
- خلصوا اللغة من الزخرفة اللفظية و إن كانوا قد خلقوا إشكالا جديدا وهو الكتابة بالعامية أو الفصحى.
أهم و أبرز القصاصين في العصر الحديث:
أبو القاسم سعد: تاريخ الجزائر الثقافي.
عبد الله ركبي: الشعر الديني الجزائري الحديث.
عبد الله ركبي: تطور النثر الجزائري الحديث.
صالح خرفي: الشعر الجزائري الحديث.
صالح خرفي: حمود رمضان.
عبد الله مرتاضي: نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر.
نرو سليمان: الأدب الجزائري في رحاب الرفض و التحرير.
محمد مصايف: النثر الجزائري الحديث.
محمد مصايف: النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي
محمد الناصر: الشعر الجزائري الحديث.
إبراهيم روماني: المدينة في الشعر العربي الجزائري 1925-1962.
شلتاع عبود شراع: شاعر العقيدة الإسلامية.
مصطفى فاسي: دراسات في الرواية الجزائرية.
الزبير سيف الإسلام: تاريخ الصحافة في الجزائر.
محمد العيد آل خليفة.
عبد الله حمادي: شعر الشباب (شعر الإبداع).
ختاما أخلص إلى القول ,بأنني حاولت أن أتناول فن القصة بتوضيح عناصرها و أنواعها ونشأتها في الأب خاصة في الأدب القديم وتطورها وعن الخصائص الفنية للقصة فحددت أنواع الأساليب المستعملة من طرف قصاصنا ويتضح لنا أن القاص كان يهتم كثيرا بتحليل نفسيات.
المجتمع , ووصف الظروف الاجتماعية كذلك , ووضحت فيما يتعلق باللغة و الأسلوب و أن القاضي ما يزال يؤثر الفحص على العامية إلا في الحوار وحالات استثنائية ونلاحظ أن معظم القصاصين يملكون الأداة والخبرة وأن قليلا منهم يقعون في ضعف التعبير أحيانا
يحتل فن القصة في عصرنا الحاضر مكانة مرموقة بين سائر الفنون الأدبية النثرية فهناك الخطابة و الرسالة و المقامة و المقالة و الرواية و المسرحية و السيرة و النقد. لكن فن القصة يقع في مقدمتها جميعا لما فيهمن جاذبية و تشويق.
و لأهمية هذا الفن نجد أن الكثير من الكتاب قد اعتنوا به و تناولوه في كتاباتهم و منهم:
محمود تيمور, أحمد رضا حوحو, بن هدوقة, أبو العيد دودو, عبد المالك مرتاض
II-تعريف القصة:
يمكننا أن نعرف القصة بأنها قالب من قوالب التعبير يعتمد فيه الكاتب على سرد أحداث معينة تجري بين شخصية أخرى. أو شخصيات متعددة يستند في قصها و سردها على عنصر التشويق حتى يصل بالقارئ أو السامع إلى نقطة معينة تتأزم فيها الأحداث و تسمى (العقدة) و يتطلع المرء معها إلى الحل حتى يأتي في النهاية على أن بعض النقاد لا يرى العقدة و لا الحل لازمين لفن القصة.
أ-الحكاية
و هي التي تساق فيه واقعة من الوقائع الحقيقية أو الخيالية-الأسطورية أو الخرافية- دون ا لالتزام بقواعد الفن القصصي –و غالبا ما تتضمن (النوادر) و (الخرافات و الأساطير) و تنتشر على أفواه الناس و ربما كان خير مثال لها في الأدب العربي (رسائل مطحتي) لألفونس دودية. و في الأدب العربي ما نقل من كتب مثل (كليلة و دمنة) لابن المقفع, و ما وضع منها مثل (البخلاء) للجاحظ.
ب-الأقصوصة:
و هي قصة قصيرة تصور جانبا من الحياة الواقعية, يستهدف الكاتب فيها تحليل حادثة معينة, أو شخصية ما, أو ظاهرة من الظواهر, أو بطولة من البطولات التاريخية, و قد لا يعنى فيها بالتفاصيل, و لا يلتزم بنهاية أو بداية, كما يفعل في القصة أو الرواية, و قد تدور حول مشهد أو حالة نفسية, أو لمحة محددة, و يمكن لذلك كله أن تقرأ في جلسة واحدة من خلال فترة قصيرة, نضرب لها مثلا قصص (غوغول الروسي) في النصف الأول من القرن التاسع عشر (تشيكوف و تورغنيف) و (أدغار آلن بو) الأمريكي و بعض قصص (محمود تيمور) و غيره من العرب.
جـ-القصة:
و هي وسط بين الأقصوصة و الرواية, إذ تعالج فيها جوانب أوسع و أحداث أرحب من أحداث سابقتها, و يشترط فيها من الناحية الفنية أن تحتوي على التمهيد للأحداث و العقدة التي تتشابك عندها و تشوق القارئ للحل, ثم الحل الذي يأتي في النهاية فيستريح معه القارئ., و من القصاصين العرب الذين وفقوا في فن القصة (محمود تيمور, توفيق الحكيم, عبد الحميد جودة السحار, عبد الحكيم عبد الله). على أن بعض الكتاب لا يلتزم بهذه الشروط فقد يبدأ مباشرة دون أن يمهد للأحداث, و قد لا يأتي بالحل في النهاية بل يترك لكل قارئ أن يتخيله حسبما يحلو له.
و لعل الفرق الجوهري بين الأقصوصة والقصة. أن الأولى تبنى على موجة واحدة الإيقاع بينما تعتمد القصة على سلسلة من الموجات الموقعة, تتوالى في مدها و جزرها و لكنها أخيرا تنتظم في وحدة كبيرة كاملة.
د- الرواية:
و هي أوسع من القصة في أحداثها و شخصياتها عدا أنها تشغل حيز أكبر, و زمنا أطول و تتعدد مضامينها –كما هي في القصة- فيكون منها الروايات العاطفية و الفلسفية و النفسية و الاجتماعية و التاريخية.
تطور القصة في الأدب العربي
أ-الأدب العربي القديم:
لم يكن للقصة في الأدب العربي القديم شأن يذكر, و كان لها مفهوم خاص لم ينهض لها, و لم يجعلها ذات رسالة اجتماعية أو إنسانية على أن القصة في الأدب العربي القديم لم تكن من جوهر الأدب (كالشعر و الخطابة و الرسائل مثلا), بل كان يتخلى عنها كبار الأدباء لغيرهم من الوعاظ و كتاب (السير و الوصايا) يوردونها شواهد قصيرة على وصاياهم و ما يسوقون من حكم, و قد يكون لذلك صلة بنبوغ كثيرة من مسلمي إيران في القصص و المواعظ العربية ممن كانوا يجيدون اللغتين العربية و الفارسية على ما يروي الجاحظ مثل الخطباء و القصاصين من أسرة (الرقاشي) و مثل (موسى الأسواري) و كان هؤلاء يفيدون من اطلاعهم على قصص (الشاهنامة) و من عيون الأدب العربي قديما مما يمت بصلة للقة وهي: ألف ليلة و ليلة, المقامات, رسالة التوابع و الزوابع, رسالة الغفران, قصة حي بن يقظان.
و تأخذ على سبيل المثال "ألف ليلة و ليلة" فهي مدونة في عصور مختلفة و من المقطوع به أن الكتاب في أصله كان معروفا لدى المسلمين قبل منتصف القرن 10م. و يشهد المسعودي و ابن النديم أن الكتاب في أصله مترجم عن الفارسية, و لكن المسعودي يقرر أن الأدباء في عهده تناولوا هذه الحكايات بالتنميق و التهذيب, و صنفوا في معناها ما يشابهها, فأصل الكتاب كان مدونا, ثم نزل الدب الشعبي (الفولكلوري) فغير منه و زيد فيه, فلا ينبغي إذن إنكار الآداب الأخرى في نشأته و نموه بحجة أنه من الأدب الشعبي الذي تمحى فيه الحدود و تتشابه الآداب دون حاجة إلى تلاق تاريخي ذلك أن هذا الكتاب لم ينشأ في أصله شعبيا. و العناصر الهندية في الكتاب تتمثل في داخل القصص و طريقة التساؤل و هما خاصتان هنديتان كما في "كليلة و دمنة" و تمثل العناصر الهندية كذلك في الإطار العام الذي تبدأ به ألف ليلة و ليلة من خيانة زوجة الملك "شاه زمان" و زوجة أخيه "شهريار" و عزم الأخير أن يقترن كل ليلة بفتاة يفتكها حين يصبح, ثم في زواج شهريار بشهرزاد, و حيلة شهرزاد حين ألهت الملك حتى لا يقتلها
و ترجمت ألف ليلة و ليلة إلى الفرنسية أولا ترجمها "أنطون جالات" ثم ترجمت إلى اللغات الأوروبية, و قد أثرت تأثيرات متنوعة كثيرة في المسرحيات و القصص.
ب-القصة في الأدب العربي الحديث:
لا يوجد أي شك في أن القصة العربية لم ينظر إليها قبل العصر الحديث على أنها جنس أدبي له قواعد أو له رسالة فنية أو إنسانية, و لا شك كذلك أن جنس القصة لم يلق أية عناية من نقاد العرب قبل العصر الحديث, لأن هؤلاء النقاد لم يعنوا بنقد الأدب الموضوعي و لم ينظروا نظرات ذات قيمة فيما يخص وحدة العمل الأدبي غنائيا كان أم غير غنائي ذلك أن نقدهم نقد الجزئيات العمل الأدبي في الأغلب من حالاته للأسباب السابقة و غيرها لم تدخل القصص عندنا في مجال الأدب الحق قبل العصر الحديث و لم تتجه إلى هذا الاتجاه بفضل تأثرنا بالآداب العربية و بفضل هذا التأثر سرنا في أطوار متعاقبة.
و قد بدأنا هذه الأطوار متأثرين بالقصص العربية و بالمأثور من قصص أدبنا القديم, و أوضح مثل للتأثر بفن المقامة العربية إلى جانب التأثر بالآداب العربية "حديث عيسى بن هشام" لمحمد المويحلي و فيها نجد البطل و الراوي عنه, و سرد المخاطرات المتلاحقة التي لا يربط بينها سوى شخصية البطل, مع العناية البالغة بالأسلوب و تلك وجوه تأثره بالمقامة, و لكن التأثير العربي واضح في تنويع المناظر و في نوع المغامراتو في التحليل النفسي للشخصيات في صراعها مع الأحداث ثم دلالة ذلك كله على جوانب النقد الاجتماعي لعهد جديد تتصارع فيه القيم التقليدية مع الوعي الاجتماعي الوليد و ينتهي الكاتب إلى وجوب الإنفاء على الصالح من القديم ثم اقتباس المفيد من نظم العرب و لا شك أن الكاتب متأثر في نواحيه الفنية و الاجتماعية بالثقافة العربية و بما أثرت في آراء المصلحين من معاصريه.
و في قصة "لاديباس" لأحمد شوقي, تظهر عناية المؤلف بالتعبير ثم اعتماده في تطوير الحوادث تطويرا خارجيا, على عنصر الزمن و في هذه النواحي يظهر تأثره بالمقامة و بألف ليلة و ليلة و لكنه متأثر كذلك بقصص الفروسية كما كانت في القصص العربية ذلك أن الأمير حماس المصري يتزوج من الأميرة اليونانية (لادياس) و يفقد الأمير عرشه الفرعوني, وتختطف الأميرة و لكن البطل يذل العقبات جميعا, فيستعيد عرشه و يتزوج آخر الأمر بالأميرة.
و في الطور الثاني:
من أطوار الأدب القصصي في عصرنا الحديث, أخذنا في أواخر القرن التاسع عشر ثم في القرن العشرين نتخلص قليلا قليلا من الاعتماد على التراث العربي القديم, و بدأ الوعي الفني يتلمس جنس القصة من مواردها الناضجة من الآداب الأخرى.
و قد بدأ هذا الطور بتعريب موضوعات القصص العربية مع تحوير فيها كي تطابق الميول الشعبية و لتساير الوعي الجمهوري آنذاك, فكان الكاتب يخلق الموضوع من جديد مستدهيا الأصل الأجنبي في مجموعة مستبيحا لنفسه تغيير ما يشاء على نحو ما رأينا في مسرحيات و على الرغم من تشويه القيم الفنية للأصل الأجنبي, فإن هذه القصص لقيت رواجا لدى المعاصرين لها.
و خير من نحى هذا المنحى مصطفى لطفي المنفلوطي المتوفي عام 1942 و قد ترجم قصة "بول و فرجيني" باسم "الفضيلة" و هكذا سار في القصص الطويلة و القصيرة, يقتبس الموضوع من القصص الأجنبي فحسب, ثم يسمو بالتعبير اللغوي, و لكنه تعبير متخلف عن الوعي الفني في جنس القصة و بهذا نال هذه القصص تشويه صارت به دون الأصل و إن كانت قد لقيت رواجا لدى من يولعون بفخامة العبارة فحسب, و قد سار على طريقته الشاعر "حافظ إبراهيم" حتى ترجمته لقصة "البؤساء" لفيكتور هوجو.
ثم نضج الوعي الفني, و نهض الجمهور ثقافيا, فتطلب الترجمة الصحيحة و كانت الترجمة القصصية في أكثرها من الآداب العربية, ثم من الأدب الروسي.
أما القصص العربية في عصرنا فقد أخذت تستقل عن القصص العربية في موضوعها و بدأت تعالج مشكلات بيئتنا و عصرنا, أو تشيد بماضينا القومي و الوطني و إن كانت –مع ذلك- متأثرة في نواحيها الفنية بالآداب الكبرى و التيارات الفنية العالمية.
و لقد تأثرت القصص العربية الحديثة بالاتجاهات الواقعية و الفلسفية للقصص العالمية و كمثال على ذلك قصة "أنا الشعب" للأستاذ "محمد فريد أو حديد" و قصة "عودة الروح" "توفيق الحكيم", "الأرض" "عبد الرحمن الشرقاوي" على اختلاف اتجاهات هذه القصص و التفاوت.
عناصر و مقومات القصة:
إن القصة تعنى بمعالجة لمحة أو لمحات محددة من الحياة, أو جانب من شخصية من الشخصيات, و لا بد لتحقيق هذا من توفر عناصر و مقومات هي:
1-الحدث و الأحداث:
و هو الموضوع الذي تدور حوله القصة, و يعد العنصر الرئيسي فيها, إذ يعتمد عليه في تنمية المواقف و تحريك الشخصيات و لما كان القاصي يستمد أحداثه من الحياة المحيطة به, لتكون مشاكله للواقع, كان لا بد له من اختيار هذه الأحداث و تنسيقها, و عرض جزئياتها عرضا يصور الغاية المحددة منها: بحيث من ما, و تنتهي بزمن آخر محدد
فما مجال القصة إذن ؟ و ما الحدث الذي يمكن أن تدور حوله
القصة لكونها أحد الفنون الأدبية النثرية. يستحسن أن نتناول الحياة الإنسانية التي تشمل الوجود في مختلف نواحيه المادية و الروحية, المحسوسة و غير المحسوسة ما دام الأدب و الحياة, في نظر معظم الأدباء و النقاد –صنوين لا يفترقان-
و يميز بعضهم بين تصوير المجتمع و تصوير الحياة, و نضرب مثلا على ذلك قصة "هملت" لشكسبير التي نالت شهرتها الواسعة لسموها إلى الإحاطة بالحياة البشرية الإنسانية كلها, و لم تقف عند تصوير بيئة معينة, أو طبقة محددة.
و هكذا نرى أن للأحداث في القصة أثر كبير في نجاحها و لا سيما إذا استطاع الكاتب أن يحتفظ في كل مرحلة من مراحل عرضها بعنصر التشويق الذي يعد من أهم وسائل إدارة الأحداث إن لم يكن أهمها جميعا فهو الذي يثير اهتمام القارئ, و يشده من أول القصة إلى آخرها.
و بالتشويق وحده يتمكن المؤلف من جعل أسلوبه نابضا بالحياة منسجما مع موضوع القصة, يرتفع نبضته العاطفية, و يهدأ و يرصن و يتزن إذا كانت القصة تعالج مشكلة اجتماعية أو فكرية و يموج و يثور في العواطف القوية و العنيفة.
2-الشخصية:
هذا العالم الذي تتمحور حوله كل الوظائف و الهواجس و العواطف و الميول, فالشخصية هي مصدر إفراز الشر في السلوك الدرامي داخل عمل قصصي ما فهي بهذا المفهوم فعل أو حدث و هي في الوقت ذاته تتعرض لإفراز هذا الشر أو ذاك الخير و هي بهذا المفهوم وظيفة أو موضوع, ثم أنها هي التي تسرد لغيرها, أو يقع عليها سرد غيرها, و هي بهذا المفهوم أداة وصف أي أداة للسرد و العرض, و ببعض ذلك تتشكل ثلاثة مستويات حولها, و قل إنها هي التي تشكل هذه المستويات و تخضعها لأهدافها و أهوائها تبعا للخيط الخلقي , غير المرئي و الذي يسيرها و يتحكم فيها, و الذي يكون وراء خص تطلق عليه المؤلف- و الحق أن هذه المستويات الثلاثة تراها شديدة الترابط فيما بينها إذ تشكل لمحة منسجمة متدرجة من مستوى إلى مستوى فالوظيفة لا تكون ذات معنى إلا إذا تبوأت مكانها في السلوك العام (الحركة و الفعل) للشخصية, كما أن هذا الفعل في حد ذاته إنما يستمد معناه آخر الأمر من الحدث المسرود, و يذوب في نص يكون له من الصفات الخصوصية ما يجعله منطبقا بطابع فني متفرد.
3-البيئة:
و من عناصر بناء القصة التي يجب العناية بها البيئة تدور فيها الأحداث, و تتحرك الشخصيات و نعني بها البيئة الزمانية و المكانية و الجو العام المحيط بها.
قد يعطي الكاتب الأولوية للبيئة الاجتماعية, و قد يوليها للمناخ السياسي أو النفسي أو العاطفي, بحسب مضمون القصة, فيخضع شخصياته لهه البيئة التي تتناسب و الأحداث الدائرة فيها مثال ذلك (زينب) لمحمد حسين هيكل التي يستهدف من خلالها تصوير بيئة الريف الصافية من خلال قصة حب ساذجة.
و لتصوير البيئة أثر كبير في اندماج القارئ مع القصة, و مشكلة مؤلفها بكل ما يرغب في التعبير عنه, و لا يكفي عند تصوير البيئة أن نصور الزمان و المكان, بل لا بد من رسم الجو العام حتى يحس القارئ بكل ما يحيط بالأحداث إحساسا دقيقا.
و الحقيقة أن الكاتب بقدر ينسينا أننا نقرأ قصة, و بقدر ما يجذبنا إلى الوسط الذي تدور أحداثها فيه, يكون عمله أقرب إلى الحقيقة, و بالتالي أكثر دقة من الناحية الفنية.
و يمكننا أن نضرب مثلا لذلك ما فعله (ظابو العيد دودو) في قصة (بحيرة الزيتون), فقد وصف لبيت الذي تسكن فيه فاطمة بقوله" كان الحنباء يقع على مرتفع في الأرض, يشرف على سهل مائل تقتعده أشجار الزيتون المتلاصقة و تسوقنا هذه القصة و غيرها, إلى مسألة أخرى هامة هي: ما الغاية التي يستهدفها الكاتب من قصصه؟ هل يتوخى الإصلاح حين يعالج مشكلة ما, أم هدفه قاصر على إمتاع القارئ بفنه و حسب؟
4-الهدف من القصة:
نلتقي هنا- كما في الغاية من الأدب عامة- بنظريتين هما: الفن للفن, و الفن للمجتمع و الحياة. و يقول أنصار النظرية الأولى إن أي لون من ألوان الأدب و الفن لا يكون جميلا مستساغا إلا إذا كان فنيا متقنا, و الكاتب أو الفنان أن يكون الفن للفن عنده هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه في إنتاجه, بصرف النظر عن مضمونه و فائدته, إذ هو غاية في ذاته.
أما أنصار المدرسة الثانية: فيقولون: لا بد أن يكون الأدب أو الفن مضمون اجتماعي أو قومي حيوي يستهدف وراءه إصلاح المجتمع عامة, أو حل مشكلة من المشكلات الإنسانية الحيوية كمشكلة الفلاح أو العامل أو معالجة الاستعمال و طغيانه على بعض بلاد العالم, و ما لم يستهدف الكاتب شيئا من هذا في إنتاجه الأدبي, لا يكون ناجحا مرضيا, فأي النظريتين أصح في ميدان القصة؟
لو دققنا في إنتاج القصاصين, لرأينا بعضهم يستهدف الفن لذاته, و لكنهم قلة إذ فنيوا بمن يستهدفون أغراضا اجتماعية أو حيوية, فمحمود تيمور في مجموعاته القصصية عامة, لم يكن هدفه سوى تصوير جانب من جوانب المجتمع, ففي قصته (نجاح 100%) يعكس لنا صورة حية عن الصحافة و الصحافيين الناجحين في عرف المجتمع المصري منذ سنوات عديدة.
و من هذا يتضح لنا أن لا قصة بلا هدف, بل يندر أن نجد قصة يستهدف فيها الفن للفن ذاته على أن بعضهم يفرق بين القصة الجيدة و الموضوع الجيد, و يرى أن القصة الفنية من حيث البناء و الصياغة, تظل موضوع الإعجاب و التقدير, و أن الموضوع الجيد في القصة يجب أن لا يبهرنا و يجعلنا نغفي على الناحية الفنية,و في رأينا, أن الفنان القدير هو الذي يجمع بين الناحيتين, فيحرص على سلامة قصته من الناحية الفنية إلى جانب مراعاته الهدف الجيد, لأنه بذلك يكون أشد تأثيرا و أقوى فنا.
خصائص القصة:
تتوفر القصة الفنية على ستة عناصر أساسية و هي: الحدث, و السرد و الحبكة و الشخصية, و الزمان و المكان, و الفكرة.
1-الحادثة:
في العمل القصصي, هي مجموعة من الوقائع الجزئية, تأتي مرتبطة و منظمة على نحو خاص ففي كل قصة يجب أن تحدث أشياء من نظام معين و أن تكون حوادثها و شخصياتها مرتبطة ارتباطا منطقيا يجعل من مجموعها وحدة ذات دلالة محددة.
2-السرد:
إن للأحداث التي تقوم بها شخصيات القصة أو تخضع لها, يعرضها الكاتب بلغته و أسلوبه, و إذا كان لكل كاتب زاده اللغوي الخاص به, فإن هناك صفات عامة للغة السرد, و هي السهولة و الخفة و الوضوح و ملاءمة المعاني, و في هذا يقول فلوبير:" مهما كان الشيء الذي يسعى الكاتب للتعبير عنه, فإن هناك كلمة واحدة تعبر عنه, و فعلا واحدا يوحي به, و صفة واحدة تحدده".
3-الحبكة:
يقوم عمل الأديب على اختيار الأحداث و تنسيقها, و وضعها في نسيج فني, يهيء مقدمة تبتدئ منها القصة, ثم يحرك الأحداث و يطورها ليجعلها تشتبك و تتأزم, ثم يتدرج بها إلى الانفراج و الحل.. هذا العمل التنظيمي بجملة أجزاء يسمى الحبكة, إنها التصميم العام المعقول لأحداث القصة و يستخدم الكاتب أربع طرائق لعرض أحداث قصصهم:
أ-طريقة السرد المباشر:
و فيها يقف الكاتب يرصد سلوك أشخاصه و يتحدث عنهم بضمير الغائب شأنه شأن المؤرخ, و هي أكثر الطرائق شيوعا, ومثال ذلك قصة (الأرض) لعبد الرحمن الشرقاوي.
ب-طريقة الترجمة الذاتية:
و فيها يتقمص الكاتب شخصية البطل, و يتكلم بلسانه في استخدامه ضمير المتكلم, كما في رواية (من أجل ولدي) لعبد الحليم عبد الله.
جـ- و هناك طريقة حديثة تصور البطل من داخله, من خلال أحلامه و ذكرياته و تصوراته, و في هذه الطريقة يتكسر الزمان و يتداخل, و تتداعى جدران المكان و يجري العمل القصصي بلا منطق عقلي. إن منطق اللاشعور يحكم الأحداث فيعقدها و يغرقها في الذاتية و الغموض و نجد ذلك في رواية (ثرثرة فوق النيل) لنجيب محفوظ.
4-الشخصية:
القصة معرض لأشخاص جدد يقابلهم القارئ ليتعرف عليهم, و يتفهم دورهم, و يحدد موقفهم, و من الطبيعي ألا نجد بين أنفسنا و شخصية من الشخصيات التي لم نعرفها و لم نفهمها نوعا من التعاطف, و من هنا كانت أهمية التشخيص في القصة, فقبل أن يستطيع الكاتب أن يجعل قارئه يتعاطف وجدانيا مع الشخصية, يجب أن تكون هذه الشخصية حية, فالقارئ يريد أن يراها و هي تتحرك, و أن يسمعها و هي تتكلم.
على أن الشخصيات ذاتها في القصة نوعان: نوع يمكن أن نطلق عليه اسم " الشخصية الجاهزة" و هي الشخصية المكتملة التي تتميز تصرفاتها و مواقفها بطابع واحد. و النوع الثاني يمكن أن نسميه الشخصية النامية و هي الشخصية التي يتم تكوينها بتمام القصة.
5-الزمان و المكان:
كل حادثة تقع, لا بد أن تقع في مكان معين زمان معين, و هي لذلك ترتبط بظروف و عادات و مبادئ خاصة بالزمان و المكان اللذين وقعت فيهما.
6-الفكرة
القصة تكتب لتقرر فكرة, لتنقل خلاصة تأمل أو تجربة شعورية. إن الكاتب يقوم بصوغ الفكرة التي جردها من الحياة في إطار فني جديد, و يجسدها في أشخاص و أحداث يخرجهم من محيط الحياة العادية, ليدخلهم في إطار عمله الفني و هو القصة, و قد كتب الكاتب الروسي تولستوي يحدد طبيعة العمل القصصي, فقال:" يقوم فن القصة على أساس تصوير أناس لهم طبائع متباينة, يخضعون لمواقف مختلفة, فيطرح الكاتب مشكلة حيوية... فيكلفهم مواجهتها و العمل فيها, و يراقبهم و يلاحظهم في سعيهم لحلها..إنها تجربة مختبرة.."
خصائص إضافية للقصة:
تبنى معظم كتابها الواقعية, و خاصة الاشتراكية و الانتقادية. و جاهروا بذلك علنيا يقول عيسى عبيد:"قد حذونا حذو بلزاك شيخ الروائيين"
عالجوا مواضيع واقعية مثل معاناة الطفل, قضية المرأة العاقر, التعليم, قضية للسفور و الحجاب, الشرف, زواج بالإكراه, تحرر المرأة.
- كان أهم جنس أدبي اهتم بالبسطاء كاليتيم و الطفل و المرأة الفاجرة, و العامل البسيط.
- خلصوا اللغة من الزخرفة اللفظية و إن كانوا قد خلقوا إشكالا جديدا وهو الكتابة بالعامية أو الفصحى.
أهم و أبرز القصاصين في العصر الحديث:
أبو القاسم سعد: تاريخ الجزائر الثقافي.
عبد الله ركبي: الشعر الديني الجزائري الحديث.
عبد الله ركبي: تطور النثر الجزائري الحديث.
صالح خرفي: الشعر الجزائري الحديث.
صالح خرفي: حمود رمضان.
عبد الله مرتاضي: نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر.
نرو سليمان: الأدب الجزائري في رحاب الرفض و التحرير.
محمد مصايف: النثر الجزائري الحديث.
محمد مصايف: النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي
محمد الناصر: الشعر الجزائري الحديث.
إبراهيم روماني: المدينة في الشعر العربي الجزائري 1925-1962.
شلتاع عبود شراع: شاعر العقيدة الإسلامية.
مصطفى فاسي: دراسات في الرواية الجزائرية.
الزبير سيف الإسلام: تاريخ الصحافة في الجزائر.
محمد العيد آل خليفة.
عبد الله حمادي: شعر الشباب (شعر الإبداع).
ختاما أخلص إلى القول ,بأنني حاولت أن أتناول فن القصة بتوضيح عناصرها و أنواعها ونشأتها في الأب خاصة في الأدب القديم وتطورها وعن الخصائص الفنية للقصة فحددت أنواع الأساليب المستعملة من طرف قصاصنا ويتضح لنا أن القاص كان يهتم كثيرا بتحليل نفسيات.
المجتمع , ووصف الظروف الاجتماعية كذلك , ووضحت فيما يتعلق باللغة و الأسلوب و أن القاضي ما يزال يؤثر الفحص على العامية إلا في الحوار وحالات استثنائية ونلاحظ أن معظم القصاصين يملكون الأداة والخبرة وأن قليلا منهم يقعون في ضعف التعبير أحيانا
- foufou90مشرفة المرسى العام
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3749
نقاط تميز العضو : 148155
تاريخ التسجيل : 24/10/2009
العمر : 34
رد: القصة
23/09/11, 07:16 pm
شكرا وبارك الله فيك ع الطرح القيم ...وفقك الله
- محمدمشرف مرسى الرياضة
- البلد :
عدد المساهمات : 7229
نقاط تميز العضو : 205023
تاريخ التسجيل : 10/12/2009
رد: القصة
23/09/11, 11:07 pm
موضوع قيم
جزاك الله خيرا
جزاك الله خيرا
- بوعلام ممشرف المرسى الجامعي
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 374
نقاط تميز العضو : 102401
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 42
رد: القصة
23/09/11, 11:49 pm
شكرا لمرور أحلى محمد في الحارة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى