مرسى الباحثين العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
التعبير اللّغويّ والتواصل: Support
دخول

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 19 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 19 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد - 7229
7229 المساهمات
بتول - 4324
4324 المساهمات
3758 المساهمات
foufou90 - 3749
3749 المساهمات
1932 المساهمات
1408 المساهمات
1368 المساهمات
1037 المساهمات
973 المساهمات
535 المساهمات

اذهب الى الأسفل
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : التعبير اللّغويّ والتواصل: Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150694
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

التعبير اللّغويّ والتواصل: Empty التعبير اللّغويّ والتواصل:

09/01/10, 11:50 am
1.
1.1 التعبير / اللّغة:
علينا أن نحدِّد أوّلا مفهوم التعبيرٍ الذي يتعلّق الأمرُ به هنا ونتطلّع إلى تنظيم شؤونه: إنّه يخصّ التعبير اللّغويّ بالدرجة الأولى وكلّ ما يمكِن أن يوضَع في خانته، أي ما يتّخذ من اللّغة أداةً للتواصل والإفصاح والتأثير والإبداع الفنّي ثمّ يرِد في نمط المشافهة / المحادثة أو الكتابة، وباعتبار اللّغة نظامًا مِن الأدلّة والعلاقات والقواعد، وهو نظامٌ يتيح سبل تعلّمه لمَن يريد ذلك لأنّه ينطوي على ما من شأنه أن يُدرَس ويُدرَّس، وإذا اضطررنا في هذا المقام إلى ذكر الوحدات (اللّغويّة) فعلينا بالتنصيص على أنّها لا تتواجد إلاّ في نِطاق العِلاقات الّتي تربِطها بِغيرها مِن الوحدات التّابِعة لِنفس النّظام ، وتكون تلك العلاقات قابلة للضّبط والقيد أيضًا، ولا تتحدّد إلاّ بِاعتِبار وظيفتها ضِمن المَجموع. وعلى ضوء هذه العلاقات (الاختلافات) اللّغويّة يُفتَح سجلّ التواصل الذي لا بدّ أن يُعنى به أيضًا، مع أنّ التواصل يُدرَس في أقسامٍ ليست بالضرورة أقسامًا لغويّة ” لكن أبدًا لا يُحاوَل أن يوضع له نحوًا قائمًا “. فهكذا قد يكون التعبير أحد أهداف تدريس اللّغة لكنّه يُنشَّط كتمرين من أجل اكتساب اللّغة، فتبادل الأدوار الحادث بين اللّغة والتعبير يتيح لنا فرصة الفصل بين الاثنين فصلاً منهجيًّا ملزِمًا على أقلّ ما يُستطاع.
أمّا إذا أخذنا بفتح باب الموضوع على مصراعيه فإنّ التعبير يمتدّ إلى أنماطٍ ووسائلَ أخرى غير لغويّة (أو الطابع اللّغوي فيها لا يأتي إلاّ في العتبة يتردّد المرء في الإمساك بخيوطه) كالفنّ التشكيلي والرقص والتمثيل والسينما والموسيقى ..الخ؛ وهذا لا يعنينا هنا لحدّ الساعة على الرغم من اتصاله بالموضوع.
بيد أنّ التعبير اللّغويّ هو الآخر يأخذ أشكالاً هي في حدّ ذاتها ذات دلالات لا بدّ من الوقوف عند فحصها والتمييز بينها، وهذه الأشكال تمثّل أهميّة منفردة تُقدَّر بكونها قد تعكس أنواع الميول التي ينزع إليها المتعلِّمون عندما يتجه كلّ واحد منهم صوب الاختيار المناسِب الذي يراه لنفسه كفيلاً بالتعبير عن أغراضه؛ ويمكن أن تُدرَس أشكال التعبير من الناحية الفنية، كما يسلم الخوض في النواحي التي تجعل من أيِّ شكلٍ تعبيريٍّ قادرًا على الكشف عن المحتوى الثقافي المتعارَف به لدى جماعة ما وعن نمط التفكير السائد في أوساطها: فأن يعبِّر قومٌ بالأمثال على سبيل المثال ـ وهي شكلٌ من أشكال التعبير ـ من شأنه أن يعكِس قيمًا مجتمعيّة تمنح نماذج تعليميّة تحتِّم الوقوف عند فنيات هذا الشكل التعبيري ـ هذا جزءٌ ممّا يُقصَد بفنيات التعبير ـ؛ ثمّ إنّ لكون كلّ عصر له سماته التي تتحدد في ضوئها طبيعة النشاط البشري والحضاري: فدراسة الرواية ـ مع ما يكتنفها من التعقيد كظاهرة تعبيريّة ـ تستدعي النظر في الخلفيات التاريخيّة والفكرية التي فرضت وجودها كفنٍّ تعبيريٍ رائجٍ يمكن حصر زمانه بما له وبما عليه ..الخ. وخلال الرحلتين: التفكير الأزلي والارتباط التاريخي، تظلّ اللّغة الرفيق الملازِم لكلٍّ من الأمثال والرواية، يمكن للفرد أن يصوغ أفكاره باللّغة وفي القالب الذي يسعها وفي وسعه أن يركب مطيّته سواء كان مقالاً أم شعرًا أم قصّة أم خاطرة أم شيئًا آخر.
قد يُدرَج في مضامين هذه المادة ما يدعى بفنون التعبير فيُتعرَّض إليها من باب تسميتها والفصل في طبيعتها ومميّزاتها ولغتها وفي تاريخها وذكر بعض روادها، وإن كان التمييز بين كلّ فنٍّ وآخر يعتمد معايير هي مهمّة وفي حاجة إلى التناول؛ لكن هذا جانب نظري قد استوفته مواد تعليمية أخرى من أبوابٍ خاصّة بها، كما أنّ هذا قد يوقعنا في مأزق الخلط بين الأشكال التي يركَّز فيها على الفنيات الممكِّنة للتعبير، وبين ما يدعى الفنون الأدبية التي عرفها الأدب العربي تحت توصيات التفريق بين الشعر وأنواعه وأغراضه من جهة، والنثر وفنونه من جهة ثانية: كالمقال والنثر القصصيّ والخاطرة ..الخ، فمن الضرورة بمكان تقديم كلمة الفنيات على غيره من الاهتمامات المنصبّة على التعبير وما يمكن أن يقامَ مقامَ « فنونه » أو شيء من هذا القبيل. ثمّ إنّ ما يهمّنا في هذه المادة هو أن نربط بين مهارتين يحتاج إليهما التلميذ من أجل الاعتماد على نفسه في التحصيل العلمي في المقام الأوّل وفي مزاولة العمل المبني الأخذ والعطاء، وهما: التعبير والبحث. وفي رأينا ليس أفضل من ربط موضوع التعبير وفنياته وكذلك موضوع البحث وتقنياته بموضوع التواصل.
ثمّ إن الفنون الأدبيّة أكثر ما يُنظَر إليها هو باعتبارها فنونًا عاكِسة لعوالم عامّة وخاصّة وناقلة للأفكار والآراء والمشاعر التي تتّصل بأدباء قالوا أو كتبوا فيها ويُتعرَّض إليها على أساس أنّها نصوصٌ، وبهذا فقط سيتسنّى تخليص التعبير من مقام الفنّ الأدبيّ ليتعدّاه إلى التعبير اللّغويّ القابل للدراسة والتدريس.
وأفضل طريقة لتلخيص القضيّة هو أن يوضَع التعبير في شبكة علاقاتٍ تقول: « إنّ اللّغة ابتداء أربع مهارات هي: الاستماع، والحديث، والقراءة، والكتابة؛ والتعبير اللّغويّ، يرتبِط بمهارتيْ الحديث والكتابة فإذا ارتبط بالحديث يكون التعبير شفهيًّا، أمّا إذا ارتبط التعبير بالكتابة فهو التعبير الكتابيّ (التحريريّ) » .
2.1 التواصل:
ثمّة ما أسماه المختصّون في ظلّ تعليميّة اللّغات ـ وتحت تأثير كلٍّ من الدراسات الدلاليّة وفلسفة اللّغة، وبإيعازٍ من اللّسانيات الاجتماعيّة ـ بملكة التواصل (Compétence de communication)، وهي ما يجدُر أن يُترجَم في هذا السياق إلى ملكة التبليغ اللّغويّة التي من المؤسِف أن نجد البعض يلخِّصها في الملكة اللّغويّة البحتة في مقابل الأداء اللّغويّ الذي طالما غيِّب هو الآخر من ساحة الدراسات اللّغويّة ـ ولا سيّما إذا علمنا أنّ التعبير أداء ـ هذا ما عابه أحد الباحثين على نوام تشومسكي المفرِط في التجريد الذي يقصي العوامل الاجتماعية، ولجحوده لدورها في تدعيم ما أسماه هو الملكة اللّغويّة . كما نجد البعض الآخر يولي اهتمامًا كبيرًا وخاصًا لاكتساب الملكة اللغوية الاجتماعية (Compétence sociolinguistique) وكيفيات نقلها جيلاً بعد جيل باعتبارها تؤدّي دورَ الاحتفاظ على التجلّيات الاجتماعيّة للّغة.
1.2.1 تأثير التوليدية في انبثاق مفهوم التواصل:
لكن ليس من الحكمة إنكار أهميّة لسانيّات تشومسكي فيما تنهض به من مُهمّة وصف المَلَكة اللُّغويّة الخاصّة بِفردٍ معيّن، لا تِلك المُتعلِّقة بِاللُّغات في حدِّ ذاتِها وما يتجلّى فيها مِن المظاهِر السُّلوكيّة اللِّسانيّة، فلا يكفي عِند التّوليديِّين وصفُ اللُّغات فحسب، بل تمتدُّ نظراتُهم إلى مُحاولة تَفسير كيفيّة وسبب الواقِعة اللُّغويّة الّتي تحدث، أيْ تُجيب عن أسئلةٍ من جِنس كيف ؟ ولماذا ؟
ربط التوليديون الاقتصار على دراسة الملكة اللّغويّة بضرورة تحديد البنى النحويّة لكلّ لغة، وبالسعي ـ من جهة أخرى ـ إلى إثبات وجود نحو شامل. هذا، ثمّ إنّ أهمَّ ما عمَدت هذه النّظريّة إلى تنظيمه والّذي يَجِد ـ لا محالةَ ـ مكانه في تعليميّة اللّغات، ولا سيّما في الإحاطة بما يقوم عليه التعبير من كفاءتيْ الحديث والكتابة، هو الفِكرة القديمة الّتي تسلم بِوجود ما أشار إليه حنفي بن عيسى بِمُستوى المَعاني الكلّية والمُشكِّلة لِلبُنى العميقة. « فهذه البُنى الّتي تشترِك فيها البشريّةُ المُوظِّفة لِفِكرِها تُمثِّل العلاقات الثّابِتة الّتي تُعزِّزها المُقاربة القُدراتيّة الّتي يختصُّ بِها الإنسان والحادِثة بيْنما هو يُحاوِل استِيعاب الواقِع ذي المُستوى المُزدوج: المُتعلِّق بِالعالَم الحسّي لِلأشياء ـ موضوعات الواقِع المَحسوس، والعالَم المُجرَّد المُتَّصِل بِالأفكار ـ مَوضوعات الواقِع الفِكريّ » .
ويَحدث الاختِلافُ مِن لُغةٍ إلى أخرى على مُستوى البُنى السّطحيّة. والجميعُ يُمكِن تفسيرُه على غِرار صاحِب هذه العبارت بِواسِطة مُصطلحيّة يلمسلف: مُستوى التّعبير ومُستوى المَضمون أو ثُنائيّة دي سوسير (الكلام واللُّغة) الّتي يرجع إليه فضلُ السّبق إليها .
لا تَعتبِر النّظريّة التّوليديّة كمَوضوعٍ لِدراستِها تلك القواعِد النّحويّة الخاصّة، بل تلتمس موضوعَها في وصف الملكة اللُّغويّة وتحليلها. فيُؤدِّي بِذلك وصفُ اللُّغة مِن وجهةِ نظر اللّسانيات التّوليديّة إلى الإحاطة بِكلِّ هذه الجوانِب الأساسيّة: الوضع، والاستعمال الذي يقوم به المتحدِّثون، وطرق تعلّم وتعليم اللّغة. ممّا يستتبع بدورِه شموليّة الدِّراسة لِلُّغة الّتي تَفرِض إنجازًا مُنظِّمًا لثلاثةِ أنواعٍ مِن النّظريّات وهي كثيرًا ما تتداخل:
نظريّة المَلَكة اللُّغوية: معرفة الإنسان الضمنيّة بِاللّغة (قواعدها التي تتمّ بِها عمليّةُ التّكلُّم).
نظريّة الأداء اللُّغويّ.
نظريّة اكتِساب اللُّغة (خاصّةً عِندَ الطِّفل).
فَالنّظريّة الأولى يَنبغِي أنْ تَحتوي وصفَ مختلف العناصِر المُفسِّرة لِلمَلَكة اللُّغويّة بِاعتِبارها جملةً مِن المَعارِف اللُّغويّة الّتي استنبَطها المُتحدِّثُ بِأيّة لُغة، والّتي يَتمكّن عن طريقِها مِن بِناء واستيعاب ملفوظات لُغتِه. فهذه النّظريّة مِن شأنِها أنْ تُخبِرنا عن كلِّ القواعِد والوحدات والضّوابِط الّتي يتضمّنها نَحْوُ تِلك اللُّغة، وتوصَف بِداخِلها مختلفُ المُستويات اللُّغويّة الفنولوجيّة، المعجميّة، التّركيبيّة والدّلاليّة.
تَستعِين النّظريّة الثّانية ـ تحت ضُغوطٍ عِلميّة ولِدواعٍ عِمليّةٍ كذلِك ـ بِالتّجريد العقليّ المَحْض، أنْتج مَفاهيمَ مُجرَّدة مِثل: المُتحدِّث المِثاليّ والمُستمِع (المُخاطَب) المِثاليّ، ويتجسّدان كنَموذج في فردٍ واحِد، ويُصرَف ـ حسب النّظريّة التشومسكيّة ـ إلى مُتحدِّثٍ مُستمِعٍ مِثاليٍّ، لكن السّؤال الّذي يَطرَح نفسَه هو: هل يمكِن تحقيقُ في الواقِع هذا الفرد النّموذج ؟
إنّ الإنسان الذي قد اكتسب لغة ما، قادرٌ على أن ينتج جملَها وأن يتفهّمها، وهو أيضً قادرٌ على أن يحكم من خلال حدسه اللّغويّ على أصولية هذه الجمل . إذا أردت تعليمَ الطِّفلَ الحديث فلا تعتمِد كثيرًا التّنميط بواسطة الشّواهِد وتقييده بالمشهورة الّتي هدفها التّحفيظ. فهذا تجميد أكثر ممّا هو حمل على الإبداع، فلا بدّ أن يُعمَل التّفكير أكثر مِن التّذكير. وفق دلاليّة الطّرازيّة (الأصنافيّة) فهل الفِعل (جاء) كيّانٌ فرديٌّ أم هو مقولة جامِعة مانِعة ؟ فإذا أردنا القيّام بفعلٍ مثل (غنّى) فمقولة الفِعليّة (الحدثيّة) هي الّتي تكون قد فُعِّلت .
إنّ ممارستنا للّغة لا يُعدُّ نشاطًا تحليليًّا للّغة نفسها ولا مرتكِزًا على الشّعور أثناء إنتاجه. وإذا أمكن لنا ذكر الحدس الذّي بؤرته اللّغة، سيّما إذا كان الأمرُ يتعلّق بلغة الأمّ، فنجد الممارسة (سواء أثناء الإنتاج أم التّلقّي) متوفِّرة على الفور، مِن غير تدخّل التّحليل أو التّعليل . فالممارسة هنا أشبه ما تكون بالانقيّاد.
ثمّة مظهرٌ عظيم الشأن لمسار الاندماج الاجتماعيّ لدى الطّفل يقوم على اكتساب اللّغة التي تمكِّنه من التواصل مع غيره من أبناء المجموعة اللّغويّة التي ينشأ فيها: وهو المظهر الإبداعيّ، ولم يفت تشومسكي الالتفات إلى هذه المهمّة الخطيرة والممكِنة في الوقت نفسه إذ تجاوب معها تجاوبًا أثَّر في وعيه بكبر شأنها تأثيرًا قويًّا على تطوّر جوانب النحو التوليدي وتكاملها وانسجامها. بالتأكيد إنّ النظريّة اللّغويّة، عند تشومسكي، لا بدّ أن تُنبئَ بإمكانية تعلّم الطّفل، في ظرف سنوات معدودة، كيفيّة تمييزه بنى لغة أمّه النحوية عن غيرها. يذكر في إشارات عديدة وجود استعداد طبيعيّ وبيولوجيّ لاكتساب اللّسان تحدّد عدد الاختيارات التي تَمْثُل للطّفل عند اكتسابه للغة معيّنة. وهو ما يحمل على الاعتقاد بإمكان وجود نحو عالميّ يتحكّم في ذلك.
« إنّ هذا المظهر الإبداعيّ في استعمال اللّغة يتّصف بالمميّزات التّالية:
1. إنّ الاستعمال الطّبيعيّ للّغة هو استعمال تجديديّ وبمعنى آخر إنّ ما ننطق به، غالبا، في استعمالنا اللّغة استعمالا عفويّا هو ممّا لا شكّ فيه تعابير متجدّدة وليس، بالتّالي، ترديدا لما سبق أن سمعناه.
2. يمكن القول، بكثير من التّأكيد، إنّ استعمال اللّغة لا يخضع لأيّ مثير ملحوظ، خارجيّا كان أو داخليّا، بل هو متحرّر من كلّ ضابط. وفي ضوء هذه الملاحظة تعتبَر اللّغة أداة الفكر والتّعبير الذّاتيّيْن.
3. يُظهِر الاستعمال تماسك اللّغة وملاءمتها ظرف التّكلّم. والحقّ أنّ هذا التّماسك هو أحد مظاهر الكفاية اللّغويّة، إذ إنّ ما من تحليل آليّ يستطيع، في تقديرنا، تحليل هذا التّماسك الّذي نُلاحظه في اللّغة» .
2.2.1 التواصل بين المقاربة اللّفظيّة والمقاربة المفهوميّة:
لمّا كان التعبير محمولاً على أن يخضع للقوانين اللّغويّة ويتحقّق تحت إلحاح التواصل فلا يفوتنا التنويه هنا بما يُدعى المقاربة اللّفظيّة (Approche sémasiologique)، وهي التي تَهتمُّ بالكلِمات ـ مِن مَنظور نظريّة التواصل ـ وفي حُدود مَسعاها إلى تبريرِ المَلَكة المعجميّة (الإفراديّة) الّتي يَنطوِي عليها كلُّ مُتحدِّث. بيْنما تُولي المقاربة المفهوميّة (Approche onomasiologique) لِوحدتِها الأساسيّة (المفهوم) أهميّةً قصوى في إطار غاية هذه الأخيرة الرّامية إلى الإحاطة الشّامِلة والمُمكِنة بِالمَفاهيم ومَدى قُدرتِها على تَجسيد النّظريّات وتَنظيمها بِاعتِبار اللّفظ معبرًا. يتوفّر كلُّ مُتحدِّث بِغضّْ النّظر عن نوْع اللُّغة الّتي يَستعمِلها في تَواصُلِه مع غيره، على سِلسلة مُعيّنة مِن المَعارِف المُتعلِّقة بِلغتِه، تلك الّتي تُشكِّل جزءً هامًّا مِن القُدرات الإدراكيّة التّابِعة لِدماغه أو الفكر الإنساني البشري وهي ماهية وِراثيّة، حسْب نظريّة تشومكي، إذ أنّ مَن يتحدّث بِلُغةٍ مُعيّنةٍ يَدري على العُمومِ كيف يَستعمِلها لِلوُصول إلى أهدافٍ مُعيّنة. لِذا نَستطيع القولَ إنّ هذا الإنسانَ قد اكتَسب مَلَكة المُمارسة التّداولية (Competence pragramatique) تَتواءَم مَع ملَكَته اللُّغويّة الّتي تَختصُّ بِالنّحو (القواعد). فهكذا يتمُّ استِعمالُ كلّ لُغةٍ لِجُملة هذه المَباِدئ العامّة وكلّ بِطريقتِها الخاصّة. بِيد أنّ التّنوُّعات الّتي تَسمح بِها لا تَبتعِد كثيرًا عن الحُدود الضّيقة الّتي تَرسمُها تِلك اللُّغة. فتَضع النّظريّة التّبليغيّة، على ضوْء ما تقدّم، نصبَ عيْنها وصفَ المَعارِف المعجميّة الّتي هي في حَوْزة المُتحدِّثين، ويرمي ذلك الوصفُ إلى تَفسير نوع التّصرُّف الّذي يَصدُر عن هؤلاء المُتحدِّثين إزاءَ اختِيّاراتِهم المعجميّة، وما يجدر بهم أنْ يعلموه بِشأن الكلِمات الّتي وَقعت عليها تِلك الاختِيّارات مِن أجْل القُدرة على التّعبير كما يحْلو لَهم .
وهو ما يمكِّن من الاهتمام بالتواصل إلى جانب اللّغة ويعدِّل تراتبيّة قائمة على تقديم اللّغة بكلّ أصعِدتها ومستوياتها على التواصل بأهمّ سياقاته، ويُخرِج من نمطيّة العلاقات الكائنة بين المجالين، إذ يصبح الأمر يُفهَم على أنّه ثمّة لغة وهناك تواصل يوضعان في مرتبة واحِدة، فيبرح المرء التعريف المعهود « اللّغة أداة تواصل » وهو تعريف لا يكذِّبه أحد، لكنّه يهمّ المدرسة الوظيفيّة في وصف اللّغة، بيد أنّه لا يستجيب بالكامل لقضيّة تنوّع مقامات التعبير وثراء سجلاّته، لهذا نجد فئة من الباحثين الذين نظروا من زاوية تعليميّة اللّغات لا ينتصرون إلاّ لنسبيّته، بل يلومون البيداغوجيا التي كانت تقول بأسبقيّة تعليم اللّغة على إتاحة سبل التواصل، إذ كما أنّ للغة قواعد فللتواصل قواعده هي التي تكفِّل سبل وتعزِّز قواعد الاستعمال .
وإذا أردنا تكيِيف التّعليم بالأهداف للتّعليم بالكفاءات فينبغي « الاعتراف [ على عكس ما يعمد إليه بعضُ المدرِّسين ] أنّه لا يُكتفى لتعلّم اللّغة باكتساب الكفاءات الأربع، أي: فهم الجُمل، والتّلفّظ بها، وقراءتها، وكتابتها فحسب، لكن الأمر يتوقّف أيضًا على معرفة الكيفيّة الّتي تُستعمَل بها تِلك الجُمل لأغراضٍ تبليغيّة » . والكيفيّة تقتضي الاعتداد بمتغيِّرات تجعل من المحيط أحد الأبعاد المعتبَرة.
يُفضَّل هنا ألاّ يُستنتَج ممّا سبق أنّ للتواصل بنى خالصة ومتميِّزة تنفصل عن اللّغة انفصالاً كاملاً: فمثل هذه المقاربة مغالِطة، ولا يهمّنا كثيرًا في هذا المقام أن نثبت وجود تلك البنى أو ننفيه ـ فالمحاضرة لا تتّسع لهذا الموضوع ـ بقدر ما نرغب في وضع الإصبع على التفاعل الناشئ والمستمرّ بين اللّغة والتواصل وهو تفاعلٌ من شأن هذه المقاربة أن تُضعِفه، وبالعكس من ذلك على المعلِّم أن يفسح المجال أمامه. وإذا أردنا مسايرة منطق العلاقات المنطقيّة فنقول إنّ التعبير اللّغوي يشمل اللّغة ويشمله التواصل.
وهذه جزئيّة تعتريها علامات التقهقر الذي يأباه أيّ تحليل جدير بهذه التسمية، إذ تحمل معها ما يدعو في الظاهر إلى إعادة إقامة اللّغة مقام التواصل، وهو تجاوز في حقّ هذا الأخير خطير، ولردّ هذا المأزق المحتمَل ينبغي فحص الموضوع في النطاق الذي تسوء فيه الأوضاع ويحسّ المرء إزاءه أنّ الأمور تستعصي على التقدّم: كيف بإمكان الواحد الأخذ بيد المتعلِّم للخروج من مجرّد تخزين المعرفة اللّسانيّة ومن المعلومات التي تخصّ عمل هذه المعرفة في التواصل إلى الاستعمال العملي لتلك المعرفة في المواقِف المتنوِّعة وغير المتوقَّعة للتواصل ؟ هذا التساؤل راود الكثير من الباحثين ، وإنّ الاشتغال عليه هو المقصود بعينه بالبحث عمّا يميِّز التواصل.
ومن غير المؤسَّس أيضًا زعم إنشاء علاقات تناظريّة مطَّردة بين التواصل واللّغة، فكلمة (شكرًا) تدلّ على الثناء وعلى المطالبة بمغادرة المكان ونهاية المشوار أو الرغبة في وضع حدٍّ لحديث، بل تدلّ أحيانًا على الذمّ والتأنيب؛ وهي كلّها مواقف تواصليّة مختلفة تتراكم في أسلوبٍ أدته في مثالنا كلمة واحدة يمكن ـ من جهةٍ محاولة تفهّم ذلك الزعم (التناظر) ـ الحفر فيها وفي مجاري دلالاتها المختلفة، لبعث المتراكم ونفض الغبار عن المدفون وتلمّس المحذوفات وإقامة التعليلات، وعقد التواصل بها يفرض قرائن (سياق الأحوال) تؤدّي أدوارًا كفيلة بإعادة الاعتبار لما ضيِّق من هامشه وهي بدائل تتخبّط الدلالات دونها، ومقامات التواصل هي التي تبرهن على أننا ” لا نقول كلامًا فحسب بل نعني ما نقول “ وهذا كلُّه سيظلّ يعيش في ذاكرة الكلمة ضف إلى ذلك إمكانيّة استغلال قوة شخصيّة القائل أو ضعفها، ومراعاة ما يمتدّ إلى أذن السامع من الصوت الذي يأتي في نغمات ولهجات طبيعيّة أو أقنعةٍ ولتفادي الاعتقاد أنّنا بصدد حصر التواصل في القضايا المتعلِّقة بحسن الآداب وقوانينه الاجتماعيّة نقول على غرار ما تخوّف منه كتّاب ” Apprentissage linguistique et communication “ في حال تركيزهم ـ أثناء مناشدتهم الجاليات المغتربة إلى تعلّم التواصل ـ على أمثلة مستقاة أسباب اللياقة في الحديث إنّ الهدف من ذلك ليس تعليم العمال سبل الالتزام بالسلوك العمليّ اللاّئق بقدر ما تسهر على تلقين إجادة ” فنّ “ التبادلات الكلاميّة .
2. التعبير وكفاءتيْ الحديث والكتابة:
1.2 الكفاءة ممارسة:
في البداية نشير إلى أنّ مفهوم (Compétence) المصوغ بالفرنسيّة والذي يأتي بالإنجليزيّة مرّة تحت تسمية (Competence) ومرّة أخرى تحت تسمية (Skill)، تُطلَق عليه في اللّغة العربيّة عدّة مقابلات نذكر منها مصطلحيْ (مهارة) و(قدرة) إلى جانب مصطلح (كفاءة)، ولا بدّ من الحرص على التمييز بينها ولا سيّما في حقل البيداغوجيا ، ويجدر التذكير هنا بما جاء في مقدِّمة هذا المدخل من ضرورة تناول التعبير وفنياته على ضوء تعليميّة اللّغات التي تصنِّفه في بوتقة الكفاءات / المهارات اللّغويّة الأربع، أي: الاستماع / الفهم، والحديث، والقراءة، والكتابة وكما جاء في (1.1 التعبير / اللّغة)، إليك هذا المقتبَس الذي نوضِّح أيضًا على ضوئه فاعلية هذا التقسيم:
« فالمهارات بأنواعها تُكتسب بعد الممارسة والتحصيل، لأنّه لا مهارة دون عمل أو أداء، سواء أكان هذا الأداء نظريًّا كالقراءة أم عمليًّا كالتدريب، والمهارة اللّغويّة تدخل ضمن هذه المهارات المختلفة، وترتبط بها وجوبًا المهارة العقليّة، لأنّ المهارات اللّغويّة بأنواعها تتطلّب استخدام العقل، فإذا قلنا أنّ اللّغة عمليّة إرسال واستقبال، فإنّ الإرسال يتضمّن الكلام أو الكتابة وكلاهما يحتاج إلى تفكير فيما يقال وفيما يراد كتابته، كذلك الاستقبال الذي يتكون من الاستماع والرؤية والقراءة، وكلٌّ منها يتدخّل العقل في ترتيب مكوّناتها، لذا يجب ألاّ نفرِّق مطلقًا بين المهارة العقليّة والمهارة اللّغويّة لأنّه من التعبير عن مكنونات العقل باللّغة» .
فأبرز ما يميِّز هذا المقتطَف هو تركيزه على كون التعبير ممارسة تهدف إلى إكساب اللّغة إلى جانب غيره (التعبير) من « المهارات »، لكن قد يستتبع هذا مفهومًا آخر يتناول آلية وميكانيكيّة اكتساب اللّغة، لعلّ هذا المفهوم الأخير هو الذي دفع بصاحب هذا المقتطَف إلى ربط مهارة التعبير شفاهةً وكتابةً بما أسماه بالمهارة العقليّة حيث الانتباه والتفكير والرويّة. هكذا، وفي ظلّ هذه الملاحظة، وإذا جاز الرجوع إلى النظريّة التوليديّة التحويليّة وتفحّص أهمّ العيوب التي سجّلتها على البنويّة وأعلنتها في وجهها نذكر هنا ما ساد من اعتقادٍ لدى هؤلاء ولحقبة طويلة من أنّ اللّغة تكتسب بتخزين بناها وأنّه يكتفي المتعلِّم بتكرار تلك البنى وممارسة عمليّة الكلام في قوالب تلك البنى لكي يتعلّم اللّغة .
بلغ أمرُ شهرة الكفاءة كمصطلح تقنيّ إلى أن أصبح متداولاً في مجال التربية، وفرض نفسه في كل الميادين واعتمدته البلدان في أنظمتها التربوية، مسايرة لمقتضيات التحولات المختلفة وروح العصر. هذا حسب السياق الذي يستعمل فيه ولكن الذي يهمّ البحث هو مفهوم الكفاءة في المجال التعليمي التربوي، ونذكر لذلك بعض التعاريف:
مجموعة من التصرفات الاجتماعية والوجدانية، ومن المهارات المعرفية، أو من المهارات النفسية الحس/حركية التي تمكّن من ممارسة دور، وظيفة، نشاط، مهمّة أو عمل معقّد على أكمل وجه.
مجموعة من المعارف ومن القدرات الدّائمة ومن المهارات المكتسبة عن طريق استيعـاب معــارف وجيهـة وخبــرات مرتبطـة فيمــا بينها في مـجال. هي الاستجابة الّتي تدمج، وتسخّر مجموعة من القدرات والمهارات والمعارف المستعملة بفعالية في وضعيات مشكلة، وظروف متنوّعة لم يسبق للمتعلّم أن مارسه. مجموعة من السّلوكات المنظّمة الّتي تسمح للفرد بمواجهة وضعية ما إنّها نهائية.
الكفاءة من منظور مدرسي هي مجموعة مندمجة من الأهداف المميّزة تتحقّق في نهاية فترة تعلّميّة أو مرحلة دراسية، وتظهر في صيغة وضعيات تواصليّة دالّة لها علاقة بحياة التّلميذ.
 من أجل صياغة أهمّ التقاطعات الكائنة بين التعاريف السابقة نستنتج أنّ الكفاءة « هي القدرة على توظيف مختلف المعارف والسلوكات المقرَّرة والمرتبطة مباشرة بالوحدة التعليميّة حيث كلّ نشاطات التعلّم فيها تتمحور حولها وهي السلوك الظاهريّ القابل لملاحظة والقياس الذي يبلغ من خلال نشاط المتعلّم تعبيرًا عن حدوث فعل التعلّم » .
2.2 أهميّة التعبير:
1.2.2 الزاوية النفسيّة الوجدانيّة التربويّة:
لقد كشفت نظريّة التفاعل (La théorie interactionniste) أنّ عمليّة التواصل إذا ما تمّ تحريكها وظلّت حيّة كثيرًا ما توهِم المتعلِّم أنّه يؤّدي مهامًا معيّنة مثل الإقبال على حلِّ مشكِلٍ ما أو اتّخاذ قرارٍ أو تبادل الآراء مع غيره أو صوغ أفكارٍ كانت ملامحها غير واضحة ؛ ولا شيء يتلِف الخيط الواصل مثل الكفّ عن التعبير الذي يكرِّسه الانطواء والانسحاب من الحياة (حياة الناس)، لكن رغم ذلك فالتواصل يطارد المرء، بل ويُكسِب الفرد المنعزل إمكانية ضبط أفكاره وكذا عواطفه وأحاسيسه وانفعالاته، لهذا يتّجه البعض إلى تدوين الأفكار عندما يُعطى انطباعًا بأنّ نتائج جهوده كانت سارّة ويعطى إحساسًا أنّ ظروفه قد تحسّنت أو تغيّرت مجرّد تغيّر ولم يعد في وضعه المتغيِّر ما يدعو إلى التزام الصمت، ونجد لدى بعضهم ميلٌ إلى ذلك يتجسد في تخصيص الكراريس، والمذكرات ..الخ، وكلّ ذلك يُشعِر المتعلِّم بمتعة المنجَز، والكتابة ملاذ إن لم يجد المرء في نفسه ما يرضيه يعيش في ذلك شخصيّة أخرى هو لا يزال يبحث عنها.
على المعلِّم أن يشجِّع الأقلام المبتدِئة، جزء هامٌ من أسباب نجاح الكاتب يتأتى من اهتمام من يحيطون به بأعماله مشاركة أعماله ، والطريقة الخلاّقة في التعليم هي التي تقوم على إشراك المتعلِّم. فعلى الرغم من ضعف الأسلوب لدى التلاميذ والتردد في وضع الكلمات فعلى المعلِم أن يخلق جوًّا من تدعيم المبادرات.
التعبير هو في حدّ ذاته حافز فلا أحد ينسى الحاجة البشريّة إلى التعبير، فالأفضل أن تُحوَّل هذه الحاجة في ميدان تعليمية اللغات إلى مصطلحٍ أكثر ذهابًا في التقنية فيقال الحافز وهو يوجِّه الدرس وبه تتحدّد الأهداف، مع هذا التحديد تتّضح الأمور في عين المعلِّم، لأنّه مرّة نجد هدفًا سليمًا لكنّه غير محدّد، وقد نعثر على هدفٍ محدَّدٍ غير أنّه غير سليم، فكما هو الحال دائمًا فإنّ وضع الأهداف الواضِحة هو أكبر المهام أهميّة، فالمعلِّم يبحث عن اهتمامات المتعلِّم ويسعى إلى تطويرها. وهذا من شأنه أن يجعل الخزين اللّغوي ينبعِث ويتدفّق مع ما يتعاطاه المعبِّر من تحويل التجربة الخاصة إلى أفكارٍ قابلة للصياغة بكل عفوية ودون العناية كثيرًا بوضع استراتيجيات .
2.2.2 من الناحية المعرفيّة الذهنيّة العقليّة:
إنّ التلميذ يعايش وقائع مختلفة يشكِّل ذلك تجربة شخصيّة بإمكان المعلِّم أن يثيرها، لأنّه تبيّن لكثيرٍ من الدارسين أنّه عندما يُوفَّق التلميذ إلى التعبير عنها أو عن جزء منها يشكِّل ذلك سبيلاً من سبل التعلم، ذلك لأنّ فعل امتلاك المعرفة يقوم على استصدار الآراء ووضع الفرضيات أيضًا، واختيار واحدة منها ووضعها في محكّ التجربة.
كما يعدّ من وظائف المعلِّم أن يتدخّل مباشرة ليأخذ بيد المتعلِّم ولو للتظاهر في مساهمة حلّ مشكلاته التي يبدو أنّها تحول دون تقدّم وتيرة تعلّمه، وجعله يتوصّل بنفسه إلى فعل ذلك، ويحدث الأمرُ بإتاحته فرصة التعبير من أجل التخفيف الذاتي من وطأة الحسرة وتحفيز جسارته التي تمضي في التغلّب على الصعوبات المعرقِلة الناجِمة إمّا عن هوان النفس (Sous-estimation du soi) أم الإفراط في الاعتزاز بها (Surestimation du soi)، وفي كلا الاعتبارين يكمن خطأٌ في تقدير المتعلِّم لنفسه ولمهام المدرسة في حقّه . كما يعمل المعلِّم على استفزاز المتعلِّم استفزازًا منهجيًّا يملك وسائله بحيث يسأله عن آرائه الخاصّة على هامش سؤاله المركزيّ، أي إلى جانب ما يبحث عنه كجوابٍ سليمٍ على سؤالٍ معرفيٍّ دقيقٍ، لكن لا يضيع من باله أنّ مزج المتعلِّم بين ما هو موضوعيّ وما هو ذاتيّ لا يفقِر الأفكار بقدر ما يثريها، وما ينصح به البعض من ضرورة تحرّي الدقّة والإيجاز في صنع الأجوبة وبحجّة الالتزام بالموضوع المناقَش هو خطأ إذا قصِد منه التخلّي عن التعمّق الذي هو من وحي نشاطٍ ذهنيٍّ يتطلّب نوعًا آخر من النشاط وهو السلوك اللّفظيّ الذي يتوسّع به ولا يقدر الاستغناء عنه.
يمكن بالفعل الزعم أنّ أثناء تقدّم التفاعل الذي أشرنا إليه أعلاه (1.2.2) والذي يجري بين الأفراد وبين وسطهم يؤدّي إلى ضرب دعائم بناء أكثر تنظيمًا من المفاهيم والنظريات مزوّدة بخصائص شتّى من شأنها أن تنظِّم تلك المعارف والخبرات التي يشكِّلها أولئك الأفراد عن العالَم في نسقٍ محكمٍ .



3.2.2 من زاوية منهجيات البحث:
ناهيك عمّا يراه المتخصِّصون في منهجيات البحث من أنّنا سنتقدّم أشواطًا في البحث إن نحن عمدنا إلى إتقان تشخيص المسائل المراد بحثها ولا يتأتى ذلك إلاّ بحسن التعبير أو تعاطي التعبير على الأقلّ لكن بتركيز الاهتمام على تفادي الإبهام.
فعِند أرسطو (384 322 ق. م) المعنى يولِّد الكلام بِاعتِباره يُشغِل النّاسَ. وكذلِك يُعتبَر الحديثُ صِيَّاغةً لِلدّلالة ولا بدّ مِن إحقاقِ هذه الأخيرة بحدودٍ تعريفيّةٍ لكي يُبلغَ تمامُ الأوَّل. ثمّ « إنَّ كلَّ خبرٍ مَحصولٍ عليه عن طريق البَرْهَنَة ناتِجٌ عن مَعرفةٍ سابِقة الوجود » وَإنْ كان صاحبُها مِن شأنِه أنْ يتوسّلَ بِاللُّغة ـ وهو يُستفسَر عن الدّلالة المَقصودة ـ تٌعِدُّها وتَبنيها وَتُنظِّمها وَتُجسِّمها. عِلمًا أنّ « الاستِعمالَ الأرِسطيّ لِلُّغة كنِظامٍ لِلتّصنيف الصّحيح لِلمَعرفة، بِما أنّ اللُّغة لا تُجسِّد العِلاقات وحسْب، بل وتَكشِف النِّقابَ عنها أيضا » ؛ فنِظاميّةُ اللُّغة عند دي سوسير متَّصِلة نسبيًّا بِنظرة أرسطو هذه، غير أنّ ذاك ذهبَ مذاهِبَ شتّى في تصوير علاقة الفكر باللُّغة إذْ قصَّر وجودَ الأوَّل على توفُّر الثَّانية فعِندَه لا فكرَ بِدون لُغة. والأوَّلُ مَرهونٌ بشروط الثّانية وقد عارض فكرةَ وُجود الفِكر بِدون اللُّغة وعبّر عن ذلِك بِالضبابية الّتي ستشغُل ذلِك الفِكر الّذي يُزعَم وُجوده خارِج اللُّغة. وقد انساقَ خلفَ هذا الاعتِقاد جُمهورٌ مِن المُفكِّرين بل هناك مَن سبق إليه مِن أمثال ف. هومبلت . والفكرة عِند العرب في الحقيقة متأصلة وقف عِندها ع. ر. الحاج صالح . وترديد المحدثين لهذه النّظريّة يسودها الإحالات إلى دي سوسير من ذلك ما عمد إليه إ. بنفنيست.
للتعبير أهميّة في إكساب سلوكيات البحث عن المعطيات العلمية التي سيأتي التلميذ على تنظيمها، إذ يُكسِب نماذج وقوالب لغويّة فعّالة في توليد الدّلالات، ومساعدة على التفكير، فبالتالي البحث عن المعلومات لكن على المعلِّم التذكّر دائما أنّ التعبير أوّلا وقبل كلّ شيء يأتي في نمط لغويّ، وأن جعل اللُّغة في مُقابِل غيرها مِن الأنظِمة العلاماتيّة أبرز خاصيّة الخطيّة الرّاجِعة في الأساس إلى الطّابِع الصّوتيّ لِلدّليل اللُّغويّ الّذي يَقتضي تسلسُلاً زمنيًّا لِوحداته الصّوتيّة وذلِك في هيأتها المَنطوق، أمّا في المَكتوب فيتحوّل ذلِك التّسلسُل إلى تسلسلٍ مَكانيٍّ. إنّ مقاربة القراءة / الكتابة تأخذ بيد التلميذ ـ المتعلِّم نحو التمكّن من نظامٍ ومن عمله، نظام العلامات الخطيّة والإملائيّة، لكن المسار المؤدّي إلى ذلك يحفر نقوشًا في حقل اللّغة المبرزة .
3. لماذا الجمع بين فنيات التعبير وتقنيات البحث:
1.3 التعبير الوظيفيّ والتعبير الإبداعيّ:
« والتعبير شفهيًّا كان أو تحريريًّا فإنّه يكون على نوعين بحسب نوع المعالجة وطبيعة الموضوع. فإذا كان المقصود منه اتّصال الناس بعضهم ببعض كالمحادثة والمناقشة والإخبار .. وغير ذلك يسمّى هنا (التعبير الوظيفيّ). أمّا إذا كان الغرض منه التعبير عن الأفكار والخواطِر النفسيّة ونقلها إلى الآخرين بطريقة مشوّقة مثيرة يسمّى التعبير الإبداعيّ » .
وإذا ما نظرنا إلى الإبداع الأدبي خاصة والفكري عامة على أنه نشاط اجتماعي ينطلق فيه الأديب والمفكر من منطلقات خاصة بغية تكريس مفاهيم معينة فإنه يتعين الأخذ بمفهوم المنهج الواسع في القراءة والتحليل الذي يرتكز على فنيات وإجراءات تمثل أدوات العمل لكل من يتناول إنتاجاً ما ساعياً إلى فهمه وسبر غوره والتوصل إلى كنهه.
صحيح أنّ التعبير وسيلة تدفع الباحث إلى تجسيم الفكرة ومنحها طابعًا ملموسًا إضافةً إلى الطابع الجمالي الذي يتأتّى عن طريق اللّغة وسبل توظيفها ثم إن الفن الأدبى فى جميع مذاهبه يهدف إلى تصوير المشاعر والتجارب الإنسانية فى صورة تنبض بالحياة، وتنزلها من عالم التجريد إلى عالم التجسيد.
عهدنا منذ زمنٍ قريبٍ لدى بعض الدارسين ـ وكذلك المكوِّنين والمتابِعين ـ وصف التعبير بكونه كفاءة كما لاحظنا أعلاه، وذلك في ضوء ما أصبح يُعرَف بالتعليم بمقاربة الكفاءات وهم محقّون في ذلك، وهذا يعني أنّه على المعلِّم الذي يتولّى تلقين متعلِّميها مثل هذا المادّة أن يعرف أنّ مسعاه ينشقّ إلى شقّين أساسيّين:
تفعيل وتنشيط كفاءة التعبير وأساسيات البحث.
ولتحقيق المسعى الأوّل لا بدّ مِن تعليم الفنيات والتقنيات الموصِلة إلى ذلك.
وإذا عرجنا مرّة أخرى على الكفاءة، تلك التي تشمل التلميذ بالدرجة الأولى، وقد تُجعل في علاقة تماس مع ما يدعى الكفاءة التعليمة التي تخصّ المعلِّم، فلا محالة نجد مسوِّغًا طبيعيًّا للجمع بين فنيات التعبير وتقنيات البحث. فالبحث مرحلة سابقة على المناقشة والصياغة أي التعبير، لكن هذا الأخير يعلِّم اللّغة التي هي أداة البحث، فالعلاقة وطيدة بين الآليتين:
التعبير بمصراعيه الشفهي والكتابي
البحث عن المعطيات والتقنيات التي تسمح بمقاربتها
ولا بدّ من إزاحة الستار عن الحدود المميِّزة بين النوعين (التعبير الشفهيّ والتعبير الكتابيّ)، وذلك بالرجوع إلى المميّزات اللّغويّة بالدرجة الأولى وقد ترفَد بغيرها من المميّزات توضِّح أسباب الاختلاف، ثمّ يُتعرَّض إلى التداخلات الكائنة بينها ونتناولها على شكل ثنائيّة نقصد بها التركيز على التعبير الشفهي وأسسه وخصائصه وغاياته الخاصّة، وهو يرفد التعبير الكتابي بل ويزاحمه ويتلوّن ببعض خصائصه. هنا تكمن أهميّة التفريق بين نوعين من التعبير.
ويتعاظم شأن البحث عن المعلومات عندما نتعرّف على مراحله ويمكن ذكر هنا جملةً ما يشمله البحثُ من المحطات (وهي التي سنتوسّع فيها عبر إحدى محاضراتنا المقبلة)، وهي الآتية:
الإحاطة بالموضوع
تعيين موقع المعلومة
تنفيذ البحث
انتقاء الوثائق
معالجة المعلومة (المعطيات)
نشر المعلومة
التقويم الذاتي
2.3 النصّ نظامٌ:
إنّ معظم ما يمكِن أن يُدعى أنماط النصوص وأصنافها فمرجِعه إلى قدرة النصّ على تنظيم المعطيات والأفكار والآراء وإتاحة الفرص أمامَ صاحبه أن ينفِّس عن مشاعره ويبوح بأسراره، فهذه الجملة تفتح آفاقًا واسِعة أمام التعبير الكتابي، وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن مقاربات البحث مثل الاستقراء والاستنتاج والتحليل والتركيب ..الخ، وما يُتعرَّض إليه في ظلِّ منهجيات البحث ومنطق التفكير ومبادئه؛ ويجعلنا كذلك نتناول آليات الوصف والسرد والتفسير والحجاج والحوار، وذلك بالوقوف عند الخصائص اللّغويّة لتلك الأشكال التعبيريّة التي أشرنا إليها سابقًا ومن حيث تحديد المعايير والمواصفات وخصائص الكتابة والأسلوب مع رصد رهانات النص، علمًا أن تلك المعايير والمواصفات تتحدد من خلال معرفة طبيعة المعيار البنيوي للمؤلف ومعياره الشعري (الفني) والأجناسي؛ فعلينا بتناول موضوع النص نظرًا لقدرته على التخطيط للتعبير رسومًا ومسارات، وحفر محطّات إذا وُصِفت أحسن وصفٍ وحلّلت ودرست تمكّنت من التنبّؤ بحدود التعبير. « والنّص الإبداعي ـ عادة ـ يتجاوز هذه المشكلة بمجرّد اختراقه للاصطلاح السّائد، وهذا التّجاوز الإبداعي هو تأسيس لنظام جديد ينبثق من داخل النّص تتحرّك به الدّوال نحو مدلولات تتشكّل كناتج إبداعي لعلاقات الدّوال بعضها مع بعض، فهي إذًا واقع مبني لا يسبق النّص ولا يلحق به، وإنّما ينتج عنه » .
فهكذا يستند التعبير إلى ركيزة التحليل، فيُشرِف المعلِّم على ما يتوجّب عليه من ترسيخ المفاهيم الخاصّة بتحليل النصوص، ثمّ لا بدّ من إيجاد الوعي لدى التلميذ بأهمية الأدب، وإيجاد الوعي يكون عن طريق تقديم النصوص الرفيعة من منابعها الأولية، وترغيب التلميذ في الإفادة منها، مع محاولة ربطها بواقع الحياة المعاصرة، وتوفير الأشباه والنظائر إلى تلك النصوص، فلكي يكون العلم مَلَكة لدى المتعلِّم، لا بدّ له من الدراسة والممارسة، وهما أساس الإتقان والإبداع. ولقد قيل: " الممارسة أفضل معلِّم " واللغة العربية ليست بدعًا في الموضوعات الأخرى. « الرافد سارتو ـ فوكو لم ينفك هو الآخر في تحليل الخطاب كممارسة، والحفر في الرواسب العقلية التي تحجب جملة الاختلافات والتباينات التي تميز المنظومة المعرفية épistémé لكل عصر » .
هذا يفسِّر لجوء المدرِّس إلى ما يُدعى بالشّاهد الّذي يتحرّاه في النّصوص المُقدَّسة والأدب الّتي ويُعلِّل البعضُ ويُفسِّر وقوع اختيّاره لها باعتبارها منطوية على جمالياتٍ، إذ أنّ النّص الأدبيّ له قيمة في ذاته بينما النّص غير الأدبيّ كثيرًا ما يُتخلّص منه ويلقى في مدارج النّسيان بمجرّد ما يَفرَغ من مهمّته . لكن في الحقيقة التّحصيل هو الّذي يُمكِّن مِن دفع عجلة تعليم أيّ لغة لا الوظيفة الشّعريّة اللّهمّ إلاّ إذا كان الهدفُ هو تزويد المتمدرِس ما يُصقِل ملكته البيانيّة. وتوفّر الظّروف والعناصر التّبليغيّة الّتي لها علاقات شتّى بالمفهوم وبالجانب اللّغويّ. إذ أنّ مُستعمِلي الكلِمات (المحصّلة) هم موظِّفو اللُّغة كلُّهم وفي المَقامات الأكثر تَنوُّعًا، بيْنما اعتادت الدّراسات التّصنيفيّة حصر مُستعمِلي الصّور البلاغيّة (الجامدة) في مستوًى محدَّد وهم الّذين كثيرًا ما يُوضعون في موضِع بغضِّ النّظر عن تلك المَقامات التّداوليّة بحْتة الرّامية إلى الإقناع مثلاً. في حُقولٍ مُعيّنة، مِن أجْل الإحالة إلى مَفاهيم مُرتبِطة بِحُقولٍ مُحدَّدة أمّا الجدْول المعجمي العام فيتناسب مع كلِّ المَواضيع والانشِغالات المُتعلِّقة بِالحياة اليوميّة لِلنّاس، لِلتّعبير عن المَشاعِر، وتوجيه الأوامِر. أخيرًا، فأنماطُ الخِطابات الّتي تَندمِج فيها الكلِماتُ ليْست مُعيّنة ومُحدَّدة بِنفس درَجة تَحديد الخِطابات الّتي تَشتمِل على الصّور وتلك التّراكيب المبنيّة. فتتمثّل أنماطُ هذه الأخيرة (الخطابات) في النُّصوص المُتخصِّصة (النّصوص العلميّة التّقنية، والنّصوص التّقريريّة الإعلاميّة).. وهو العاكِس لثنائيّة الجانب الشّكليّ اللّفظيّ التّعبيريّ والجانب المضمونيّ المفهوميّ الدّلاليّ.
وإذا أردنا أن نوطِّن التّلميذ على إنتاج النّصوص الشّعريّة، علينا أن نكشف له ما يميّز النّص الشّعري بالدّرجة الأولى مثل الوزن والقافية و.. الخ؛ ليس هذا فحسب، بل لا بدّ أيضا ونتحفّظ ألاّ نبعده من اللغة اليوميّة والعادية، ومهما تعاظم ميلُه إلى التذوّق الشعري، أي نكسبه القدرة على الإنتاج، ونزيح السّتار عن العناصر اللّغويّة التي تُسهم في تشكيل الملكة التّواصليّة التي لا تُبعِده عن الناس بقدر ما تجعله واحِدًا منهم ، لأنّ بهذا فقط سيتمكّن من الاغتراف من خبراته الشّخصيّة: هذا ما يمكِن تناوله تحت تسمية التجربة الشّعريّة.
avatar
taha62
عضو جديد
عضو جديد
البلد : التعبير اللّغويّ والتواصل: Marsa210
عدد المساهمات : 3
نقاط تميز العضو : 107652
تاريخ التسجيل : 27/02/2010

التعبير اللّغويّ والتواصل: Empty رد: التعبير اللّغويّ والتواصل:

27/02/10, 11:10 pm
جهد معتبر لك كل الشكر والتقدير
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : التعبير اللّغويّ والتواصل: Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150694
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

التعبير اللّغويّ والتواصل: Empty رد: التعبير اللّغويّ والتواصل:

26/04/10, 12:11 pm
شكرا أخي طه على المرور
Gustice
Gustice
مشرفة سابقة
البلد : التعبير اللّغويّ والتواصل: Jz5m7711
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 393
نقاط تميز العضو : 111809
تاريخ التسجيل : 06/04/2010
العمر : 35

التعبير اللّغويّ والتواصل: Empty رد: التعبير اللّغويّ والتواصل:

26/04/10, 09:48 pm
موضوع مفيد جدا أخي العزيز والله جبته على الوجع
ههههههه

كان لازمني أعرف هاد الحكي هلأ الحمد لله في الوقت المناسب
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى