- بوعلام ممشرف المرسى الجامعي
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 374
نقاط تميز العضو : 102441
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 42
قراءة في تاريخ الزندقة قديمًا وحديثًابقلم: د. هاني السباعي
23/09/11, 01:30 am
قراءة في تاريخ الزندقة قديمًا وحديثًا
بقلم: د. هاني السباعي
تقدمة:
لغتنا الجميلة وأثرها في حماية العقيدة.. تحت ظل هذه العبارة كنت أتحاور مع أخ مكرم عن تلك العروس التي هجرها
خطاﺑﻬا رغم حسنها وجلالها، وحلاوة منطقها، وعذوبة حديثها، وفصاحة لساﻧﻬا، رغم أﻧﻬا سليلة الحسب والنسب،
كريمة القبيلة والعشيرة.. رغم كل هذا البيان لذات السحر الحلال.. هجرها خطاﺑﻬا!! وبينما كنا ﻧﻬيم بتلك العروس،
ونتجاذب أطراف الحديث، ونتناسل الأفكار عن عروسنا المصون، تلك التي صانت حمى العقيدة عبر العصور،
وتصدت لهجمات الزنادقة والملحدين، فكم من قلم جبار كسرته، وكم من لسان حاد أخرصته، وكم.. وكم!! وفي
فوران الشجون ذكرني صديقي أن عروسنا المصون منذ بضع سنين قد فقدت عاشقًا لطالما تغنى ﺑﻬا ونذر حياته للذب
عن حسنها وكريم معدﻧﻬا.. فقدت العروس عالم اللغة والبيان الدكتور مصطفى هدارة.. ذلك العالم الناقد البصير الذي
صان عرض اللغة العربية وتصدى لأقلام الزنادقة والملاحدة وأهل الانحراف.. رحل عن عالمنا في صمت ولم يعلم بوفاته
إلا قلة من غرباء هذا الزمان!! مر عامان على ذكراه ورحل عن دنيانا بعدما أثرى المكتبة العربية والإسلامية بكتاباته
وأبحاثه ومقالاته.. رحل صاحب (اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري).. فاسترجعت وصديقي رغم أننا لم
نستفق بعد حسرتنا لفراق فارس البيان وشيخ العربية في هذا العصر علامة الأدب الشيخ محمود شاكر.. ومرت
الذكرى.. والعروس تبكي فوارسها.. هكذا رحل فارسان من فوارس اللغة والبيان.. ومنذ شهرين .. تحديدًا في ١٥
شوال ١٤٢٣ ه رحل عالم دمشق المحقق اللغوي الفقيه الشافعي الشيخ العلامة عبد الغني علي الدقر مؤس جمعية
الغراء بسوريا وصاحب عدة كتب في اللغة والنحو والفقه منها معجم القواعد العربية في النحو وتحقيق وترتيب شرح
شذور الذهب وله مختصر تفسير الخازن ومؤلفات أخرى رحمه الله وقد رحل ولم ﺗﻬتم بموته وسائل الإعلام..
فإنا لله وإنا إليه راجعون.. فالمحن تترى وتتكاثر؛ محنة ودعت وأخرى أغارت!! فمن للزنادقة.. وفوارس البيان قد
غابوا؟!! ورغم سريان سموم الزندقة في حياتنا الإعلامية فلن يضر جسد لغتنا العربية المحفوظة بحفظ الله لها تلكم
السموم.. ورغم غياب الفوارس الذين كانوا يذبون عن لغتنا العربيةإلا أن رحم الأمة ولود والحمد لله.
فضل علماء اللغة في كشف زيغ الزنادقة :
وقد يعجب القارئ لحديثنا عن فضل علماء اللغة في حماية العقيدة!!
وقد يسأل سائل: وأين موقع علماء الأصول والحديث والفقه في حماية العقيدة؟!! نحن لا ننكر فضل هؤلاء جميعًا في
حماية العقيدة الإسلامية. فكل هؤلاء يقفون في جبهة الإسلام العريضة التي تسع الجميع.. فالإمام أحمد بن حنبل المتوفى
٢٤١ ه له كتاب ماتع في الرد على الزنادقة وخاصة في مجال الشبهات التي كانوا يثيروﻧﻬا حول تعارض آي القرآن..
والكتاب مطبوع بالعنوان التالي: (الرد على الزنادقة والجهمية) المطبعة السلفية بالقاهرة محقق في جزء واحد.. لكن
السبق لأهل اللغة في كشف الشعوبية والزندقة أمر لا ينكره علماء الأصول والحديث والفقه.. فرواد اللغة الأوائل لهم
(2 )
الفضل في كشف لحن القول ودحض شبه المبطلين.. لم لا؟!! مع التنبيه أن علماء اللغة والأدب قديمًا كانوا أهل حديث
وفقه وتاريخ لكن شهرﺗﻬم جاءت من خلال تخصصهم في كتب الأدب واللغة.. وقد حمل لواء هذه المعركة إمامان من
أئمة اللغة والبيان.
أما الأول: الجاحظ المعتزلي (ت ٢٥٥ ه).
وأما الثاني: هو خطيب أهل السنة ابن قتيبة ( ٢٧٦ ه).
أو ً لا: الجاحظ المعتزلي :
هو أبوعثمان عمرو بن بحر ولد في البصرة وقضى فيها أكثر عمره ولكنه في ٢٠٤ ه رحل إلى بغداد ثم علا نجمه لما
اتصل بوزير الخليفة المعتصم محمد بن عبد الملك الزيات فأصبح من الموسرين وذاع صيته في العالم الإسلامي .. ومن
أشهر كتبه: نظم القرآن ،البيان والتبيين، والحيوان، وفضيلة المعتزلة، والرد على اليهود، الرد على النصارى، البخلاء،
كتاب اللصوص وغيرها ذلك من كتب ورسائل.. ثم رجع إلى البصرة وهناك أصيب بشلل في جسده ومات في المحرم
سنة ٢٥٥ ه وعمره نحو ست وتسعين سنة. وقد: "تصدى الجاحظ وابن قتيبة لهذه الترعة الآثمة وردّا عليها ردًا عنيفًا،
أما الجاحظ فعقد في كتابه "البيان والتبيين" بابًا طوي ً لا سماه "كتاب العصا" صوّر فيه طعن الشعوبية على العرب في
خطاباﺗﻬم، إذ كانوا يشيرون فيها بالعصي والمخاصر، كما كانوا يتكئون على القسي، مما يصرف في رأي الشعوبيين
الخاطر ويشغل الذهن أثناء الخطابة.. وزعموا أن الفرس أخطب من العرب .. وكل ذلك نازعهم الجاحظ في عنف
شديد، ولكي يبلغ كل ما كان يريد إفحامهم ومقاومتهم جعل كتابه (البيان والتبيين) ردًا مفحمًا عليهم، إذ خصصه
لعرض الثقافة العربية الخالصة في صورها المختلفة من الخطابة والشعر والأمثال، كي يروا رؤية العين ما في هذه الثقافة
من قيم بلاغية وجمالية، فينتهوا عن مزاعمهم ويثوبوا إلى رشدهم" .
ثانيًا: ابن قتيبة السني :
هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، ولد بالكوفة سنة ٢١٣ ه ونشأ في بغداد وكان عالمًا بالفقه والتفسير
والحديث واللغة والنحو والأدب والتاريخ؛ ومن شيوخه اسحاق بن راهوية وأبو حاتم السجستاني وغيرهما. وقد تولى
القضاء في مدينة دينور لذلك سمي بالدينوري. . وقد كان خطيب أهل السنة شديداً على المعتزلة وهاجم النظام
والعلاف واﺗﻬم الجاحظ بأنه يؤللف الكتب للتسلية وليس لرفع شأن الدين، وله كتب عديدة منها: عيون الأخبار،
وأدب الكاتب، وكتاب مشكل القرآن، تأويل مختلف الحديث، كتاب المعارف، والشعر والشعراء وغيرها.. وكانت
وفاته في بغداد في أول رجب سنة ٢٧٦ ه. وقد ألف ابن قتيبة في الرد على الشعوبيين مبحثًا سماه "كتاب العرب أو
الرد على الشعوبية" وهو في مطالعه يذكر أن من أشد الشعوبيين عداوة للعرب قومًا من كتاب الدواوين امتعضوا
لآداب أقوامهم. . ويقول إﻧﻬم كانوا يُزرون على الحكم والأمثال العربية بما يروون عن الفرس واليونان من آداب
وعلوم. ولم يكتف بعنفه عليهم في هذا المبحث الطريف، فقد عنف ﺑﻬم في مقدمة كتابه (أدب الكاتب) مصورًا
قصورهم عن النهوض بوظيفتهم الأدبية في الدواوين لنقد ثقافتهم العربية. وقد حاول محاولة طريفة في كتابه "عيون
الأخيار" أن يجمع بين تلك الثقافة والثقافات الأجنبية ليبين أﻧﻬا كلها ضرورية ولاتعارض بينها بوجه من الوجوه مما
قضى على الشعوبية قضاءً مبرمًا" أقول: هكذا فطن أهل اللغة لخطورة دعوى الشعوبية التي كانت تحتقر العرب وتفضل
الفرس وتمجد لغتها على لغة العرب ولم تقتصر هذه الشعوبية على الفرس فقط بل امتدت إلى سائر الأمم التي أذعنت
للعرب كالزنج، والزط من أهل السند، وكالنبط والقبط والبربر وغيرهم. معنى ذلك أن النتيجة المنطقية لهذه الدعوى
الشعوبية هو احتقارهم لنبي العرب صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عليه قرآنًا عربيًا.. ومن ثم كانت الشعوبية
الوجه الآخر للزندقة فهما بحق وجهان لعملة واحدة.. ومن منطلق هذه التقدمة سأقصر حديثي حول النقاط التالية:
(3 )
أو ً لا: معنى الزندقة لغة.
ثانياً: متى وكيف ظهرت الزندقة في التاريخ الإسلامي.
ثالثا: الزنادقة الأوائل. مع مختارات من كتاباﺗﻬم وأشعارهم.
رابعًا: الزنادقة الجدد مع مختارات من كتاباﺗﻬم .
خامسًا: صفوة القول.
أو ً لا: معنى الزندقة لغة :
اختلف الباحثون في أصل هذه الكلمة "زندقة" لكن أقرب الأقوال إلى هذه الكلمة: "فارسي معرب عن زنديك فإ ّ ن
الكلمة كانت تطلق بمعناها الأصلي على المؤمن المخلص من أتباع ماني. ولما كان الزادشتية يعدون المانوية ملحدين
خارجين على الزرادشتية، فقد أطلقت عندهم على كل ملحد لا يؤمن بالدين الحق.
وفي ذلك يقول "براون" شارحًا له ومدل ً لا عليه: "كلمة زنديق صفة فارسية معناها متتبع الزند أي الشروح القديمة
للأفستا وهو كتاب زرادشت المفضل له على النص المقدس. وقد سمي المانوية زنادقة لميلهم إلى تأويل الكتب المقدسة
للديانات الأخرى وشرحها حسب آرائهم وأهوائهم" أقول: والذي يرجح أن أصلها فارسي معرب ما جاء في لسان
العربي لابن منظور: الزِّنْدِيقُ القائل ببقاء الدهر ، فارسي معرب، وهو بالفارسية : زَنْدِ كِرَايْ ، يقول بدوام بقاء الدهر.
والزَّنْدَقُة الضِّيقُ ، وقيل : الزِّنْدِيقُ منه لأنه ضيّق على نفسه. التهذيب : الزِّنْدِيقُ معروف، و زَنْدَقَتُه أنه لا يؤمن بالآخرة
ووَحْدانيّة الخالق . وقال أحمد بن يحيى : ليس زِنْدِيق ولا َفرْزِين من كلام العرب ، ثم قال؛ ولكن البَياذِقُة هم الرّجّالة ،
قال : وليس في كلام العرب زِنْدِيق ، وإنما تقول العرب رجل زَنْدَق و زَنْدَقِيّ إذا كان شديد البخل، فإذا أرادت
العرب معنى ما تقوله العامة قالوا : مُلْحِد ودَهْرِيّ ، فإذا أرادوا معنى السِّنِّ قالوا : دُهْرِيّ ، قال : وقال سيبويه الهاء في
زَنادِقة وَفرازِنة عوض من الياء في زِنْدِيق وَفرْزِين ، وأصله الزَّنادِيق الجوهري : الزِّنْدِيقُ من الثَّنَوِيَّة وهو معرب ، والجمع
الزَّنادِقة وقد تَزَنْدَقَ والاسم الزَّنْدَقة" وفي مختار الصحاح: "الزنديق م الثنوية وهو فارسي معرب وجمعه زنادقة وقد
تزندق والاسم الزندقة." وجاء أيضًا في محيط المحيط: " زندق - تزندق الرجل صار زنديقًا أو تخلق بأخلاق الزّنديق.
وقولهم من تمنطق تزندق أي من تعلَّم علم المنطق ﺗﻬوَّر في الزّندقة لأنهُ يتورَّط في الأقيسة والنتائج بما يُفسد العقائِد
الدينيَّة التي مدارها على التسليم .. رج ٌ ل زَنْدَقٌ وزَنْدَقيٌّ أي شديد البخل الزَّّندقة الاسم تزندق. يقال عندهُ زندقٌة ..
الزُّّنْدُوق لغٌة في الصندوق الزِّّنْدِيق من الثنويَّة أو القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبيَّة أو من يُبطِن
الكفر ويُظهِر الإيمان. ومنهُ قول الشاعر: بغداد دارٌ لأهل المال طيّبٌة وللمفاليس دار الضنك والضيقِ ظللتُ حيران
أمشي في أزِقَّتها كأنني مُصحفٌ في بيت زنديقِ معرَّب زَن دِين أي دِين المرأة ج زناديق زنادِقة. والتاءُ عوض الياء
المحذوفة. والزّنادقة في بعض ترجمات العهد الجديد هي تحريف الصدوقيّين نسبًة إلى صدوق الذي أنكر الروح والبعث
وغير ذلك. والزّنديق عند العامَّة من لا يراعي حرمًة ولا يحفظ مودًَة " وقد ورد هذا المعنى في قاموس "لاروس":
"الزندقة: ابطان الكفر وإظهار الإيمان: مذهب القائلين بدوام الدهر من أصحاب زرادشت" أقول: لكن هذا المعنى
تطور ولم يقتصر على أصحاب ماني لذلك يرى بعض المؤرخين أن للزندقة عدة معان تختلف باختلاف العصور.. "فقد
كان العرب يطلقون لفظ (زنديق) على من ينفي وجود الله سبحانه، أو يقول إن له شريكًا. وقيل: إن الزنديق مَنْ
يبطن الكفر ويظهر الإيمان.. وكان لفظ زنديق يطلق أول الأمر على كل من يتأثر بالفرس في عادﺗﻬم ويسرف في
العبث واﻟﻤﺠون، ثم صار يطلق بعد ذلك على كل من يتخذ عقائد المانوية شعارًا له، ويتمسك بعقيدة الثنوية، وعبادة
إلهين اثنين، واتباع تعاليم ماني. ثم توسعوا في العصر العباسي في إطلاق لفظ الزندقة، فأصبح يطلق على من ينكر
الألوهية، أو يتظاهر بالظرف" ويرى د.عبد الرحمن بدوي أن: "زنديق" لفظ غامض مشترك قد أطلق على معان عدة،
مختلفة فيما بينها على الرغم مما قد يجمع بينها من تشابه، فكان يطلق على من يؤمن بالمانوية ويثبت أصلين أزليين
للعالم: هما النور والظلمة. ثم اتسع المعنى من بعد اتساعًا كبيرًا حتى أطلق على من يكون مذهبه مخالفًا لمذهب أهل السنة
أو حتى من كان يحيا حياة اﻟﻤﺠون من الشعراء والكتاب ومن إليهم" الزندقة إذن: "حركة دينية سياسية، ابتغى أصحاﺑﻬا
(4 )
بعث الديانات الثنوية الفارسية، وكان أكثرهم يعتنقون المانوية خاصة، وكان أهل الإباحة منهم يتأثرون المزكية أيضًا.
وقد دبروا لطمس العقيدة الإسلامية، ونسف مُثل الأمة العربية، ليقوضوا الدولة الإسلامية، ويعيدوا الدولة الفارسية
الثنوية، وكان الزنادقة مخادعين أذكياء، ودُهاة خبثاء، فتستروا بالإسلام، وأسروا الكفر، إخفاء لعقائدهم، وتغطية
لأهدافهم، وتيسيرًا لعملهم، وكان رؤساؤهم وأتباعهم من الموالي الفرس، وكان شعراؤهم أهم من جد منهم في إحياء
تراثهم الديني ونشره، وأكبر من ّ لج منهم في تخريب الإسلام وﺗﻬديمه وأشهر من نشط منهم في تشويه الخلق العربي
وتحطيمه. واشتط في ذلك منهم الشعراء الموالي الكوفيين أكثر من البصريين، لأن الكوفة سبقت البصرة في الزندقة،
وفاقتها في الإباحة. وكان مطيع بن إياس وحماد عجرد .. أخطر الزنادقة من أهل الكوفة، وكان بشار بن برد، وصالح
بن عبد القدوس أخطر الزنادقة الموالي من أهل البصرة. وكان بجانبهم مجا ّ ن وفسقة وعصاة من الشعراء من أهل الكوفة
مثل أبي دلامة وعلي بن الخليل، ووالبة بن الحباب، ومن أهل البصرة سلم الخاسر وأبان بن عبد الحميد، وأبي نواس ..
وقد اﺗﻬموا جميعًا بالزندقة الدينية" .
التعريف المختار لمعنى كلمة الزندقة :
بعد هذا العرض السابق لتطور معنى الزندقة نرى أن كلمة زنديق تعني من أبطن الكفر وأظهر الإسلام سواء أكان هذا
الكفر المانوية أو الفرعونية أو الفينيقية أو البربرية أو النوبية أو العلمانية وغيرها من المذاهب أو النعرات أو القوميات
المناهضة والمناقضة للإسلام. فالجامع لهؤلاء هو إبطاﻧﻬم واخلاصهم له.. ورغم ذلك فإﻧﻬم يتمسكون بكلمة الإسلام إما
خشية انتقام الأمة منهم وإما خبثًا ليروجوا مذاهبهم وعقائدهم الباطلة تحت عباءة الإسلام.. وعلى أية حال فالزندقة
الحديثة أشد خطرًا على الإسلام وتعاليمه من الزندقة القديمة إذ كان للمسلمين دولة وخليفة وقضاة يحمون بيضة
الإسلام ويخشى سطوﺗﻬم الزنادقة قديمًا.. أما اليوم فلا يوجد للمسلمين دولة تذود عن عقيدﺗﻬم.. ووسائل الإعلام
المسعورة تتسابق على ﻧﻬش الإسلام ونشر غثاء الزنادقة الجدد.
ثانيًا: متى وكيف ظهرت الزندقة:
ذكر بعض المؤرخين والباحثين أن تاريخ محاكمة الزنادقة وتتبعهم منذ عهد الخلفاء العباسيين الأول؛ المهدي والهادي
والرشيد وسار على نفس الدرب المأمون والمعتصم. وقد حدد المستشرق "فيدا" بداية محاكمة الزنادقة من سنة ١٦٣
ه إلى سنة ١٧٠ ه أي في السنوات الأخيرة من خلافة المهدي وإبان خلافة الهادي. "ففي سنة ١٦٣ ه بدأت
حملة المهدي العنيفة على الزنادقة بأن أمر عبد الجبار المحتسب، والذي يلقبه صاحب الأغاني بلقب (صاحب الزنادقة)
بالقبض على الزنادقة الموجودين داخل البلاد. فقبض على من استطاع القبض عليه وأتوا به إلى الخليفة الذي كان
حينئذ في دابق، وأمر بقتل بعضهم وتمزيق كتبه. واستمر الخليفة في هذا الاضطهاد في السنوات التالية حتى بلغ
الاضطهاد غايته في الفترة ما بين ١٦٦ ه وسنة ١٧٠ ه وكان يقوم على أمر هذا الاضطهاد قضاة مخصوصون،
أشهرهم عبد الجبار الذي ذكرناه آنفًا، وعمر الكلوزي الذي عُين في سنة ١٦٧ ه، ثم محمد بن عيسى حمدويه الذي
خلف عمر" هكذا حدد المستشرق "فيْدا" بداية ظهور الزندقة إلى العلن وذلك بإعلان الخليفة المهدي الجهاد على
هؤلاء الزنادقة وكان الإعلان الرسمي للدولة في سنة ١٦٣ ه. أقول: لكن لنا تحفظات على ما ورد من استخدام بعض
الألفاظ في عبارة المستشرق فيدا: مثل قوله (بدأت حملة المهدي العنيفة).. وكذا تكرار كلمة (اضطهاد) التي توحي
بمعاناة الزنادقة وكأﻧﻬم تعرضوا لحملة جور وظلم من قبل دولة الخلافة!! وفيها أيضًا إيحاء بالعطف على هؤلاء
الزنادقة.. وكنا نود أن يعترض الدكتور عبد الرحمن بدوي على هذه الألفاظ وخاصة أنه ترجم هذا المقال الذي كتبه
فيدا إلى العربية.. فاضطهاد المهدي للزنادقة هو جهاد شرعي، وعنف المهدي مع الزنادقة من باب قوله تعالى (وليجدوا
فيكم غلظة).. ويرى بعض المؤرخين أن ظهور الزندقة كان قبل الخليفة المهدي أي في أواخر الخلافة الأموية.. فابن
النديم المتوفى ٣٨٠ ه ذكر أسماء رؤساء المانوية قبل الخلافة العباسية: "كان الجعد بن درهم الذي ينسب إليه مروان
بن محمد، فيقال مروان الجعدي، كان مؤدبًا له ولولده، فأدخله في الزندقة، وقتل الجعدَ هشامُ بن عبد الملك في خلافته،
(5 )
بعد أن طال حبسه في يد خالد بن عبدالله القسري، فيقال إن آل الجعد، رفعوا قصة إلى هشام يشكون ضعفهم، وطول
حبس الجعد، فقال هشام: أهو حي؟ وكتب إلى خالد في قتله، فقتله يوم أضحى وجعله بد ً لا من الأضحية بعد أن قال
ذلك على المنبر بأمر هشام" الشاهد من قول ابن النديم أن الزندقة كانت أيام الأمويين أيضًا وإن كنا لا نتفق معه في
رميه الخليفة الأموي مروان بن محمد بالزندقة لعدم وجود وثائق تاريخية تشير إلى زندقة هذا الخليفة.. ومثل هذه التهم
يجب الحذر منها لأﻧﻬا ﺗﻬم يشنها الخصوم للتشنيع بالآخرين بغية بناء حواجز نفسية لدى الغير بمجرد سماع مثل هذه
التهم!!
السبب في عدم ظهور الزندقة إلى العلن في عهد الأمويين :
لم تظهر الزندقة في اﻟﻤﺠتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري، لأن الخلافة الأموية كانت في أوج عزﺗﻬا وعنفوان قوﺗﻬا،
وكانت واقفة بالمرصاد لكل أصحاب الملل المناقضة للروح الإسلامية، لذلك فإن نشأة الزنادقة كانت في القرن الثاني
الهجري، وكان عددهم محدودًا ونشاطهم في غاية السرية. بالإضافة إلى أن قيام الدولة العباسية كان بسواعد الموالي
الفرس الذين قاتلوا مع العباسيين ضد الأمويين وكانوا سبب في القضاء على الدولة الأموية.. ومن ثم اعتمد عليهم
الخلفاء العباسيون ووثقوا ﺑﻬم وكافأوهم واستوزروهم واتخذوا منهم بطانة وقادة لجيوش المسلمين.. إلا أن فئة من
مفكريهم لم يلامس الإسلام شغاف قلوﺑﻬم وكانوا يحنقون على المسلمين بسبب ضياع ملك الأكاسرة على أيدي
المسلمين فأسلموا ظاهرًا وأبطنوا الكفر بغية تدمير دولة الخلافة من خلال نشر تعاليم ديانة الفرس القديمة مع
نشرالشبهات حول القرآن وفضل العرب ونشرالفساد والعبث واﻟﻤﺠون وإشاعة الإنحلال في اﻟﻤﺠتمع الإسلامي المتماسك
بالعقيدة الإسلامية.. هكذا كان الزنادقة في كمون أيام الأمويين ثم ظهروا إلى العلن أيام العباسيين واشتد أوار الزندقة
في القرن الثالث الهجري وظهر في منتصف هذا القرن ابن الريوندي وأبو عيسى الوراق والرازي وغيرهم!! وكان
صعود نجمهم في القرن الرابع الهجري لذلك لا عجب أن يؤلف المستشرق (آدم متز) كتابه الشهير (الحضارة الإسلامية
في القرن الرابع الهجري) وهو كتاب ترجمه للعربية الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده وطبعه دار الكتاب العربي
ببيروت والكتاب مطبوع في مجلدين..
ولعلنا نتساءل: لماذا اختار آدم متز القرن الرابع الهجري ليكون هو عصر النهضة في الإسلام؟! السبب أن الدولة
الإسلامية كانت في هذا القرن والذي قبله قد دب فيها الضعف والتشرذم وظهور دويلات مستقلة وانتشار المذاهب
الهدامة كالقرامطة الذين نشر الذعر والقتل في العالم الإسلامي واستباحوا قوافل الحجاج واقتلعوا الحجر الأسود من
الكعبة المشرفة الذي ردوه سنة ٣٣٩ ه .. هل هذه قمة الحضارة الإسلامية التي يقصدها آدم متز؟! وفي هذا القرن
ظهرت أفكار الإلحاد على نطاق واسع وظهر الزنادقة الكبار كالحلاج ت ٣٠٩ ه، والشلمغاني المعروف بابن أبي
العزاقر ت ٣٢٢ ه الذي كان يقول إن الله يحل في كل شئ.. وأن اللاهوتية اجتمعت في علي رضي الله عنه!! وقد
كان الشلمغاني وعصابته الحلولية: "يغتفرون ترك الصلاة والصيام والإغتسال؛ وكانوا لا يتناكحون على السنة، بل
يبيحون الفروج، ولا ينكرون أن يطلب أحدهم من صاحبه حرمته، وكانوا يرون أنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح
المفضول ليولج النور فيه" وإلى غير ذلك من لواط كما يفعل عبدة الشيطان في زماننا وكما يقول زنادقة الأدب من
كفريات في عصرنا الحالي!! وإذا كان القرن الرابع الهجري حسب مقياس متز هو قمة الحضارة الإسلامية فماذا عسانا
أن نسمي القرن الثاني الهجري وهو عصر المهدي والرشيد والمأمون والمعتصم ويتنهي بالمتوكل!! إذن هذه تقاسيم
تاريخية جائرة وغير موضوعية بل نشتم من تقويم هذه الحقب رائحة الخبث والتشويه!! وعلى أية حال فرغم تتبع
الخلفاء العباسيين للزنادقة ومحاكمتهم بموجب الشرع ومناظرﺗﻬم أمام كبار العلماء والقضاة حتى لا تكون لهم حجة.
رغم كل ذلك استمر الزنادقة جي ً لا تلو جيل يعيشون في ظلام التاريخ، ويشتد عودهم كلما ضعفت دولة الإسلام!
وأود أن أنبه على قضية هامة ألا وهي قد يظن ظان أن ظهورالزندقة والشعوبية في القرن الثاني الهجري وتتبع الخلفاء
العباسيين لهم ومحاكمتهم معنى ذلك أن اﻟﻤﺠمتمع الإسلامي كان يغلبه الزندقة والشعوبية وأنه كان مجتمعًا ملحدًا منحرفًا
يغلب عليه العبث واﻟﻤﺠون والإنحلال الإخلاقي.. بالطبع هذا تصور بعيد عن الواقع والحقائق االتاريخية، فاﻟﻤﺠتمع
(6 )
الإسلامي في القرن الثاني الهجري كان قريب من زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تزل روح الإسلامي هي
المرفرفة في سمائه وقد كان هناك الفقهاء وأهل الحديث والزهاد والعباد والجيوش المرابطة والجيوس التي تخرج إلى الغزو
في رحلتي الشتاء والصيف، وكانت هناك الفتوحات ودخول الناس في دين الله أفواجًا. لذلك من الخطأ أن يتبادر إلى
الذهن أن اﻟﻤﺠتمع الإسلامي في القرن الثاني الهجري كانت تشيع فيه روح الفساد والإنحراف .. فالزندقة والشعوبية
كانت في فئة خاصة من أبناء العجم الذين كانوا في تآمر دائم على دول الإسلام.. وأما الإنحراف واﻟﻤﺠون فقد كان
مقصورًا على طبقة مترفة، وكانت هذه الطبقة منبوذة لدى عامة الناس.
ثالثا: الزنادقة الأوائل مع مختارات من كتاباﺗﻬم وأشعارهم :
ذكر ابن النديم أسماء رؤساء الزنادقة: "ومن رؤسائهم المتكلمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الزندقة: ابن طالوت،
أبو شاكر، ابن أخي أبي شاكر، ابن الأعدى الحريزي، ونعمان بن أبي العوجاء، صالح بن عبد القدوس، ولهؤلاء كتب
مصنفة في نصرة الاثنين (النور والظلمة) ومن مذاهب أهلها وقد نقضوا كتبًا كثيرة صنفها المتكلمون في ذلك. ومن
الشعراء: بشار بن يرد، إسحاق بن خلف، ابن نباتة، سلم الخاسر، على بن الخليل، على بن ثابت، ومن تشهر أخيرًا
أبو عيسى الوراق، وأبو الناشي، والجبهان بن محمد بن أحمد" وذكر ابن النديم أيضًا من كان يُرمى بالزندقة من الملوك
والرؤساء: "قيل إن البرامكة بأسرها، إلا محمد بن خالد بن برمك، كانت زنادقة، وقيل في الفضل وأخيه الحسن مثل
ذلك، وكان محمد بن عبيد الله كاتب المهدي زنديقًا واعترف بذلك فقتله الخليفة المهدي" أقول: هكذا استبان لنا
خطر الزندقة لدرجة أﻧﻬم تغلغلوا في جهاز دولة الخلافة وصارت لهم مناصب كبيرة من رؤساء وشعراء!! ومن ثم لا
عجب أن يوصي الخليفة العباسي المهدي ( ت ١٦٩ ه) ولده موسى الهادي (ت ١٧٠ ه) بتتبع الزنادقة وجهادهم
وكشفهم والفتك ﺑﻬم.. حيث يقول الخليفة المهدي في وصيته:
وصية الخليفة المهدي :
"يا بني إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإﻧﻬا تدعوا الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب
الفواحش، والزهد في الدنيا، والعمل للآخرة، ثم تخرجها من هذا إلى تحريم اللحوم، ومسّ الماء الطهور، وترك قتل الهوام
تحرجًا، ثم تخرجها إلى عبادة: اثنين أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات، والاغتسال
بالبول، وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور، فارفع فيها الخشب، وجرّد السيف
فيها، وتقرّب بأمرها إلى الله. فإني رأيت جدي العباس رضي الله عنه في المنام قد قلدني سيفين لقتل أصحاب الاثنين"
بعد هذا التطواف نتكلم عن أهم رموز الزنادقة قديمًا نختار منهم: صالح بن عبد القدوس/ وبشار بن برد أما ابن
الريوندي فيحتاج إلى بحث خاص.
أو ً لا : صالح بن عبد القدوس :
هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس من أهل البصرة، كان يجلس للوعظ ويقص الأخبار. غير أنه
كان يزين الثنوية (دين الفرس القديم)، فلما اشتهر أمره استقدمه الخليفة المهدي، لكنه هرب إلى دمشق واستخفى ﺑﻬا
زمنًا فلما عرف المهدي مكانه، وجه إليه قريشًا الحنظلي فقبض عليه وجاء له إلى بغداد. فحاكمه المهدي ثم قتله سنة
١٦٧ ه. ويجمع الإخباريون أن صالح بن عبد القدوس كان من كبار الزنادقة وأنه كان من الثنوية من أتباع ماني..
وقد ذكره ابن النديم في معرض ذكره عن كبار الزنادقة: " ومن رؤسائهم المتكلمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون
الزندقة: ابن طالوت (..) وصالح بن عبد القدوس" وذكره الخطيب في تاريخه: " صالح بن عبد القدوس أبو الفضل
(7 )
البصري مولى لاسد أحد الشعراء اﺗﻬمه المهدى أمير المؤمنين بالزندقة فأمر بحمله اليه واحضره بين يديه فلما خاطبه
اعجب بغزارة ادبه وعلمه وبراعته وحسن بيانه وكثرة حكمته فأمر بتخلية سبيله فلما ولى رده وقال له:
ألست القائل والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد الى جهله كذى الضنى عاد الى نكثه
قال: بلى يا أمير المؤمنين. قال: فأنت لا تترك أخلاقك ونحن نحكم فيك بحكمك في نفسك ثم أمر به فقتل وصلب
على الجسر.. ويقال إن المهدى أبلغ عنه أبيات يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم فاحضره المهدى وقال له أنت
القائل هذه الأبيات قال لا والله يا أمير المؤمنين والله ما أشركت بالله طرفة عين فاتق الله ولا تسفك دمى على الشبهة
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات وجعل يتلو عليه القرآن حتى رق له وأمر بتخليته فلما ولى
قال أنشدنى قصيدتك السينية فأنشده حتى بلغ البيت أوله والشيخ لا يترك أخلاقه فأمر به حينئذ فقتل ويقال إنه كان
مشهورا بالزندقة وله مع أبي الهذيل العلاف مناظرات" قال عنه الذهبي في ميزان الإعتدال: (صاحب الفلسفة
والزندقة).. وذكر ابن المعتز سببًا لا عتقاله وهو أنه طعن على الرسول صلى الله عليه وسلم ورجح أن الخليفة هارون
الرشيد هو الذي قبض عليه وتولى محاكمته، وأمر بقتله، وإن كان معظم المؤرخين يرون أن المهدي هو الذي قتله ..
وعلى أية حال هم متفقون جميعًا على زندقة صالح بن عبد القدوس وأنه ألف كتبًا في نصرة المانوية وتصدى للمتكلمين
الذين كانوا يدافعون عن الإسلام.. المهم أن ابن المعتز تفرد ﺑﻬذه الرواية التي تثبت زندقة ابن عبد القدوس حيث يقول:
"حدثت من غير هذا الوجه بما هو عندي أثبت من الأول، وذلك ما رويناه أنه أﻧﻬي إلى الرشيد عنه هذه الأبيات،
يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم:
غصب المسكينَ زوجتَهُ فجرتْ عيناهُ من دُرَرهْ
ما قضى المسكينُ من وطرِ لا ولا المعشارَ من وطرهْ
عذتُ بالله اللطيف بنا أن يكو َ ن الجوْرُ من َقدَره
خلاصة القول في صالح بن عبد القدوس :
أنه كان زنديقًا زندقة دينية لا زندقة اجتماعية.. فلم تكن زندقته على سبيل اللهو والعبث واﻟﻤﺠون، بل كان يعتقد
تعاليم ماني الفارسية القديمة اعتقادًا صادقًا، وكان يومن بالإثنية والإمتزاج بين إله النور وإله الظلمة، وكان يتمسك
بنحلته وبمعتقده تمسكًا قويًا، ويدافع عنه دفاعًا مستميتاً.
ثانيًا: بشار بن برد (ت ١٦٧ ه) :
"أصل بشار بن برد من طخارستان في أقصى خراسان وقع جده يرجوخ في سبي المهلب بن أبي صفرة حينما كان واليًا
على خراسان ( ٧٨ إلى ٨٢ ه) فأهداه إلى امرأته خيرة بنت ضمرة القشيرية، وكانت تقيم بضيعة لها بالبصرة. ولما
وصل يرجوخ إلى البصرة كان معه طفل صغير اسمه بُرد. ولما بلغ برد مبلغ الرجال زوجته مولاته خيرة فتاة من بني
عقيل، فولد له بشار سنة ٩١ ه في الأغلب. ولد بشار أكمه (لا يبصر) ونشأ على الفقر وكان شريرًا. ثم بدأ قول
الشعر وهو لا يزال حدثًا وأخذ يهجو الناس. ويتم بشارٌ عن أبيه وهو بعد صغير. ثم قضى بشار معظم حياته في
البصرة وتلقى فيها ضروبًا من العلم تسرب إليه معها كثير من الزندقة .. فاﺗﻬم بالزندقة وبأن غزله فاحش يدعو إلى
الفسق ثم قتل في البصرة نحو ١٦٧ ه. كان بشار شعوبياً زنديقًا" .
(8 )
أقول: هذا هو بشار بن برد القائل:
إبليسُ أفض ُ ل من أبيكم آدم فتبينوا يا معشر الفجار
النارُ عنصره وآدم طينة والطين لا يسمو سمو النارِ
الأرضُ مظلمٌة والنارُ مشرقٌة والنارُ معبودٌة مذ كانت النار
بكل تبجح يقدم بشار إبليس على آدم عليه السلام لأن إبليس مخلوق من نار، ويرجح رأي إبليس في امتناعه من
السجود لآدم عليه السلام!! لذلك لما سمع واصل بن عطاء المعتزلي شعر بشار السابق قال: "أما لهذا الملحد الأعمى
المشنف المتكنى بأبي معاذ مَنْ يقتله؟ أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية (أي المانوية) لبعثت إليه مَنْ يبعج
بطنه على مضجعه، ويقتله في جوف مترله" يقول عنه عبد القاهر البغدادي: "وحكى أصحاب المقالات عن بشار أنه
ضمّ إلى ضلالته في تكفير الصحابة وتكفير عليّ معهم ضلالتين أخريين إحداهما قوله برجعة الأموات إلى الدنيا قبل يوم
القيامة كما ذهب إليه أصحاب الرجعة من الرافضة. والثانية قوله بتصويب إبليس في تفضيل النار على الأرض" قال
عنه الذهبي: "اﺗﻬم بالزندقة فضربه المهدي سبعين سوطًا ليقر فمات منها وقيل كان يفضل النار وينتصر لإبليس.. هلك
سنة سبع وستين (ومائة) وبلغ التسعين" أقول: هذا هو بشار بن برد الذي يهيم به العلمانيون!! لقد كان بشار بن برد
مستخفًا بالدين مضيعًا للفروض، إذ كان يدعي الخروج إلى الحج، لينفي ﺗﻬمة الزندقة عن نفسه، ثم يعود على الحانات،
فيقضي وقت الحج بين القيان والخمر، حتى إذا قربت عودة الحجيج حلق رأسه واندس بين القافلين المارين به، لكي لا
يشك الناس في أمره. كما كان يبيح لنفسه ترك الصلاة مع الجماعة، مدعيًا أنه لا يبصر ولا يتقن أداءها، إذ يقول:
وإنني في الصلاة أحضرها ضحكة أهل الصلاة إن شهدوا
أقعدُ في الصلاة إذا ركعوا وارفع الرأس إن هم سجدوا
ولستُ أدري إذا إمامهم سلم كم كان ذلك العددُ
ويبدو أنه لك يكن صادقًا في دفاعه عن نفسه واقناعه للناس بعدم التعرض له لتخلفه عن صلاة الجماعة، فإنه كان لا
يصلى في بيته، إذ يقول بعض أصحابه: (كنا نكون عنده، فإذا حضرت الصلاة قمنا إليها، وجعلنا على ثيابه ترابًا حتى
ننظر هل يقوم يصلي، فكنا نعود والتراب بحاله وما صلى" هذا هو بشار بن برد الذي يسبح بشعره العلمانيون وأهل
الحداثة!! لذلك لا غرو أن يدافع عنه الزنادقة الجدد كأدونيس في كتابه الثابت والمتحول.. لا غرو أن يدافع عنه بشار
وحماد عجرد وأبي نواس وغيرهم من أهل الزندقة واﻟﻤﺠون والخلاعة. لا غرو أن تحصل جيهان صفوت زوجة الرئيس
الهالك أنور السادات على درجة العالمية من جامعة القاهرة بتقدير امتياز في رسالتها عن بشار بن برد شيخ الحداثة،
ذلك المعذب صاحب الفكر المستنير ضد السلطة الرجعية!! لاغرو أن يتغنى الزنادقة الجدد بشعر شيخ الحداثة والخلاعة
بشار بن برد الذي وضع اللبنات الأولى للزندقة وتسهيلها لدى عوام الناس عن طريق عذوبة شعره وتفننه في توليد
المعاني. بشار بن برد شاعر الخلاعة والتحريض على الفسوق هو القائل:
قد لا مني في خليلتي عُمَرُ واللومُ في غير كنهه ضجرُ
قال أفق قلتُ: لا. قال: بلى قد شاع في الناس منكما الخبرُ
ثم يتمادى في وصفه للقبلة واللمسة ودغدغة المشاعر:
حسبي وحسبُ الذي كلفتُ به مني ومنه الحديث والنظرُ
أو قبلة في خلال ذاك وما بأسٌ إذا لم تُحَلََّ لي الأزرُ
أو عضٌة في ذراعها ولها فوق ذراعي من عضّها أثرُ
أو لمسٌة دون مرطها بيدي والبابُ قد حال دونه السترُ
(9 )
والساقُ براقٌة مخلخلها أو مصُّ ريقٍ وقد علا البَهرُ
واسترخت الكفُّ للعراكِ وقا لت إيه عني والدمعُ منحدرُ
اﻧﻬضْ فما أنت كالذي زعموا أنت وربي مغاز ٌ ل أشرُ
يا ربّ خذ لي فقد ترى ضرعي ن فاسق ما به سَكرُ
فعلى هذا المنوال نسج بشار قصائده التي تحض على الفحش والرذيلة ورغم تلونه وتفلته كثيرًا من عقوبة الزندقة إلا
أنه شهد عليه شهود عدول أمام قضاة يحكمون بما أنزل الله وفي حضور خليفة المسلمين المهدي فأمر بضربه سبعين
سوطًا حتى هلك.. ولكن بقي شعره المفعم بالزندقة يتوارثه خفافيش الزندقة بغية تحقيق مآرﺑﻬم الخبيثة.. أقول: أود أن
أشير إلى أن هناك أديبًا وناقدًا كبيرًا قد حلل شعر بشار بن برد بطريقة علمية رائعة ألا وهو الدكتور نجيب محمد
البهبيتي أستاذ الأدب العربي بالقاهرة في كتابه الماتع (تاريخ الشعر العربي حتى أواخر القرن الثالث الهجري) وهو كتاب
عظيم الفائدة طبعته مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الكتاب العربي بلبنان.. ويعتبر الدكتور البهبيتي من أفضل من سبر غور
الشعر العربي القديم وخاصة شعر بشار بن برد بل إنه غاص في تحليل الصورة الشعرية لدى بشار وتحليل أوصافه
وتراكيب أبياته وقارﻧﻬا بصور شعراء سابقين بل إنه حطم أسطورة بشار بن برد الشعرية بالدليل.. تلكم الصورة التي
يتغنى ﺑﻬا الحدثيون ومن على شاكلتهم، أتمنى أن ينشر هذا الكتاب على نطاق واسع لكي تعم الفائدة ويميز القراء
الخبيث من الطيب.. صفوة القول في بشار بن برد: شاعر شعوبي حاقد كاره للعرب كرهًا شديدًا، يفتخر بالفرس
وبحضارﺗﻬم ويعتد ﺑﻬم اعتدادًا شديدًا.. كان يقدس النار.. هو من كبار الزنادقة كانت زندقته دينية وإن جمع في نفس
الوقت زندقة اجتماعية كما في هو ثابت في شعره من فسقه وفجوره، وإلحاده وكفره .. كان مستخفًا بالدين مضيعًا
للفروض.. وقد كان بصيرًا بالديانة الفارسية القديمة لدرجة أن صديقه في اﻟﻤﺠون حماد عجرد قال عنه: (إنه أعلم
بالزندقة من ماني) .. وقد زجره الخليفة المهدي عدة مرات لما بلغه عنه من شعر ماجن وما نسب إليه من زندقة..
ولكنه كان ينفي حتى شهد رجال عدول أمام الخليفة أنه زنديق فأمر بمحاكمته ومن ثم أمر بضربه سبعين سوطًا حتى
مات ورغم كل هذه الحقائق لم يزل الزناقدة الجدد يسبحون بشعره.. ولله في خلقه شؤون!!
رابعاً: الزنادقة الجدد مع مختارات من كتاباﺗﻬم :
لقد ابتلي هذا العصر بوجود مجموعة من الزنادقة الذين خرجوا من رحم المنظومات المعادية للإسلام وللأسف الشديد
فإﻧﻬم منتشرون في كثير من المناحي الحياتية ولهم صوت مسموع في وسائل الإعلام والأخطر من ذلك كله أﻧﻬم يعملون
في مجال تشكيل العقول وغسيل أمخاخ أجيال كاملة من المسلمين عبر مناصبهم في مجال التربية والتعليم على كافة
مستوياته.. من أمثال طه حسين الملقب بعميد الأدب العربي ظلمًا وزورًا.. ونجيب محفوظ صاحب رواية أولاد حارتنا
التي نال بسبب جائزة نوبل المشبوهة!! ومحمد أركون المولود عام ١٩٢٨ في منطقة القبائل بالجزائر.. وعزيز العظمة
وهو سوري لا يؤمن بأي دين. . ومحمد بنيس من مدينة فاس ولد عام ١٩٤٨ .. وبلند الحيدري ولد في بغداد عام
١٩٢٦ م وهو ملحد زنديق.. أدونيس: واسمه الحقيقي على أحمد سعيد أسبر ولد بقرية قصابين بسوريا عام ١٩٣٠ م.
اختار لنفسه اسم أدونيس وهي رمز لإله الخصب عند اليونان قديمًا .. ومعتقده القديم مذهب النصيرية ثم صار شيوعيًا
ثم تأمرك وصار لا دينيا ومن كبار الزنادقة.. أسس مجلة مواقف عام ١٩٦٨ م ..
ونختار ثلاثة من الزنادقة الجدد لنسلط الضوء على ما تفوح به أقلامهم من زندقة:
١) حسن حنفي : )
بطاقة تعريف: ولد حسن حنفي في القاهرة عام ١٩٣٥ م حصل على ليسانس الفلسفة عام ١٩٥٦ ثم شق تعليمه
الجامعي إلى أن حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عام ١٩٦٦ .. عين أستاذًا لتدريس الفلسفة في جامعة
(10 )
القاهرة.. شغل منصب السكرتير العام للجمعية الفلسفية المصرية.. يقدم نفسه على أنه صاحب مشروع اليسار
الإسلامي.. يؤمن بدبن إسلامي على الطريقة الماركسية يتلاعب بالألفاظ .. وخلاصة أفكار اليسار الإسلامي:
فخلاصة فكر هذه المدرسة (اليسار الإسلامي). أﻧﻬا امتداد للفكر الإعتزالي ومايسمى بالمدرسة الإصلاحية بزعامة
الأفغاني ومحمد عبده ومن رجال هذا التيار اليسار الإسلامي فتحي عثمان ومحمد عابد الجابري وغيرهم ويركز هذا
التيار على الثورة وابني الإشتراكية والعدل الإجتماعي وتجديد التراث وغير ذلك. ويعتبر حسن حنفي أن اليسار
الإسلامي هو النقد الذاتي للحركة الإسلامية وهو التيار المعارض والمصحح داخل هذه الحركة الإسلامية، كما أنه يجب
إخياء الجوانب الثورية في الدين وتأويل كل حدث على أنه ثورة. هذه خلاصة أفكار اليسار الإسلامي تلك المدرسة
التي يريد أن يفرضها علينا حسن حنفي ومن على شاكلته للأخذ بأيدي المسلمين للفوز بالسعادة الماركسية الحمراء
وللمزيد من الإيضاح سنلقي الضوء بعون الله تعالى على أهم ركائز فكر حسن حنفي التدميري وذلك من خلال قراءة
في كتابه (التراث والتجديد).. وقد اخترت هذا الكتاب بصفة خاصة عن سائر كتبه لأنه أوضح عبارة وأخطر طرحًا
في إفصاحه المباشر عن اطروحته اليسارية ولا تحتاج عباراته إلى تأويل أو غموض قد يحتاج إلى تفسير جلي.. ولكي لا
يتهمنا أحد بالتحامل على الدكتور حسن حنفي بزعم أننا نفسر أقواله بما لا تحتمل.. لذلك رشحت هذا الكتاب الذي
لم يتب مؤلفه حسن حنفي ولم يعلن ذلك على الملأ بل إنه يعتز به وينادي بكل مافيه.. هذا الكتاب يحتوي على أبرز
القضايا التي يدعو لها الدكتور حسن حنفي ويدندن حولها في كتبه ومقالاته وخاصة مؤلفه الضخم: (من العقيدة إلى
الثورة محاولة لإعادة أصول الدين).. وكتابه: (الدين والثورة في مصر).. وكتابه: (مقدمة في علم الإستغراب)..
وللكاتب مقالات أخرى في فلسفة اليسار الإسلامي غالبها يدور حول نفس الأفكار التي سنطرحها من خلال كتابه
التراث والتجديد في هذه المقالة وأهم هذه الأفكار الهدامة هي:
أو ً لا: العلمانية أساس الوحي :
وحول هذا العنوان يتساءل حسن حنفي ويفتري على الله الكذب ويقول: "فإن قيل إن التراث والتجديد سيؤدي حتمًا
إلى حركة علمانية وفي العلمانية قضاء على تراثنا القديم وموروثاتنا الروحية وآثارنا الدينية، قيل قد قد نشأت العلمانية
في الغرب إستجابة لدعوة طبيعية تقوم على أساس رفض الصور الخارجية وقسمة الحياة إلى قسمين واستغلال
المؤسسات الدينية للجماهير وتوطينها مع السلطة وحفاظها على الأنظمة القائمة نشأت العلمانية استردادًا للإنسان
لحريته في السلوك والتعبير وحريته في الفهم والإدراك ورفضه لكل أشكال الوصاية عليه ولأي سلطة فوقه إلا من سلطة
العقل والضمير، العلمانية إذن رجوع إلى المضمون دون الشكل وإلى الجوهر دون العرض، وإلى الصدق دون النفاق،
وإلى وحدة الإنسان دون ازدواجيته وإلى الإنسان دون غيره العلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في
جوهره والدونية طارئة عليه من صنع التاريخ، تظهر في لحظات تخلف اﻟﻤﺠتمعات وتوقفها عن التطور، وما شأننا
بالكهنوت والعلمانية ماهي إلا رفض له؟ العلمانية في تراثنا وواقعنا هي الأساس واﺗﻬامها باللادونية تبعية لفكر غريب
وتراث مغاير وحضارة أخرى" ونلاحظ في الفقرة السابقة بيانًا صريحًا لدعوة حسن حنفي الإلحادية.. فالصور الخارجية
المرفوضة هي: علم الغيب/الجنة/النار/الملائكة.. فالوحي أي القرآن أو الدين بصفة عامة اغتصب حق الإنسان في
السلوك والحرية حسب زعم حسن حنفي وأن العلمانية استردت هذا الحق المغصوب وأعادته للإنسان!! فالعلمانية
تؤدي إلى الصدق!! أما الدين والوحي والقرآن فيؤدي كل منهما إلى النفاق والكذب!! العلمانية ترفض أي أشكال
الوصاية على الإنسان والوصاية المقصودة هنا هي نصوص القرآن والدين بصفة عامة فالقرآن يضيق على تعبير وحرية
الإنسان كما أن هذه العلمانية ترفض أي سلطة- أي النص القرآني- أما العقل فهو وحده رب العلمانية وإلاهها..
ويخلص حنفي إلى أن العلمانية جوهر والدونية طارئة عليه فالدين من صنع التاريخ!! بمعنى أوضح فالقرآن والدين
الإسلامي نتاج بشري من صنع التاريخ ووليد ظروف اجتماعية متخلفة لأن الدين لايظهر إلا في مجتمعات متخلفة
توقفت عن التطور والعلمانية ترفض هذا الكهنوت – أي الدين- ثم بعد ذلك يقرر هذه الحتمية التاريخية التي لايعرفها
إلا حسن حنفي ومن على شاكلته: (العلمانية في تراثنا وواقعنا هي الأساس واﺗﻬامها باللادونية تبعية لفكر غريب
وتراث مغاير وحضارة أخرى)!! فأي دونية يقصد حسن حنفي؟!! أعتقد أنه يقصد أن العلمانية هي الدين لأﻧﻬا أساس
الوحي حسب زعمه!!
(11 )
ثانيًا: لفظ الجلالة (الله) وألفاظ (الرسول.. الدين الجنة.. النار. .إلخ) لم تعد عند حسن حنفي قادرة على التعبير عن
مضامينها:
لم تسلم شعائر الدين الإسلامي من طعنه، ولم يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حتى ذات الله واسمه الأعظم
من افتراءات أستاذ الفلسفة حيث يقول: "إن العلوم الأساسية في تراثنا القديم مازالت تعبر عن نفسها بالألفاظ
والمصطلحات التقليدية التي نشأت ﺑﻬا هذه العلوم والتي تقضي في الوقت نفسه على مضموﻧﻬا ودلالتها والتي تمنع أيضًا
إعادة فهمها وتطويرها، يسيطر على هذه اللغة القديمة الألفاظ والمصطلحات الدينية مثل: الله، الرسول، الدين، الجنة،
النار، الثواب، العقاب (..) هذه اللغة لم تعد قادرة على التعبير عن مضامينها المتجددة طبقًا لمتطلبات العصر نظرًا لطول
مصاحبتها للمعاني التقليدية الشائعة التي تريد التخلص منها، ومهما أعطيناها معاني جديدة فإﻧﻬا لن تؤدي غرضها
لسيادة المعنى العرفي الشائع على المعنى الإصطلاحي الجديد، ومن ثم أصبحت لغة عاجزة عن الأداء بمهمتها في التعبير
والإيصال" أقول: انظر إلى هذا الإفتراء وإلى هذه الجرأة الوقحة مع رب العزة سبحانه وتعالى، فلفظ الجلالة ما هو إلا
لفظ قاصر ليس له واقع ولا يعبر عن شئ والرسول والجنة والنار ماهي إلا ألفاظ جوفاء قاصرة لا تعبر عن واقع ولا
عن شئ بل يدعو حسن حنفي إلى التخلص منها أي رفض الدين جملة وتفصي ً لا!! فالأمر إذن دعوة للإلحاد بالمعنى
الفصيحح.
ثالثًا: لفظ الجلالة (الله) يحتوي على تناقض حسب افتراءات حسن حنفي:
فحاشا لله أن يحتوي اسمه الأعظم على تناقض.. يشرح حنفي أسباب قصور اللغة القديمة _أي النص القرآني_ فيقول:
"إﻧﻬا لغة إلهية تدور الألفاظ فيها حول "الله" ولو أنه يأخذ دلالات متعددة حسب كل علم، فهو "الشارع" في علم
أصول الفقه.. وهو "الحكيم" في علم أصول الدين، وهو "الواحد" في التصوف، لفظ "الله" يستعمله الجميع دون تحديد
سابق لمعنى اللفظ إن كان له معنى مستقل أو لما يقصده المتكلم من استعماله، بل إن لفظ "الله" يحتوي على تناقض
داخلي في استعماله باعتباره مادة لغوية لتحديد المعاني أو التصورات، مطلقًا يراد التعبير عنه بلفظ محدود" ويزيد حسن
حنفي شرحه للفظ الجلالة: "يعبر عن اقتضاء أو مطلب، ولا يعبر عن معين أي أنه صرخة وجودية، أكثر منه معنى
يمكن التعبير عنه بلفظ من اللغة أو بصور في العقل، وهو رد فعل على حالة نفسية أو عن إحساس أكثر منه تعبيرًا عن
قصد أو إيصال لمعنى معين، فكل ما نعتقده ثم نعظمه تعويضًا عن فقد، يكون في الحس الشعبي هو الله، وكل ما نصبو
إليه ولا نستطيع تحقيقه فهو أيضًا في الشعور الجماهيري هو الله، وكلما حصلنا على تجربة جمالية قلنا: الله! الله! وكلما
حفت بنا المصائب دعونا الله، وحلفنا له أيضًا بالله" وماذا بعد كل هذه الإفتراءات حول لفظ الجلالة؟! يخلص حنفي
إلى الآتي: "فالله لفظ نعبر به عن صرخات الألم وصيحات الفرح أي أنه تعبير أدبي أكثر منه وصفًا لواقع، وتعبير
إنشائي أكثر منه وصفًا خيرياً، وما زالت الإنسانية كلها تحاول البحث عن معنى للفظ الله" انظر إلى قوله (فما زالت
الإنسانية كلها).. فلماذا كلها وليس بعضها؟! فهل هذا خطاب علمي موضوعي لرجل يزعم أنه أفنى عمره في البحث
والتنقيب، فكأنه يخوفنا بتعميماته – الإنسانية كلها- لكن المسلمين وحتى أصحاب الديانات الأخرى ضد هذه
الأطروحة الإلحادية.. أليس المسلمون وأصحاب الديانات الأخرى من الإنسانية؟!.. بالطبع هذا هراء علمي! وهذه
طريقة الخطاب الماركسي في التعتيم والحتمية لإرهاب القارئ بأن ما يكتب مسلمة تاريخية!! وفي تطاوله المستمر على
لفظ الجلالة يقول حنفي: (فالله عند الجائع هو الرغيف، وعند المستعبد هو الحرية، وهند المظلوم هو العدل، وعند
المحروم عاطفيًا هو الحب، وعند المكبوت هو الإشباع، أي أنه في معظم الحالات صرخة المضطهدين، والله في مجتمع
يخرج من الخرافة هو العلم، وفي مجتمع آخر هو التقدم، فإذا كان الله هو أعز مالينا فهو الأرض، والتحرر، والتنمية،
والعدل، وإذا كان الله هو ما يقيم أودنا وأساس وجودنا ويحفظنا فهو الخبز، والرزق، والقوت، والإدارة، والحرية، وإذا
كان الله ما نلجأ إليه حين الضرر، وما نستعيذ به من الشرر فهو القوة والعتاد، والإستعداد، كل إنسان وكل جماعة
تسقط من احتياجاﺗﻬا علي، ويمكن التعرف على تاريخ احتياجات البشر بتتبع معاني لفظ "الله" على مختلف العصور
(..) ومن ثم فتوحيدنا هو لاهوت الأرض، ولا هوت الثورة، ولا هوت التنمية، ولا هوت النظام، ولا هوت التقدم،
كما هو الحال في العديد من الثقافات المعاصرة في البلاد النامية التي نحن جزء منها" أقول: هكذا يفتري هذا الرجل
(12 )
على الله تخرصًا ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا).. يفتري على اسم الله الأعظم.. تعالى الله عما يقول حنفي علوًا
كبيرًا.. أهذا ما يريد اليسار الإسلامي لديننا!! أهكذا يكتب رجل عن رب العزة سبحانه وتعالى.. بكل هذه الوقاحة!!
خبرونا إن لم يكن ما كتبه حسن حنفي في الفقرة السابقة إلحا
بقلم: د. هاني السباعي
تقدمة:
لغتنا الجميلة وأثرها في حماية العقيدة.. تحت ظل هذه العبارة كنت أتحاور مع أخ مكرم عن تلك العروس التي هجرها
خطاﺑﻬا رغم حسنها وجلالها، وحلاوة منطقها، وعذوبة حديثها، وفصاحة لساﻧﻬا، رغم أﻧﻬا سليلة الحسب والنسب،
كريمة القبيلة والعشيرة.. رغم كل هذا البيان لذات السحر الحلال.. هجرها خطاﺑﻬا!! وبينما كنا ﻧﻬيم بتلك العروس،
ونتجاذب أطراف الحديث، ونتناسل الأفكار عن عروسنا المصون، تلك التي صانت حمى العقيدة عبر العصور،
وتصدت لهجمات الزنادقة والملحدين، فكم من قلم جبار كسرته، وكم من لسان حاد أخرصته، وكم.. وكم!! وفي
فوران الشجون ذكرني صديقي أن عروسنا المصون منذ بضع سنين قد فقدت عاشقًا لطالما تغنى ﺑﻬا ونذر حياته للذب
عن حسنها وكريم معدﻧﻬا.. فقدت العروس عالم اللغة والبيان الدكتور مصطفى هدارة.. ذلك العالم الناقد البصير الذي
صان عرض اللغة العربية وتصدى لأقلام الزنادقة والملاحدة وأهل الانحراف.. رحل عن عالمنا في صمت ولم يعلم بوفاته
إلا قلة من غرباء هذا الزمان!! مر عامان على ذكراه ورحل عن دنيانا بعدما أثرى المكتبة العربية والإسلامية بكتاباته
وأبحاثه ومقالاته.. رحل صاحب (اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري).. فاسترجعت وصديقي رغم أننا لم
نستفق بعد حسرتنا لفراق فارس البيان وشيخ العربية في هذا العصر علامة الأدب الشيخ محمود شاكر.. ومرت
الذكرى.. والعروس تبكي فوارسها.. هكذا رحل فارسان من فوارس اللغة والبيان.. ومنذ شهرين .. تحديدًا في ١٥
شوال ١٤٢٣ ه رحل عالم دمشق المحقق اللغوي الفقيه الشافعي الشيخ العلامة عبد الغني علي الدقر مؤس جمعية
الغراء بسوريا وصاحب عدة كتب في اللغة والنحو والفقه منها معجم القواعد العربية في النحو وتحقيق وترتيب شرح
شذور الذهب وله مختصر تفسير الخازن ومؤلفات أخرى رحمه الله وقد رحل ولم ﺗﻬتم بموته وسائل الإعلام..
فإنا لله وإنا إليه راجعون.. فالمحن تترى وتتكاثر؛ محنة ودعت وأخرى أغارت!! فمن للزنادقة.. وفوارس البيان قد
غابوا؟!! ورغم سريان سموم الزندقة في حياتنا الإعلامية فلن يضر جسد لغتنا العربية المحفوظة بحفظ الله لها تلكم
السموم.. ورغم غياب الفوارس الذين كانوا يذبون عن لغتنا العربيةإلا أن رحم الأمة ولود والحمد لله.
فضل علماء اللغة في كشف زيغ الزنادقة :
وقد يعجب القارئ لحديثنا عن فضل علماء اللغة في حماية العقيدة!!
وقد يسأل سائل: وأين موقع علماء الأصول والحديث والفقه في حماية العقيدة؟!! نحن لا ننكر فضل هؤلاء جميعًا في
حماية العقيدة الإسلامية. فكل هؤلاء يقفون في جبهة الإسلام العريضة التي تسع الجميع.. فالإمام أحمد بن حنبل المتوفى
٢٤١ ه له كتاب ماتع في الرد على الزنادقة وخاصة في مجال الشبهات التي كانوا يثيروﻧﻬا حول تعارض آي القرآن..
والكتاب مطبوع بالعنوان التالي: (الرد على الزنادقة والجهمية) المطبعة السلفية بالقاهرة محقق في جزء واحد.. لكن
السبق لأهل اللغة في كشف الشعوبية والزندقة أمر لا ينكره علماء الأصول والحديث والفقه.. فرواد اللغة الأوائل لهم
(2 )
الفضل في كشف لحن القول ودحض شبه المبطلين.. لم لا؟!! مع التنبيه أن علماء اللغة والأدب قديمًا كانوا أهل حديث
وفقه وتاريخ لكن شهرﺗﻬم جاءت من خلال تخصصهم في كتب الأدب واللغة.. وقد حمل لواء هذه المعركة إمامان من
أئمة اللغة والبيان.
أما الأول: الجاحظ المعتزلي (ت ٢٥٥ ه).
وأما الثاني: هو خطيب أهل السنة ابن قتيبة ( ٢٧٦ ه).
أو ً لا: الجاحظ المعتزلي :
هو أبوعثمان عمرو بن بحر ولد في البصرة وقضى فيها أكثر عمره ولكنه في ٢٠٤ ه رحل إلى بغداد ثم علا نجمه لما
اتصل بوزير الخليفة المعتصم محمد بن عبد الملك الزيات فأصبح من الموسرين وذاع صيته في العالم الإسلامي .. ومن
أشهر كتبه: نظم القرآن ،البيان والتبيين، والحيوان، وفضيلة المعتزلة، والرد على اليهود، الرد على النصارى، البخلاء،
كتاب اللصوص وغيرها ذلك من كتب ورسائل.. ثم رجع إلى البصرة وهناك أصيب بشلل في جسده ومات في المحرم
سنة ٢٥٥ ه وعمره نحو ست وتسعين سنة. وقد: "تصدى الجاحظ وابن قتيبة لهذه الترعة الآثمة وردّا عليها ردًا عنيفًا،
أما الجاحظ فعقد في كتابه "البيان والتبيين" بابًا طوي ً لا سماه "كتاب العصا" صوّر فيه طعن الشعوبية على العرب في
خطاباﺗﻬم، إذ كانوا يشيرون فيها بالعصي والمخاصر، كما كانوا يتكئون على القسي، مما يصرف في رأي الشعوبيين
الخاطر ويشغل الذهن أثناء الخطابة.. وزعموا أن الفرس أخطب من العرب .. وكل ذلك نازعهم الجاحظ في عنف
شديد، ولكي يبلغ كل ما كان يريد إفحامهم ومقاومتهم جعل كتابه (البيان والتبيين) ردًا مفحمًا عليهم، إذ خصصه
لعرض الثقافة العربية الخالصة في صورها المختلفة من الخطابة والشعر والأمثال، كي يروا رؤية العين ما في هذه الثقافة
من قيم بلاغية وجمالية، فينتهوا عن مزاعمهم ويثوبوا إلى رشدهم" .
ثانيًا: ابن قتيبة السني :
هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، ولد بالكوفة سنة ٢١٣ ه ونشأ في بغداد وكان عالمًا بالفقه والتفسير
والحديث واللغة والنحو والأدب والتاريخ؛ ومن شيوخه اسحاق بن راهوية وأبو حاتم السجستاني وغيرهما. وقد تولى
القضاء في مدينة دينور لذلك سمي بالدينوري. . وقد كان خطيب أهل السنة شديداً على المعتزلة وهاجم النظام
والعلاف واﺗﻬم الجاحظ بأنه يؤللف الكتب للتسلية وليس لرفع شأن الدين، وله كتب عديدة منها: عيون الأخبار،
وأدب الكاتب، وكتاب مشكل القرآن، تأويل مختلف الحديث، كتاب المعارف، والشعر والشعراء وغيرها.. وكانت
وفاته في بغداد في أول رجب سنة ٢٧٦ ه. وقد ألف ابن قتيبة في الرد على الشعوبيين مبحثًا سماه "كتاب العرب أو
الرد على الشعوبية" وهو في مطالعه يذكر أن من أشد الشعوبيين عداوة للعرب قومًا من كتاب الدواوين امتعضوا
لآداب أقوامهم. . ويقول إﻧﻬم كانوا يُزرون على الحكم والأمثال العربية بما يروون عن الفرس واليونان من آداب
وعلوم. ولم يكتف بعنفه عليهم في هذا المبحث الطريف، فقد عنف ﺑﻬم في مقدمة كتابه (أدب الكاتب) مصورًا
قصورهم عن النهوض بوظيفتهم الأدبية في الدواوين لنقد ثقافتهم العربية. وقد حاول محاولة طريفة في كتابه "عيون
الأخيار" أن يجمع بين تلك الثقافة والثقافات الأجنبية ليبين أﻧﻬا كلها ضرورية ولاتعارض بينها بوجه من الوجوه مما
قضى على الشعوبية قضاءً مبرمًا" أقول: هكذا فطن أهل اللغة لخطورة دعوى الشعوبية التي كانت تحتقر العرب وتفضل
الفرس وتمجد لغتها على لغة العرب ولم تقتصر هذه الشعوبية على الفرس فقط بل امتدت إلى سائر الأمم التي أذعنت
للعرب كالزنج، والزط من أهل السند، وكالنبط والقبط والبربر وغيرهم. معنى ذلك أن النتيجة المنطقية لهذه الدعوى
الشعوبية هو احتقارهم لنبي العرب صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عليه قرآنًا عربيًا.. ومن ثم كانت الشعوبية
الوجه الآخر للزندقة فهما بحق وجهان لعملة واحدة.. ومن منطلق هذه التقدمة سأقصر حديثي حول النقاط التالية:
(3 )
أو ً لا: معنى الزندقة لغة.
ثانياً: متى وكيف ظهرت الزندقة في التاريخ الإسلامي.
ثالثا: الزنادقة الأوائل. مع مختارات من كتاباﺗﻬم وأشعارهم.
رابعًا: الزنادقة الجدد مع مختارات من كتاباﺗﻬم .
خامسًا: صفوة القول.
أو ً لا: معنى الزندقة لغة :
اختلف الباحثون في أصل هذه الكلمة "زندقة" لكن أقرب الأقوال إلى هذه الكلمة: "فارسي معرب عن زنديك فإ ّ ن
الكلمة كانت تطلق بمعناها الأصلي على المؤمن المخلص من أتباع ماني. ولما كان الزادشتية يعدون المانوية ملحدين
خارجين على الزرادشتية، فقد أطلقت عندهم على كل ملحد لا يؤمن بالدين الحق.
وفي ذلك يقول "براون" شارحًا له ومدل ً لا عليه: "كلمة زنديق صفة فارسية معناها متتبع الزند أي الشروح القديمة
للأفستا وهو كتاب زرادشت المفضل له على النص المقدس. وقد سمي المانوية زنادقة لميلهم إلى تأويل الكتب المقدسة
للديانات الأخرى وشرحها حسب آرائهم وأهوائهم" أقول: والذي يرجح أن أصلها فارسي معرب ما جاء في لسان
العربي لابن منظور: الزِّنْدِيقُ القائل ببقاء الدهر ، فارسي معرب، وهو بالفارسية : زَنْدِ كِرَايْ ، يقول بدوام بقاء الدهر.
والزَّنْدَقُة الضِّيقُ ، وقيل : الزِّنْدِيقُ منه لأنه ضيّق على نفسه. التهذيب : الزِّنْدِيقُ معروف، و زَنْدَقَتُه أنه لا يؤمن بالآخرة
ووَحْدانيّة الخالق . وقال أحمد بن يحيى : ليس زِنْدِيق ولا َفرْزِين من كلام العرب ، ثم قال؛ ولكن البَياذِقُة هم الرّجّالة ،
قال : وليس في كلام العرب زِنْدِيق ، وإنما تقول العرب رجل زَنْدَق و زَنْدَقِيّ إذا كان شديد البخل، فإذا أرادت
العرب معنى ما تقوله العامة قالوا : مُلْحِد ودَهْرِيّ ، فإذا أرادوا معنى السِّنِّ قالوا : دُهْرِيّ ، قال : وقال سيبويه الهاء في
زَنادِقة وَفرازِنة عوض من الياء في زِنْدِيق وَفرْزِين ، وأصله الزَّنادِيق الجوهري : الزِّنْدِيقُ من الثَّنَوِيَّة وهو معرب ، والجمع
الزَّنادِقة وقد تَزَنْدَقَ والاسم الزَّنْدَقة" وفي مختار الصحاح: "الزنديق م الثنوية وهو فارسي معرب وجمعه زنادقة وقد
تزندق والاسم الزندقة." وجاء أيضًا في محيط المحيط: " زندق - تزندق الرجل صار زنديقًا أو تخلق بأخلاق الزّنديق.
وقولهم من تمنطق تزندق أي من تعلَّم علم المنطق ﺗﻬوَّر في الزّندقة لأنهُ يتورَّط في الأقيسة والنتائج بما يُفسد العقائِد
الدينيَّة التي مدارها على التسليم .. رج ٌ ل زَنْدَقٌ وزَنْدَقيٌّ أي شديد البخل الزَّّندقة الاسم تزندق. يقال عندهُ زندقٌة ..
الزُّّنْدُوق لغٌة في الصندوق الزِّّنْدِيق من الثنويَّة أو القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبيَّة أو من يُبطِن
الكفر ويُظهِر الإيمان. ومنهُ قول الشاعر: بغداد دارٌ لأهل المال طيّبٌة وللمفاليس دار الضنك والضيقِ ظللتُ حيران
أمشي في أزِقَّتها كأنني مُصحفٌ في بيت زنديقِ معرَّب زَن دِين أي دِين المرأة ج زناديق زنادِقة. والتاءُ عوض الياء
المحذوفة. والزّنادقة في بعض ترجمات العهد الجديد هي تحريف الصدوقيّين نسبًة إلى صدوق الذي أنكر الروح والبعث
وغير ذلك. والزّنديق عند العامَّة من لا يراعي حرمًة ولا يحفظ مودًَة " وقد ورد هذا المعنى في قاموس "لاروس":
"الزندقة: ابطان الكفر وإظهار الإيمان: مذهب القائلين بدوام الدهر من أصحاب زرادشت" أقول: لكن هذا المعنى
تطور ولم يقتصر على أصحاب ماني لذلك يرى بعض المؤرخين أن للزندقة عدة معان تختلف باختلاف العصور.. "فقد
كان العرب يطلقون لفظ (زنديق) على من ينفي وجود الله سبحانه، أو يقول إن له شريكًا. وقيل: إن الزنديق مَنْ
يبطن الكفر ويظهر الإيمان.. وكان لفظ زنديق يطلق أول الأمر على كل من يتأثر بالفرس في عادﺗﻬم ويسرف في
العبث واﻟﻤﺠون، ثم صار يطلق بعد ذلك على كل من يتخذ عقائد المانوية شعارًا له، ويتمسك بعقيدة الثنوية، وعبادة
إلهين اثنين، واتباع تعاليم ماني. ثم توسعوا في العصر العباسي في إطلاق لفظ الزندقة، فأصبح يطلق على من ينكر
الألوهية، أو يتظاهر بالظرف" ويرى د.عبد الرحمن بدوي أن: "زنديق" لفظ غامض مشترك قد أطلق على معان عدة،
مختلفة فيما بينها على الرغم مما قد يجمع بينها من تشابه، فكان يطلق على من يؤمن بالمانوية ويثبت أصلين أزليين
للعالم: هما النور والظلمة. ثم اتسع المعنى من بعد اتساعًا كبيرًا حتى أطلق على من يكون مذهبه مخالفًا لمذهب أهل السنة
أو حتى من كان يحيا حياة اﻟﻤﺠون من الشعراء والكتاب ومن إليهم" الزندقة إذن: "حركة دينية سياسية، ابتغى أصحاﺑﻬا
(4 )
بعث الديانات الثنوية الفارسية، وكان أكثرهم يعتنقون المانوية خاصة، وكان أهل الإباحة منهم يتأثرون المزكية أيضًا.
وقد دبروا لطمس العقيدة الإسلامية، ونسف مُثل الأمة العربية، ليقوضوا الدولة الإسلامية، ويعيدوا الدولة الفارسية
الثنوية، وكان الزنادقة مخادعين أذكياء، ودُهاة خبثاء، فتستروا بالإسلام، وأسروا الكفر، إخفاء لعقائدهم، وتغطية
لأهدافهم، وتيسيرًا لعملهم، وكان رؤساؤهم وأتباعهم من الموالي الفرس، وكان شعراؤهم أهم من جد منهم في إحياء
تراثهم الديني ونشره، وأكبر من ّ لج منهم في تخريب الإسلام وﺗﻬديمه وأشهر من نشط منهم في تشويه الخلق العربي
وتحطيمه. واشتط في ذلك منهم الشعراء الموالي الكوفيين أكثر من البصريين، لأن الكوفة سبقت البصرة في الزندقة،
وفاقتها في الإباحة. وكان مطيع بن إياس وحماد عجرد .. أخطر الزنادقة من أهل الكوفة، وكان بشار بن برد، وصالح
بن عبد القدوس أخطر الزنادقة الموالي من أهل البصرة. وكان بجانبهم مجا ّ ن وفسقة وعصاة من الشعراء من أهل الكوفة
مثل أبي دلامة وعلي بن الخليل، ووالبة بن الحباب، ومن أهل البصرة سلم الخاسر وأبان بن عبد الحميد، وأبي نواس ..
وقد اﺗﻬموا جميعًا بالزندقة الدينية" .
التعريف المختار لمعنى كلمة الزندقة :
بعد هذا العرض السابق لتطور معنى الزندقة نرى أن كلمة زنديق تعني من أبطن الكفر وأظهر الإسلام سواء أكان هذا
الكفر المانوية أو الفرعونية أو الفينيقية أو البربرية أو النوبية أو العلمانية وغيرها من المذاهب أو النعرات أو القوميات
المناهضة والمناقضة للإسلام. فالجامع لهؤلاء هو إبطاﻧﻬم واخلاصهم له.. ورغم ذلك فإﻧﻬم يتمسكون بكلمة الإسلام إما
خشية انتقام الأمة منهم وإما خبثًا ليروجوا مذاهبهم وعقائدهم الباطلة تحت عباءة الإسلام.. وعلى أية حال فالزندقة
الحديثة أشد خطرًا على الإسلام وتعاليمه من الزندقة القديمة إذ كان للمسلمين دولة وخليفة وقضاة يحمون بيضة
الإسلام ويخشى سطوﺗﻬم الزنادقة قديمًا.. أما اليوم فلا يوجد للمسلمين دولة تذود عن عقيدﺗﻬم.. ووسائل الإعلام
المسعورة تتسابق على ﻧﻬش الإسلام ونشر غثاء الزنادقة الجدد.
ثانيًا: متى وكيف ظهرت الزندقة:
ذكر بعض المؤرخين والباحثين أن تاريخ محاكمة الزنادقة وتتبعهم منذ عهد الخلفاء العباسيين الأول؛ المهدي والهادي
والرشيد وسار على نفس الدرب المأمون والمعتصم. وقد حدد المستشرق "فيدا" بداية محاكمة الزنادقة من سنة ١٦٣
ه إلى سنة ١٧٠ ه أي في السنوات الأخيرة من خلافة المهدي وإبان خلافة الهادي. "ففي سنة ١٦٣ ه بدأت
حملة المهدي العنيفة على الزنادقة بأن أمر عبد الجبار المحتسب، والذي يلقبه صاحب الأغاني بلقب (صاحب الزنادقة)
بالقبض على الزنادقة الموجودين داخل البلاد. فقبض على من استطاع القبض عليه وأتوا به إلى الخليفة الذي كان
حينئذ في دابق، وأمر بقتل بعضهم وتمزيق كتبه. واستمر الخليفة في هذا الاضطهاد في السنوات التالية حتى بلغ
الاضطهاد غايته في الفترة ما بين ١٦٦ ه وسنة ١٧٠ ه وكان يقوم على أمر هذا الاضطهاد قضاة مخصوصون،
أشهرهم عبد الجبار الذي ذكرناه آنفًا، وعمر الكلوزي الذي عُين في سنة ١٦٧ ه، ثم محمد بن عيسى حمدويه الذي
خلف عمر" هكذا حدد المستشرق "فيْدا" بداية ظهور الزندقة إلى العلن وذلك بإعلان الخليفة المهدي الجهاد على
هؤلاء الزنادقة وكان الإعلان الرسمي للدولة في سنة ١٦٣ ه. أقول: لكن لنا تحفظات على ما ورد من استخدام بعض
الألفاظ في عبارة المستشرق فيدا: مثل قوله (بدأت حملة المهدي العنيفة).. وكذا تكرار كلمة (اضطهاد) التي توحي
بمعاناة الزنادقة وكأﻧﻬم تعرضوا لحملة جور وظلم من قبل دولة الخلافة!! وفيها أيضًا إيحاء بالعطف على هؤلاء
الزنادقة.. وكنا نود أن يعترض الدكتور عبد الرحمن بدوي على هذه الألفاظ وخاصة أنه ترجم هذا المقال الذي كتبه
فيدا إلى العربية.. فاضطهاد المهدي للزنادقة هو جهاد شرعي، وعنف المهدي مع الزنادقة من باب قوله تعالى (وليجدوا
فيكم غلظة).. ويرى بعض المؤرخين أن ظهور الزندقة كان قبل الخليفة المهدي أي في أواخر الخلافة الأموية.. فابن
النديم المتوفى ٣٨٠ ه ذكر أسماء رؤساء المانوية قبل الخلافة العباسية: "كان الجعد بن درهم الذي ينسب إليه مروان
بن محمد، فيقال مروان الجعدي، كان مؤدبًا له ولولده، فأدخله في الزندقة، وقتل الجعدَ هشامُ بن عبد الملك في خلافته،
(5 )
بعد أن طال حبسه في يد خالد بن عبدالله القسري، فيقال إن آل الجعد، رفعوا قصة إلى هشام يشكون ضعفهم، وطول
حبس الجعد، فقال هشام: أهو حي؟ وكتب إلى خالد في قتله، فقتله يوم أضحى وجعله بد ً لا من الأضحية بعد أن قال
ذلك على المنبر بأمر هشام" الشاهد من قول ابن النديم أن الزندقة كانت أيام الأمويين أيضًا وإن كنا لا نتفق معه في
رميه الخليفة الأموي مروان بن محمد بالزندقة لعدم وجود وثائق تاريخية تشير إلى زندقة هذا الخليفة.. ومثل هذه التهم
يجب الحذر منها لأﻧﻬا ﺗﻬم يشنها الخصوم للتشنيع بالآخرين بغية بناء حواجز نفسية لدى الغير بمجرد سماع مثل هذه
التهم!!
السبب في عدم ظهور الزندقة إلى العلن في عهد الأمويين :
لم تظهر الزندقة في اﻟﻤﺠتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري، لأن الخلافة الأموية كانت في أوج عزﺗﻬا وعنفوان قوﺗﻬا،
وكانت واقفة بالمرصاد لكل أصحاب الملل المناقضة للروح الإسلامية، لذلك فإن نشأة الزنادقة كانت في القرن الثاني
الهجري، وكان عددهم محدودًا ونشاطهم في غاية السرية. بالإضافة إلى أن قيام الدولة العباسية كان بسواعد الموالي
الفرس الذين قاتلوا مع العباسيين ضد الأمويين وكانوا سبب في القضاء على الدولة الأموية.. ومن ثم اعتمد عليهم
الخلفاء العباسيون ووثقوا ﺑﻬم وكافأوهم واستوزروهم واتخذوا منهم بطانة وقادة لجيوش المسلمين.. إلا أن فئة من
مفكريهم لم يلامس الإسلام شغاف قلوﺑﻬم وكانوا يحنقون على المسلمين بسبب ضياع ملك الأكاسرة على أيدي
المسلمين فأسلموا ظاهرًا وأبطنوا الكفر بغية تدمير دولة الخلافة من خلال نشر تعاليم ديانة الفرس القديمة مع
نشرالشبهات حول القرآن وفضل العرب ونشرالفساد والعبث واﻟﻤﺠون وإشاعة الإنحلال في اﻟﻤﺠتمع الإسلامي المتماسك
بالعقيدة الإسلامية.. هكذا كان الزنادقة في كمون أيام الأمويين ثم ظهروا إلى العلن أيام العباسيين واشتد أوار الزندقة
في القرن الثالث الهجري وظهر في منتصف هذا القرن ابن الريوندي وأبو عيسى الوراق والرازي وغيرهم!! وكان
صعود نجمهم في القرن الرابع الهجري لذلك لا عجب أن يؤلف المستشرق (آدم متز) كتابه الشهير (الحضارة الإسلامية
في القرن الرابع الهجري) وهو كتاب ترجمه للعربية الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده وطبعه دار الكتاب العربي
ببيروت والكتاب مطبوع في مجلدين..
ولعلنا نتساءل: لماذا اختار آدم متز القرن الرابع الهجري ليكون هو عصر النهضة في الإسلام؟! السبب أن الدولة
الإسلامية كانت في هذا القرن والذي قبله قد دب فيها الضعف والتشرذم وظهور دويلات مستقلة وانتشار المذاهب
الهدامة كالقرامطة الذين نشر الذعر والقتل في العالم الإسلامي واستباحوا قوافل الحجاج واقتلعوا الحجر الأسود من
الكعبة المشرفة الذي ردوه سنة ٣٣٩ ه .. هل هذه قمة الحضارة الإسلامية التي يقصدها آدم متز؟! وفي هذا القرن
ظهرت أفكار الإلحاد على نطاق واسع وظهر الزنادقة الكبار كالحلاج ت ٣٠٩ ه، والشلمغاني المعروف بابن أبي
العزاقر ت ٣٢٢ ه الذي كان يقول إن الله يحل في كل شئ.. وأن اللاهوتية اجتمعت في علي رضي الله عنه!! وقد
كان الشلمغاني وعصابته الحلولية: "يغتفرون ترك الصلاة والصيام والإغتسال؛ وكانوا لا يتناكحون على السنة، بل
يبيحون الفروج، ولا ينكرون أن يطلب أحدهم من صاحبه حرمته، وكانوا يرون أنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح
المفضول ليولج النور فيه" وإلى غير ذلك من لواط كما يفعل عبدة الشيطان في زماننا وكما يقول زنادقة الأدب من
كفريات في عصرنا الحالي!! وإذا كان القرن الرابع الهجري حسب مقياس متز هو قمة الحضارة الإسلامية فماذا عسانا
أن نسمي القرن الثاني الهجري وهو عصر المهدي والرشيد والمأمون والمعتصم ويتنهي بالمتوكل!! إذن هذه تقاسيم
تاريخية جائرة وغير موضوعية بل نشتم من تقويم هذه الحقب رائحة الخبث والتشويه!! وعلى أية حال فرغم تتبع
الخلفاء العباسيين للزنادقة ومحاكمتهم بموجب الشرع ومناظرﺗﻬم أمام كبار العلماء والقضاة حتى لا تكون لهم حجة.
رغم كل ذلك استمر الزنادقة جي ً لا تلو جيل يعيشون في ظلام التاريخ، ويشتد عودهم كلما ضعفت دولة الإسلام!
وأود أن أنبه على قضية هامة ألا وهي قد يظن ظان أن ظهورالزندقة والشعوبية في القرن الثاني الهجري وتتبع الخلفاء
العباسيين لهم ومحاكمتهم معنى ذلك أن اﻟﻤﺠمتمع الإسلامي كان يغلبه الزندقة والشعوبية وأنه كان مجتمعًا ملحدًا منحرفًا
يغلب عليه العبث واﻟﻤﺠون والإنحلال الإخلاقي.. بالطبع هذا تصور بعيد عن الواقع والحقائق االتاريخية، فاﻟﻤﺠتمع
(6 )
الإسلامي في القرن الثاني الهجري كان قريب من زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تزل روح الإسلامي هي
المرفرفة في سمائه وقد كان هناك الفقهاء وأهل الحديث والزهاد والعباد والجيوش المرابطة والجيوس التي تخرج إلى الغزو
في رحلتي الشتاء والصيف، وكانت هناك الفتوحات ودخول الناس في دين الله أفواجًا. لذلك من الخطأ أن يتبادر إلى
الذهن أن اﻟﻤﺠتمع الإسلامي في القرن الثاني الهجري كانت تشيع فيه روح الفساد والإنحراف .. فالزندقة والشعوبية
كانت في فئة خاصة من أبناء العجم الذين كانوا في تآمر دائم على دول الإسلام.. وأما الإنحراف واﻟﻤﺠون فقد كان
مقصورًا على طبقة مترفة، وكانت هذه الطبقة منبوذة لدى عامة الناس.
ثالثا: الزنادقة الأوائل مع مختارات من كتاباﺗﻬم وأشعارهم :
ذكر ابن النديم أسماء رؤساء الزنادقة: "ومن رؤسائهم المتكلمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الزندقة: ابن طالوت،
أبو شاكر، ابن أخي أبي شاكر، ابن الأعدى الحريزي، ونعمان بن أبي العوجاء، صالح بن عبد القدوس، ولهؤلاء كتب
مصنفة في نصرة الاثنين (النور والظلمة) ومن مذاهب أهلها وقد نقضوا كتبًا كثيرة صنفها المتكلمون في ذلك. ومن
الشعراء: بشار بن يرد، إسحاق بن خلف، ابن نباتة، سلم الخاسر، على بن الخليل، على بن ثابت، ومن تشهر أخيرًا
أبو عيسى الوراق، وأبو الناشي، والجبهان بن محمد بن أحمد" وذكر ابن النديم أيضًا من كان يُرمى بالزندقة من الملوك
والرؤساء: "قيل إن البرامكة بأسرها، إلا محمد بن خالد بن برمك، كانت زنادقة، وقيل في الفضل وأخيه الحسن مثل
ذلك، وكان محمد بن عبيد الله كاتب المهدي زنديقًا واعترف بذلك فقتله الخليفة المهدي" أقول: هكذا استبان لنا
خطر الزندقة لدرجة أﻧﻬم تغلغلوا في جهاز دولة الخلافة وصارت لهم مناصب كبيرة من رؤساء وشعراء!! ومن ثم لا
عجب أن يوصي الخليفة العباسي المهدي ( ت ١٦٩ ه) ولده موسى الهادي (ت ١٧٠ ه) بتتبع الزنادقة وجهادهم
وكشفهم والفتك ﺑﻬم.. حيث يقول الخليفة المهدي في وصيته:
وصية الخليفة المهدي :
"يا بني إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإﻧﻬا تدعوا الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب
الفواحش، والزهد في الدنيا، والعمل للآخرة، ثم تخرجها من هذا إلى تحريم اللحوم، ومسّ الماء الطهور، وترك قتل الهوام
تحرجًا، ثم تخرجها إلى عبادة: اثنين أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات، والاغتسال
بالبول، وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور، فارفع فيها الخشب، وجرّد السيف
فيها، وتقرّب بأمرها إلى الله. فإني رأيت جدي العباس رضي الله عنه في المنام قد قلدني سيفين لقتل أصحاب الاثنين"
بعد هذا التطواف نتكلم عن أهم رموز الزنادقة قديمًا نختار منهم: صالح بن عبد القدوس/ وبشار بن برد أما ابن
الريوندي فيحتاج إلى بحث خاص.
أو ً لا : صالح بن عبد القدوس :
هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس من أهل البصرة، كان يجلس للوعظ ويقص الأخبار. غير أنه
كان يزين الثنوية (دين الفرس القديم)، فلما اشتهر أمره استقدمه الخليفة المهدي، لكنه هرب إلى دمشق واستخفى ﺑﻬا
زمنًا فلما عرف المهدي مكانه، وجه إليه قريشًا الحنظلي فقبض عليه وجاء له إلى بغداد. فحاكمه المهدي ثم قتله سنة
١٦٧ ه. ويجمع الإخباريون أن صالح بن عبد القدوس كان من كبار الزنادقة وأنه كان من الثنوية من أتباع ماني..
وقد ذكره ابن النديم في معرض ذكره عن كبار الزنادقة: " ومن رؤسائهم المتكلمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون
الزندقة: ابن طالوت (..) وصالح بن عبد القدوس" وذكره الخطيب في تاريخه: " صالح بن عبد القدوس أبو الفضل
(7 )
البصري مولى لاسد أحد الشعراء اﺗﻬمه المهدى أمير المؤمنين بالزندقة فأمر بحمله اليه واحضره بين يديه فلما خاطبه
اعجب بغزارة ادبه وعلمه وبراعته وحسن بيانه وكثرة حكمته فأمر بتخلية سبيله فلما ولى رده وقال له:
ألست القائل والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد الى جهله كذى الضنى عاد الى نكثه
قال: بلى يا أمير المؤمنين. قال: فأنت لا تترك أخلاقك ونحن نحكم فيك بحكمك في نفسك ثم أمر به فقتل وصلب
على الجسر.. ويقال إن المهدى أبلغ عنه أبيات يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم فاحضره المهدى وقال له أنت
القائل هذه الأبيات قال لا والله يا أمير المؤمنين والله ما أشركت بالله طرفة عين فاتق الله ولا تسفك دمى على الشبهة
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات وجعل يتلو عليه القرآن حتى رق له وأمر بتخليته فلما ولى
قال أنشدنى قصيدتك السينية فأنشده حتى بلغ البيت أوله والشيخ لا يترك أخلاقه فأمر به حينئذ فقتل ويقال إنه كان
مشهورا بالزندقة وله مع أبي الهذيل العلاف مناظرات" قال عنه الذهبي في ميزان الإعتدال: (صاحب الفلسفة
والزندقة).. وذكر ابن المعتز سببًا لا عتقاله وهو أنه طعن على الرسول صلى الله عليه وسلم ورجح أن الخليفة هارون
الرشيد هو الذي قبض عليه وتولى محاكمته، وأمر بقتله، وإن كان معظم المؤرخين يرون أن المهدي هو الذي قتله ..
وعلى أية حال هم متفقون جميعًا على زندقة صالح بن عبد القدوس وأنه ألف كتبًا في نصرة المانوية وتصدى للمتكلمين
الذين كانوا يدافعون عن الإسلام.. المهم أن ابن المعتز تفرد ﺑﻬذه الرواية التي تثبت زندقة ابن عبد القدوس حيث يقول:
"حدثت من غير هذا الوجه بما هو عندي أثبت من الأول، وذلك ما رويناه أنه أﻧﻬي إلى الرشيد عنه هذه الأبيات،
يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم:
غصب المسكينَ زوجتَهُ فجرتْ عيناهُ من دُرَرهْ
ما قضى المسكينُ من وطرِ لا ولا المعشارَ من وطرهْ
عذتُ بالله اللطيف بنا أن يكو َ ن الجوْرُ من َقدَره
خلاصة القول في صالح بن عبد القدوس :
أنه كان زنديقًا زندقة دينية لا زندقة اجتماعية.. فلم تكن زندقته على سبيل اللهو والعبث واﻟﻤﺠون، بل كان يعتقد
تعاليم ماني الفارسية القديمة اعتقادًا صادقًا، وكان يومن بالإثنية والإمتزاج بين إله النور وإله الظلمة، وكان يتمسك
بنحلته وبمعتقده تمسكًا قويًا، ويدافع عنه دفاعًا مستميتاً.
ثانيًا: بشار بن برد (ت ١٦٧ ه) :
"أصل بشار بن برد من طخارستان في أقصى خراسان وقع جده يرجوخ في سبي المهلب بن أبي صفرة حينما كان واليًا
على خراسان ( ٧٨ إلى ٨٢ ه) فأهداه إلى امرأته خيرة بنت ضمرة القشيرية، وكانت تقيم بضيعة لها بالبصرة. ولما
وصل يرجوخ إلى البصرة كان معه طفل صغير اسمه بُرد. ولما بلغ برد مبلغ الرجال زوجته مولاته خيرة فتاة من بني
عقيل، فولد له بشار سنة ٩١ ه في الأغلب. ولد بشار أكمه (لا يبصر) ونشأ على الفقر وكان شريرًا. ثم بدأ قول
الشعر وهو لا يزال حدثًا وأخذ يهجو الناس. ويتم بشارٌ عن أبيه وهو بعد صغير. ثم قضى بشار معظم حياته في
البصرة وتلقى فيها ضروبًا من العلم تسرب إليه معها كثير من الزندقة .. فاﺗﻬم بالزندقة وبأن غزله فاحش يدعو إلى
الفسق ثم قتل في البصرة نحو ١٦٧ ه. كان بشار شعوبياً زنديقًا" .
(8 )
أقول: هذا هو بشار بن برد القائل:
إبليسُ أفض ُ ل من أبيكم آدم فتبينوا يا معشر الفجار
النارُ عنصره وآدم طينة والطين لا يسمو سمو النارِ
الأرضُ مظلمٌة والنارُ مشرقٌة والنارُ معبودٌة مذ كانت النار
بكل تبجح يقدم بشار إبليس على آدم عليه السلام لأن إبليس مخلوق من نار، ويرجح رأي إبليس في امتناعه من
السجود لآدم عليه السلام!! لذلك لما سمع واصل بن عطاء المعتزلي شعر بشار السابق قال: "أما لهذا الملحد الأعمى
المشنف المتكنى بأبي معاذ مَنْ يقتله؟ أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية (أي المانوية) لبعثت إليه مَنْ يبعج
بطنه على مضجعه، ويقتله في جوف مترله" يقول عنه عبد القاهر البغدادي: "وحكى أصحاب المقالات عن بشار أنه
ضمّ إلى ضلالته في تكفير الصحابة وتكفير عليّ معهم ضلالتين أخريين إحداهما قوله برجعة الأموات إلى الدنيا قبل يوم
القيامة كما ذهب إليه أصحاب الرجعة من الرافضة. والثانية قوله بتصويب إبليس في تفضيل النار على الأرض" قال
عنه الذهبي: "اﺗﻬم بالزندقة فضربه المهدي سبعين سوطًا ليقر فمات منها وقيل كان يفضل النار وينتصر لإبليس.. هلك
سنة سبع وستين (ومائة) وبلغ التسعين" أقول: هذا هو بشار بن برد الذي يهيم به العلمانيون!! لقد كان بشار بن برد
مستخفًا بالدين مضيعًا للفروض، إذ كان يدعي الخروج إلى الحج، لينفي ﺗﻬمة الزندقة عن نفسه، ثم يعود على الحانات،
فيقضي وقت الحج بين القيان والخمر، حتى إذا قربت عودة الحجيج حلق رأسه واندس بين القافلين المارين به، لكي لا
يشك الناس في أمره. كما كان يبيح لنفسه ترك الصلاة مع الجماعة، مدعيًا أنه لا يبصر ولا يتقن أداءها، إذ يقول:
وإنني في الصلاة أحضرها ضحكة أهل الصلاة إن شهدوا
أقعدُ في الصلاة إذا ركعوا وارفع الرأس إن هم سجدوا
ولستُ أدري إذا إمامهم سلم كم كان ذلك العددُ
ويبدو أنه لك يكن صادقًا في دفاعه عن نفسه واقناعه للناس بعدم التعرض له لتخلفه عن صلاة الجماعة، فإنه كان لا
يصلى في بيته، إذ يقول بعض أصحابه: (كنا نكون عنده، فإذا حضرت الصلاة قمنا إليها، وجعلنا على ثيابه ترابًا حتى
ننظر هل يقوم يصلي، فكنا نعود والتراب بحاله وما صلى" هذا هو بشار بن برد الذي يسبح بشعره العلمانيون وأهل
الحداثة!! لذلك لا غرو أن يدافع عنه الزنادقة الجدد كأدونيس في كتابه الثابت والمتحول.. لا غرو أن يدافع عنه بشار
وحماد عجرد وأبي نواس وغيرهم من أهل الزندقة واﻟﻤﺠون والخلاعة. لا غرو أن تحصل جيهان صفوت زوجة الرئيس
الهالك أنور السادات على درجة العالمية من جامعة القاهرة بتقدير امتياز في رسالتها عن بشار بن برد شيخ الحداثة،
ذلك المعذب صاحب الفكر المستنير ضد السلطة الرجعية!! لاغرو أن يتغنى الزنادقة الجدد بشعر شيخ الحداثة والخلاعة
بشار بن برد الذي وضع اللبنات الأولى للزندقة وتسهيلها لدى عوام الناس عن طريق عذوبة شعره وتفننه في توليد
المعاني. بشار بن برد شاعر الخلاعة والتحريض على الفسوق هو القائل:
قد لا مني في خليلتي عُمَرُ واللومُ في غير كنهه ضجرُ
قال أفق قلتُ: لا. قال: بلى قد شاع في الناس منكما الخبرُ
ثم يتمادى في وصفه للقبلة واللمسة ودغدغة المشاعر:
حسبي وحسبُ الذي كلفتُ به مني ومنه الحديث والنظرُ
أو قبلة في خلال ذاك وما بأسٌ إذا لم تُحَلََّ لي الأزرُ
أو عضٌة في ذراعها ولها فوق ذراعي من عضّها أثرُ
أو لمسٌة دون مرطها بيدي والبابُ قد حال دونه السترُ
(9 )
والساقُ براقٌة مخلخلها أو مصُّ ريقٍ وقد علا البَهرُ
واسترخت الكفُّ للعراكِ وقا لت إيه عني والدمعُ منحدرُ
اﻧﻬضْ فما أنت كالذي زعموا أنت وربي مغاز ٌ ل أشرُ
يا ربّ خذ لي فقد ترى ضرعي ن فاسق ما به سَكرُ
فعلى هذا المنوال نسج بشار قصائده التي تحض على الفحش والرذيلة ورغم تلونه وتفلته كثيرًا من عقوبة الزندقة إلا
أنه شهد عليه شهود عدول أمام قضاة يحكمون بما أنزل الله وفي حضور خليفة المسلمين المهدي فأمر بضربه سبعين
سوطًا حتى هلك.. ولكن بقي شعره المفعم بالزندقة يتوارثه خفافيش الزندقة بغية تحقيق مآرﺑﻬم الخبيثة.. أقول: أود أن
أشير إلى أن هناك أديبًا وناقدًا كبيرًا قد حلل شعر بشار بن برد بطريقة علمية رائعة ألا وهو الدكتور نجيب محمد
البهبيتي أستاذ الأدب العربي بالقاهرة في كتابه الماتع (تاريخ الشعر العربي حتى أواخر القرن الثالث الهجري) وهو كتاب
عظيم الفائدة طبعته مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الكتاب العربي بلبنان.. ويعتبر الدكتور البهبيتي من أفضل من سبر غور
الشعر العربي القديم وخاصة شعر بشار بن برد بل إنه غاص في تحليل الصورة الشعرية لدى بشار وتحليل أوصافه
وتراكيب أبياته وقارﻧﻬا بصور شعراء سابقين بل إنه حطم أسطورة بشار بن برد الشعرية بالدليل.. تلكم الصورة التي
يتغنى ﺑﻬا الحدثيون ومن على شاكلتهم، أتمنى أن ينشر هذا الكتاب على نطاق واسع لكي تعم الفائدة ويميز القراء
الخبيث من الطيب.. صفوة القول في بشار بن برد: شاعر شعوبي حاقد كاره للعرب كرهًا شديدًا، يفتخر بالفرس
وبحضارﺗﻬم ويعتد ﺑﻬم اعتدادًا شديدًا.. كان يقدس النار.. هو من كبار الزنادقة كانت زندقته دينية وإن جمع في نفس
الوقت زندقة اجتماعية كما في هو ثابت في شعره من فسقه وفجوره، وإلحاده وكفره .. كان مستخفًا بالدين مضيعًا
للفروض.. وقد كان بصيرًا بالديانة الفارسية القديمة لدرجة أن صديقه في اﻟﻤﺠون حماد عجرد قال عنه: (إنه أعلم
بالزندقة من ماني) .. وقد زجره الخليفة المهدي عدة مرات لما بلغه عنه من شعر ماجن وما نسب إليه من زندقة..
ولكنه كان ينفي حتى شهد رجال عدول أمام الخليفة أنه زنديق فأمر بمحاكمته ومن ثم أمر بضربه سبعين سوطًا حتى
مات ورغم كل هذه الحقائق لم يزل الزناقدة الجدد يسبحون بشعره.. ولله في خلقه شؤون!!
رابعاً: الزنادقة الجدد مع مختارات من كتاباﺗﻬم :
لقد ابتلي هذا العصر بوجود مجموعة من الزنادقة الذين خرجوا من رحم المنظومات المعادية للإسلام وللأسف الشديد
فإﻧﻬم منتشرون في كثير من المناحي الحياتية ولهم صوت مسموع في وسائل الإعلام والأخطر من ذلك كله أﻧﻬم يعملون
في مجال تشكيل العقول وغسيل أمخاخ أجيال كاملة من المسلمين عبر مناصبهم في مجال التربية والتعليم على كافة
مستوياته.. من أمثال طه حسين الملقب بعميد الأدب العربي ظلمًا وزورًا.. ونجيب محفوظ صاحب رواية أولاد حارتنا
التي نال بسبب جائزة نوبل المشبوهة!! ومحمد أركون المولود عام ١٩٢٨ في منطقة القبائل بالجزائر.. وعزيز العظمة
وهو سوري لا يؤمن بأي دين. . ومحمد بنيس من مدينة فاس ولد عام ١٩٤٨ .. وبلند الحيدري ولد في بغداد عام
١٩٢٦ م وهو ملحد زنديق.. أدونيس: واسمه الحقيقي على أحمد سعيد أسبر ولد بقرية قصابين بسوريا عام ١٩٣٠ م.
اختار لنفسه اسم أدونيس وهي رمز لإله الخصب عند اليونان قديمًا .. ومعتقده القديم مذهب النصيرية ثم صار شيوعيًا
ثم تأمرك وصار لا دينيا ومن كبار الزنادقة.. أسس مجلة مواقف عام ١٩٦٨ م ..
ونختار ثلاثة من الزنادقة الجدد لنسلط الضوء على ما تفوح به أقلامهم من زندقة:
١) حسن حنفي : )
بطاقة تعريف: ولد حسن حنفي في القاهرة عام ١٩٣٥ م حصل على ليسانس الفلسفة عام ١٩٥٦ ثم شق تعليمه
الجامعي إلى أن حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عام ١٩٦٦ .. عين أستاذًا لتدريس الفلسفة في جامعة
(10 )
القاهرة.. شغل منصب السكرتير العام للجمعية الفلسفية المصرية.. يقدم نفسه على أنه صاحب مشروع اليسار
الإسلامي.. يؤمن بدبن إسلامي على الطريقة الماركسية يتلاعب بالألفاظ .. وخلاصة أفكار اليسار الإسلامي:
فخلاصة فكر هذه المدرسة (اليسار الإسلامي). أﻧﻬا امتداد للفكر الإعتزالي ومايسمى بالمدرسة الإصلاحية بزعامة
الأفغاني ومحمد عبده ومن رجال هذا التيار اليسار الإسلامي فتحي عثمان ومحمد عابد الجابري وغيرهم ويركز هذا
التيار على الثورة وابني الإشتراكية والعدل الإجتماعي وتجديد التراث وغير ذلك. ويعتبر حسن حنفي أن اليسار
الإسلامي هو النقد الذاتي للحركة الإسلامية وهو التيار المعارض والمصحح داخل هذه الحركة الإسلامية، كما أنه يجب
إخياء الجوانب الثورية في الدين وتأويل كل حدث على أنه ثورة. هذه خلاصة أفكار اليسار الإسلامي تلك المدرسة
التي يريد أن يفرضها علينا حسن حنفي ومن على شاكلته للأخذ بأيدي المسلمين للفوز بالسعادة الماركسية الحمراء
وللمزيد من الإيضاح سنلقي الضوء بعون الله تعالى على أهم ركائز فكر حسن حنفي التدميري وذلك من خلال قراءة
في كتابه (التراث والتجديد).. وقد اخترت هذا الكتاب بصفة خاصة عن سائر كتبه لأنه أوضح عبارة وأخطر طرحًا
في إفصاحه المباشر عن اطروحته اليسارية ولا تحتاج عباراته إلى تأويل أو غموض قد يحتاج إلى تفسير جلي.. ولكي لا
يتهمنا أحد بالتحامل على الدكتور حسن حنفي بزعم أننا نفسر أقواله بما لا تحتمل.. لذلك رشحت هذا الكتاب الذي
لم يتب مؤلفه حسن حنفي ولم يعلن ذلك على الملأ بل إنه يعتز به وينادي بكل مافيه.. هذا الكتاب يحتوي على أبرز
القضايا التي يدعو لها الدكتور حسن حنفي ويدندن حولها في كتبه ومقالاته وخاصة مؤلفه الضخم: (من العقيدة إلى
الثورة محاولة لإعادة أصول الدين).. وكتابه: (الدين والثورة في مصر).. وكتابه: (مقدمة في علم الإستغراب)..
وللكاتب مقالات أخرى في فلسفة اليسار الإسلامي غالبها يدور حول نفس الأفكار التي سنطرحها من خلال كتابه
التراث والتجديد في هذه المقالة وأهم هذه الأفكار الهدامة هي:
أو ً لا: العلمانية أساس الوحي :
وحول هذا العنوان يتساءل حسن حنفي ويفتري على الله الكذب ويقول: "فإن قيل إن التراث والتجديد سيؤدي حتمًا
إلى حركة علمانية وفي العلمانية قضاء على تراثنا القديم وموروثاتنا الروحية وآثارنا الدينية، قيل قد قد نشأت العلمانية
في الغرب إستجابة لدعوة طبيعية تقوم على أساس رفض الصور الخارجية وقسمة الحياة إلى قسمين واستغلال
المؤسسات الدينية للجماهير وتوطينها مع السلطة وحفاظها على الأنظمة القائمة نشأت العلمانية استردادًا للإنسان
لحريته في السلوك والتعبير وحريته في الفهم والإدراك ورفضه لكل أشكال الوصاية عليه ولأي سلطة فوقه إلا من سلطة
العقل والضمير، العلمانية إذن رجوع إلى المضمون دون الشكل وإلى الجوهر دون العرض، وإلى الصدق دون النفاق،
وإلى وحدة الإنسان دون ازدواجيته وإلى الإنسان دون غيره العلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في
جوهره والدونية طارئة عليه من صنع التاريخ، تظهر في لحظات تخلف اﻟﻤﺠتمعات وتوقفها عن التطور، وما شأننا
بالكهنوت والعلمانية ماهي إلا رفض له؟ العلمانية في تراثنا وواقعنا هي الأساس واﺗﻬامها باللادونية تبعية لفكر غريب
وتراث مغاير وحضارة أخرى" ونلاحظ في الفقرة السابقة بيانًا صريحًا لدعوة حسن حنفي الإلحادية.. فالصور الخارجية
المرفوضة هي: علم الغيب/الجنة/النار/الملائكة.. فالوحي أي القرآن أو الدين بصفة عامة اغتصب حق الإنسان في
السلوك والحرية حسب زعم حسن حنفي وأن العلمانية استردت هذا الحق المغصوب وأعادته للإنسان!! فالعلمانية
تؤدي إلى الصدق!! أما الدين والوحي والقرآن فيؤدي كل منهما إلى النفاق والكذب!! العلمانية ترفض أي أشكال
الوصاية على الإنسان والوصاية المقصودة هنا هي نصوص القرآن والدين بصفة عامة فالقرآن يضيق على تعبير وحرية
الإنسان كما أن هذه العلمانية ترفض أي سلطة- أي النص القرآني- أما العقل فهو وحده رب العلمانية وإلاهها..
ويخلص حنفي إلى أن العلمانية جوهر والدونية طارئة عليه فالدين من صنع التاريخ!! بمعنى أوضح فالقرآن والدين
الإسلامي نتاج بشري من صنع التاريخ ووليد ظروف اجتماعية متخلفة لأن الدين لايظهر إلا في مجتمعات متخلفة
توقفت عن التطور والعلمانية ترفض هذا الكهنوت – أي الدين- ثم بعد ذلك يقرر هذه الحتمية التاريخية التي لايعرفها
إلا حسن حنفي ومن على شاكلته: (العلمانية في تراثنا وواقعنا هي الأساس واﺗﻬامها باللادونية تبعية لفكر غريب
وتراث مغاير وحضارة أخرى)!! فأي دونية يقصد حسن حنفي؟!! أعتقد أنه يقصد أن العلمانية هي الدين لأﻧﻬا أساس
الوحي حسب زعمه!!
(11 )
ثانيًا: لفظ الجلالة (الله) وألفاظ (الرسول.. الدين الجنة.. النار. .إلخ) لم تعد عند حسن حنفي قادرة على التعبير عن
مضامينها:
لم تسلم شعائر الدين الإسلامي من طعنه، ولم يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حتى ذات الله واسمه الأعظم
من افتراءات أستاذ الفلسفة حيث يقول: "إن العلوم الأساسية في تراثنا القديم مازالت تعبر عن نفسها بالألفاظ
والمصطلحات التقليدية التي نشأت ﺑﻬا هذه العلوم والتي تقضي في الوقت نفسه على مضموﻧﻬا ودلالتها والتي تمنع أيضًا
إعادة فهمها وتطويرها، يسيطر على هذه اللغة القديمة الألفاظ والمصطلحات الدينية مثل: الله، الرسول، الدين، الجنة،
النار، الثواب، العقاب (..) هذه اللغة لم تعد قادرة على التعبير عن مضامينها المتجددة طبقًا لمتطلبات العصر نظرًا لطول
مصاحبتها للمعاني التقليدية الشائعة التي تريد التخلص منها، ومهما أعطيناها معاني جديدة فإﻧﻬا لن تؤدي غرضها
لسيادة المعنى العرفي الشائع على المعنى الإصطلاحي الجديد، ومن ثم أصبحت لغة عاجزة عن الأداء بمهمتها في التعبير
والإيصال" أقول: انظر إلى هذا الإفتراء وإلى هذه الجرأة الوقحة مع رب العزة سبحانه وتعالى، فلفظ الجلالة ما هو إلا
لفظ قاصر ليس له واقع ولا يعبر عن شئ والرسول والجنة والنار ماهي إلا ألفاظ جوفاء قاصرة لا تعبر عن واقع ولا
عن شئ بل يدعو حسن حنفي إلى التخلص منها أي رفض الدين جملة وتفصي ً لا!! فالأمر إذن دعوة للإلحاد بالمعنى
الفصيحح.
ثالثًا: لفظ الجلالة (الله) يحتوي على تناقض حسب افتراءات حسن حنفي:
فحاشا لله أن يحتوي اسمه الأعظم على تناقض.. يشرح حنفي أسباب قصور اللغة القديمة _أي النص القرآني_ فيقول:
"إﻧﻬا لغة إلهية تدور الألفاظ فيها حول "الله" ولو أنه يأخذ دلالات متعددة حسب كل علم، فهو "الشارع" في علم
أصول الفقه.. وهو "الحكيم" في علم أصول الدين، وهو "الواحد" في التصوف، لفظ "الله" يستعمله الجميع دون تحديد
سابق لمعنى اللفظ إن كان له معنى مستقل أو لما يقصده المتكلم من استعماله، بل إن لفظ "الله" يحتوي على تناقض
داخلي في استعماله باعتباره مادة لغوية لتحديد المعاني أو التصورات، مطلقًا يراد التعبير عنه بلفظ محدود" ويزيد حسن
حنفي شرحه للفظ الجلالة: "يعبر عن اقتضاء أو مطلب، ولا يعبر عن معين أي أنه صرخة وجودية، أكثر منه معنى
يمكن التعبير عنه بلفظ من اللغة أو بصور في العقل، وهو رد فعل على حالة نفسية أو عن إحساس أكثر منه تعبيرًا عن
قصد أو إيصال لمعنى معين، فكل ما نعتقده ثم نعظمه تعويضًا عن فقد، يكون في الحس الشعبي هو الله، وكل ما نصبو
إليه ولا نستطيع تحقيقه فهو أيضًا في الشعور الجماهيري هو الله، وكلما حصلنا على تجربة جمالية قلنا: الله! الله! وكلما
حفت بنا المصائب دعونا الله، وحلفنا له أيضًا بالله" وماذا بعد كل هذه الإفتراءات حول لفظ الجلالة؟! يخلص حنفي
إلى الآتي: "فالله لفظ نعبر به عن صرخات الألم وصيحات الفرح أي أنه تعبير أدبي أكثر منه وصفًا لواقع، وتعبير
إنشائي أكثر منه وصفًا خيرياً، وما زالت الإنسانية كلها تحاول البحث عن معنى للفظ الله" انظر إلى قوله (فما زالت
الإنسانية كلها).. فلماذا كلها وليس بعضها؟! فهل هذا خطاب علمي موضوعي لرجل يزعم أنه أفنى عمره في البحث
والتنقيب، فكأنه يخوفنا بتعميماته – الإنسانية كلها- لكن المسلمين وحتى أصحاب الديانات الأخرى ضد هذه
الأطروحة الإلحادية.. أليس المسلمون وأصحاب الديانات الأخرى من الإنسانية؟!.. بالطبع هذا هراء علمي! وهذه
طريقة الخطاب الماركسي في التعتيم والحتمية لإرهاب القارئ بأن ما يكتب مسلمة تاريخية!! وفي تطاوله المستمر على
لفظ الجلالة يقول حنفي: (فالله عند الجائع هو الرغيف، وعند المستعبد هو الحرية، وهند المظلوم هو العدل، وعند
المحروم عاطفيًا هو الحب، وعند المكبوت هو الإشباع، أي أنه في معظم الحالات صرخة المضطهدين، والله في مجتمع
يخرج من الخرافة هو العلم، وفي مجتمع آخر هو التقدم، فإذا كان الله هو أعز مالينا فهو الأرض، والتحرر، والتنمية،
والعدل، وإذا كان الله هو ما يقيم أودنا وأساس وجودنا ويحفظنا فهو الخبز، والرزق، والقوت، والإدارة، والحرية، وإذا
كان الله ما نلجأ إليه حين الضرر، وما نستعيذ به من الشرر فهو القوة والعتاد، والإستعداد، كل إنسان وكل جماعة
تسقط من احتياجاﺗﻬا علي، ويمكن التعرف على تاريخ احتياجات البشر بتتبع معاني لفظ "الله" على مختلف العصور
(..) ومن ثم فتوحيدنا هو لاهوت الأرض، ولا هوت الثورة، ولا هوت التنمية، ولا هوت النظام، ولا هوت التقدم،
كما هو الحال في العديد من الثقافات المعاصرة في البلاد النامية التي نحن جزء منها" أقول: هكذا يفتري هذا الرجل
(12 )
على الله تخرصًا ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا).. يفتري على اسم الله الأعظم.. تعالى الله عما يقول حنفي علوًا
كبيرًا.. أهذا ما يريد اليسار الإسلامي لديننا!! أهكذا يكتب رجل عن رب العزة سبحانه وتعالى.. بكل هذه الوقاحة!!
خبرونا إن لم يكن ما كتبه حسن حنفي في الفقرة السابقة إلحا
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى