فصاحة الكلام
25/08/09, 04:00 am
فصاحة الكلام
وأما فصاحة الكلام فهي خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها فالضعف كما في قولنا ضرب غلامه زيدا فإن رجوع الضمير إلى المفعول المتأخر لفظا ممتنع عند الجمهور لئلا يلزم رجوعه إلى ما هو متأخر لفظا ورتبة
وقيل يجوز لقول الشاعر
( جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل )
وأجيب عنه بأن الضمير لمصدر جزى أي رب الجزاء كما في قوله تعالى ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أي العدل
والتنافر منه ما تكون الكلمات بسببه متناهية في الثقل على اللسان وعسر النطق بها متتابعة كما في البيت الذي أنشده الجاحظ
( وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر )
ومنه ما دون ذلك كما في قول أبي تمام
( كريم متى أمدحه والورى ... معي وإذا ما لمته لمته وحدي ) فإن في قوله أمدحه ثقلا ما لما بين الحاء والهاء من تنافر
والتعقد أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد به ولهسببان أحدهما ما يرجع إلى اللفظ وهو يختل نظم الكلام ولا يدري السامع كيف يتوصل منه إلى معناه كقول الفرزدق
( وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه )
كان حقه أن يقول وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أمه أبوه فإنه يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك بن مروان فقال وما مثله يعني إبراهيم الممدوح في الناس حي يقاربه أي أحد يشبهه في الفضائل إلا مملكا يعني هشاما أبو أمه أي أبو أم هشام أبوه أي أبو الممدوح فالضمير في أمه للملك وفي أبوه للممدوح ففصل بين أبو أمه وهو مبتدأ وأبوه وهو خبره بحي وهو أجنبي وكذا فصل بين حي ويقاربه وهو نعت حي بأبوه وهو أجنبي وقدم المستثنى على المستثنى منه فهو كما تراه في غاية التعقيد فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك إلا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة لفظية أو معنوية كما سيأتي تفصيل ذلك كله وأمثلته اللائقة به
والثاني ما يرجع إلى المعنى وهو أن لا يكون انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو لازمه والمراد به ظاهرا كقول العباس بن الأحنف
( سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا )
كنى بسكب الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن وأصاب لأن من شأن البكاء أن يكون كناية عنه كقولهم أبكاني وأضحكني أي أساءني وسرني
وكما قال الحماسي
( أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضي )
ثم طرد ذلك في نقيضه فأراد أن يكني عما يوجبه دوام التلاقي من السرور بالجمود لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شيء آخر وأخطأ لأن الجمود خلو العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها فلا يكون كناية عن المسرة وإنما يكون كناية عن البخل كما قال الشاعر
( ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود )
ولو كان الجمود يصلح أن يراد به عدم البكاء في حال المسرة لجاز أن يدعي به للرجل فيقال لا زالت عينك جامدة كما يقال لا أبكى الله عينك وذلك مما لا يشك في بطلانه
وعلى ذلك قول أهل اللغة سنة جماد لا مطر فيها وناقة جماد لا لبن لها فكما لا تجعل السنة والناقة جمادا إلا على معنى أن السنة بخيلة بالقطر والناقة لا تسخو بالدر لا تجعل العين جمودا إلا وهناك ما يقتضي إرادة البكاء منها وما يجعلها إذا بكت محسنة موصوفة بأنها قد جادت وإذا لم تبك مسيئة موصوفة بأنها قد ضنت فالكلام الخالي عن التعقيد المعنوي ما كان الانتقال من معناه الأول إلى معناه الثاني الذي هو المراد به ظاهرا حتى يخيل إلى السامع أنه فهمه من سياق اللفظ كما سيأتي من الأمثلة المختارة للاستعارة والكناية وقيل فصاحة الكلام وهي خلوصه مما ذكر ومن كثرة التكرار وتتابع الإضافات كما في قول أبي الطيب
( سبوح لها منها عليها شواهد ... ) وفي قول ابن بابك
( حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي ... )
وفيه نظر لأن ذلك إن أفضى باللفظ إلى الثقل على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بما تقدم وإلا فلا يخل بالفصاحة وقد قال النبي ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
قال الشيخ عبد القاهر قال الصاحب إياك والإضافات المتداخلة فإنها لا تحسن وذكر أنها تستعمل في الهجاء كقول القائل
( يا علي بن حمزة بن عمارة ... أنت والله ثلجة في خيارة )
ثم قال الشيخ ولا شك في ثقل ذلك في الأكثر لكنه إذا سلم من الاستكراه ملح ولطف
ومما حسن فيه قول ابن المعتز أيضا
( وظلت تدير الراح أيدي جآذر ... عتاق دنانير الوجود ملاح ) ومما جاء فيه حسنا جميلا قول الخالدي يصف غلاما له
( ويعرف الشعر مثل معرفتي ... وهو على أن يزيد مجتهد )
( وصير في القريض وزان ... دينار المعاني الدقاق منتقد )
وأما فصاحة الكلام فهي خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها فالضعف كما في قولنا ضرب غلامه زيدا فإن رجوع الضمير إلى المفعول المتأخر لفظا ممتنع عند الجمهور لئلا يلزم رجوعه إلى ما هو متأخر لفظا ورتبة
وقيل يجوز لقول الشاعر
( جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل )
وأجيب عنه بأن الضمير لمصدر جزى أي رب الجزاء كما في قوله تعالى ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أي العدل
والتنافر منه ما تكون الكلمات بسببه متناهية في الثقل على اللسان وعسر النطق بها متتابعة كما في البيت الذي أنشده الجاحظ
( وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر )
ومنه ما دون ذلك كما في قول أبي تمام
( كريم متى أمدحه والورى ... معي وإذا ما لمته لمته وحدي ) فإن في قوله أمدحه ثقلا ما لما بين الحاء والهاء من تنافر
والتعقد أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد به ولهسببان أحدهما ما يرجع إلى اللفظ وهو يختل نظم الكلام ولا يدري السامع كيف يتوصل منه إلى معناه كقول الفرزدق
( وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه )
كان حقه أن يقول وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أمه أبوه فإنه يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك بن مروان فقال وما مثله يعني إبراهيم الممدوح في الناس حي يقاربه أي أحد يشبهه في الفضائل إلا مملكا يعني هشاما أبو أمه أي أبو أم هشام أبوه أي أبو الممدوح فالضمير في أمه للملك وفي أبوه للممدوح ففصل بين أبو أمه وهو مبتدأ وأبوه وهو خبره بحي وهو أجنبي وكذا فصل بين حي ويقاربه وهو نعت حي بأبوه وهو أجنبي وقدم المستثنى على المستثنى منه فهو كما تراه في غاية التعقيد فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك إلا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة لفظية أو معنوية كما سيأتي تفصيل ذلك كله وأمثلته اللائقة به
والثاني ما يرجع إلى المعنى وهو أن لا يكون انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو لازمه والمراد به ظاهرا كقول العباس بن الأحنف
( سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا )
كنى بسكب الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن وأصاب لأن من شأن البكاء أن يكون كناية عنه كقولهم أبكاني وأضحكني أي أساءني وسرني
وكما قال الحماسي
( أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضي )
ثم طرد ذلك في نقيضه فأراد أن يكني عما يوجبه دوام التلاقي من السرور بالجمود لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شيء آخر وأخطأ لأن الجمود خلو العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها فلا يكون كناية عن المسرة وإنما يكون كناية عن البخل كما قال الشاعر
( ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود )
ولو كان الجمود يصلح أن يراد به عدم البكاء في حال المسرة لجاز أن يدعي به للرجل فيقال لا زالت عينك جامدة كما يقال لا أبكى الله عينك وذلك مما لا يشك في بطلانه
وعلى ذلك قول أهل اللغة سنة جماد لا مطر فيها وناقة جماد لا لبن لها فكما لا تجعل السنة والناقة جمادا إلا على معنى أن السنة بخيلة بالقطر والناقة لا تسخو بالدر لا تجعل العين جمودا إلا وهناك ما يقتضي إرادة البكاء منها وما يجعلها إذا بكت محسنة موصوفة بأنها قد جادت وإذا لم تبك مسيئة موصوفة بأنها قد ضنت فالكلام الخالي عن التعقيد المعنوي ما كان الانتقال من معناه الأول إلى معناه الثاني الذي هو المراد به ظاهرا حتى يخيل إلى السامع أنه فهمه من سياق اللفظ كما سيأتي من الأمثلة المختارة للاستعارة والكناية وقيل فصاحة الكلام وهي خلوصه مما ذكر ومن كثرة التكرار وتتابع الإضافات كما في قول أبي الطيب
( سبوح لها منها عليها شواهد ... ) وفي قول ابن بابك
( حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي ... )
وفيه نظر لأن ذلك إن أفضى باللفظ إلى الثقل على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بما تقدم وإلا فلا يخل بالفصاحة وقد قال النبي ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
قال الشيخ عبد القاهر قال الصاحب إياك والإضافات المتداخلة فإنها لا تحسن وذكر أنها تستعمل في الهجاء كقول القائل
( يا علي بن حمزة بن عمارة ... أنت والله ثلجة في خيارة )
ثم قال الشيخ ولا شك في ثقل ذلك في الأكثر لكنه إذا سلم من الاستكراه ملح ولطف
ومما حسن فيه قول ابن المعتز أيضا
( وظلت تدير الراح أيدي جآذر ... عتاق دنانير الوجود ملاح ) ومما جاء فيه حسنا جميلا قول الخالدي يصف غلاما له
( ويعرف الشعر مثل معرفتي ... وهو على أن يزيد مجتهد )
( وصير في القريض وزان ... دينار المعاني الدقاق منتقد )
- أبويوسف73عضو فعال
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 180
نقاط تميز العضو : 113018
تاريخ التسجيل : 02/07/2009
رد: فصاحة الكلام
18/09/09, 01:02 pm
شكراااا لك أخي الكريم
يوسف
يوسف
- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150694
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
رد: فصاحة الكلام
25/10/09, 01:11 am
نشكركم جزيل الشكر على تكملة الموضوع مزيدا من التألق
- إبراهيم جلالمشرف المرسى العام
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 535
نقاط تميز العضو : 116687
تاريخ التسجيل : 28/06/2009
العمر : 46
رد: فصاحة الكلام
11/01/10, 10:26 am
بارك الله فيك أخي في الله أستاذ يوسف مزيدًا من الإبداع ننتظره منك .
- foufou90مشرفة المرسى العام
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3749
نقاط تميز العضو : 148155
تاريخ التسجيل : 24/10/2009
العمر : 34
رد: فصاحة الكلام
11/01/10, 08:40 pm
صاحب الحرف المتألق
و ملك القلم الذهبي الرائع.
اخي اسلام يوسف
كم يسعدني دوما ان اري هذا النزف الرائع الجميل
فاعجز عن شكر على كل ما تخطه أناملكِ الذهبيه
لك مني كل التقدير على جمالية طرحك
تقبل مروري المتواضع اختك فوفو
و ملك القلم الذهبي الرائع.
اخي اسلام يوسف
كم يسعدني دوما ان اري هذا النزف الرائع الجميل
فاعجز عن شكر على كل ما تخطه أناملكِ الذهبيه
لك مني كل التقدير على جمالية طرحك
تقبل مروري المتواضع اختك فوفو
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى