- علي ياسينعضو جديد
- البلد :
عدد المساهمات : 2
نقاط تميز العضو : 96360
تاريخ التسجيل : 18/09/2011
المقتل الحسيني وإمكانيّة تجنيسه أدبيا
26/09/11, 07:13 pm
المقتل الحسيني وإمكانية تجنيسه أدبيا
علي محمد ياسين
إذا كان الهدف النهائي لنظرية الأجناس الأدبية هو محاولة تنظيم الأعمال الأدبية والفنون الآخرى المتعلقة بها أو القريبة منها في قوالب (نوعية) لها أصول وضوابط ونظم مشتركة بغية تحديد أنساق كلّ نوع منها ثم معرفة المناويل التي تجري عليها تلك الأنساق وتوصيف الخروقات التي تحدث داخل النوع الواحد ، إذا كان ذلك هو هدف هذه النظرية فهذا لايعني أنّها استطاعت ضبط الأجناس الأدبية ضبطا صارما ومنعها عن العبور وذلك بسبب طبيعة الأدب ذاتها من حيث كونه نشاطا إنسانيا وإن كان معلوما لنا بالحدس والإحساس إلاّ أنّه في آخر الأمر يبقى مجهولا من ناحية بنيته والآلية التي تشتغل وفقا لها تلك البنية ولعلّ غاية ما اتفق عليه المشتغلون في الحقل الأدبي بهذا الخصوص هو وجود وظيفة أدبية تستند بالأساس على انحصارها بمقام تواصلي يستند هو الآخر على ثلاثة أركان هي (المرسل والنص والمتلقي )وهي بمثابة زوايا لمثلث ذهبي تقوم عليه نظرية الأدب برمّتها ونستطيع من خلال تلازم النظر بين زواياه جميعا الوصول إلى نتائج قد تقرّب الظاهرة الأدبية من إمكانية التحليل والتأويل القائمين على أسس علميّة منضبطة .
ولو عدنا إلى أصل الموضوع فالمقتل لغة – كماورد بالمعاجم المختصة- هو زمان القتل أو مكانه والموضع إذا أصيب به الإنسان لايكاد يسلم ...والمقتلة هي المعركة العظيمة ،إلخ ، وللمقتل اصطلاح آخر لم يرد في تلك المعاجم ويتعلق ذلك المعنى المصطلح عليه بالاستذكار السنوي المعتاد الذي تقيمه الشيعة نادبة إمامها الحسين -عليه السلام- ومستذكرة مأساته المؤلمة وطريقة استشهاده البطولية.
إنّ ذلك المعنى غير المذكور في تلك المعاجم يشير إلى الوصف السردي (الدرامي) للطريقة التي آلت إليها نهاية الحسين بن علي –عليه السلام- وأهل بيته وأصحابه المخلصين على يد أتباع الأمويين وعشّاق الدنيا من أهل الكوفة بذلك العصر، ولذا فإنّ أهمية المقتل الحسيني تنبع من كونه ذا قيمتين هامتين ،تاريخية ودينيّة ، اشتملت الأولى منهما على سلسلة الجرائم البشعة التي ارتكبها أعداء الحسين أثناء الطفّ وبعده ، وعلى السجّل البطولي الذي جسّدته جبهة الإمام وهي تقف ضد قوة الشر ،في حين تنبع القيمة الثانية من قدرة المقتل بوصفه ممارسة طقوسية تعبّدية على إشباع الرغبات الدينية للمسلمين الشيعة باستمرار عبر استذكارات معينة في مناسبات محددة من كل عام ( عاشوراء –الأربعينية وغيرها)
إنّ تأملا دقيقا للمقاتل الحسينية قديمة كانت أو حديثة يجعلنا قادرين على وصفهابمجموعة من النقاط التي تؤكد اشتراك تلك المقاتل بمجموعة صفات تلبي خصائص جنس أدبي معيّن (محدد) وهذه الصفات هي :
1/ يستدعي نظام المقتل وجود قارئ (مرسل) ذي صوت حسن يقرأ نصا حكائيا يقوم خلاله بسرد قصة شخصية محورية هي شخصية الإمام وشخصيات أخرى تختلف منزلتها بحسب الدور التاريخي المناط بها يوم الواقعة وابتداء من العاشر من محرم وانتهاء بالعشرين من صفر ، والنص يحتوي على قدر من الخيال الذي تستدعيه الحاجة للتأثير بالطرف الثالث من المعادلة أي المتلقي.
2/وبذلك فقد اختلف المقتل عن كتب السيرة الأخرى التى تعرّضت لحياة الإمام حيث تبدأ تلك الكتب عادة من تاريخ ولادته وتنتهي عند يوم استشهاده في العاشر من محرم.
3/ تؤدّي نصوص المقاتل المكتوبة بلغة ذات شجن وأسى عاليين والمقروءة بصوت رخيم ذي تأثير بالغ وظيفة مزدوجة ، سايكلوجية واجتماعيّة ، فهي ليست مجرّد نصوص مكتوبة لتسرد وقائع تاريخية حدثت قبل أربعة عشر قرنا فحسب ، بل هي نصوص ما إن يقوم المتكلّم بأداء الفعل اللفظي لها حتى يدخل كلامه مرحلة أخرى أصطلح على تسميتها بالفعل المترتب على الكلام ، أي مرحلة التأثّر بالفعل اللفظي ( الكلام ) وهي مستوى آخر من مستويات اللفظ ومرحلة جديدة يتم خلالها إنجاز فعل اللفظ ، وبذلك يتحوّل النص (المقتلي) إلى وسيلة تواصل اجتماعي حاملا قيما رمزية وطقوسا تعبّديّة أكثر مما يحمل من أخبار ووقائع وأحداث ، حيث يتهيأ لتلك اللغة المكتوب بها نص المقتل تشكيل حياة أخرى جديدة للجماعة التي تنتج ثم تستهلك مثل هذه النصوص .
4/ رغم كون المقتل مكتوبا بالأصل باللغة العربية إلاّ أنّ هذا الأمر لم يمنع من ظهور مقاتل بلغات أخرى كالفارسية والأوردية مثلا ثم الترجمات للغات أخرى كالإنجليزية والفرنسيّة وبالمصطلح ذاته (maktal) وهذا يعني أن هذا الجنس عابر للحدود الجغرافية واللغوية وله نظامه الخاص به الذي يفرض على الترجمان التقيّد بنظامه وإن كانت الاستجابة له منحصرة بمتلق ذات خصوصيّة إسلاميّة – شيعيّة ، وهذا ما يبيح لنا نعت هذا اللون من النصوص بالجنس الأدبي الإسلامي لعدم وجوده وتداوله وفقا لنظامه المعروف عند أمم أخرى غير إسلاميّة.
علي محمد ياسين
إذا كان الهدف النهائي لنظرية الأجناس الأدبية هو محاولة تنظيم الأعمال الأدبية والفنون الآخرى المتعلقة بها أو القريبة منها في قوالب (نوعية) لها أصول وضوابط ونظم مشتركة بغية تحديد أنساق كلّ نوع منها ثم معرفة المناويل التي تجري عليها تلك الأنساق وتوصيف الخروقات التي تحدث داخل النوع الواحد ، إذا كان ذلك هو هدف هذه النظرية فهذا لايعني أنّها استطاعت ضبط الأجناس الأدبية ضبطا صارما ومنعها عن العبور وذلك بسبب طبيعة الأدب ذاتها من حيث كونه نشاطا إنسانيا وإن كان معلوما لنا بالحدس والإحساس إلاّ أنّه في آخر الأمر يبقى مجهولا من ناحية بنيته والآلية التي تشتغل وفقا لها تلك البنية ولعلّ غاية ما اتفق عليه المشتغلون في الحقل الأدبي بهذا الخصوص هو وجود وظيفة أدبية تستند بالأساس على انحصارها بمقام تواصلي يستند هو الآخر على ثلاثة أركان هي (المرسل والنص والمتلقي )وهي بمثابة زوايا لمثلث ذهبي تقوم عليه نظرية الأدب برمّتها ونستطيع من خلال تلازم النظر بين زواياه جميعا الوصول إلى نتائج قد تقرّب الظاهرة الأدبية من إمكانية التحليل والتأويل القائمين على أسس علميّة منضبطة .
ولو عدنا إلى أصل الموضوع فالمقتل لغة – كماورد بالمعاجم المختصة- هو زمان القتل أو مكانه والموضع إذا أصيب به الإنسان لايكاد يسلم ...والمقتلة هي المعركة العظيمة ،إلخ ، وللمقتل اصطلاح آخر لم يرد في تلك المعاجم ويتعلق ذلك المعنى المصطلح عليه بالاستذكار السنوي المعتاد الذي تقيمه الشيعة نادبة إمامها الحسين -عليه السلام- ومستذكرة مأساته المؤلمة وطريقة استشهاده البطولية.
إنّ ذلك المعنى غير المذكور في تلك المعاجم يشير إلى الوصف السردي (الدرامي) للطريقة التي آلت إليها نهاية الحسين بن علي –عليه السلام- وأهل بيته وأصحابه المخلصين على يد أتباع الأمويين وعشّاق الدنيا من أهل الكوفة بذلك العصر، ولذا فإنّ أهمية المقتل الحسيني تنبع من كونه ذا قيمتين هامتين ،تاريخية ودينيّة ، اشتملت الأولى منهما على سلسلة الجرائم البشعة التي ارتكبها أعداء الحسين أثناء الطفّ وبعده ، وعلى السجّل البطولي الذي جسّدته جبهة الإمام وهي تقف ضد قوة الشر ،في حين تنبع القيمة الثانية من قدرة المقتل بوصفه ممارسة طقوسية تعبّدية على إشباع الرغبات الدينية للمسلمين الشيعة باستمرار عبر استذكارات معينة في مناسبات محددة من كل عام ( عاشوراء –الأربعينية وغيرها)
إنّ تأملا دقيقا للمقاتل الحسينية قديمة كانت أو حديثة يجعلنا قادرين على وصفهابمجموعة من النقاط التي تؤكد اشتراك تلك المقاتل بمجموعة صفات تلبي خصائص جنس أدبي معيّن (محدد) وهذه الصفات هي :
1/ يستدعي نظام المقتل وجود قارئ (مرسل) ذي صوت حسن يقرأ نصا حكائيا يقوم خلاله بسرد قصة شخصية محورية هي شخصية الإمام وشخصيات أخرى تختلف منزلتها بحسب الدور التاريخي المناط بها يوم الواقعة وابتداء من العاشر من محرم وانتهاء بالعشرين من صفر ، والنص يحتوي على قدر من الخيال الذي تستدعيه الحاجة للتأثير بالطرف الثالث من المعادلة أي المتلقي.
2/وبذلك فقد اختلف المقتل عن كتب السيرة الأخرى التى تعرّضت لحياة الإمام حيث تبدأ تلك الكتب عادة من تاريخ ولادته وتنتهي عند يوم استشهاده في العاشر من محرم.
3/ تؤدّي نصوص المقاتل المكتوبة بلغة ذات شجن وأسى عاليين والمقروءة بصوت رخيم ذي تأثير بالغ وظيفة مزدوجة ، سايكلوجية واجتماعيّة ، فهي ليست مجرّد نصوص مكتوبة لتسرد وقائع تاريخية حدثت قبل أربعة عشر قرنا فحسب ، بل هي نصوص ما إن يقوم المتكلّم بأداء الفعل اللفظي لها حتى يدخل كلامه مرحلة أخرى أصطلح على تسميتها بالفعل المترتب على الكلام ، أي مرحلة التأثّر بالفعل اللفظي ( الكلام ) وهي مستوى آخر من مستويات اللفظ ومرحلة جديدة يتم خلالها إنجاز فعل اللفظ ، وبذلك يتحوّل النص (المقتلي) إلى وسيلة تواصل اجتماعي حاملا قيما رمزية وطقوسا تعبّديّة أكثر مما يحمل من أخبار ووقائع وأحداث ، حيث يتهيأ لتلك اللغة المكتوب بها نص المقتل تشكيل حياة أخرى جديدة للجماعة التي تنتج ثم تستهلك مثل هذه النصوص .
4/ رغم كون المقتل مكتوبا بالأصل باللغة العربية إلاّ أنّ هذا الأمر لم يمنع من ظهور مقاتل بلغات أخرى كالفارسية والأوردية مثلا ثم الترجمات للغات أخرى كالإنجليزية والفرنسيّة وبالمصطلح ذاته (maktal) وهذا يعني أن هذا الجنس عابر للحدود الجغرافية واللغوية وله نظامه الخاص به الذي يفرض على الترجمان التقيّد بنظامه وإن كانت الاستجابة له منحصرة بمتلق ذات خصوصيّة إسلاميّة – شيعيّة ، وهذا ما يبيح لنا نعت هذا اللون من النصوص بالجنس الأدبي الإسلامي لعدم وجوده وتداوله وفقا لنظامه المعروف عند أمم أخرى غير إسلاميّة.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى