- بوعلام ممشرف المرسى الجامعي
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 374
نقاط تميز العضو : 102401
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 42
مدارس لغوية لنعمة رحيم العزاوي
21/09/11, 02:55 pm
: مـدارس لغـويــــة
أ.د نعمة رحيم العزاوي*:
إن من أهم ما تمخض عنه علم اللغة الحديث، هو هدم الاسوار التي أقيمت بغير مسوغ علمي، بين ما يسمى بـ( العلوم الطبيعيــة ) و(العلوم الانسانية ) ومنها علم اللغة. وقد كان عالم الانثربولوجيا شتراوس المولود عام 1908
اول من بشر بزوال الاسوار بين هذين الحقلين من العلوم، واعلن عبور علماء اللغة الى الضفة الاخرى التي كان يقف عليها علماء الطبيعة، بعد ان ظن الناس دهرا طويلا ان لاسبيل الى زوال الحاجز بين علماء الطبيعة وعلماء الانسانيات. فقد ظهر لشتراوس ان علماء اللغة اخذوا يعملون بالطريقة العلمية المنضبطة، التي تعود الناس ان ينظروا اليها على انها وقف على العلوم الطبيعية وحدها.
ويبدو ان هذه الحواجز لم تذب، إلا بعد أن ظهرت أول مدرسة لغوية في العصر الحديث، هي مدرسة سوسير، او مدرسة ( جنيف )، كما يحلو لبعض اللغويين أن يسميها.
لقد جاءت مدرسة سوسير بنظرية لغوية، تعد ثورة في الدرس اللغوي المعاصر، لا في اوروبا وحدها، بل في العالم اجمع، إذ غيرت هذه النظرية طبيعة التفكير اللغوي، ووضعت حدا فاصلا بين عهدين من الدراسة اللغوية، عهد الدراسة التقليدية الممتد من زمن الاغريق حتى بداية القرن العشرين، وعهد الدراسة الحديثة التي بدأت مع ظهور مدرسة سوسير.
لقد قامت نظرية سوسير في دراسة اللغة على منهج جديد يستند الى أسس محددة، ويتسم بسمات مخصوصة، لعل اهمها هو النظر الى اللغة على انها نظام من العلامات اللغوية، يرتبط بعضها ببعض بشبكة من العلاقات، او هي مجموعة عناصر متشابكة، لاينعزل فيها عنصر عن آخر داخل هذا النظام، فاذا خرج عنصر من الشبكة، ولم تكن له علاقة بغيره، فقد قيمته.
وقد وضح سوسير نظرته هذه للعناصر التي يتألف منها النظام اللغوي، فضرب مثله المشهور، هو (لعبة الشطرنج) ، إذ تستمد قطع هذه اللعبة قيمتها من المواقع التي تحتلها على رقعة الشطرنج، وذلك في مقابل المواقع التي تحتلها القطع الاخرى على الرقعة. فاذا نظرت الى اي عنصر من عناصر اللعبة خارج قطعة الشطرنج، لم تكن له قيمته، ذلك لأنه يستمد قيمته من علاقته بالقطع الاخرى، ومن نظام اللعبة.
ونتيجة لنظرة سوسير هذه الى النظام اللغوي، وما يكونه من العناصر فقد وقف بعمله اللغوي عند حدود الوصف والتحليل والتفسير بطريقة علمية موضوعية.
واما المدرسة اللغوية الثانية التي ظهرت بعد مدرسة ( جنيف )، فقد كانت مدرسة ( براغ )، التي أفادت كثيرا من أصول مدرسة سوسير ولكنها غيرت بعض هذه الاصول وطورت بعضها الآخر. وكان من أشهر مؤسسي هذه المدرسة نيكولاي تروبتسكوي ( ت 1938 ) ورومان ياكبسون ( ت 1982 ).
لقد وضعت هذه المدرسة نظرية كاملة في التحليل الفونولوجي وأقامت هذه النظرية على تصور خاص للفونيم، ولم يكن هذا التصور إلا منبعثا من ثنائية سوسير المعروفة، وهي ( اللغة ) و(الكــلام ).
فالفوينم عند تروبتسكوي يكون مرة من”اللغة“ بوصفها نظاماً متعارفاً عليه في بيئة معينة ويكون مرة اخرى من ( الكلام ) الذي هو ممارسة فعلية فردية للغة.
فحين يكون ( الفونيم ) من اللغة يكون وحدة صوتية معزولة عن غيرها، فلا ينظر لوظيفتها اللغوية، ولا الى دورها في المعنى، والفونيم هنا يدرس ضمن فرع من علم اللغة هو علم الاصوات اللغوية. وحين يكون الفونيم من ( الكلام ) فإنه ينضم الى غيره من الوحدات الصوتية الاخرى، لبناء مفردة معينة، يكون لها معنى خاص. وهو هنا ( اي الفونيم ) تكون له وظيفة لغوية، واثر في المعنى، فإذا استبدلنا به وحدة صوتية اخرى اختلف معنى المفردة، وصارت كلمة اخرى. ومن الامثلة على ذلك الفونيم (ن) الذي يكون مرة معزولا عن غيره، ويكون مرة اخرى عنصرا من عناصر الحدث الكلامي وذلك إذا انضم الى غيره، وتألفت مفردة كقولنا ( نام)، واما اذا استبدلنا به ( ق)، فاصبحت المفردة (قام)، فقد تغيرت الكلمة، وصار لها معنى آخر. ويدرس ( الفونيم) في حالته الثانية ضمن فرع آخر من علم اللغة هو علم ( الفونولوجي)، الذي ترجم الى العربية بثلاثة مصطلحات هي (علم الاصوات الوظيفي) و (علم الاصوات التنظيمي) و (علم التشكيل الصوتي).
وقد كان لظهور نظرية (الفونيم) التي هي من ثمار مدرسة (براغ) أثر كبير في تطور الدراسة اللغوية عامة، والدراسة الصوتية خاصة، إذ استطاعت أن تحل كثيرا من المشكلات العلمية، ولاسيما في تعلم اللغات وتعليمها، وساعدت كذلك على تحديد أخطاء النطق، وتعيين الاتجاه الصحيح لعلاج هذه الاخطاء.
ومن ثمار نظرية (الفونيم) اهتداؤها الى ما يسمى بـ(الملامح المميزة) للفونيم، وتحديدها الفروق الدقيقة بين الاصوات، كقولهم مثلا ان الصائت أشد ظهورا من الصامت، وان الصامت المجهور اوضح في السمع من الصامت المهموس، وهكذا. ولعل صعوبة الاهتداء الى الفروق الدقيقة بين الوحدات الصوتية جعل مدرسة (براغ) ترى ضرورة الاستعانة بالاجهزة والآلات في الدراسات الصوتية والفونولوجي، ولذا ظهر ما يسمى بـ (علم الاصوات التجريبي) او (علم اللغة الآلي)، وقد تبع ذلك افادة الدراسة اللغوية الحديثة من (الحاسوب)، والاستعانة به في التحليل اللغوي، وصناعة المعجمات.
ولم تقف مدرسة (براغ) عند وضع نظرية (الفونيم)، بل امدت الدرس اللغوي المعاصر بمقولات وافكار اخرى، تضمنها برنامجها الذي اعلنته عام 1929، وهو يعد لونا جديدا من النظر اللغوي، وجه علماء اللغة الى الوان من البحث، نشطت بوجه خاص في العقود السادس والسابع والثامن من القرن المنصرم.
ومن أفكار مدرسة براغ ذات الاثر الكبير في الدرس اللغوي، تحديد الوظيفة الحقيقية للغة، التي تتمثل بـ( الاتصال )، وما أثارته هذه الوظيفة من أسئلة في ذهن اللغوي مثل ( كيف يتم الاتصال ؟) و ( لمن يوجه؟ ) و( في أي مناسبة؟ ) وغير ذلك.
ومن أفكار هذه المدرسة ان اللغة ظاهرة طبيعية، ذات واقع مادي يتصل بعوامل خارجة عنه، يتعلق بعضها بالبيئة الاجتماعية ويتصل بعضها الآخر بالسامع، ويرجع قسم ثالث الى الموضوع الذي يدور عليه الكلام.
ونتيجة لهذه الفكرة برز في الدرس اللغوي الحديث ما يعرف بمستويات الاستعمال اللغوي، كاللغة
الثقافية واللغة الادبية واللغة العامية.
ومما دعت اليه مدرسة ( براغ ) الكشف عن تأثر اللغة بكثير من الظواهر العقلية والنفسية والاجتماعية، وقد قادت هذه الفكرة الى ظهور ثلاثة فروع في علم اللغة هي ( علم اللغة النفسي ) و( علم اللغة الاجتماعي ) و( علم الاسلوب ) او ( الاسلوبية )، وكان اللون الاخير من البحث اللغوي قد ظهر على يدي الناقد ( ياكبسون )، إذ راى هذا الناقد ان دراسة الشعر هي جزء من دراسات علم اللغة، وقال عنها: انها الدراسة اللغوية للوظيفة الشعرية، وكأنه كان يرى أن الشعر هو احدى وظائف اللغة.
والمدرسة اللغوية الثالثة مدرسة لم تحظ بالانتشار، ولم يكتب لافكارها ومقولاتها الذيوع، لغرابتها وغرابة ما يعبر عنها من المصطلحات.
لقد عرفت هذه المدرسة بمدرسة (كوبنهاكن)، التي أسسها عالم اللغة الدنماركي هلمسلف المولود عام 1899. ومن ابرز علمائها اتو يسبرسن (ت 1943).
لقد قامت هذه المدرسة على كثير من مبادئ مدرسة ( جنيف )، ثم مدرسة ( براغ )، وقد اطلق هلمسلف على هذه المدرســة الجلو سيماطيقا وهي كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية وتعني اللغة او اللسان.
تميزت هذه المدرسة بالنظر الى ان اللغة ليست مادة، وانما هي صورة او شكل، وان جميع اللغات تشترك في انها تعبر عن محتوى. وما دامت اللغة هي (بنية) او (شكل) او (نظام) فريد قائم بذاته، استدعى ذلك ان توضع لتحليلها نظرية صورية رياضية تصدق على جميع اللغات .
ومعنى هذا ان نظرية مدرسة ”كوبنهاكن“ هي محاولة لانشاء بناء منطقي رياضي ، يستند الى جهاز من التعريفات والمصطلحات وقد اضفى عليها هذا التصور الجديد للغة ضربا من الصعوبة ، فلم يحالفها الحظ في الانتشار ، على نحو ما انتشرت مدرستا جنيف وبراغ .
والمدرسة الرابعة هي ما عرف بمدرسة” فيرث “ العالم اللغوي الانكليزي المتوفى في الستينيات من القرن الماضي ، بعد ان تخرج به عدد من اساتذة اللغة في مصر ، هم ابراهيم أنيس وعبد الرحمن أيوب وتمام حسان وكمال بشر ومحمد أحمد ابو الفرج .
لقد قامت نظرية مدرسة” فيرث “ على فكرة” السياق “ ، وعلى الرغم من ان هذه الفكرة قد عالجها علماء اللغة القدماء عند اليونان كافلاطون وارسطو ، وعلماء العربية الذين ادركوا اثر السياق في فهم الحدث اللغوي ، او الكلام ، واشاروا الى ذلك في دراساتهم اللغوية والبلاغية كما اهتم بها الاصوليون ومفسرو القرآن الكريم ، على الرغم من ذلك يعد فيرث صاحب نظرية السياق، لما له من اثر كبير في صياغتها والتوسع في معالجتها ، بحيث اصبحت على يديه نظرية لغوية متكاملة ، قد تلتقي في بعض جوانبها مع آراء اللغويين القدماء ولكنها دون شك تختلف عن تلك الآراء من حيث المنهج والمصطلحات والافكار .
تلك هي اربع مدارس لغوية معاصرة، اردت ان انوه بها ، وألفت اليها انظار شبابنا الدارسين ، الذين لا يزال اكثرهم يجهلونها ، ويجهلون ما بينها من صلات التأثر والتأثير لعلهم يتابعون ما كتب عن كل مدرسة من هذه المدارس ، ليكتمل بناء شخصياتهم العلمية ، ولئلا ينعزلوا عن تراث الامم الحديثة في مجال الدرس اللغوي .
- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150694
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
رد: مدارس لغوية لنعمة رحيم العزاوي
21/09/11, 10:14 pm
لي عودة لقراءة المقال شكرا لك
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى