- بوعلام ممشرف المرسى الجامعي
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 374
نقاط تميز العضو : 102401
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 42
السرد الامبراطوري قراءة في رواية 'الامير' لواسيني الأعرج
25/03/12, 05:03 pm
السرد الامبراطوري
قراءة في رواية 'الامير' لواسيني الأعرج
اليامين بن تومي
2012-03-23
تتحاكم هذه الدراسة إلى بحث خطاب التسامح الذي اقتات عليه الرَّويُ في رواية 'الأمير مسالك أبواب الحديد' فكان خطابا مدّجنا، وسردا مغشوشا كينُوناتيا أفرغ شخصية الأمير عبد القادر من مضمونها التاريخي لصالح متلفظ سردي متخيل.فالتهجين اللساني وصورة المستعمر والقرية والثورة ونظام اللباس وغيرها من الادلة غير لغوية تستدعي سلسلة من الخطابات الكاسحة للخصوصية، إنها الهجنة العنيفة التي جعلت الرواية الجزائرية مسرودا تاريخيا قلقا وعنيفا ، بل جعلت الرؤية الامبراطورية للسرد تتلاعب بالتمظهر التاريخي من خلال الايديولوجيا الكامنة في إعادة كتابته وهي ايديولوجيا تنطلق من يوتوبيا مفرغة سيميائيا لصالح مشروع أكبر هو الرؤية الامبراطورية للصورة الكولونيالية التي تتلاعب: 'بالتاريخ المستقبَل وإعادة كتابته وتحيزاته من وجهة نظر ضحايا تقدمه التدميري'.
فالملاحظ هنا لهذا البعد التدميري للهوية العلامتية للشخصية الدالة على حضور امبراطوري هو وجود أشكال المقاومة الناتجة عن حضور بعض أشكال الترميز الدلالي لأسماء الأعلام والامكنة التي تحيل على استقلالية مغشوشة انطولوجيا إنه البعد التدميري للهوية / للأصيل / الخصوصية / الاستقلال لفضاء أوسع / فضاء الهجنة /الأسلبة /التناص فلاوجود هنا للتاريخ ،و إنما تواريخ ولا هوية بل هويات ،ولا أمير بل أمراء في تراسل عباري مسخ الشخصية وجعله أقنعة متناقضة ذلك أن النوع من السرد المغشوش لا ينفذ للذات بل يبقى عائما على مستوي البنية الطبائعية الفيزيائية /التحديد الخارجي للشخصية ؛ إنها انتقال من الجغرافيا إلى الفزيونوميا: 'ليس ثمة سرد أو منظور واقعي يوفر خلفية من الوقائع الاجتماعية والتاريخية التي تبرز قبالتها مشاكل النفس الفردية أو الجمعية. ومن هذا الجمع السوسيولوجي التقليدي لـ الذات والمجتمع او التاريخ والنفس يوضع موضع المسائلة في تعيين فانون للذات الكولونيالية التي أرِّخت في ذلك الحشد متغاير الخواص ..فما يراه فانون هو ان الذات الكولونيالية هي على الدوام مفرطة التحديد من الخارج' kفتعمل حالة اللاتوازن في التحديد على إغرابية تمظهر الشخصية الواحدة ،وجعلها متعددا ،إنها نزعة تديميرية للهو هو .فالرواية تستدعي بحسب سعيد صورة المابين ؛الذاكرة المشكلة للنوستالجيا والوضع الارباكي الآني المشوش للهوية ،ليجد الشخص نفسه في صورة مقاومة دائمة نتيجة هذه الإكزيزفرينية التي تسكن الفضاء الامبراطوري التوسُّعي حيث يختزن داخله أنظمة السلط المختلفة التاريخية والجغرافية والدينية تعكس وجه السيطرة لكون الرواية واجهة مثاقفة حقيقية تتداخل فيها السلطات الرمزية وتتجلي فيها مظاهر القمع والسيطرة وفي ذات الوقت تتمظهر فيها أساليب المقاومة.
وتدخل الهوية المقاومة في هويات غيرها نتيجة الترضيات التحتية التي يقدمها التأسلب على سبيل التداخل المشكل للبني النصية فهناك تراكب خارجي /تاريخي وتراكب داخلي / نصي يخلط الوضعيات بعضها في بعض حيث يكون الأول منظورا نمطيا، ويكون الثاني في بناء في الآخر نتيجة أسلوب الهيمنة الذي يمارسه الحكي على الأبعاد الأسلوبية والوصفية الدقيقة للزمن والشخصية ولعلنا هنا نمارس إقلابا لوضع الأمير الذي أنهكه فضاء المراسلات الذي يبدو في ظاهره إنسانيا ولا منتميا للترسيم الكولنيالي لكنه يختزن فضاء إمبراكوريا من كونه لم يكن حوارا مبنيا على التفاعل والندية بقدر ما كان عنصريا واستيلابيا للنتاج التطهيري لشخص الأمير وهنا وقع الامير في إشكال أسلوبي ومنظوري وبالتالي وقع في مطب هوية جديدة من حيث أن السارد بحث له عن نظام تعريضي حيث أقحمه في مؤسسة أو شكل تاريخي معرفي أخرج الأمير في إشكالات خارجة عنه أصبح الامير خارج المكان الثقافي .
إنها الضريبة الأخلاقية التي دفعها الأمير جرّاء أَسْيَقته خارج مجاله التداولي إلى مجال سردي كان فيه الحكواتيّ قسيسا مسيحيا تحدد في شخص المونسينيور 'ديبوش'.
إن التسامح الذي أقرأه في شخص الأمير ـ من خلال الرواية ـ أفقده توازنه وجعله يمشي على رأسه كمن تخبطه المس، وجدت أميرا منسلخا فعلا من كل انتماءاته، أميرا مشوها ممسوخا أراد أن يحتكم إلى سلطان الحكاية فضاعت حكايته، أراد أن يبني مجدا بلسان المسيح لكنه تسربل بعبارة قلقة.. حاول أن يصدر للعالم المسرود له صورة كونية عن تسامحه لكنه أفرغ محليته من التناغم مع التسامح: ' إن مفهوم التسامح متغطرس بسبب أنه علامة على حالة الوصاية التي جعل كانط الخروج منها شرطا للتنوير. ليس يتسامح إلا من كان يملك سلطة ما علينا (....) إن التسامح هو الصيغة الناعمة من الوصاية وأساسها الأخلاقي والتغطرس هو انفعال بلا حرية، لأنه يتغذى من الحاجة الوهمية للسلطة أو للمرجعية التي يفلح الأوصياء في تنصيبها في وعي العاجزين عن التفكير بأنفسهم'.
النافذ إلى عبارة الأمير في الرواية يجدها فقدت العقل أصبحت مشوهة منسوبة إلى قائل أعلى رتبة، تتقوى بمقوله لعلها تحصل على صك الرحمة.
في الرواية حلقة مضمرة حين يعرف القارئ الحصيف أن هذا النوع من السرود يفرغ المعنى مما يحيل إليه يجعله متبلغا بغيره لا بذاته، حين ينتزع السارد لسان شخوصه بل حين ينتزع القوي، الوصي 'ديبوش' لسان المغلوب 'الأمير' ليروّج لإنسانيته.
إنه إقصاء مقلوب ومصادرة محسومة في اللذة المجهضة داخل حلقة التراسل العباري حين أوسع السارد من دائرة المونسينيور 'ديبوش' وضيق خناق القول على 'الأمير' تلك اللغة التي أفضت الأمير إلى هوية مغايرة تماما لما عرفناه عنه أنه يقف على صعيد واحد معنا. ذلك الأمير الذي نشأ مكتنزا بأقدار الكلام لا يمكنه أخلاقيا أن يتنازل لغيره حكاية فهو متمنع فلوت لذلك ـ في تقديري ـ أخلت الرواية سيميائيا من ظهور الأمير مقتدرا بل عجزت الرواية على تحين الأمير لأن المرجع الذي احتكمت إليه أخل بضروب استحضار الأمير وانخراطه سرديا أفرغته الحكاية أنطولوجيا من محتواه العلامي لصالح أمير مغاير؛ هلاميا ضبابي انتكست فيه ـ في تصوري ـ المؤولات التحيينية التعريفية والعوالم الممكنة، لأنها فقدت مرجعها الإشاري لصالح مرجع آخر امّحت على عتباته سمات الأمير عبد القادر لأمير متخيّل متوهم، أمير أصبح مشغولا بسنن القول الحضاري من أجل الحوار الذي يفضي إلى التوحد بين الأديان والأجناس لإرضاء المتقول الأقوى الذي أُسند إليه الحكي المونسنيور 'ديبوش' وبقي الأمير هامشا على المركز.
إن السارد يستعيض بالأمير / الوثيقة التاريخية / أميرا مقيدا ومجهضا والحرية بالنسبة للمتصوف عقيدة تخلصه من الحتميات المقيمة فيه خاصة إذ علمنا أن الرياضة الروحية للأمي تجاوزت به حدود القيود المادية لتجعله مخترقا للمكان والقول لأنه تحرر من الأبواب المصطنعة، إن المتصوف مكين في عالم العبارة متجرد بنفسه عن غيره، فائض بمعناه، نافذ بروحه خلف الحواجز وبالتالي فإن المسالك السردية 'مسالك أبواب الحديد: السجن المادي .. السجن السردي.. السجن العباري .. السجن الإشهاري..' الذي اختزنته فيه الرواية فضحت جهلها العباري والاشاري بطبقات الأمير العرفانية.
فالسجن 'مسالك أبواب الحديد' لم تنل من عزيمة الأمير الذي أحالته سرديا إلى مقول أغتصب فعله، لقد كان الأمير/تاريخيا فاعلا، فلا ندري كيف تحول في الرواية إلى مفعول به يناشد الخلاص من خلال ذوبانه وحلوله إلى تلك المراسلات الإستجدائية، إنه فعل نصيّ أَرْكَسَ الأمير وأسلمه إلى منفصل تحويلي مع كل رسالة للتدافع أقاويله الشرطية في رسم مسار سردي محبط.
فهل تريد الرواية أن تكون بديلا عن التاريخ؟
والرواية المذكورة نوع من السير الذاتي حاولت تتبع مسار الأمير لكن بنياتها الإيديولوجية استنبتت أميرا خارج الفضاء، بل أميرا أراد السارد استنهاضه أو تحيينه بيننا فلماذا يا ترى هذا الاستدعاء المشوه؟ الذي لم نتبين حاجة تثويره لهذه الجثة التي تم تناقلها على فراش الحكي فتخلقت موتا من بعد موات.
ونجد على النقيض قسيسا /متلفظا ترامت جثته رمادا اختلطت بالماء عنصر الحياة وبالحكي عنصر الذاكرة؛ الحياة المفضية إلى الخلود السردي فالتذكر عنصر الحياة كذلك فيما قال 'نيتشه' الإنسان حيوان يتذكر، تلك هي عجينة المونسنيور 'ديبوش' في الرواية فاعلا تمرس في أساس الحكاية بينما الأمير منفعل مهزوم نتيجة الوصاية والإقصاء والإبعاد والسجن /الوثيقة التاريخية / واستلاب الحكاية والقول/ السرد، بل جعله السارد متضمن في القول الساكن في أحشاء العبارة كالمستكين في السجن ينتظر البشارة من أجل الخلاص.
هذا التعوير في التركيب السيميائي للشخصية (الأمير) لا يحتاج فيه الأمير إلى دليل على رسوخه في القول حتى يبني مجده خارج لسانه، خارج مقوله:
وكيف يصبح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؟
تأسيسا على ماتم تحريكه ، نلاحظ أن الخطاب الروائي إنما ينبني أساسا على ترميم النقص الذي أصاب الحادثة التاريخية ، بل عمل هذا الخطاب على نسق الحادثة أو الوثيقة لصالح الذاتية في تحقيق الترضية، في سبيل الحصول على رضى المسيح وهو من قبيل حوار الحضارات التي تروج له رواية ' الأمير مسالك أبواب الحديد 'لكنها جرت علي الأمير انسلاخه من إطار تداولي ولساني فرض عليه المُوالاة المعكوسة في سبيل الحصول على الحرية وتحقيق الإنوجاد المنفعل مع غيره .
تناقل السرد محاوره من الوعي التاريخي الذي أصبح تهويما إيديولوجيا إلى وعي نصي يخص قائله وهو وعي استدعته حاجة خارجة عن نسق الأمير إلى نسق المونسينيور ديبوش .
ونهاية لفاكهة المتعة أقول أنني استمتعت بقراءة عالم غريب صنعته مخيلة سردية في اتجاه أحادي لإظهار الأمير عبد القادر بالمتسامح لكن السارد من حيث لا يدري أضر بالأمير ، إن الخلخلة السردية حصلت على مستويين :
- مستوى موضوعي لموضة حوار الأديان التي باتت مدخلا مهما لإظهار التسامح وولوج الرواية هذا الباب دليل على تعقد علاقات الفضاء الامبراطوري الذي تجاوز فلسفة الوعي إلى ترسيخ فعل البينذاتية التي يتجاوز فيها السارد مشكلة المركزية حول شخص الأمير ليلج حقل التجاذب مع غيره ، وهنا ينخرط الأمير في إشكاليات الراهن وهو نوع من المراوغة الداخلية للتمشكلات الزمنية ،حيث يصبح الأمير ناطقا بمشاكل زمننا من خلال توسيع دائرة الخطاب ، من لحظة ربطه بثقافة الراهن .
- مستوى ذاتي من خلال توسيع دائرة الجمهور للقراءة، سواء في اللغة الأصل او من خلال ترجمة نص الرواية ليصبح لها تفاعل آخر مع جمهور آخر يمكن أن ينخرط في نقاش الرواية، وهذا يعكس وعي الكاتب بالمسألة الإمبراطورية التي قد يشكلها الحكي والحكي المضاد .
2012-03-23
تتحاكم هذه الدراسة إلى بحث خطاب التسامح الذي اقتات عليه الرَّويُ في رواية 'الأمير مسالك أبواب الحديد' فكان خطابا مدّجنا، وسردا مغشوشا كينُوناتيا أفرغ شخصية الأمير عبد القادر من مضمونها التاريخي لصالح متلفظ سردي متخيل.فالتهجين اللساني وصورة المستعمر والقرية والثورة ونظام اللباس وغيرها من الادلة غير لغوية تستدعي سلسلة من الخطابات الكاسحة للخصوصية، إنها الهجنة العنيفة التي جعلت الرواية الجزائرية مسرودا تاريخيا قلقا وعنيفا ، بل جعلت الرؤية الامبراطورية للسرد تتلاعب بالتمظهر التاريخي من خلال الايديولوجيا الكامنة في إعادة كتابته وهي ايديولوجيا تنطلق من يوتوبيا مفرغة سيميائيا لصالح مشروع أكبر هو الرؤية الامبراطورية للصورة الكولونيالية التي تتلاعب: 'بالتاريخ المستقبَل وإعادة كتابته وتحيزاته من وجهة نظر ضحايا تقدمه التدميري'.
فالملاحظ هنا لهذا البعد التدميري للهوية العلامتية للشخصية الدالة على حضور امبراطوري هو وجود أشكال المقاومة الناتجة عن حضور بعض أشكال الترميز الدلالي لأسماء الأعلام والامكنة التي تحيل على استقلالية مغشوشة انطولوجيا إنه البعد التدميري للهوية / للأصيل / الخصوصية / الاستقلال لفضاء أوسع / فضاء الهجنة /الأسلبة /التناص فلاوجود هنا للتاريخ ،و إنما تواريخ ولا هوية بل هويات ،ولا أمير بل أمراء في تراسل عباري مسخ الشخصية وجعله أقنعة متناقضة ذلك أن النوع من السرد المغشوش لا ينفذ للذات بل يبقى عائما على مستوي البنية الطبائعية الفيزيائية /التحديد الخارجي للشخصية ؛ إنها انتقال من الجغرافيا إلى الفزيونوميا: 'ليس ثمة سرد أو منظور واقعي يوفر خلفية من الوقائع الاجتماعية والتاريخية التي تبرز قبالتها مشاكل النفس الفردية أو الجمعية. ومن هذا الجمع السوسيولوجي التقليدي لـ الذات والمجتمع او التاريخ والنفس يوضع موضع المسائلة في تعيين فانون للذات الكولونيالية التي أرِّخت في ذلك الحشد متغاير الخواص ..فما يراه فانون هو ان الذات الكولونيالية هي على الدوام مفرطة التحديد من الخارج' kفتعمل حالة اللاتوازن في التحديد على إغرابية تمظهر الشخصية الواحدة ،وجعلها متعددا ،إنها نزعة تديميرية للهو هو .فالرواية تستدعي بحسب سعيد صورة المابين ؛الذاكرة المشكلة للنوستالجيا والوضع الارباكي الآني المشوش للهوية ،ليجد الشخص نفسه في صورة مقاومة دائمة نتيجة هذه الإكزيزفرينية التي تسكن الفضاء الامبراطوري التوسُّعي حيث يختزن داخله أنظمة السلط المختلفة التاريخية والجغرافية والدينية تعكس وجه السيطرة لكون الرواية واجهة مثاقفة حقيقية تتداخل فيها السلطات الرمزية وتتجلي فيها مظاهر القمع والسيطرة وفي ذات الوقت تتمظهر فيها أساليب المقاومة.
وتدخل الهوية المقاومة في هويات غيرها نتيجة الترضيات التحتية التي يقدمها التأسلب على سبيل التداخل المشكل للبني النصية فهناك تراكب خارجي /تاريخي وتراكب داخلي / نصي يخلط الوضعيات بعضها في بعض حيث يكون الأول منظورا نمطيا، ويكون الثاني في بناء في الآخر نتيجة أسلوب الهيمنة الذي يمارسه الحكي على الأبعاد الأسلوبية والوصفية الدقيقة للزمن والشخصية ولعلنا هنا نمارس إقلابا لوضع الأمير الذي أنهكه فضاء المراسلات الذي يبدو في ظاهره إنسانيا ولا منتميا للترسيم الكولنيالي لكنه يختزن فضاء إمبراكوريا من كونه لم يكن حوارا مبنيا على التفاعل والندية بقدر ما كان عنصريا واستيلابيا للنتاج التطهيري لشخص الأمير وهنا وقع الامير في إشكال أسلوبي ومنظوري وبالتالي وقع في مطب هوية جديدة من حيث أن السارد بحث له عن نظام تعريضي حيث أقحمه في مؤسسة أو شكل تاريخي معرفي أخرج الأمير في إشكالات خارجة عنه أصبح الامير خارج المكان الثقافي .
إنها الضريبة الأخلاقية التي دفعها الأمير جرّاء أَسْيَقته خارج مجاله التداولي إلى مجال سردي كان فيه الحكواتيّ قسيسا مسيحيا تحدد في شخص المونسينيور 'ديبوش'.
إن التسامح الذي أقرأه في شخص الأمير ـ من خلال الرواية ـ أفقده توازنه وجعله يمشي على رأسه كمن تخبطه المس، وجدت أميرا منسلخا فعلا من كل انتماءاته، أميرا مشوها ممسوخا أراد أن يحتكم إلى سلطان الحكاية فضاعت حكايته، أراد أن يبني مجدا بلسان المسيح لكنه تسربل بعبارة قلقة.. حاول أن يصدر للعالم المسرود له صورة كونية عن تسامحه لكنه أفرغ محليته من التناغم مع التسامح: ' إن مفهوم التسامح متغطرس بسبب أنه علامة على حالة الوصاية التي جعل كانط الخروج منها شرطا للتنوير. ليس يتسامح إلا من كان يملك سلطة ما علينا (....) إن التسامح هو الصيغة الناعمة من الوصاية وأساسها الأخلاقي والتغطرس هو انفعال بلا حرية، لأنه يتغذى من الحاجة الوهمية للسلطة أو للمرجعية التي يفلح الأوصياء في تنصيبها في وعي العاجزين عن التفكير بأنفسهم'.
النافذ إلى عبارة الأمير في الرواية يجدها فقدت العقل أصبحت مشوهة منسوبة إلى قائل أعلى رتبة، تتقوى بمقوله لعلها تحصل على صك الرحمة.
في الرواية حلقة مضمرة حين يعرف القارئ الحصيف أن هذا النوع من السرود يفرغ المعنى مما يحيل إليه يجعله متبلغا بغيره لا بذاته، حين ينتزع السارد لسان شخوصه بل حين ينتزع القوي، الوصي 'ديبوش' لسان المغلوب 'الأمير' ليروّج لإنسانيته.
إنه إقصاء مقلوب ومصادرة محسومة في اللذة المجهضة داخل حلقة التراسل العباري حين أوسع السارد من دائرة المونسينيور 'ديبوش' وضيق خناق القول على 'الأمير' تلك اللغة التي أفضت الأمير إلى هوية مغايرة تماما لما عرفناه عنه أنه يقف على صعيد واحد معنا. ذلك الأمير الذي نشأ مكتنزا بأقدار الكلام لا يمكنه أخلاقيا أن يتنازل لغيره حكاية فهو متمنع فلوت لذلك ـ في تقديري ـ أخلت الرواية سيميائيا من ظهور الأمير مقتدرا بل عجزت الرواية على تحين الأمير لأن المرجع الذي احتكمت إليه أخل بضروب استحضار الأمير وانخراطه سرديا أفرغته الحكاية أنطولوجيا من محتواه العلامي لصالح أمير مغاير؛ هلاميا ضبابي انتكست فيه ـ في تصوري ـ المؤولات التحيينية التعريفية والعوالم الممكنة، لأنها فقدت مرجعها الإشاري لصالح مرجع آخر امّحت على عتباته سمات الأمير عبد القادر لأمير متخيّل متوهم، أمير أصبح مشغولا بسنن القول الحضاري من أجل الحوار الذي يفضي إلى التوحد بين الأديان والأجناس لإرضاء المتقول الأقوى الذي أُسند إليه الحكي المونسنيور 'ديبوش' وبقي الأمير هامشا على المركز.
إن السارد يستعيض بالأمير / الوثيقة التاريخية / أميرا مقيدا ومجهضا والحرية بالنسبة للمتصوف عقيدة تخلصه من الحتميات المقيمة فيه خاصة إذ علمنا أن الرياضة الروحية للأمي تجاوزت به حدود القيود المادية لتجعله مخترقا للمكان والقول لأنه تحرر من الأبواب المصطنعة، إن المتصوف مكين في عالم العبارة متجرد بنفسه عن غيره، فائض بمعناه، نافذ بروحه خلف الحواجز وبالتالي فإن المسالك السردية 'مسالك أبواب الحديد: السجن المادي .. السجن السردي.. السجن العباري .. السجن الإشهاري..' الذي اختزنته فيه الرواية فضحت جهلها العباري والاشاري بطبقات الأمير العرفانية.
فالسجن 'مسالك أبواب الحديد' لم تنل من عزيمة الأمير الذي أحالته سرديا إلى مقول أغتصب فعله، لقد كان الأمير/تاريخيا فاعلا، فلا ندري كيف تحول في الرواية إلى مفعول به يناشد الخلاص من خلال ذوبانه وحلوله إلى تلك المراسلات الإستجدائية، إنه فعل نصيّ أَرْكَسَ الأمير وأسلمه إلى منفصل تحويلي مع كل رسالة للتدافع أقاويله الشرطية في رسم مسار سردي محبط.
فهل تريد الرواية أن تكون بديلا عن التاريخ؟
والرواية المذكورة نوع من السير الذاتي حاولت تتبع مسار الأمير لكن بنياتها الإيديولوجية استنبتت أميرا خارج الفضاء، بل أميرا أراد السارد استنهاضه أو تحيينه بيننا فلماذا يا ترى هذا الاستدعاء المشوه؟ الذي لم نتبين حاجة تثويره لهذه الجثة التي تم تناقلها على فراش الحكي فتخلقت موتا من بعد موات.
ونجد على النقيض قسيسا /متلفظا ترامت جثته رمادا اختلطت بالماء عنصر الحياة وبالحكي عنصر الذاكرة؛ الحياة المفضية إلى الخلود السردي فالتذكر عنصر الحياة كذلك فيما قال 'نيتشه' الإنسان حيوان يتذكر، تلك هي عجينة المونسنيور 'ديبوش' في الرواية فاعلا تمرس في أساس الحكاية بينما الأمير منفعل مهزوم نتيجة الوصاية والإقصاء والإبعاد والسجن /الوثيقة التاريخية / واستلاب الحكاية والقول/ السرد، بل جعله السارد متضمن في القول الساكن في أحشاء العبارة كالمستكين في السجن ينتظر البشارة من أجل الخلاص.
هذا التعوير في التركيب السيميائي للشخصية (الأمير) لا يحتاج فيه الأمير إلى دليل على رسوخه في القول حتى يبني مجده خارج لسانه، خارج مقوله:
وكيف يصبح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؟
تأسيسا على ماتم تحريكه ، نلاحظ أن الخطاب الروائي إنما ينبني أساسا على ترميم النقص الذي أصاب الحادثة التاريخية ، بل عمل هذا الخطاب على نسق الحادثة أو الوثيقة لصالح الذاتية في تحقيق الترضية، في سبيل الحصول على رضى المسيح وهو من قبيل حوار الحضارات التي تروج له رواية ' الأمير مسالك أبواب الحديد 'لكنها جرت علي الأمير انسلاخه من إطار تداولي ولساني فرض عليه المُوالاة المعكوسة في سبيل الحصول على الحرية وتحقيق الإنوجاد المنفعل مع غيره .
تناقل السرد محاوره من الوعي التاريخي الذي أصبح تهويما إيديولوجيا إلى وعي نصي يخص قائله وهو وعي استدعته حاجة خارجة عن نسق الأمير إلى نسق المونسينيور ديبوش .
ونهاية لفاكهة المتعة أقول أنني استمتعت بقراءة عالم غريب صنعته مخيلة سردية في اتجاه أحادي لإظهار الأمير عبد القادر بالمتسامح لكن السارد من حيث لا يدري أضر بالأمير ، إن الخلخلة السردية حصلت على مستويين :
- مستوى موضوعي لموضة حوار الأديان التي باتت مدخلا مهما لإظهار التسامح وولوج الرواية هذا الباب دليل على تعقد علاقات الفضاء الامبراطوري الذي تجاوز فلسفة الوعي إلى ترسيخ فعل البينذاتية التي يتجاوز فيها السارد مشكلة المركزية حول شخص الأمير ليلج حقل التجاذب مع غيره ، وهنا ينخرط الأمير في إشكاليات الراهن وهو نوع من المراوغة الداخلية للتمشكلات الزمنية ،حيث يصبح الأمير ناطقا بمشاكل زمننا من خلال توسيع دائرة الخطاب ، من لحظة ربطه بثقافة الراهن .
- مستوى ذاتي من خلال توسيع دائرة الجمهور للقراءة، سواء في اللغة الأصل او من خلال ترجمة نص الرواية ليصبح لها تفاعل آخر مع جمهور آخر يمكن أن ينخرط في نقاش الرواية، وهذا يعكس وعي الكاتب بالمسألة الإمبراطورية التي قد يشكلها الحكي والحكي المضاد .
قراءة في رواية 'الامير' لواسيني الأعرج
اليامين بن تومي
2012-03-23
تتحاكم هذه الدراسة إلى بحث خطاب التسامح الذي اقتات عليه الرَّويُ في رواية 'الأمير مسالك أبواب الحديد' فكان خطابا مدّجنا، وسردا مغشوشا كينُوناتيا أفرغ شخصية الأمير عبد القادر من مضمونها التاريخي لصالح متلفظ سردي متخيل.فالتهجين اللساني وصورة المستعمر والقرية والثورة ونظام اللباس وغيرها من الادلة غير لغوية تستدعي سلسلة من الخطابات الكاسحة للخصوصية، إنها الهجنة العنيفة التي جعلت الرواية الجزائرية مسرودا تاريخيا قلقا وعنيفا ، بل جعلت الرؤية الامبراطورية للسرد تتلاعب بالتمظهر التاريخي من خلال الايديولوجيا الكامنة في إعادة كتابته وهي ايديولوجيا تنطلق من يوتوبيا مفرغة سيميائيا لصالح مشروع أكبر هو الرؤية الامبراطورية للصورة الكولونيالية التي تتلاعب: 'بالتاريخ المستقبَل وإعادة كتابته وتحيزاته من وجهة نظر ضحايا تقدمه التدميري'.
فالملاحظ هنا لهذا البعد التدميري للهوية العلامتية للشخصية الدالة على حضور امبراطوري هو وجود أشكال المقاومة الناتجة عن حضور بعض أشكال الترميز الدلالي لأسماء الأعلام والامكنة التي تحيل على استقلالية مغشوشة انطولوجيا إنه البعد التدميري للهوية / للأصيل / الخصوصية / الاستقلال لفضاء أوسع / فضاء الهجنة /الأسلبة /التناص فلاوجود هنا للتاريخ ،و إنما تواريخ ولا هوية بل هويات ،ولا أمير بل أمراء في تراسل عباري مسخ الشخصية وجعله أقنعة متناقضة ذلك أن النوع من السرد المغشوش لا ينفذ للذات بل يبقى عائما على مستوي البنية الطبائعية الفيزيائية /التحديد الخارجي للشخصية ؛ إنها انتقال من الجغرافيا إلى الفزيونوميا: 'ليس ثمة سرد أو منظور واقعي يوفر خلفية من الوقائع الاجتماعية والتاريخية التي تبرز قبالتها مشاكل النفس الفردية أو الجمعية. ومن هذا الجمع السوسيولوجي التقليدي لـ الذات والمجتمع او التاريخ والنفس يوضع موضع المسائلة في تعيين فانون للذات الكولونيالية التي أرِّخت في ذلك الحشد متغاير الخواص ..فما يراه فانون هو ان الذات الكولونيالية هي على الدوام مفرطة التحديد من الخارج' kفتعمل حالة اللاتوازن في التحديد على إغرابية تمظهر الشخصية الواحدة ،وجعلها متعددا ،إنها نزعة تديميرية للهو هو .فالرواية تستدعي بحسب سعيد صورة المابين ؛الذاكرة المشكلة للنوستالجيا والوضع الارباكي الآني المشوش للهوية ،ليجد الشخص نفسه في صورة مقاومة دائمة نتيجة هذه الإكزيزفرينية التي تسكن الفضاء الامبراطوري التوسُّعي حيث يختزن داخله أنظمة السلط المختلفة التاريخية والجغرافية والدينية تعكس وجه السيطرة لكون الرواية واجهة مثاقفة حقيقية تتداخل فيها السلطات الرمزية وتتجلي فيها مظاهر القمع والسيطرة وفي ذات الوقت تتمظهر فيها أساليب المقاومة.
وتدخل الهوية المقاومة في هويات غيرها نتيجة الترضيات التحتية التي يقدمها التأسلب على سبيل التداخل المشكل للبني النصية فهناك تراكب خارجي /تاريخي وتراكب داخلي / نصي يخلط الوضعيات بعضها في بعض حيث يكون الأول منظورا نمطيا، ويكون الثاني في بناء في الآخر نتيجة أسلوب الهيمنة الذي يمارسه الحكي على الأبعاد الأسلوبية والوصفية الدقيقة للزمن والشخصية ولعلنا هنا نمارس إقلابا لوضع الأمير الذي أنهكه فضاء المراسلات الذي يبدو في ظاهره إنسانيا ولا منتميا للترسيم الكولنيالي لكنه يختزن فضاء إمبراكوريا من كونه لم يكن حوارا مبنيا على التفاعل والندية بقدر ما كان عنصريا واستيلابيا للنتاج التطهيري لشخص الأمير وهنا وقع الامير في إشكال أسلوبي ومنظوري وبالتالي وقع في مطب هوية جديدة من حيث أن السارد بحث له عن نظام تعريضي حيث أقحمه في مؤسسة أو شكل تاريخي معرفي أخرج الأمير في إشكالات خارجة عنه أصبح الامير خارج المكان الثقافي .
إنها الضريبة الأخلاقية التي دفعها الأمير جرّاء أَسْيَقته خارج مجاله التداولي إلى مجال سردي كان فيه الحكواتيّ قسيسا مسيحيا تحدد في شخص المونسينيور 'ديبوش'.
إن التسامح الذي أقرأه في شخص الأمير ـ من خلال الرواية ـ أفقده توازنه وجعله يمشي على رأسه كمن تخبطه المس، وجدت أميرا منسلخا فعلا من كل انتماءاته، أميرا مشوها ممسوخا أراد أن يحتكم إلى سلطان الحكاية فضاعت حكايته، أراد أن يبني مجدا بلسان المسيح لكنه تسربل بعبارة قلقة.. حاول أن يصدر للعالم المسرود له صورة كونية عن تسامحه لكنه أفرغ محليته من التناغم مع التسامح: ' إن مفهوم التسامح متغطرس بسبب أنه علامة على حالة الوصاية التي جعل كانط الخروج منها شرطا للتنوير. ليس يتسامح إلا من كان يملك سلطة ما علينا (....) إن التسامح هو الصيغة الناعمة من الوصاية وأساسها الأخلاقي والتغطرس هو انفعال بلا حرية، لأنه يتغذى من الحاجة الوهمية للسلطة أو للمرجعية التي يفلح الأوصياء في تنصيبها في وعي العاجزين عن التفكير بأنفسهم'.
النافذ إلى عبارة الأمير في الرواية يجدها فقدت العقل أصبحت مشوهة منسوبة إلى قائل أعلى رتبة، تتقوى بمقوله لعلها تحصل على صك الرحمة.
في الرواية حلقة مضمرة حين يعرف القارئ الحصيف أن هذا النوع من السرود يفرغ المعنى مما يحيل إليه يجعله متبلغا بغيره لا بذاته، حين ينتزع السارد لسان شخوصه بل حين ينتزع القوي، الوصي 'ديبوش' لسان المغلوب 'الأمير' ليروّج لإنسانيته.
إنه إقصاء مقلوب ومصادرة محسومة في اللذة المجهضة داخل حلقة التراسل العباري حين أوسع السارد من دائرة المونسينيور 'ديبوش' وضيق خناق القول على 'الأمير' تلك اللغة التي أفضت الأمير إلى هوية مغايرة تماما لما عرفناه عنه أنه يقف على صعيد واحد معنا. ذلك الأمير الذي نشأ مكتنزا بأقدار الكلام لا يمكنه أخلاقيا أن يتنازل لغيره حكاية فهو متمنع فلوت لذلك ـ في تقديري ـ أخلت الرواية سيميائيا من ظهور الأمير مقتدرا بل عجزت الرواية على تحين الأمير لأن المرجع الذي احتكمت إليه أخل بضروب استحضار الأمير وانخراطه سرديا أفرغته الحكاية أنطولوجيا من محتواه العلامي لصالح أمير مغاير؛ هلاميا ضبابي انتكست فيه ـ في تصوري ـ المؤولات التحيينية التعريفية والعوالم الممكنة، لأنها فقدت مرجعها الإشاري لصالح مرجع آخر امّحت على عتباته سمات الأمير عبد القادر لأمير متخيّل متوهم، أمير أصبح مشغولا بسنن القول الحضاري من أجل الحوار الذي يفضي إلى التوحد بين الأديان والأجناس لإرضاء المتقول الأقوى الذي أُسند إليه الحكي المونسنيور 'ديبوش' وبقي الأمير هامشا على المركز.
إن السارد يستعيض بالأمير / الوثيقة التاريخية / أميرا مقيدا ومجهضا والحرية بالنسبة للمتصوف عقيدة تخلصه من الحتميات المقيمة فيه خاصة إذ علمنا أن الرياضة الروحية للأمي تجاوزت به حدود القيود المادية لتجعله مخترقا للمكان والقول لأنه تحرر من الأبواب المصطنعة، إن المتصوف مكين في عالم العبارة متجرد بنفسه عن غيره، فائض بمعناه، نافذ بروحه خلف الحواجز وبالتالي فإن المسالك السردية 'مسالك أبواب الحديد: السجن المادي .. السجن السردي.. السجن العباري .. السجن الإشهاري..' الذي اختزنته فيه الرواية فضحت جهلها العباري والاشاري بطبقات الأمير العرفانية.
فالسجن 'مسالك أبواب الحديد' لم تنل من عزيمة الأمير الذي أحالته سرديا إلى مقول أغتصب فعله، لقد كان الأمير/تاريخيا فاعلا، فلا ندري كيف تحول في الرواية إلى مفعول به يناشد الخلاص من خلال ذوبانه وحلوله إلى تلك المراسلات الإستجدائية، إنه فعل نصيّ أَرْكَسَ الأمير وأسلمه إلى منفصل تحويلي مع كل رسالة للتدافع أقاويله الشرطية في رسم مسار سردي محبط.
فهل تريد الرواية أن تكون بديلا عن التاريخ؟
والرواية المذكورة نوع من السير الذاتي حاولت تتبع مسار الأمير لكن بنياتها الإيديولوجية استنبتت أميرا خارج الفضاء، بل أميرا أراد السارد استنهاضه أو تحيينه بيننا فلماذا يا ترى هذا الاستدعاء المشوه؟ الذي لم نتبين حاجة تثويره لهذه الجثة التي تم تناقلها على فراش الحكي فتخلقت موتا من بعد موات.
ونجد على النقيض قسيسا /متلفظا ترامت جثته رمادا اختلطت بالماء عنصر الحياة وبالحكي عنصر الذاكرة؛ الحياة المفضية إلى الخلود السردي فالتذكر عنصر الحياة كذلك فيما قال 'نيتشه' الإنسان حيوان يتذكر، تلك هي عجينة المونسنيور 'ديبوش' في الرواية فاعلا تمرس في أساس الحكاية بينما الأمير منفعل مهزوم نتيجة الوصاية والإقصاء والإبعاد والسجن /الوثيقة التاريخية / واستلاب الحكاية والقول/ السرد، بل جعله السارد متضمن في القول الساكن في أحشاء العبارة كالمستكين في السجن ينتظر البشارة من أجل الخلاص.
هذا التعوير في التركيب السيميائي للشخصية (الأمير) لا يحتاج فيه الأمير إلى دليل على رسوخه في القول حتى يبني مجده خارج لسانه، خارج مقوله:
وكيف يصبح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؟
تأسيسا على ماتم تحريكه ، نلاحظ أن الخطاب الروائي إنما ينبني أساسا على ترميم النقص الذي أصاب الحادثة التاريخية ، بل عمل هذا الخطاب على نسق الحادثة أو الوثيقة لصالح الذاتية في تحقيق الترضية، في سبيل الحصول على رضى المسيح وهو من قبيل حوار الحضارات التي تروج له رواية ' الأمير مسالك أبواب الحديد 'لكنها جرت علي الأمير انسلاخه من إطار تداولي ولساني فرض عليه المُوالاة المعكوسة في سبيل الحصول على الحرية وتحقيق الإنوجاد المنفعل مع غيره .
تناقل السرد محاوره من الوعي التاريخي الذي أصبح تهويما إيديولوجيا إلى وعي نصي يخص قائله وهو وعي استدعته حاجة خارجة عن نسق الأمير إلى نسق المونسينيور ديبوش .
ونهاية لفاكهة المتعة أقول أنني استمتعت بقراءة عالم غريب صنعته مخيلة سردية في اتجاه أحادي لإظهار الأمير عبد القادر بالمتسامح لكن السارد من حيث لا يدري أضر بالأمير ، إن الخلخلة السردية حصلت على مستويين :
- مستوى موضوعي لموضة حوار الأديان التي باتت مدخلا مهما لإظهار التسامح وولوج الرواية هذا الباب دليل على تعقد علاقات الفضاء الامبراطوري الذي تجاوز فلسفة الوعي إلى ترسيخ فعل البينذاتية التي يتجاوز فيها السارد مشكلة المركزية حول شخص الأمير ليلج حقل التجاذب مع غيره ، وهنا ينخرط الأمير في إشكاليات الراهن وهو نوع من المراوغة الداخلية للتمشكلات الزمنية ،حيث يصبح الأمير ناطقا بمشاكل زمننا من خلال توسيع دائرة الخطاب ، من لحظة ربطه بثقافة الراهن .
- مستوى ذاتي من خلال توسيع دائرة الجمهور للقراءة، سواء في اللغة الأصل او من خلال ترجمة نص الرواية ليصبح لها تفاعل آخر مع جمهور آخر يمكن أن ينخرط في نقاش الرواية، وهذا يعكس وعي الكاتب بالمسألة الإمبراطورية التي قد يشكلها الحكي والحكي المضاد .
2012-03-23
تتحاكم هذه الدراسة إلى بحث خطاب التسامح الذي اقتات عليه الرَّويُ في رواية 'الأمير مسالك أبواب الحديد' فكان خطابا مدّجنا، وسردا مغشوشا كينُوناتيا أفرغ شخصية الأمير عبد القادر من مضمونها التاريخي لصالح متلفظ سردي متخيل.فالتهجين اللساني وصورة المستعمر والقرية والثورة ونظام اللباس وغيرها من الادلة غير لغوية تستدعي سلسلة من الخطابات الكاسحة للخصوصية، إنها الهجنة العنيفة التي جعلت الرواية الجزائرية مسرودا تاريخيا قلقا وعنيفا ، بل جعلت الرؤية الامبراطورية للسرد تتلاعب بالتمظهر التاريخي من خلال الايديولوجيا الكامنة في إعادة كتابته وهي ايديولوجيا تنطلق من يوتوبيا مفرغة سيميائيا لصالح مشروع أكبر هو الرؤية الامبراطورية للصورة الكولونيالية التي تتلاعب: 'بالتاريخ المستقبَل وإعادة كتابته وتحيزاته من وجهة نظر ضحايا تقدمه التدميري'.
فالملاحظ هنا لهذا البعد التدميري للهوية العلامتية للشخصية الدالة على حضور امبراطوري هو وجود أشكال المقاومة الناتجة عن حضور بعض أشكال الترميز الدلالي لأسماء الأعلام والامكنة التي تحيل على استقلالية مغشوشة انطولوجيا إنه البعد التدميري للهوية / للأصيل / الخصوصية / الاستقلال لفضاء أوسع / فضاء الهجنة /الأسلبة /التناص فلاوجود هنا للتاريخ ،و إنما تواريخ ولا هوية بل هويات ،ولا أمير بل أمراء في تراسل عباري مسخ الشخصية وجعله أقنعة متناقضة ذلك أن النوع من السرد المغشوش لا ينفذ للذات بل يبقى عائما على مستوي البنية الطبائعية الفيزيائية /التحديد الخارجي للشخصية ؛ إنها انتقال من الجغرافيا إلى الفزيونوميا: 'ليس ثمة سرد أو منظور واقعي يوفر خلفية من الوقائع الاجتماعية والتاريخية التي تبرز قبالتها مشاكل النفس الفردية أو الجمعية. ومن هذا الجمع السوسيولوجي التقليدي لـ الذات والمجتمع او التاريخ والنفس يوضع موضع المسائلة في تعيين فانون للذات الكولونيالية التي أرِّخت في ذلك الحشد متغاير الخواص ..فما يراه فانون هو ان الذات الكولونيالية هي على الدوام مفرطة التحديد من الخارج' kفتعمل حالة اللاتوازن في التحديد على إغرابية تمظهر الشخصية الواحدة ،وجعلها متعددا ،إنها نزعة تديميرية للهو هو .فالرواية تستدعي بحسب سعيد صورة المابين ؛الذاكرة المشكلة للنوستالجيا والوضع الارباكي الآني المشوش للهوية ،ليجد الشخص نفسه في صورة مقاومة دائمة نتيجة هذه الإكزيزفرينية التي تسكن الفضاء الامبراطوري التوسُّعي حيث يختزن داخله أنظمة السلط المختلفة التاريخية والجغرافية والدينية تعكس وجه السيطرة لكون الرواية واجهة مثاقفة حقيقية تتداخل فيها السلطات الرمزية وتتجلي فيها مظاهر القمع والسيطرة وفي ذات الوقت تتمظهر فيها أساليب المقاومة.
وتدخل الهوية المقاومة في هويات غيرها نتيجة الترضيات التحتية التي يقدمها التأسلب على سبيل التداخل المشكل للبني النصية فهناك تراكب خارجي /تاريخي وتراكب داخلي / نصي يخلط الوضعيات بعضها في بعض حيث يكون الأول منظورا نمطيا، ويكون الثاني في بناء في الآخر نتيجة أسلوب الهيمنة الذي يمارسه الحكي على الأبعاد الأسلوبية والوصفية الدقيقة للزمن والشخصية ولعلنا هنا نمارس إقلابا لوضع الأمير الذي أنهكه فضاء المراسلات الذي يبدو في ظاهره إنسانيا ولا منتميا للترسيم الكولنيالي لكنه يختزن فضاء إمبراكوريا من كونه لم يكن حوارا مبنيا على التفاعل والندية بقدر ما كان عنصريا واستيلابيا للنتاج التطهيري لشخص الأمير وهنا وقع الامير في إشكال أسلوبي ومنظوري وبالتالي وقع في مطب هوية جديدة من حيث أن السارد بحث له عن نظام تعريضي حيث أقحمه في مؤسسة أو شكل تاريخي معرفي أخرج الأمير في إشكالات خارجة عنه أصبح الامير خارج المكان الثقافي .
إنها الضريبة الأخلاقية التي دفعها الأمير جرّاء أَسْيَقته خارج مجاله التداولي إلى مجال سردي كان فيه الحكواتيّ قسيسا مسيحيا تحدد في شخص المونسينيور 'ديبوش'.
إن التسامح الذي أقرأه في شخص الأمير ـ من خلال الرواية ـ أفقده توازنه وجعله يمشي على رأسه كمن تخبطه المس، وجدت أميرا منسلخا فعلا من كل انتماءاته، أميرا مشوها ممسوخا أراد أن يحتكم إلى سلطان الحكاية فضاعت حكايته، أراد أن يبني مجدا بلسان المسيح لكنه تسربل بعبارة قلقة.. حاول أن يصدر للعالم المسرود له صورة كونية عن تسامحه لكنه أفرغ محليته من التناغم مع التسامح: ' إن مفهوم التسامح متغطرس بسبب أنه علامة على حالة الوصاية التي جعل كانط الخروج منها شرطا للتنوير. ليس يتسامح إلا من كان يملك سلطة ما علينا (....) إن التسامح هو الصيغة الناعمة من الوصاية وأساسها الأخلاقي والتغطرس هو انفعال بلا حرية، لأنه يتغذى من الحاجة الوهمية للسلطة أو للمرجعية التي يفلح الأوصياء في تنصيبها في وعي العاجزين عن التفكير بأنفسهم'.
النافذ إلى عبارة الأمير في الرواية يجدها فقدت العقل أصبحت مشوهة منسوبة إلى قائل أعلى رتبة، تتقوى بمقوله لعلها تحصل على صك الرحمة.
في الرواية حلقة مضمرة حين يعرف القارئ الحصيف أن هذا النوع من السرود يفرغ المعنى مما يحيل إليه يجعله متبلغا بغيره لا بذاته، حين ينتزع السارد لسان شخوصه بل حين ينتزع القوي، الوصي 'ديبوش' لسان المغلوب 'الأمير' ليروّج لإنسانيته.
إنه إقصاء مقلوب ومصادرة محسومة في اللذة المجهضة داخل حلقة التراسل العباري حين أوسع السارد من دائرة المونسينيور 'ديبوش' وضيق خناق القول على 'الأمير' تلك اللغة التي أفضت الأمير إلى هوية مغايرة تماما لما عرفناه عنه أنه يقف على صعيد واحد معنا. ذلك الأمير الذي نشأ مكتنزا بأقدار الكلام لا يمكنه أخلاقيا أن يتنازل لغيره حكاية فهو متمنع فلوت لذلك ـ في تقديري ـ أخلت الرواية سيميائيا من ظهور الأمير مقتدرا بل عجزت الرواية على تحين الأمير لأن المرجع الذي احتكمت إليه أخل بضروب استحضار الأمير وانخراطه سرديا أفرغته الحكاية أنطولوجيا من محتواه العلامي لصالح أمير مغاير؛ هلاميا ضبابي انتكست فيه ـ في تصوري ـ المؤولات التحيينية التعريفية والعوالم الممكنة، لأنها فقدت مرجعها الإشاري لصالح مرجع آخر امّحت على عتباته سمات الأمير عبد القادر لأمير متخيّل متوهم، أمير أصبح مشغولا بسنن القول الحضاري من أجل الحوار الذي يفضي إلى التوحد بين الأديان والأجناس لإرضاء المتقول الأقوى الذي أُسند إليه الحكي المونسنيور 'ديبوش' وبقي الأمير هامشا على المركز.
إن السارد يستعيض بالأمير / الوثيقة التاريخية / أميرا مقيدا ومجهضا والحرية بالنسبة للمتصوف عقيدة تخلصه من الحتميات المقيمة فيه خاصة إذ علمنا أن الرياضة الروحية للأمي تجاوزت به حدود القيود المادية لتجعله مخترقا للمكان والقول لأنه تحرر من الأبواب المصطنعة، إن المتصوف مكين في عالم العبارة متجرد بنفسه عن غيره، فائض بمعناه، نافذ بروحه خلف الحواجز وبالتالي فإن المسالك السردية 'مسالك أبواب الحديد: السجن المادي .. السجن السردي.. السجن العباري .. السجن الإشهاري..' الذي اختزنته فيه الرواية فضحت جهلها العباري والاشاري بطبقات الأمير العرفانية.
فالسجن 'مسالك أبواب الحديد' لم تنل من عزيمة الأمير الذي أحالته سرديا إلى مقول أغتصب فعله، لقد كان الأمير/تاريخيا فاعلا، فلا ندري كيف تحول في الرواية إلى مفعول به يناشد الخلاص من خلال ذوبانه وحلوله إلى تلك المراسلات الإستجدائية، إنه فعل نصيّ أَرْكَسَ الأمير وأسلمه إلى منفصل تحويلي مع كل رسالة للتدافع أقاويله الشرطية في رسم مسار سردي محبط.
فهل تريد الرواية أن تكون بديلا عن التاريخ؟
والرواية المذكورة نوع من السير الذاتي حاولت تتبع مسار الأمير لكن بنياتها الإيديولوجية استنبتت أميرا خارج الفضاء، بل أميرا أراد السارد استنهاضه أو تحيينه بيننا فلماذا يا ترى هذا الاستدعاء المشوه؟ الذي لم نتبين حاجة تثويره لهذه الجثة التي تم تناقلها على فراش الحكي فتخلقت موتا من بعد موات.
ونجد على النقيض قسيسا /متلفظا ترامت جثته رمادا اختلطت بالماء عنصر الحياة وبالحكي عنصر الذاكرة؛ الحياة المفضية إلى الخلود السردي فالتذكر عنصر الحياة كذلك فيما قال 'نيتشه' الإنسان حيوان يتذكر، تلك هي عجينة المونسنيور 'ديبوش' في الرواية فاعلا تمرس في أساس الحكاية بينما الأمير منفعل مهزوم نتيجة الوصاية والإقصاء والإبعاد والسجن /الوثيقة التاريخية / واستلاب الحكاية والقول/ السرد، بل جعله السارد متضمن في القول الساكن في أحشاء العبارة كالمستكين في السجن ينتظر البشارة من أجل الخلاص.
هذا التعوير في التركيب السيميائي للشخصية (الأمير) لا يحتاج فيه الأمير إلى دليل على رسوخه في القول حتى يبني مجده خارج لسانه، خارج مقوله:
وكيف يصبح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؟
تأسيسا على ماتم تحريكه ، نلاحظ أن الخطاب الروائي إنما ينبني أساسا على ترميم النقص الذي أصاب الحادثة التاريخية ، بل عمل هذا الخطاب على نسق الحادثة أو الوثيقة لصالح الذاتية في تحقيق الترضية، في سبيل الحصول على رضى المسيح وهو من قبيل حوار الحضارات التي تروج له رواية ' الأمير مسالك أبواب الحديد 'لكنها جرت علي الأمير انسلاخه من إطار تداولي ولساني فرض عليه المُوالاة المعكوسة في سبيل الحصول على الحرية وتحقيق الإنوجاد المنفعل مع غيره .
تناقل السرد محاوره من الوعي التاريخي الذي أصبح تهويما إيديولوجيا إلى وعي نصي يخص قائله وهو وعي استدعته حاجة خارجة عن نسق الأمير إلى نسق المونسينيور ديبوش .
ونهاية لفاكهة المتعة أقول أنني استمتعت بقراءة عالم غريب صنعته مخيلة سردية في اتجاه أحادي لإظهار الأمير عبد القادر بالمتسامح لكن السارد من حيث لا يدري أضر بالأمير ، إن الخلخلة السردية حصلت على مستويين :
- مستوى موضوعي لموضة حوار الأديان التي باتت مدخلا مهما لإظهار التسامح وولوج الرواية هذا الباب دليل على تعقد علاقات الفضاء الامبراطوري الذي تجاوز فلسفة الوعي إلى ترسيخ فعل البينذاتية التي يتجاوز فيها السارد مشكلة المركزية حول شخص الأمير ليلج حقل التجاذب مع غيره ، وهنا ينخرط الأمير في إشكاليات الراهن وهو نوع من المراوغة الداخلية للتمشكلات الزمنية ،حيث يصبح الأمير ناطقا بمشاكل زمننا من خلال توسيع دائرة الخطاب ، من لحظة ربطه بثقافة الراهن .
- مستوى ذاتي من خلال توسيع دائرة الجمهور للقراءة، سواء في اللغة الأصل او من خلال ترجمة نص الرواية ليصبح لها تفاعل آخر مع جمهور آخر يمكن أن ينخرط في نقاش الرواية، وهذا يعكس وعي الكاتب بالمسألة الإمبراطورية التي قد يشكلها الحكي والحكي المضاد .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى