- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150694
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
التوجيه المدرسي
09/03/12, 02:06 pm
التوجيه المدرسي : نحو اتخاذ القرار السليم
تقديم:
مع حلول الدورة الثانية من كل سنة دراسية ، يزيد الاهتمام بموضوع التوجيه من طرف التلاميذ و أولياء أمورهم، و يبدأ معه التساؤل حول المسالك الدراسية المفتوحة في وجه التلاميذ و المعايير التي تساعد على تحديد الشعبة الدراسية التي تستجيب لرغبات التلميذ و انتظارات أسرته، و ما هي الطريقة التي يجب التعامل معها لتدبير سليم لهذا الملف. أسئلة و أخرى سنحاول الإجابة عليها عبر هذه المداخلة المتواضعة و التي نحاول من خلالها التركيز على التعريف بأهمية التوجيه كحلقة مهمة في المسار الدراسي للتلميذ و كموضوع له قيمته التربوية في إذكاء شعوره بالمسؤولية في اتخاذ القرار بشأن الاختيارات التي يقدم عليها أثناء كل محطة من محطات التوجيه. هذا مع عرض أهم ما يجب التركيز عليه في اختيار الشعبة المناسبة.
1) تعريف التوجيه:
يعرف التوجيه في الميثاق الوطني للتربية و التكوين على أنه جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية و التكوين، بوصفها وظيفة للمواكبة و تيسير النضج و الميول و ملكات المتعلمين واختياراتهم التربوية و المهنية، وإعادة توجيههم كلما دعت الضرورة لذلك.
ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار التوجيه كفعل تربوي يهدف بالأساس إلى مساعدة التلميذ على وضع تصور لمشروعه الشخصي المدرسي منه و المهني و ذلك من خلال:
أولا: معرفته لذاته، بإدراكه لقدراته، مؤهلاته الدراسية و مولاته المهنية.
ثانيا: بمعرفته لمحيطه الاجتماعي، الاقتصادي و الثقافي.
و بين هذا و ذاك، تتأسس العلاقة التفاعلية المستمرة بين ما هو ذاتي و موضوعي، تلك العلاقة التي يحاول التوجيه عبر تدخلاته المتنوعة و أنشطته المختلفة أن ينظمها و يجعلها أكثر وضوحا و انسجاما و ذلك قصد تمكين التلميذ من إيجاد المعادلة السليمة للمزاوجة بين تطلعاته الشخصية التي غالبا ما يعبر عنها على شكل طموحات، متمنيات و أماني، و مستقبل بضوابطه، إكراهاته، و تغيراته المستمرة.
فالتوجيه إذن هو محاولة لجعل التلميذ أكثر إدراكا و بالواقعية اللازمة للعلاقة الجدلية التي تربط بين حاضره الدراسي و مستقبله المهني، بحيث يصبح لديه الوعي الكامل بأن النشاط الدراسي اليومي، و إن كان يهدف في المدى القريب إلى اكتساب مهارات، معارف، قيم ومبادئ، إلا انه على المدى البعيد، يجب أن يكسبه القدرة على الاندماج في الحياة الاجتماعية و في بناء مستقبله الشخصي. وهاته غايات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تتويج المسار الدراسي الذي يمتد عبر سنين طويلة من المجهود و التضحيات، سواء من طرف التلميذ أو ذويه، بالحصول على فرصة مزالة نشاط مهني يكون بمثابة مصدر رزق للعيش الكريم من جهة، ومساهمة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد من جهة ثانية.
إذن بين حاضر متحرك و مستقبل متغير، بين فرد في طور التكوين و محيط متقلب ، يشتغل التوجيه بمحاولاته نسج الخيوط المتشابكة بين الجانبين ،و العمل على ترتيبها، تنظيمها و تصويبها إلى حين تحقيق الأهداف المنتظرة للفرد و للمجتمع.
إن الحديث من هذا القبيل، يدفع بنا إلى التذكير بالبعد الاقتصادي و التنموي للتوجيه، فهو و إن كان مجال اشتغاله هو التربية و التكوين، إلا أنه يساهم و بشكل غير مباشر في تحسين المر دودية الاقتصادية عبر مد الجسور الممكنة بين التكوين و حاجيات سوق الشغل و ذلك بإعداد الإنسان المناسب و توجيهه نحو المكان المناسب. بعبارات أخرى، يعمل التوجيه على تمكين الكفاءات من الموارد البشرية من الاستجابة الفعلية لانتظارات القطاعات الإنتاجية و الخدماتية.
هذه مجرد بعض العناصر التعريفية للتوجيه، الأهداف و الغايات التي وضع من أجلها . لكن، كيف يتجسد هذا المفهوم لدى التلميذ عندما نتحدث عنه و بلغة بسيطة كاستعمال مدرسي؟
يمثل التوجيه عند التلميذ ذلك الاختيار الذي يعبر عنه و عبر محطات دراسية متعددة ، بدءا من الثالثة إعدادي، لشعبة دراسية من ضمن مجموعة من الشعب يتعرف عليها من خلال اللقاءات التي يعقدها المستشار في التوجيه بصفة منتظمة،تلك الشعبة التي يتابع فيها دراسته بالمرحلة الثانوية التأهيلية و التي تتوج بنيل شهادة الباكلوريا، و بالتأكيد أن هذه الشهادة هي التي تحدد نوع الدراسة و نوع التكوين الذي سيتلقاه الطالب بالمرحلة الجامعية. و بذلك يكون الاختيار الذي يعبر عنه التلميذ بالثالثة إعدادي هو أول خطوة يخطوها نحو المستقبل.
و لضمان أوفر الحظوظ في الاختيار الأنجع، يجب أن يتم اعتماد و مراعاة مجموعة من المعايير أثناء الإقبال على اتخاذ أي قرار بهذا الشأن.فما هي إذن هاته المعايير التي يجب استحضارها و أخذها بعين الاعتبار من طرف التلميذ و أسرته في اختيار شعبة ما؟
2) معايير اختيار الشعبة الدراسية:
إن الكلمة المحور في تعريف التوجيه هي الاختيار، و عندما نتحدث عن هذا المفهوم، فهذا يقتضي:
من جهة، وجود مجموعة من الشعب و المسالك التي يختار منها التلميذ شعبة واحدة، الشيء الذي يستوجب منه الاطلاع على مختلف هذه الشعب مع ضرورة التمييز بينها في الأهمية بالنسبة له و على ضوء ما تختزنه له من فرص في التشغيل مستقبلا.
و من جهة ثانية،وجود مجموعة مقاييس و معايير يحتكم إليها التلميذ عند قيامه بفعل الاختيار. و هي بمثابة مرجعية يصدر منها أحكام قيمة ذاتية و موضوعية على الشعبة التي سيقع عليها اختياره. إذن المهمة بالنسبة للتلميذ قد تبدو للوهلة الأولى سهلة و في المتناول، لكن عندما يخوض في تفاصيل و متاهات العملية، وعندما يريد التفكير في جميع العناصر المتدخلة في اتخاذ القرار مع تداخلاتها و تشابكاتها، فإن الأمر يصبح عكس ما كان يتوقعه، لينتهي به التفكير إلى استشعار صعوبة المهمة و الحاجة الملحة إلى استشارة فاعلين آخرين و في مقدمتهم الأطر التربوية و المستشار في التوجيه أساسا. ولعل أهم ما يجب التركيز عليه من طرف التلميذ كمعايير للاختيار هو:
ا) المؤهلات أو القدرات الدراسية:
وتتمثل فيما يتوفر عليه التلميذ من إمكانيات و كفايات دراسية تمكنه من التميز في المواد الدراسية جميعها أو بعضها و تتجلى تلك المؤهلات من خلال النتائج الدراسية الجيدة التي يحصل عليها في مختلف الفروض و الامتحانات التي يجتازها. تلك النتائج التي غالبا ما يوازيها تعبير عن ارتياح كبير في صفوف الأساتذة بشأن الأداء الدراسي للتلميذ في تحصيل المعارف و المهارات وفي استثمارها بالشكل الأنسب في أنشطته الدراسية.
و هنا لايجب الاقتصار فقط على هذه المؤشرات في الحكم على المستوى الدراسي للتلميذ و مدى أهليته لمتابعة الدراسة بالشعبة المطلوبة، بل يمكنه الاعتماد على تقويمه الذاتي و ذلك أولا ، من خلال قراءته لمساره الدراسي و الوقوف على أماكن القوة و الضعف التي عرفها ذلك المسار، و ثانيا، من خلال مستوى ثقته بنفسه تجاه المواد المؤهلة للشعبة علما بأن لكل شعبة دراسية موادها التي عادة ما نسميها بالمؤهلة أو مواد التخصص.
ولعل هذه العناصر مجتمعة هي التي يمكن اعتمادها في الوقت الراهن للحكم على مدى توفر المؤهلات من عدمها في مسايرة الدراسة بنجاح و ذلك في غياب اختبارات أو روائز مقننة و ثابثة الصلاحية خاصة بتقويم معارف و مهارات التلميذ.
ب) الإمكانيات المادية:
المقصود بالإمكانيات المادية هو مدى قدرة التلميذ و أسرته على تحمل بعض النفقات المادية الإضافية المرتبطة بتوجيه التلميذ لشعبة معينة. و هنا تجدر الإشارة إلى أن بعض الشعب تكون مكلفة ماديا أكثر من غيرها كأن يتوجه التلميذ إلى شعبة الفنون التطبيقية أو العلوم الاقتصادية... حيث المراجع و اللوازم المدرسية تكون مرتفعة الثمن، أو أن يتوجه إلى شعبة خارج البلدة حيث تزيد مصاريف التنقل ،توفير ظروف الإقامة، تعويض النقص الكبير الذي تعرفه الوجبات الغذائية بالداخليات المدرسية. إن استحضار هذا العامل و مهما تكن هامشية أهميته، إلا أن التأكيد عليه من طرف المستشار في التوجيه في حملته الإعلامية يبقى ذا أهمية كبرى لبعض التلاميذ و أسرهم.
ج) القدرة على العيش في ظروف جديدة:
إن هذا العامل يهم خصوصا التلاميذ الذين يختارون شعبا تفرض عليهم مغادرة البيت الأسري و الإقامة خارج البلدة إما بالداخلية مع مجموع التلاميذ الداخليين أو باكتراء محل للسكن. وهنا لابد للتلميذ و ولي أمره أن يفحصوا جيدا و بشكل دقيق قدرة التلميذ على تحمل ظروف مثل تلك التي سيعيش فيها و مدى استعداده للتكيف و بسرعة معها، لأنه إن طال أمد عملية التكيف، فتصبح مصدر قلق و إزعاج ينعكس في نهاية المطاف و بشكل سلبي على الأداء الدراسي . و التعامل مع هذا المعطى يختلف بطبيعة الحال من أسرة إلى أخرى حسب الانتماء الاجتماعي، حسب الجنس: ذكر أو أنثى، حسب نوع العلاقات العاطفية التي تربط التلميذ بأفراد أسرته، و أيضا حسب التجربة الشخصية للتلميذ عبر مرحلتي الطفولة و المراهقة.
د) الميولات الدراسية و المهنية:
نفضل في البداية الحديث عن الميول الدراسي لأنه وحسب ما نعيشه في الميدان، أغلبية التلاميذ و بالخصوص
أثناء المرحلة الإعدادية و التأهيلية و قبل الوصول بالضبط إلى مستوى الثانية باكلوريا، يتعاملون مع ملف التوجيه في إطاره المدرسي فقط و لا يشعرون أن هناك ضرورة للتفكير في المستقبل ، الشيء الذي يجعل التلميذ لا يتعامل بالجدية المطلوبة مع كل المعايير الموضوعية ليختزلها في إحدى أو بعض المبررات الغير المقنعة. و للتوضيح، نسوق أمثلة لبعض المقاييس التي يفسربها التلميذ اختياره للشعبة: كأن يقول مثلا و هو يجيب عن السؤال: لماذا اخترت تلك الشعبة؟
- لأن صديقي اختارها و نريد أن نتقاسم القسم و شراء الكتب.
- لتغيير المؤسسة.
- لأن أخي سبق له أن اختار نفس الشعبة.
- لأن أساتذة المواد المؤهلة لشعبة معينة يتساهلون في التصحيح.
و هذه نماذج فقط لمجموعة أخرى من المبررات التي يقنع بها التلميذ نفسه لاختيار الشعبة، وهي التي نعتبرها من بين الأخطاء التي يرتكبها التلميذ و معه أسرته فيما يتعلق بتعاملهما مع موضوع التوجيه.
و عندما نقول أن التلميذ يميل إلى شعبة ما، فهذا يعني أنه يميل على وجه التحديد إلى موادها الأساسية ويعبر عن ذلك من خلال مواقف إيجابية تجاه تلك المواد: فتجده مثلا مشتاق لدخول حصص المواد التي يفضلها، كما أنه يتحدث عنها و عن أساتذتها بإيجابية ، ويشعر بارتياح كبير و هو يدرس تلك المواد،و في نفس الوقت ، تمر المدة الزمنية المخصصة لها بسرعة و لا يحس البثة بأي ملل. كما أن إقبال التلميذ أثناء أوقات فراغه على إنجاز أنشطة متعلقة بتلك المواد و بطريقة تكاد تكون لاشعورية يبقى ذات دلالة مهمة فيما يتعلق بموضوع الميولات. و كل هذه العوامل تترجم في نهاية المطاف في النتائج الجيدة التي يحصدها في الاختبارات الخاصة بتلك المواد. الشيء الذي يدعم بشكل كبير، ارتباطه العاطفي و النفسي بتلك المواد و بالتالي يقوي ثقته في نفسه.
هذه ربما بعض من المؤشرات التي يمكن للتلميذ اعتمادها لتحديد جانبيته فيما يخص المواد الدراسية إن هو أدبي، علمي، تقني ، فني... لتبقى المهمة الصعبة بعد ذلك متمثلة في اكتشاف الميول المهني و الذي نعتبره من بين المحددات الأساسية للاختيار في مجال التوجيه التربوي.
و في الحديث عن الميول المهني، يمكن التمييز داخل مؤسساتنا التربوية و بالخصوص منها الثانوية التأهيلية بين فئتين من التلاميذ:
1) فئة تتميز بالنضج المهني و هي فئة التلاميذ الذين يعبرون بكل وضوح و اقتناع عن ما يتطلعون إليه كنشاط مهني في المستقبل و يبرهنون على اختياراتهم تلك بأدلة موضوعية و مقنعة و تكاد تكون جامعة.و يبقى هذا المستوى من النضج بالنسبة لهم مصدر تحفيز على العطاء الجيد و على بذل المزيد من المجهود.
2) الفئة الثانية و هي، مع الأسف، الفئة العريضة من التلاميذ، و يتميزون بالغموض تارة و بالاضطراب تارة أخرى في تحديد ميولاتهم المهنية، فتجدهم إما غير قادرين على الحسم في اختياراتهم و إما غير مستقرين على حال، الشيء الذي يعبرلديهم عن مستوى ضعيف من النضج المهني. و يعزى هذا الأمر إلى وجود نسبة مهمة من هذه الشريحة غير مبالية لا بحاضرها و لا بمستقبلها و غالبا ما يكون اهتمامها بالشأن التعليمي عموما و بموضوع التوجيه على وجه التحديد ضعيفا. وضمن هؤلاء، تسجل ظواهر العنف ، السلوكات الغير المسؤولة و المتهورة، التمرد على النظام الداخلي للمؤسسة...
و إن كان السواد الأعظم من تلامذتنا يعانون من نقص كبير في إنضاج و صقل ميولاتهم المهنية، فإن الوضع يتطلب إذن التدخل من مختلف الأطراف لاحتواء الموضوع و توفير أفضل السبل و الوسائل لمعالجته. فالتوجيه ببلادنا كممارسة تربوية يفتقر للوسائل و الأدوات التي يمكن تسخيرها في هذا المجال اللهم إذا استثنينا استمارة الميولات و المهن و هي بالمناسبة الوحيدة التي وضعت رهن إشارة أطر التوجيه العاملة بالقطاعات المدرسية. و يمكن عند الضرورة اللجوء إليها من طرف التلميذ و ذلك بربط الاتصال بالمستشار في التوجيه. و للاستئناس فقط ، نقدم فيما يلي جدولة تتضمن العشر ميولات مهنية الواردة في الاستمارة مع أمثلة للمهن حسب كل ميل مهني. و يمكن للتلميذ، بعد الاطلاع عليها ، أن يحدد في أي مجال مهني يمكن أن يحقق ذاته.
هـ) الآفاق المهنية:
إن الوظيفة الأساسية للمدرسة عبر المرحلتين الابتدائية و الإعدادية ، سواء لدى التلاميذ أو أسرهم ، هي في الأساس إعدادهم للاندماج في الحياة الاجتماعية و ذلك بتمكينهم من القراءة، الكتابة و العمليات الحسابية ، وكذا تربيتهم على قيم الدين و المواطنة... و هذه المراحل التعليمية هي ما يصطلح عليها عادة بالتعليم الأساسي الذي تعتبره وزارة التربية الوطنية إجباريا نظرا لأهميته في بناء مجتمع سليم و قادرعلى مواكبة التطورات الحديثة و المساهمة في تنمية البلاد.
إن هذه الأهداف و إن كانت هي ما يبرر به الآباء كل التضحيات التي يقدمونها لفلذات أكبادهم، إلا أنها ليست الوحيدة، بل يبقى العمل على ضمان المستقبل من خلال النشاط الدراسي من ابرز الأهداف التي يشتغل عليها الجميع.
و إن كان الحديث في بلدنا عن الآفاق المهنية للشعب الدراسية و التكوينية في المستقبل ، مع الأسف، لا يبدأ إلا في وقت متأخر و بالخصوص عند الاقتراب من الحصول على شهادة الباكلوريا، فلأن منظومة التوجيه، و لأسباب متعددة ،لا تزال تعمل بآليات و وسائل عمل بدائية، و لا تواكب التطورات التي يعرفها البحث التربوي في هذا المجال، لتبقى الأهداف التي يحققها متواضعة و لا ترقى إلى مستوى انتظارات المجتمع.
و لكن مع ذلك ، يبقى الانشغال بما ستؤدي إليه الشعب الدراسية و المسالك التكوينية في المستقبل من العناصر المهمة التي يجب التفكير فيها بشكل جدي ، لأنه لا يعقل أن التلميذ ، بعد مشوار طويل من الدراسة ، يجد نفسه أمام شبح البطالة و عرضة للتهميش الاجتماعي و ما يترتب عن ذلك من مشاكل أسرية و نفسية.
ففي اعتقادنا المتواضع ، و بالنظر إلى الوضع الاجتماعي لأغلب الأسر المغربية ، فإن هذا المعيار هو الذي يجب إعطاؤه الأولوية في سلم الانشغالات ، علما بأن أهم عامل يساعد الفرد على الاندماج الاجتماعي و الحفاظ على التوازن النفسي هو المساهمة في التنمية عبر مزاولة نشاط مهني ينسجم و المجهود الذي بذله ذلك الفرد في الماضي .
وبناء على ما سلف ذكره ،فقيمة الشعبة أو المسلك الذي سيقبل عليه التلميذ يجب أن يقاس بمقدار ما يضمنه من فرص في التشغيل مستقبلا بعد الحصول على شهادة الباكلوريا . و للإشارة فقط ، نثير الانتباه إلى أنه كلما كان بمقدور التلميذ التوجيه إلى ما هو علمي أو تقني ، كلما كان أفضل بالنسبة له إذا ما نظرنا للموضوع من زاوية العرض و الطلب الذي يعرفه سوق الشغل . و إن تأكيد وزارة التربية الوطنية على توجيه ثلثي الناجحين إلى الشعب العلمية و التقنية ليؤكد ما نقوله
خاتمة :
إن اتخاذ القرار بشأن الشعبة الدراسية التي سيتابع فيها التلميذ دراسته ليعتبر ذات أهمية بالغة لكونه يتحكم بشكل كبير في مصير التلميذ الدراسي و المهني و بالتالي ، وجب إعطاؤه ما يستحقه من عناية و ذلك بإحاطته من جميع الجوانب و اعتماد مقاربة شمولية فيما يخص العوامل التي تؤثرعليه بشكل مباشر أو غير مباشر ، و لا يسمح بإغفال أي معيار من المعايير السالفة الذكر، مع ضرورة تجنب التعامل الآني و المناسباتي مع الموضوع .
إننا نعترف أنه ليس من السهل على التلميذ و لا على أسرته معالجة الاختيار في ظل كل هاته المتغيرات و في غياب وسائل القياس البيداغوجية و النفسية ذات المواصفات العلمية لتشخيص بعض الجوانب المتعلقة بالآداء الدراسي من جهة و بشخصية التلميذ في أبعادها النفسية و الاجتماعية من جهة ثانية .
و لكن يبقى من الأكيد أنه إذا ما أعطي هذا الموضوع حقه من الاهتمام ، فإن دائرة نقاشه ستتسع لتشمل مجموعة من الفاعلين و على رأسهم الأطر التربوية و الإدارية ، بعض المهنيين ، أطر المراقبة التربوية ، أطر التوجيه بمختلف مستوياتهم...و ستكون النتيجة في النهاية هي التقليص الكبير من هامش ارتكاب الخطإ .
محمد النوادير
مستشار في التوجيه التربوي
نيابة إنزكان أيت ملول
منقول لتعميم الفائدة
تقديم:
مع حلول الدورة الثانية من كل سنة دراسية ، يزيد الاهتمام بموضوع التوجيه من طرف التلاميذ و أولياء أمورهم، و يبدأ معه التساؤل حول المسالك الدراسية المفتوحة في وجه التلاميذ و المعايير التي تساعد على تحديد الشعبة الدراسية التي تستجيب لرغبات التلميذ و انتظارات أسرته، و ما هي الطريقة التي يجب التعامل معها لتدبير سليم لهذا الملف. أسئلة و أخرى سنحاول الإجابة عليها عبر هذه المداخلة المتواضعة و التي نحاول من خلالها التركيز على التعريف بأهمية التوجيه كحلقة مهمة في المسار الدراسي للتلميذ و كموضوع له قيمته التربوية في إذكاء شعوره بالمسؤولية في اتخاذ القرار بشأن الاختيارات التي يقدم عليها أثناء كل محطة من محطات التوجيه. هذا مع عرض أهم ما يجب التركيز عليه في اختيار الشعبة المناسبة.
1) تعريف التوجيه:
يعرف التوجيه في الميثاق الوطني للتربية و التكوين على أنه جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية و التكوين، بوصفها وظيفة للمواكبة و تيسير النضج و الميول و ملكات المتعلمين واختياراتهم التربوية و المهنية، وإعادة توجيههم كلما دعت الضرورة لذلك.
ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار التوجيه كفعل تربوي يهدف بالأساس إلى مساعدة التلميذ على وضع تصور لمشروعه الشخصي المدرسي منه و المهني و ذلك من خلال:
أولا: معرفته لذاته، بإدراكه لقدراته، مؤهلاته الدراسية و مولاته المهنية.
ثانيا: بمعرفته لمحيطه الاجتماعي، الاقتصادي و الثقافي.
و بين هذا و ذاك، تتأسس العلاقة التفاعلية المستمرة بين ما هو ذاتي و موضوعي، تلك العلاقة التي يحاول التوجيه عبر تدخلاته المتنوعة و أنشطته المختلفة أن ينظمها و يجعلها أكثر وضوحا و انسجاما و ذلك قصد تمكين التلميذ من إيجاد المعادلة السليمة للمزاوجة بين تطلعاته الشخصية التي غالبا ما يعبر عنها على شكل طموحات، متمنيات و أماني، و مستقبل بضوابطه، إكراهاته، و تغيراته المستمرة.
فالتوجيه إذن هو محاولة لجعل التلميذ أكثر إدراكا و بالواقعية اللازمة للعلاقة الجدلية التي تربط بين حاضره الدراسي و مستقبله المهني، بحيث يصبح لديه الوعي الكامل بأن النشاط الدراسي اليومي، و إن كان يهدف في المدى القريب إلى اكتساب مهارات، معارف، قيم ومبادئ، إلا انه على المدى البعيد، يجب أن يكسبه القدرة على الاندماج في الحياة الاجتماعية و في بناء مستقبله الشخصي. وهاته غايات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تتويج المسار الدراسي الذي يمتد عبر سنين طويلة من المجهود و التضحيات، سواء من طرف التلميذ أو ذويه، بالحصول على فرصة مزالة نشاط مهني يكون بمثابة مصدر رزق للعيش الكريم من جهة، ومساهمة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد من جهة ثانية.
إذن بين حاضر متحرك و مستقبل متغير، بين فرد في طور التكوين و محيط متقلب ، يشتغل التوجيه بمحاولاته نسج الخيوط المتشابكة بين الجانبين ،و العمل على ترتيبها، تنظيمها و تصويبها إلى حين تحقيق الأهداف المنتظرة للفرد و للمجتمع.
إن الحديث من هذا القبيل، يدفع بنا إلى التذكير بالبعد الاقتصادي و التنموي للتوجيه، فهو و إن كان مجال اشتغاله هو التربية و التكوين، إلا أنه يساهم و بشكل غير مباشر في تحسين المر دودية الاقتصادية عبر مد الجسور الممكنة بين التكوين و حاجيات سوق الشغل و ذلك بإعداد الإنسان المناسب و توجيهه نحو المكان المناسب. بعبارات أخرى، يعمل التوجيه على تمكين الكفاءات من الموارد البشرية من الاستجابة الفعلية لانتظارات القطاعات الإنتاجية و الخدماتية.
هذه مجرد بعض العناصر التعريفية للتوجيه، الأهداف و الغايات التي وضع من أجلها . لكن، كيف يتجسد هذا المفهوم لدى التلميذ عندما نتحدث عنه و بلغة بسيطة كاستعمال مدرسي؟
يمثل التوجيه عند التلميذ ذلك الاختيار الذي يعبر عنه و عبر محطات دراسية متعددة ، بدءا من الثالثة إعدادي، لشعبة دراسية من ضمن مجموعة من الشعب يتعرف عليها من خلال اللقاءات التي يعقدها المستشار في التوجيه بصفة منتظمة،تلك الشعبة التي يتابع فيها دراسته بالمرحلة الثانوية التأهيلية و التي تتوج بنيل شهادة الباكلوريا، و بالتأكيد أن هذه الشهادة هي التي تحدد نوع الدراسة و نوع التكوين الذي سيتلقاه الطالب بالمرحلة الجامعية. و بذلك يكون الاختيار الذي يعبر عنه التلميذ بالثالثة إعدادي هو أول خطوة يخطوها نحو المستقبل.
و لضمان أوفر الحظوظ في الاختيار الأنجع، يجب أن يتم اعتماد و مراعاة مجموعة من المعايير أثناء الإقبال على اتخاذ أي قرار بهذا الشأن.فما هي إذن هاته المعايير التي يجب استحضارها و أخذها بعين الاعتبار من طرف التلميذ و أسرته في اختيار شعبة ما؟
2) معايير اختيار الشعبة الدراسية:
إن الكلمة المحور في تعريف التوجيه هي الاختيار، و عندما نتحدث عن هذا المفهوم، فهذا يقتضي:
من جهة، وجود مجموعة من الشعب و المسالك التي يختار منها التلميذ شعبة واحدة، الشيء الذي يستوجب منه الاطلاع على مختلف هذه الشعب مع ضرورة التمييز بينها في الأهمية بالنسبة له و على ضوء ما تختزنه له من فرص في التشغيل مستقبلا.
و من جهة ثانية،وجود مجموعة مقاييس و معايير يحتكم إليها التلميذ عند قيامه بفعل الاختيار. و هي بمثابة مرجعية يصدر منها أحكام قيمة ذاتية و موضوعية على الشعبة التي سيقع عليها اختياره. إذن المهمة بالنسبة للتلميذ قد تبدو للوهلة الأولى سهلة و في المتناول، لكن عندما يخوض في تفاصيل و متاهات العملية، وعندما يريد التفكير في جميع العناصر المتدخلة في اتخاذ القرار مع تداخلاتها و تشابكاتها، فإن الأمر يصبح عكس ما كان يتوقعه، لينتهي به التفكير إلى استشعار صعوبة المهمة و الحاجة الملحة إلى استشارة فاعلين آخرين و في مقدمتهم الأطر التربوية و المستشار في التوجيه أساسا. ولعل أهم ما يجب التركيز عليه من طرف التلميذ كمعايير للاختيار هو:
ا) المؤهلات أو القدرات الدراسية:
وتتمثل فيما يتوفر عليه التلميذ من إمكانيات و كفايات دراسية تمكنه من التميز في المواد الدراسية جميعها أو بعضها و تتجلى تلك المؤهلات من خلال النتائج الدراسية الجيدة التي يحصل عليها في مختلف الفروض و الامتحانات التي يجتازها. تلك النتائج التي غالبا ما يوازيها تعبير عن ارتياح كبير في صفوف الأساتذة بشأن الأداء الدراسي للتلميذ في تحصيل المعارف و المهارات وفي استثمارها بالشكل الأنسب في أنشطته الدراسية.
و هنا لايجب الاقتصار فقط على هذه المؤشرات في الحكم على المستوى الدراسي للتلميذ و مدى أهليته لمتابعة الدراسة بالشعبة المطلوبة، بل يمكنه الاعتماد على تقويمه الذاتي و ذلك أولا ، من خلال قراءته لمساره الدراسي و الوقوف على أماكن القوة و الضعف التي عرفها ذلك المسار، و ثانيا، من خلال مستوى ثقته بنفسه تجاه المواد المؤهلة للشعبة علما بأن لكل شعبة دراسية موادها التي عادة ما نسميها بالمؤهلة أو مواد التخصص.
ولعل هذه العناصر مجتمعة هي التي يمكن اعتمادها في الوقت الراهن للحكم على مدى توفر المؤهلات من عدمها في مسايرة الدراسة بنجاح و ذلك في غياب اختبارات أو روائز مقننة و ثابثة الصلاحية خاصة بتقويم معارف و مهارات التلميذ.
ب) الإمكانيات المادية:
المقصود بالإمكانيات المادية هو مدى قدرة التلميذ و أسرته على تحمل بعض النفقات المادية الإضافية المرتبطة بتوجيه التلميذ لشعبة معينة. و هنا تجدر الإشارة إلى أن بعض الشعب تكون مكلفة ماديا أكثر من غيرها كأن يتوجه التلميذ إلى شعبة الفنون التطبيقية أو العلوم الاقتصادية... حيث المراجع و اللوازم المدرسية تكون مرتفعة الثمن، أو أن يتوجه إلى شعبة خارج البلدة حيث تزيد مصاريف التنقل ،توفير ظروف الإقامة، تعويض النقص الكبير الذي تعرفه الوجبات الغذائية بالداخليات المدرسية. إن استحضار هذا العامل و مهما تكن هامشية أهميته، إلا أن التأكيد عليه من طرف المستشار في التوجيه في حملته الإعلامية يبقى ذا أهمية كبرى لبعض التلاميذ و أسرهم.
ج) القدرة على العيش في ظروف جديدة:
إن هذا العامل يهم خصوصا التلاميذ الذين يختارون شعبا تفرض عليهم مغادرة البيت الأسري و الإقامة خارج البلدة إما بالداخلية مع مجموع التلاميذ الداخليين أو باكتراء محل للسكن. وهنا لابد للتلميذ و ولي أمره أن يفحصوا جيدا و بشكل دقيق قدرة التلميذ على تحمل ظروف مثل تلك التي سيعيش فيها و مدى استعداده للتكيف و بسرعة معها، لأنه إن طال أمد عملية التكيف، فتصبح مصدر قلق و إزعاج ينعكس في نهاية المطاف و بشكل سلبي على الأداء الدراسي . و التعامل مع هذا المعطى يختلف بطبيعة الحال من أسرة إلى أخرى حسب الانتماء الاجتماعي، حسب الجنس: ذكر أو أنثى، حسب نوع العلاقات العاطفية التي تربط التلميذ بأفراد أسرته، و أيضا حسب التجربة الشخصية للتلميذ عبر مرحلتي الطفولة و المراهقة.
د) الميولات الدراسية و المهنية:
نفضل في البداية الحديث عن الميول الدراسي لأنه وحسب ما نعيشه في الميدان، أغلبية التلاميذ و بالخصوص
أثناء المرحلة الإعدادية و التأهيلية و قبل الوصول بالضبط إلى مستوى الثانية باكلوريا، يتعاملون مع ملف التوجيه في إطاره المدرسي فقط و لا يشعرون أن هناك ضرورة للتفكير في المستقبل ، الشيء الذي يجعل التلميذ لا يتعامل بالجدية المطلوبة مع كل المعايير الموضوعية ليختزلها في إحدى أو بعض المبررات الغير المقنعة. و للتوضيح، نسوق أمثلة لبعض المقاييس التي يفسربها التلميذ اختياره للشعبة: كأن يقول مثلا و هو يجيب عن السؤال: لماذا اخترت تلك الشعبة؟
- لأن صديقي اختارها و نريد أن نتقاسم القسم و شراء الكتب.
- لتغيير المؤسسة.
- لأن أخي سبق له أن اختار نفس الشعبة.
- لأن أساتذة المواد المؤهلة لشعبة معينة يتساهلون في التصحيح.
و هذه نماذج فقط لمجموعة أخرى من المبررات التي يقنع بها التلميذ نفسه لاختيار الشعبة، وهي التي نعتبرها من بين الأخطاء التي يرتكبها التلميذ و معه أسرته فيما يتعلق بتعاملهما مع موضوع التوجيه.
و عندما نقول أن التلميذ يميل إلى شعبة ما، فهذا يعني أنه يميل على وجه التحديد إلى موادها الأساسية ويعبر عن ذلك من خلال مواقف إيجابية تجاه تلك المواد: فتجده مثلا مشتاق لدخول حصص المواد التي يفضلها، كما أنه يتحدث عنها و عن أساتذتها بإيجابية ، ويشعر بارتياح كبير و هو يدرس تلك المواد،و في نفس الوقت ، تمر المدة الزمنية المخصصة لها بسرعة و لا يحس البثة بأي ملل. كما أن إقبال التلميذ أثناء أوقات فراغه على إنجاز أنشطة متعلقة بتلك المواد و بطريقة تكاد تكون لاشعورية يبقى ذات دلالة مهمة فيما يتعلق بموضوع الميولات. و كل هذه العوامل تترجم في نهاية المطاف في النتائج الجيدة التي يحصدها في الاختبارات الخاصة بتلك المواد. الشيء الذي يدعم بشكل كبير، ارتباطه العاطفي و النفسي بتلك المواد و بالتالي يقوي ثقته في نفسه.
هذه ربما بعض من المؤشرات التي يمكن للتلميذ اعتمادها لتحديد جانبيته فيما يخص المواد الدراسية إن هو أدبي، علمي، تقني ، فني... لتبقى المهمة الصعبة بعد ذلك متمثلة في اكتشاف الميول المهني و الذي نعتبره من بين المحددات الأساسية للاختيار في مجال التوجيه التربوي.
و في الحديث عن الميول المهني، يمكن التمييز داخل مؤسساتنا التربوية و بالخصوص منها الثانوية التأهيلية بين فئتين من التلاميذ:
1) فئة تتميز بالنضج المهني و هي فئة التلاميذ الذين يعبرون بكل وضوح و اقتناع عن ما يتطلعون إليه كنشاط مهني في المستقبل و يبرهنون على اختياراتهم تلك بأدلة موضوعية و مقنعة و تكاد تكون جامعة.و يبقى هذا المستوى من النضج بالنسبة لهم مصدر تحفيز على العطاء الجيد و على بذل المزيد من المجهود.
2) الفئة الثانية و هي، مع الأسف، الفئة العريضة من التلاميذ، و يتميزون بالغموض تارة و بالاضطراب تارة أخرى في تحديد ميولاتهم المهنية، فتجدهم إما غير قادرين على الحسم في اختياراتهم و إما غير مستقرين على حال، الشيء الذي يعبرلديهم عن مستوى ضعيف من النضج المهني. و يعزى هذا الأمر إلى وجود نسبة مهمة من هذه الشريحة غير مبالية لا بحاضرها و لا بمستقبلها و غالبا ما يكون اهتمامها بالشأن التعليمي عموما و بموضوع التوجيه على وجه التحديد ضعيفا. وضمن هؤلاء، تسجل ظواهر العنف ، السلوكات الغير المسؤولة و المتهورة، التمرد على النظام الداخلي للمؤسسة...
و إن كان السواد الأعظم من تلامذتنا يعانون من نقص كبير في إنضاج و صقل ميولاتهم المهنية، فإن الوضع يتطلب إذن التدخل من مختلف الأطراف لاحتواء الموضوع و توفير أفضل السبل و الوسائل لمعالجته. فالتوجيه ببلادنا كممارسة تربوية يفتقر للوسائل و الأدوات التي يمكن تسخيرها في هذا المجال اللهم إذا استثنينا استمارة الميولات و المهن و هي بالمناسبة الوحيدة التي وضعت رهن إشارة أطر التوجيه العاملة بالقطاعات المدرسية. و يمكن عند الضرورة اللجوء إليها من طرف التلميذ و ذلك بربط الاتصال بالمستشار في التوجيه. و للاستئناس فقط ، نقدم فيما يلي جدولة تتضمن العشر ميولات مهنية الواردة في الاستمارة مع أمثلة للمهن حسب كل ميل مهني. و يمكن للتلميذ، بعد الاطلاع عليها ، أن يحدد في أي مجال مهني يمكن أن يحقق ذاته.
هـ) الآفاق المهنية:
إن الوظيفة الأساسية للمدرسة عبر المرحلتين الابتدائية و الإعدادية ، سواء لدى التلاميذ أو أسرهم ، هي في الأساس إعدادهم للاندماج في الحياة الاجتماعية و ذلك بتمكينهم من القراءة، الكتابة و العمليات الحسابية ، وكذا تربيتهم على قيم الدين و المواطنة... و هذه المراحل التعليمية هي ما يصطلح عليها عادة بالتعليم الأساسي الذي تعتبره وزارة التربية الوطنية إجباريا نظرا لأهميته في بناء مجتمع سليم و قادرعلى مواكبة التطورات الحديثة و المساهمة في تنمية البلاد.
إن هذه الأهداف و إن كانت هي ما يبرر به الآباء كل التضحيات التي يقدمونها لفلذات أكبادهم، إلا أنها ليست الوحيدة، بل يبقى العمل على ضمان المستقبل من خلال النشاط الدراسي من ابرز الأهداف التي يشتغل عليها الجميع.
و إن كان الحديث في بلدنا عن الآفاق المهنية للشعب الدراسية و التكوينية في المستقبل ، مع الأسف، لا يبدأ إلا في وقت متأخر و بالخصوص عند الاقتراب من الحصول على شهادة الباكلوريا، فلأن منظومة التوجيه، و لأسباب متعددة ،لا تزال تعمل بآليات و وسائل عمل بدائية، و لا تواكب التطورات التي يعرفها البحث التربوي في هذا المجال، لتبقى الأهداف التي يحققها متواضعة و لا ترقى إلى مستوى انتظارات المجتمع.
و لكن مع ذلك ، يبقى الانشغال بما ستؤدي إليه الشعب الدراسية و المسالك التكوينية في المستقبل من العناصر المهمة التي يجب التفكير فيها بشكل جدي ، لأنه لا يعقل أن التلميذ ، بعد مشوار طويل من الدراسة ، يجد نفسه أمام شبح البطالة و عرضة للتهميش الاجتماعي و ما يترتب عن ذلك من مشاكل أسرية و نفسية.
ففي اعتقادنا المتواضع ، و بالنظر إلى الوضع الاجتماعي لأغلب الأسر المغربية ، فإن هذا المعيار هو الذي يجب إعطاؤه الأولوية في سلم الانشغالات ، علما بأن أهم عامل يساعد الفرد على الاندماج الاجتماعي و الحفاظ على التوازن النفسي هو المساهمة في التنمية عبر مزاولة نشاط مهني ينسجم و المجهود الذي بذله ذلك الفرد في الماضي .
وبناء على ما سلف ذكره ،فقيمة الشعبة أو المسلك الذي سيقبل عليه التلميذ يجب أن يقاس بمقدار ما يضمنه من فرص في التشغيل مستقبلا بعد الحصول على شهادة الباكلوريا . و للإشارة فقط ، نثير الانتباه إلى أنه كلما كان بمقدور التلميذ التوجيه إلى ما هو علمي أو تقني ، كلما كان أفضل بالنسبة له إذا ما نظرنا للموضوع من زاوية العرض و الطلب الذي يعرفه سوق الشغل . و إن تأكيد وزارة التربية الوطنية على توجيه ثلثي الناجحين إلى الشعب العلمية و التقنية ليؤكد ما نقوله
خاتمة :
إن اتخاذ القرار بشأن الشعبة الدراسية التي سيتابع فيها التلميذ دراسته ليعتبر ذات أهمية بالغة لكونه يتحكم بشكل كبير في مصير التلميذ الدراسي و المهني و بالتالي ، وجب إعطاؤه ما يستحقه من عناية و ذلك بإحاطته من جميع الجوانب و اعتماد مقاربة شمولية فيما يخص العوامل التي تؤثرعليه بشكل مباشر أو غير مباشر ، و لا يسمح بإغفال أي معيار من المعايير السالفة الذكر، مع ضرورة تجنب التعامل الآني و المناسباتي مع الموضوع .
إننا نعترف أنه ليس من السهل على التلميذ و لا على أسرته معالجة الاختيار في ظل كل هاته المتغيرات و في غياب وسائل القياس البيداغوجية و النفسية ذات المواصفات العلمية لتشخيص بعض الجوانب المتعلقة بالآداء الدراسي من جهة و بشخصية التلميذ في أبعادها النفسية و الاجتماعية من جهة ثانية .
و لكن يبقى من الأكيد أنه إذا ما أعطي هذا الموضوع حقه من الاهتمام ، فإن دائرة نقاشه ستتسع لتشمل مجموعة من الفاعلين و على رأسهم الأطر التربوية و الإدارية ، بعض المهنيين ، أطر المراقبة التربوية ، أطر التوجيه بمختلف مستوياتهم...و ستكون النتيجة في النهاية هي التقليص الكبير من هامش ارتكاب الخطإ .
محمد النوادير
مستشار في التوجيه التربوي
نيابة إنزكان أيت ملول
منقول لتعميم الفائدة
- محمدمشرف مرسى الرياضة
- البلد :
عدد المساهمات : 7229
نقاط تميز العضو : 205023
تاريخ التسجيل : 10/12/2009
رد: التوجيه المدرسي
10/03/12, 02:31 am
مسألة مهمة وحساسة جدا فالكثير من الطلبة وأوليائهم يحترون في اختيار التوجيه المناسب خاصة مع عدم مراعاة القدارات الفكرية والميولات التي يفضلها الطالب والكل يريد اختيار المواد العلمية دون مراعاة امكانياته
مميز ما عرضته لنا
جزاك الله كل خير
مميز ما عرضته لنا
جزاك الله كل خير
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى