- إبراهيم جلالمشرف المرسى العام
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 535
نقاط تميز العضو : 116687
تاريخ التسجيل : 28/06/2009
العمر : 46
الإستئذان في القرآن الكريم
12/07/10, 07:02 am
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [سورة النور، الآية 27]
ورد في تفسير الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي :
فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا لَمَّا خَصَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ابْنَ آدَمَ الَّذِي كَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ بِالْمَنَازِلِ وَسَتَرَهُمْ فِيهَا عَنِ الْأَبْصَارِ ، وَمَلَّكَهُمْ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَحَجَرَ عَلَى الْخَلْقِ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ خَارِجٍ أَوْ يَلِجُوهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَرْبَابِهَا ، أَدَّبَهُمْ بِمَا يَرْجِعُ إِلَى السِّتْرِ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَطَّلِعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى عَوْرَةٍ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَيْسَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَإِنْ فَقَأَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ ، وَالْخَبَرُ مَنْسُوخٌ ، وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْوَعِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ ، وَالْخَبَرُ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ . وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ يُرِيدُ شَيْئًا آخَرَ ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ لَمَّا مَدَحَهُ قَالَ لِبِلَالٍ : قُمْ فَاقْطَعْ لِسَانَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقَطْعَ فِي الْحَقِيقَةِ . وَكَذَلِكَ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ فَقْءِ الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ عَمَلٌ حَتَّى لَا يَنْظُرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ ، عَلَى مَا يَأْتِي .
الثَّانِيَةُ : سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ ، وَغَيْرُهُ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَكُونُ فِي بَيْتِي عَلَى حَالٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي عَلَيْهَا أَحَدٌ ، لَا وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ فَيَأْتِي الْأَبُ فَيَدْخُلُ عَلَيَّ وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ ؟ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَرَأَيْتَ الْخَانَاتِ ، وَالْمَسَاكِنَ فِي طُرُقِ الشَّامِ لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ .
[ ص: 197 ] الثَّالِثَةُ : مَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّحْرِيمَ فِي دُخُولِ بَيْتٍ لَيْسَ هُوَ بَيْتَكَ إِلَى غَايَةٍ هِيَ الِاسْتِئْنَاسُ ، وَهُوَ الِاسْتِئْذَانُ . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ : الِاسْتِئْنَاسُ - فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الِاسْتِئْذَانُ ؛ وَكَذَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا . وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى تَسْتَأْنِسُوا تَسْتَعْلِمُوا ؛ أَيْ تَسْتَعْلِمُوا مَنْ فِي الْبَيْتِ . قَالَ مُجَاهِدٌ : بِالتَّنَحْنُحِ ، أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ ، وَيَتَأَنَّى قَدْرَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ شُعِرَ بِهِ ، وَيَدْخُلُ إِثْرَ ذَلِكَ . وَقَالَ مَعْنَاهُ الطَّبَرِيُّ ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا أَيْ عَلِمْتُمْ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
آنَسَتْ نَبْأَةً وَأَفْزَعَهَا الْقَنَّا صُ عَصْرًا وَقَدْ دَنَا الْإِمْسَاءُ
قُلْتُ : وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي سَوْرَةَ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا السَّلَامُ ، فَمَا الِاسْتِئْذَانُ ؟ قَالَ : يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِتَسْبِيحَةٍ ، وَتَكْبِيرَةٍ ، وَتَحْمِيدَةٍ ، وَيَتَنَحْنَحُ ، وَيُؤْذِنُ أَهْلَ الْبَيْتِ .
قُلْتُ : وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ غَيْرُ الِاسْتِئْذَانِ ؛ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَنْ وَافَقَهُ .
الرَّابِعَةُ : وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا خَطَأٌ أَوْ وَهْمٌ مِنَ الْكَاتِبِ ، إِنَّمَا هُوَ : حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا . وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ مَصَاحِفَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا قَدْ ثَبَتَ فِيهَا حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ فِيهَا مِنْ لَدُنْ مُدَّةِ عُثْمَانَ ، فَهِيَ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا . وَإِطْلَاقُ الْخَطَأِ وَالْوَهْمِ عَلَى الْكَاتِبِ فِي لَفْظٍ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ قَوْلٌ لَا يَصِحُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَقَدْ قَالَ : عَزَّ وَجَلَّ - : لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ؛ وَالْمَعْنَى : حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْنِسُوا حَكَاهُ أَبُو حَاتِمٍ . قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ . وَمِمَّا يَنْفِي هَذَا الْقَوْلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَغَيْرِهِ أَنَّ تَسْتَأْنِسُوا مُتَمَكِّنَةٌ فِي الْمَعْنَى ، بَيِّنَةُ الْوَجْهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ . وَقَدْ قَالَ عُمَرُ [ ص: 198 ] لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ وَعُمَرُ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الْغَرْفَةِ ، الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ طَلَبَ الْأُنْسَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يُخَطِّئُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصْحَابَ الرَّسُولِ فِي مِثْلِ هَذَا ؟ ! قُلْتُ : قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ ، وَتَكُونُ الْآيَةُ عَلَى بَابِهَا لَا تَقْدِيمَ فِيهَا وَلَا تَأْخِيرَ ، وَأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ سَلَّمَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْخَامِسَةُ : السُّنَّةُ فِي الِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ : الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ ، لَا أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَلَيْهَا ، إِلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ، فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَزِيدَ إِذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ . وَصُورَةُ الِاسْتِئْذَانِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ؛ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ دَخَلَ ، وَإِنْ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ انْصَرَفَ ، وَإِنْ سُكِتَ عَنْهُ اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا ؛ ثُمَّ يَنْصَرِفُ مِنْ بَعْدِ الثَّلَاثِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّ السُّنَّةَ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَشَهِدَ بِهِ لِأَبِي مُوسَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، ثُمَّ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ . وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ أَخْرَجَهُ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ ؛ فَإِنَّ فِيهِ : فَقَالَ : يَعْنِي عُمَرَ - مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا ؟ فَقُلْتُ : أَتَيْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَى بَابِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ . وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صُورَةِ الِاسْتِئْذَانِ فَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتٍ ، فَقَالَ : أَلِجُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَادِمِهِ : اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ - فَقَالَ لَهُ - قُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ؟ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، أَأَدْخُلُ ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ . وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمَةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا رَوْضَةُ : قُولِي لِهَذَا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَدْخُلُ ؟ . . . الْحَدِيثَ . وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ آذَتْهُ الرَّمْضَاءُ يَوْمًا فَأَتَى فُسْطَاطًا لِامْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ؟ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : ادْخُلْ بِسَلَامٍ ؛ فَأَعَادَ فَأَعَادَتْ ، فَقَالَ لَهَا : قُولِي ادْخُلْ . فَقَالَتْ ذَلِكَ فَدَخَلَ ؛ فَتَوَقَّفَ لَمَّا قَالَتْ : بِسَلَامٍ ؛ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ أَنْ تُرِيدَ بِسَلَامِكَ لَا بِشَخْصِكَ .
السَّادِسَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : إِنَّمَا خُصَّ الِاسْتِئْذَانُ بِثَلَاثٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْكَلَامِ إِذَا كُرِّرَ ثَلَاثًا سُمِعَ وَفُهِمَ ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى يُفْهَمَ [ ص: 199 ] عَنْهُ ، وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا . وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ هَذَا ؛ فَإِذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ظَهَرَ أَنَّ رَبَّ الْمَنْزِلِ لَا يُرِيدُ الْإِذْنَ ، أَوْ لَعَلَّهُ يَمْنَعُهُ مِنَ الْجَوَابِ عَنْهُ عُذْرٌ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ ؛ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَأْذِنِ أَنْ يَنْصَرِفَ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ قَدْ تُقْلِقُ رَبَّ الْمَنْزِلِ ، وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ الْإِلْحَاحُ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَمَّا كَانَ مَشْغُولًا بِهِ ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي أَيُّوبَ حِينَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُسْتَعْجِلًا فَقَالَ : لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ . . . الْحَدِيثَ . وَرَوَى عُقَيْلٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَمَّا سُنَّةُ التَّسْلِيمَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يَرُدُّوا ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يَرُدُّوا ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ فَلَمَّا فَقَدَ سَعْدٌ تَسْلِيمَهُ عَرَفَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ ؛ فَخَرَجَ سَعْدٌ فِي أَثَرِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ ، فَقَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نَسْتَكْثِرَ مِنْ تَسْلِيمِكَ ، وَقَدْ وَاللَّهِ سَمِعْنَا ؛ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ سَعْدٍ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَإِنَّمَا أُخِذَ التَّسْلِيمُ ثَلَاثًا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ ؛ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ يَقُولُ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنْزِلِنَا فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ فَرَدَّ سَعْدٌ رَدًّا خَفِيًّا ، قَالَ قَيْسٌ : فَقُلْتُ أَلَا تَأْذَنُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ فَقَالَ : ذَرْهُ يُكْثِرُ عَلَيْنَا مِنَ السَّلَامِ . . . الْحَدِيثَ ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ فِيهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَإِنَّمَا أُخِذَ التَّسْلِيمُ ثَلَاثًا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ ، وَابْنُ سَمَاعَةَ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرَا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ .
السَّابِعَةُ : رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ النَّاسُ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : وَذَلِكَ لِاتِّخَاذِ النَّاسِ الْأَبْوَابَ وَقَرْعَهَا ؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . رَوَى أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ .
الثَّامِنَةُ : فَإِنْ كَانَ الْبَابُ مَرْدُودًا فَلَهُ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ شَاءَ مِنْهُ وَيَسْتَأْذِنَ ، وَإِنْ شَاءَ دَقَّ الْبَابَ ؛ [ ص: 200 ] لِمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ عَلَى قُفِّ الْبِئْرِ فَمَدَّ رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ فَدَقَّ الْبَابَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِيذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ . هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، وَتَابَعَهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ؛ فَرَوَوْهُ جَمِيعًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِي مُوسَى . وَخَالَفَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو اللَّيْثِيُّ ، فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ ؛ وَإِسْنَادُهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
التَّاسِعَةُ : وَصِفَةُ الدَّقِّ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا بِحَيْثُ يُسْمَعُ ، وَلَا يُعَنَّفُ فِي ذَلِكَ ؛ فَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : كَانَتْ أَبْوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُقْرَعُ بِالْأَظَافِيرِ ؛ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ فِي جَامِعِهِ .
الْعَاشِرَةُ : رَوَى الصَّحِيحَانِ وَغَيْرُهُمَا ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْتُ : أَنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنَا أَنَا ! كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا كَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا لَا يَحْصُلُ بِهَا تَعْرِيفٌ ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبُو مُوسَى ؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الِاسْمِ إِسْقَاطُ كُلْفَةِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ . ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيَدْخُلُ عُمَرُ ؟ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، هَذَا أَبُو مُوسَى ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، هَذَا الْأَشْعَرِيُّ . . . الْحَدِيثَ .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : ذَكَرَ الْخَطِيبُ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ : قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَأَتَيْتُ مَنْزِلَ شُعْبَةَ فَدَقَقْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ : أَنَا ؛ فَقَالَ : يَا هَذَا ! مَا لِي صَدِيقٌ يُقَالُ لَهُ أَنَا ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : [ ص: 201 ] أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ لِي فَطَرَقْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْتُ : أَنَا ؛ فَقَالَ : أَنَا أَنَاكَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ قَوْلِي هَذَا ، أَوْ قَوْلَهُ هَذَا . وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دَقَقْتُ عَلَى عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ الْبَابَ فَقَالَ لِي : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْتُ أَنَا ؛ فَقَالَ : لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ الْخَطِيبُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمُحْسِنِ الْقَاضِيَ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَقَّ بَابَهُ فَقَالَ مَنْ ذَا ؟ فَقَالَ الَّذِي عَلَى الْبَابِ : أَنَا ، يَقُولُ الشَّيْخُ : أَنَا هَمٌّ دَقَّ .
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : ثُمَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فِي الِاسْتِئْذَانِ عُرْفُهُمْ فِي الْعِبَارَةِ ؛ كَمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ مُسْنَدًا عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ مَوْلَى أُمِّ مِسْكِينِ بِنْتِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : أَرْسَلَتْنِي مَوْلَاتِي إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَجَاءَ مَعِي ، فَلَمَّا قَامَ بِالْبَابِ قَالَ : أندر ؟ قَالَتْ : أندرون . وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ ( بَابُ الِاسْتِئْذَانِ بِالْفَارِسِيَّةِ ) . وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ : كَانَ الدَّرَاوَرْدِيُّ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ نَزَلَ الْمَدِينَةَ ، فَكَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ : أندرون ، فَلَقَّبَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الدَّرَاوَرْدِيَّ .
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : رَوَى أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَبَنٍ ، وَجَدَايَةٍ ، وَضَغَابِيسَ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَدَخَلْتُ وَلَمْ أُسَلِّمْ ، فَقَالَ : ارْجِعْ ، فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ . وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : مَنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالسَّلَامِ فَلَا تَأْذَنُوا لَهُ . وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : إِذَا قَالَ الرَّجُلُ أَدْخُلُ ؟ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقُلْ : لَا ، حَتَّى تَأْتِيَ بِالْمِفْتَاحِ ؛ فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَرُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَنَظَرَ إِلَى مَا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ : أَمَّا بِعَيْنِكَ فَقَدْ دَخَلْتَ ! وَأَمَّا بِإِسْتِكَ فَلَمْ تَدْخُلْ .
[ ص: 202 ] الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُ ؛ أَيْ إِذَا أُرْسِلَ إِلَيْهِ فَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ ، يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : فَإِنْ وَقَعَتِ الْعَيْنُ عَلَى الْعَيْنِ فَالسَّلَامُ قَدْ تَعَيَّنَ ، وَلَا تُعَدُّ رُؤْيَتُهُ إِذْنًا لَكَ فِي دُخُولِكَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَضَيْتَ حَقَّ السَّلَامِ لِأَنَّكَ الْوَارِدُ عَلَيْهِ تَقُولُ : أَدْخُلُ ؟ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا رَجَعْتَ .
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا إِنَّمَا هِيَ فِي بَيْتٍ لَيْسَ لَكَ ، فَأَمَّا بَيْتُكَ الَّذِي تَسْكُنُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَهْلُكَ فَلَا إِذْنَ عَلَيْهَا ، إِلَّا أَنَّكَ تُسَلِّمُ إِذَا دَخَلْتَ . قَالَ قَتَادَةُ : إِذَا دَخَلْتَ بَيْتَكَ فَسَلِّمْ عَلَى أَهْلِكَ ، فَهُمْ أَحَقُّ مَنْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِمْ . فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعَكَ أُمُّكَ ، أَوْ أُخْتُكَ فَقَالُوا : تَنَحْنَحْ ، وَاضْرِبْ بِرِجْلِكَ حَتَّى يَنْتَبِهَا لِدُخُولِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَهْلَ لَا حِشْمَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا . وَأَمَّا الْأُمُّ وَالْأُخْتُ فَقَدْ يَكُونَا عَلَى حَالَةٍ لَا تُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمَا فِيهَا . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ : وَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمَا . وَقَدْ رَوَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنِّي أَخْدُمُهَا ؟ قَالَ : اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا فَعَاوَدَهُ ثَلَاثًا ؛ قَالَ : أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً ؟ قَالَ : لَا ؛ قَالَ : فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ .
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : فَإِنْ دَخَلَ بَيْتَ نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ؛ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا ، مِنْ رَبِّنَا التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الْمُبَارَكَاتُ ، لِلَّهِ السَّلَامُ . رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ . وَقَالَ قَتَادَةُ : إِذَا دَخَلْتَ بَيْتًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ؛ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ . قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَالصَّحِيحُ تَرْكُ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قُلْتُ : قَوْلُ قَتَادَةَ حَسَنٌ .
المصدر :
المكتبة الإسلاميّة
على هذا الرابط :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
بسم الله الرحمن الرحيم
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [سورة النور، الآية 27]
ورد في تفسير الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي :
فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا لَمَّا خَصَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ابْنَ آدَمَ الَّذِي كَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ بِالْمَنَازِلِ وَسَتَرَهُمْ فِيهَا عَنِ الْأَبْصَارِ ، وَمَلَّكَهُمْ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَحَجَرَ عَلَى الْخَلْقِ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ خَارِجٍ أَوْ يَلِجُوهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَرْبَابِهَا ، أَدَّبَهُمْ بِمَا يَرْجِعُ إِلَى السِّتْرِ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَطَّلِعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى عَوْرَةٍ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَيْسَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَإِنْ فَقَأَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ ، وَالْخَبَرُ مَنْسُوخٌ ، وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْوَعِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ ، وَالْخَبَرُ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ . وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ يُرِيدُ شَيْئًا آخَرَ ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ لَمَّا مَدَحَهُ قَالَ لِبِلَالٍ : قُمْ فَاقْطَعْ لِسَانَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقَطْعَ فِي الْحَقِيقَةِ . وَكَذَلِكَ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ فَقْءِ الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ عَمَلٌ حَتَّى لَا يَنْظُرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ ، عَلَى مَا يَأْتِي .
الثَّانِيَةُ : سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ ، وَغَيْرُهُ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَكُونُ فِي بَيْتِي عَلَى حَالٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي عَلَيْهَا أَحَدٌ ، لَا وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ فَيَأْتِي الْأَبُ فَيَدْخُلُ عَلَيَّ وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ ؟ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَرَأَيْتَ الْخَانَاتِ ، وَالْمَسَاكِنَ فِي طُرُقِ الشَّامِ لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ .
[ ص: 197 ] الثَّالِثَةُ : مَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّحْرِيمَ فِي دُخُولِ بَيْتٍ لَيْسَ هُوَ بَيْتَكَ إِلَى غَايَةٍ هِيَ الِاسْتِئْنَاسُ ، وَهُوَ الِاسْتِئْذَانُ . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ : الِاسْتِئْنَاسُ - فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الِاسْتِئْذَانُ ؛ وَكَذَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا . وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى تَسْتَأْنِسُوا تَسْتَعْلِمُوا ؛ أَيْ تَسْتَعْلِمُوا مَنْ فِي الْبَيْتِ . قَالَ مُجَاهِدٌ : بِالتَّنَحْنُحِ ، أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ ، وَيَتَأَنَّى قَدْرَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ شُعِرَ بِهِ ، وَيَدْخُلُ إِثْرَ ذَلِكَ . وَقَالَ مَعْنَاهُ الطَّبَرِيُّ ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا أَيْ عَلِمْتُمْ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
آنَسَتْ نَبْأَةً وَأَفْزَعَهَا الْقَنَّا صُ عَصْرًا وَقَدْ دَنَا الْإِمْسَاءُ
قُلْتُ : وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي سَوْرَةَ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا السَّلَامُ ، فَمَا الِاسْتِئْذَانُ ؟ قَالَ : يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِتَسْبِيحَةٍ ، وَتَكْبِيرَةٍ ، وَتَحْمِيدَةٍ ، وَيَتَنَحْنَحُ ، وَيُؤْذِنُ أَهْلَ الْبَيْتِ .
قُلْتُ : وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ غَيْرُ الِاسْتِئْذَانِ ؛ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَنْ وَافَقَهُ .
الرَّابِعَةُ : وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا خَطَأٌ أَوْ وَهْمٌ مِنَ الْكَاتِبِ ، إِنَّمَا هُوَ : حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا . وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ مَصَاحِفَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا قَدْ ثَبَتَ فِيهَا حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ فِيهَا مِنْ لَدُنْ مُدَّةِ عُثْمَانَ ، فَهِيَ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا . وَإِطْلَاقُ الْخَطَأِ وَالْوَهْمِ عَلَى الْكَاتِبِ فِي لَفْظٍ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ قَوْلٌ لَا يَصِحُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَقَدْ قَالَ : عَزَّ وَجَلَّ - : لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ؛ وَالْمَعْنَى : حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْنِسُوا حَكَاهُ أَبُو حَاتِمٍ . قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ . وَمِمَّا يَنْفِي هَذَا الْقَوْلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَغَيْرِهِ أَنَّ تَسْتَأْنِسُوا مُتَمَكِّنَةٌ فِي الْمَعْنَى ، بَيِّنَةُ الْوَجْهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ . وَقَدْ قَالَ عُمَرُ [ ص: 198 ] لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ وَعُمَرُ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الْغَرْفَةِ ، الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ طَلَبَ الْأُنْسَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يُخَطِّئُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصْحَابَ الرَّسُولِ فِي مِثْلِ هَذَا ؟ ! قُلْتُ : قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ ، وَتَكُونُ الْآيَةُ عَلَى بَابِهَا لَا تَقْدِيمَ فِيهَا وَلَا تَأْخِيرَ ، وَأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ سَلَّمَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْخَامِسَةُ : السُّنَّةُ فِي الِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ : الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ ، لَا أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَلَيْهَا ، إِلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ، فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَزِيدَ إِذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ . وَصُورَةُ الِاسْتِئْذَانِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ؛ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ دَخَلَ ، وَإِنْ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ انْصَرَفَ ، وَإِنْ سُكِتَ عَنْهُ اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا ؛ ثُمَّ يَنْصَرِفُ مِنْ بَعْدِ الثَّلَاثِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّ السُّنَّةَ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَشَهِدَ بِهِ لِأَبِي مُوسَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، ثُمَّ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ . وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ أَخْرَجَهُ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ ؛ فَإِنَّ فِيهِ : فَقَالَ : يَعْنِي عُمَرَ - مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا ؟ فَقُلْتُ : أَتَيْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَى بَابِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ . وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صُورَةِ الِاسْتِئْذَانِ فَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتٍ ، فَقَالَ : أَلِجُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَادِمِهِ : اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ - فَقَالَ لَهُ - قُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ؟ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، أَأَدْخُلُ ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ . وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمَةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا رَوْضَةُ : قُولِي لِهَذَا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَدْخُلُ ؟ . . . الْحَدِيثَ . وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ آذَتْهُ الرَّمْضَاءُ يَوْمًا فَأَتَى فُسْطَاطًا لِامْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ؟ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : ادْخُلْ بِسَلَامٍ ؛ فَأَعَادَ فَأَعَادَتْ ، فَقَالَ لَهَا : قُولِي ادْخُلْ . فَقَالَتْ ذَلِكَ فَدَخَلَ ؛ فَتَوَقَّفَ لَمَّا قَالَتْ : بِسَلَامٍ ؛ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ أَنْ تُرِيدَ بِسَلَامِكَ لَا بِشَخْصِكَ .
السَّادِسَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : إِنَّمَا خُصَّ الِاسْتِئْذَانُ بِثَلَاثٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْكَلَامِ إِذَا كُرِّرَ ثَلَاثًا سُمِعَ وَفُهِمَ ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى يُفْهَمَ [ ص: 199 ] عَنْهُ ، وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا . وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ هَذَا ؛ فَإِذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ظَهَرَ أَنَّ رَبَّ الْمَنْزِلِ لَا يُرِيدُ الْإِذْنَ ، أَوْ لَعَلَّهُ يَمْنَعُهُ مِنَ الْجَوَابِ عَنْهُ عُذْرٌ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ ؛ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَأْذِنِ أَنْ يَنْصَرِفَ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ قَدْ تُقْلِقُ رَبَّ الْمَنْزِلِ ، وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ الْإِلْحَاحُ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَمَّا كَانَ مَشْغُولًا بِهِ ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي أَيُّوبَ حِينَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُسْتَعْجِلًا فَقَالَ : لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ . . . الْحَدِيثَ . وَرَوَى عُقَيْلٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَمَّا سُنَّةُ التَّسْلِيمَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يَرُدُّوا ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يَرُدُّوا ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ فَلَمَّا فَقَدَ سَعْدٌ تَسْلِيمَهُ عَرَفَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ ؛ فَخَرَجَ سَعْدٌ فِي أَثَرِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ ، فَقَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نَسْتَكْثِرَ مِنْ تَسْلِيمِكَ ، وَقَدْ وَاللَّهِ سَمِعْنَا ؛ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ سَعْدٍ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَإِنَّمَا أُخِذَ التَّسْلِيمُ ثَلَاثًا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ ؛ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ يَقُولُ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنْزِلِنَا فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ فَرَدَّ سَعْدٌ رَدًّا خَفِيًّا ، قَالَ قَيْسٌ : فَقُلْتُ أَلَا تَأْذَنُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ فَقَالَ : ذَرْهُ يُكْثِرُ عَلَيْنَا مِنَ السَّلَامِ . . . الْحَدِيثَ ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ فِيهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَإِنَّمَا أُخِذَ التَّسْلِيمُ ثَلَاثًا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ ، وَابْنُ سَمَاعَةَ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرَا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ .
السَّابِعَةُ : رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ النَّاسُ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : وَذَلِكَ لِاتِّخَاذِ النَّاسِ الْأَبْوَابَ وَقَرْعَهَا ؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . رَوَى أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ .
الثَّامِنَةُ : فَإِنْ كَانَ الْبَابُ مَرْدُودًا فَلَهُ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ شَاءَ مِنْهُ وَيَسْتَأْذِنَ ، وَإِنْ شَاءَ دَقَّ الْبَابَ ؛ [ ص: 200 ] لِمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ عَلَى قُفِّ الْبِئْرِ فَمَدَّ رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ فَدَقَّ الْبَابَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِيذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ . هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، وَتَابَعَهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ؛ فَرَوَوْهُ جَمِيعًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِي مُوسَى . وَخَالَفَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو اللَّيْثِيُّ ، فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ ؛ وَإِسْنَادُهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
التَّاسِعَةُ : وَصِفَةُ الدَّقِّ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا بِحَيْثُ يُسْمَعُ ، وَلَا يُعَنَّفُ فِي ذَلِكَ ؛ فَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : كَانَتْ أَبْوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُقْرَعُ بِالْأَظَافِيرِ ؛ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ فِي جَامِعِهِ .
الْعَاشِرَةُ : رَوَى الصَّحِيحَانِ وَغَيْرُهُمَا ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْتُ : أَنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنَا أَنَا ! كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا كَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا لَا يَحْصُلُ بِهَا تَعْرِيفٌ ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبُو مُوسَى ؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الِاسْمِ إِسْقَاطُ كُلْفَةِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ . ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيَدْخُلُ عُمَرُ ؟ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، هَذَا أَبُو مُوسَى ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، هَذَا الْأَشْعَرِيُّ . . . الْحَدِيثَ .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : ذَكَرَ الْخَطِيبُ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ : قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَأَتَيْتُ مَنْزِلَ شُعْبَةَ فَدَقَقْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ : أَنَا ؛ فَقَالَ : يَا هَذَا ! مَا لِي صَدِيقٌ يُقَالُ لَهُ أَنَا ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : [ ص: 201 ] أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ لِي فَطَرَقْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْتُ : أَنَا ؛ فَقَالَ : أَنَا أَنَاكَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ قَوْلِي هَذَا ، أَوْ قَوْلَهُ هَذَا . وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دَقَقْتُ عَلَى عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ الْبَابَ فَقَالَ لِي : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْتُ أَنَا ؛ فَقَالَ : لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ الْخَطِيبُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمُحْسِنِ الْقَاضِيَ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَقَّ بَابَهُ فَقَالَ مَنْ ذَا ؟ فَقَالَ الَّذِي عَلَى الْبَابِ : أَنَا ، يَقُولُ الشَّيْخُ : أَنَا هَمٌّ دَقَّ .
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : ثُمَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فِي الِاسْتِئْذَانِ عُرْفُهُمْ فِي الْعِبَارَةِ ؛ كَمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ مُسْنَدًا عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ مَوْلَى أُمِّ مِسْكِينِ بِنْتِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : أَرْسَلَتْنِي مَوْلَاتِي إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَجَاءَ مَعِي ، فَلَمَّا قَامَ بِالْبَابِ قَالَ : أندر ؟ قَالَتْ : أندرون . وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ ( بَابُ الِاسْتِئْذَانِ بِالْفَارِسِيَّةِ ) . وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ : كَانَ الدَّرَاوَرْدِيُّ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ نَزَلَ الْمَدِينَةَ ، فَكَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ : أندرون ، فَلَقَّبَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الدَّرَاوَرْدِيَّ .
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : رَوَى أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَبَنٍ ، وَجَدَايَةٍ ، وَضَغَابِيسَ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَدَخَلْتُ وَلَمْ أُسَلِّمْ ، فَقَالَ : ارْجِعْ ، فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ . وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : مَنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالسَّلَامِ فَلَا تَأْذَنُوا لَهُ . وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : إِذَا قَالَ الرَّجُلُ أَدْخُلُ ؟ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقُلْ : لَا ، حَتَّى تَأْتِيَ بِالْمِفْتَاحِ ؛ فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَرُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَنَظَرَ إِلَى مَا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ : أَمَّا بِعَيْنِكَ فَقَدْ دَخَلْتَ ! وَأَمَّا بِإِسْتِكَ فَلَمْ تَدْخُلْ .
[ ص: 202 ] الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُ ؛ أَيْ إِذَا أُرْسِلَ إِلَيْهِ فَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ ، يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : فَإِنْ وَقَعَتِ الْعَيْنُ عَلَى الْعَيْنِ فَالسَّلَامُ قَدْ تَعَيَّنَ ، وَلَا تُعَدُّ رُؤْيَتُهُ إِذْنًا لَكَ فِي دُخُولِكَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَضَيْتَ حَقَّ السَّلَامِ لِأَنَّكَ الْوَارِدُ عَلَيْهِ تَقُولُ : أَدْخُلُ ؟ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا رَجَعْتَ .
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا إِنَّمَا هِيَ فِي بَيْتٍ لَيْسَ لَكَ ، فَأَمَّا بَيْتُكَ الَّذِي تَسْكُنُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَهْلُكَ فَلَا إِذْنَ عَلَيْهَا ، إِلَّا أَنَّكَ تُسَلِّمُ إِذَا دَخَلْتَ . قَالَ قَتَادَةُ : إِذَا دَخَلْتَ بَيْتَكَ فَسَلِّمْ عَلَى أَهْلِكَ ، فَهُمْ أَحَقُّ مَنْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِمْ . فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعَكَ أُمُّكَ ، أَوْ أُخْتُكَ فَقَالُوا : تَنَحْنَحْ ، وَاضْرِبْ بِرِجْلِكَ حَتَّى يَنْتَبِهَا لِدُخُولِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَهْلَ لَا حِشْمَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا . وَأَمَّا الْأُمُّ وَالْأُخْتُ فَقَدْ يَكُونَا عَلَى حَالَةٍ لَا تُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمَا فِيهَا . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ : وَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمَا . وَقَدْ رَوَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنِّي أَخْدُمُهَا ؟ قَالَ : اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا فَعَاوَدَهُ ثَلَاثًا ؛ قَالَ : أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً ؟ قَالَ : لَا ؛ قَالَ : فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ .
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : فَإِنْ دَخَلَ بَيْتَ نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ؛ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا ، مِنْ رَبِّنَا التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الْمُبَارَكَاتُ ، لِلَّهِ السَّلَامُ . رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ . وَقَالَ قَتَادَةُ : إِذَا دَخَلْتَ بَيْتًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ؛ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ . قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَالصَّحِيحُ تَرْكُ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قُلْتُ : قَوْلُ قَتَادَةَ حَسَنٌ .
المصدر :
المكتبة الإسلاميّة
على هذا الرابط :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150694
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
رد: الإستئذان في القرآن الكريم
12/07/10, 02:36 pm
بارك الله بكم وجزاكم الله خيرا على الموضوع المفيد نفعنا الله بما اخترتم أستاذ إبراهيم جلال .
- foufou90مشرفة المرسى العام
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3749
نقاط تميز العضو : 148155
تاريخ التسجيل : 24/10/2009
العمر : 34
رد: الإستئذان في القرآن الكريم
06/11/10, 01:52 pm
جزاك الله كل الخير للموضوع القيم
انتقاء جيد وفي المستوى
بوركت جهودك
انتقاء جيد وفي المستوى
بوركت جهودك
- محمدمشرف مرسى الرياضة
- البلد :
عدد المساهمات : 7229
نقاط تميز العضو : 205023
تاريخ التسجيل : 10/12/2009
رد: الإستئذان في القرآن الكريم
06/11/10, 02:09 pm
اشتقنا لمواضيعكم القيمة استاذ ابراهيم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى