- ناديسعضو مشارك
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 85
نقاط تميز العضو : 108501
تاريخ التسجيل : 17/03/2010
العمر : 37
أصول المذهب المالكي
06/03/11, 07:36 pm
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، إنك أنت العليم الحكيم.
وبعد،عرف المذهب المالكي، انتشارا سريعا وواسعا في جل بقاع المعمور، وذلك راجع لشخصية صاحبه أولا وعلمه ولتمسكه بالقرآن والسنة وتشبثه بآثار الصحابة والتابعين، الأمر الذي دفع الناس العامة منهم والخاصة إلى تقدير علمه وإتباع منهجه والتشبث بمذهبه، لأنه الأقرب إلى روح الشريعة ، من سائر مذاهب الشام والعراق وغيرها من الأمصار الأخرى ،ونظرا لما عرف عن الإمام مالك من استقامة وإخلاص في بذل العلم ، والتزامه الصارم بإتباع القرآن والسنة والقياس الواضح ، فما من مسألة عرضت عليه، إلا والتمس لها حلا في الكتاب والسنة فإن لم يجد ذهب إلى القياس الصحيح، فإن لم يجد اعتذر عن الإفتاء ، وقال جملته الشهيرة "لا أدري"
جل هذه العوامل وغيرها جعلت المذهب المالكي يذيع وينتشر في العديد من الأمصار، ومن بينها المغرب الذي انتقل إليه من الأندلس أيام حكم الأدارسة للمغرب ، بعد أن كان المغاربة يتبعون مذاهب مختلفة ، من حنفية و خارجية ومعتزلة و برغواطية، وغيرها كالمذهب الأوزاعي .إذ دعا السلطان إدريس الناس لا تباع منهجه واتخذ مذهبه مذهبا للمغاربة ونشر كتابه الموطأ الذي أصبح منذ ذلك العهد دستورا للمغاربة ،كما أصبح مالك إمامهم ومذهبه مذهبهم.وأصوله أصول علمائهم فما هي هذه الأصول إذن؟
من المعلوم أن الإمام مالك رضي الله عنه لم يدون الأصول التي بنى عليها مذهبه واستخرج على أساسها أحكام الفروع. والتي قيد نفسه في الاستنباط بقيودها وقد كان في ذلك شأن معاصره أبي حنيفة. و أدق إحصاء لأصول المذهب المالكي كما يذهب إلى ذلك العديد من الدارسين ومنهم عبد الغفور الناصر ما ذكره القرافي في كتابه شرح تنقيح الفصول، الذي ذكر أن أصول المذهب المالكي هي القرآن والسنة والإجماع و إجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع و الاستحسان والاستصحاب. في حين قصرها الشاطبي (ت790هجرية) على أربعة الكتاب والسنة والإجماع والرأي .
إلا أنه قبل الخوض في الحديث عن هذه الأصول وعن منهج المالكية في الاستدلال بها لابد قبل ذالك من تعريف المقصود بعلم أصول الفقه.
1. تعريف أصول الفقه
أ- مصطلح الفقه
الفقه في اللغة هو العلم بالشيء والفهم له أما في الاصطلاح فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية بالاستدلال. أما صاحب الفكر السامي فيقول هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية. وعلم الفقه يتكون من جزأين أحدهما العلم بالأحكام الشرعية العملية فالأحكام الاعتقادية، كالوحدانية و رسالة الرسل وتبليغهم رسائل ربهم والعلم باليوم الآخر وما يكون فيه أما الجزء الثاني فهو العلم بالأدلة التفصيلية لكل قضية من القضايا.
ب- مصطلح الأصول
الأصل في اللغة: أسفل كل شيء وجمعه أصول. وأصل الشيء ما منه الشيء لغة ورجحانه أو دليله اصطلاحا،فمن الأول أصل السنبلة البرة، ومن الثاني الأصل براءة الذمة،ومن الثالث أصول الفقه ،أي أدلته أما عند الأصوليين "فهو ما يبنى عليه الفقه"
وبذلك فإذا كان الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب، من أدلتها التفصيلية فإن الأصول هي السبيل لاستنباط هذه الأحكام.فما هي الأصول التي اعتمدها المالكية لاستنباط الأحكام، وكيف تعاملوا مع هذه الأصول. هذا ما سنحاول الإحاطة به في المحورين الثاني والثالث من هذا العرض بإذن الله.
الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي (ت 765ه)في كتابه (الحلال والحرام)عن شيخه أبي محمد صالح (ت 631 ه) أن الأصول التي بنى عليها مالك مذهبه ستة عشر.نص الكتاب وظاهر الكتاب وهو(العموم) ودليل الكتاب(مفهوم المخالفة ومفهوم الكتاب (وهو مفهوم الموافقة) وتنبيه الكتاب( التنبيه على العلة)كقوله
2. أصول المذهب المالكي
اختلف في أصول المذهب مالك وعددها كما أسلفنا إذ يقول الونشريسي ذكر أبو تعالى ( فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله) فإنه تنبيه على علة الحكم فهذه خمسة ومثلها في السنة النبوية والمجموع عشرة. ثم الإجماع والقياس والاستحسان وسد الذرائع وعمل أهل المدينة وقول الصحابي وهذه ستة عشر. في حين ذهب ابن السبكي أن أصول مذهب مالك تزيد عن الخمسمائة ويعني بذلك القواعد التي استخرجت من فروعه المذهبية التي تفرعت عن هذه الأصول الستة عشر أو النيف والعشرين،والقواعد غير الأصول" فهي ما تحصل من الاجتهاد في أحكام الفروع من طرف المجتهدين وأصل التخريج والاستنباط ،باستقرائهم الأشباه والنظائر،وتبينهم العلة الجامعة بين كل فئة منها مقيمين من هذه العلة أو مناط الحكم قاعدة في شكل نص كلي يتضمن حكما تشريعيا عاما يطبق على كل المسائل والجزئيات المندرجة تحته والمتضمنة لنفس المناط. هناك إذن فرق بين أصول المذهب وقواعده فالقواعد ضوابط توضح المنهج الذي سار عليه المجتهدين في استقراء المسائل الجزئية و تحديد العلة الجامعة في كل فئة منها ،مستنتجين قاعدة كلية عامة ،تطبق على كل المسائل والجزئيات المندرجة تحتها بجامع وحدة المناط .أما الأصول فهي الأدلة كما سبقت الإشارة أو بتعبير الدكتور عمر الجيدي رحمه الله هي "...المصادر الإجمالية التي تستقى منها أحكام الفروع الجزئية " وأصول المذهب المالكي حسب القرافي الذي يعتبر إحصاؤه لأصول مذهب المالكية أدق إحصاء تسعة عشر هي الكتاب والسنة وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة ،والاستصحاب و البراءة الأصلية والعوائد والاستقراء،وسد الذرائع والاستدلال والاستحسان والأخذ بالأخف والعصمة وإجماع أهل الكوفة وإجماع العشرة وإجماع الخلفاء الأربعة.
3. منهج المالكية في الاستدلال بالأصول
القرآن:
الأصل الأول من أصول الاستدلال عند الأئمة الأربعة ومن بينهم مالكا ويلاحظ في استدلال مالك بالقرآن أمور ثلاث:
إيراد الآثار و إيفاء الموضوع حقه من النقل ثم سوق الآية مع بيان وجه دلالتها وتفسيرها في اختصار.
إحجامه في بعض الأحيان عن الاحتجاج بالكتاب خاصة في المسائل التي استوفى القرآن فيها القول كالجهاد مثلا. فمالك لم يورد في هذه المسألة شيئا من القرآن.
إيراد الموضوع أولا كقضية تم تبيانها بما هو معمول فيها اجتماعيا ثم الإتيان بما فيها من آثار أو قرآن.وهذا ما فعله مثلا عند الإشارة إلى حظوظ الورثة . فهو لم يصدر الموضوع بالآيات القرآنية، و لكنه عكس حيث قال: الأمر المجتمع عليه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا من فرائض المواريث أن ميراث الولد من والدهم... حتى إن انتهى من تقرير الموضوع أورد آية النساء (ويوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)
السنة:
في اللغة قال ابن منظور "... وقد تقرر في الحديث ذكر السنة وما تصرف منها،والأصل فيه الطريقة والسيرة، وإذا أطلقت في الشرع، فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا مما ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة
وهو لفظ يطلق على ما جاء منقولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، على الخصوص مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز بل إنما نص عليه من جهته عليه السلام كان بيانا لما في القرآن أم لا. كما يطلق أيضا على ما عمل به الصحابة وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد لكونه إتباعا لسنة ثبتت عندهم. أما حين يستدل مالك بالسنة فتلاحظ ظاهرتين أولاهما استعماله للفظ السنة بمعنى الطريقة والخطة و الثانية استعمالها بمعنى المأثور عن الرسول الكريم مع إضافة عبارات من عنده مثل قوله قال مالك وأحب إلي ، وقد استدل مالك بنوعين من السنة .
السنة المرفوعة المتمثلة في الأحاديث الصحيحة سواء كانت خبر آحاد، أو متواثرة . والنوع الثاني السنة الأثرية وهي أقوال الصحابة و فتاويهم وعمل أهل المدينة وأعرافهم.
الإجماع:
في اللغة فال ابن منظور "...وجمع أمره وأجمعه وأجمع عليه :عزم عليه،كأنه جمع نفسه له،والأمر مجمع، و يقال أيضا أجْمعْ أمرك زلا تدعه منتشرا، والإجماع : أن نجمع الشيء المتفرق جميعا"
أما في الاصطلاح : فهو اتفاق المجتهدين من الأمة الإسلامية في عصر من العصور بعد النبي عليه السلام على حكم شرعي في أمر من الأمور العملية يقول عبد الوهاب خلاف :"الإجماع في اصطلاح الأصوليين :هو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين، في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي في واقعة"
يجعل إمامنا مالك الإجماع في المرتبة الثالثة، وهو ما يعني أنه لا يتم اللجوء إليه إلا عند انتفاء وجود الحكم في القرآن والسنة .
الاجتهاد:
هو عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية في الشريعة. وهو مطلوب في كل زمان ومكان وقد يكون فرضا عينيا إذا تعين مجتهد للنظر في حادثة بأن لم يوجد غيره ،أو فرضا كفائيا إذا تعدد المجتهدون، فإذا قام به أحدهم ،سقط الإثم والطلب عن الباقين وإن تركه الجميع أثموا جميعا
كان الإمام مالك من المجتهدين الأوائل وقد اجمع أهل المدينة على قبول اجتهاده واعتبروه حجة بينهم وبين الله مستعصمين به لدينهم فجلس للإفتاء، حينما ارتضاه حينما وجده علماؤهم أهلا لذلك فأفتى بعد الاجتهاد في جميع النصوص والتثبت من صحتها وفي تنزيلها على المسائل المعروضة عليه،واجتهد في معرفة مقاصد الشريعة لتكون آراؤه مسايرة لمنهجها العام.
ويمر المجتهد أثناء عملية الاجتهاد بثلاث مراحل :
أ- استيعاب النصوص وجمع الآثار التي تعني الحكم وتصحيحها.ولقد اجتهد الإمام مالك في تصحيح أكبر عدد ممكن من الأحاديث والآثار حتى قيل أنه حفظ مائة ألف حديث.
ب- اختيار النصوص التي تلاءم الواقعة أو المسألة التي يطلب منه الحكم فيها وفي هذه المرحلة لابد للمجتهد من الانتقال بين مجموعة من النصوص التي عنده وتفسيرها طبقا لنوعية الحادث أو المشكلة الواردة والتأكد من عدم وجود أدلة معارضة.وقد نهج مالكا في هذه المرحلة مبدأين اثنين أحدهما ربط صحة الأثر بعدالة الراوي وعلمه والثاني اعتبار استمرار العمل تفسيرا صحيحا لمدلول الأثر كيلا يعتمد على فهمه الخاص، إنما على أفهام جمع من العلماء تواتروا على رأي واحد وعمل واحد.
ت- التنظير بين الوقائع المنصوص على حكمها والوقائع الواردة التي لا نص فيها و إصدار الحكم وفقا لأوجه الشبه بينهما.
إجماع أهل المدينة:
لقد اعتبر مالك عمل أهل المدينة حجة، وقدمه على خبر الآحاد، وقد كان يلوم من لا يأخذ به ، وكتب في ذلك إلى الليث بن سعد يقول له " بلغني أنك تفتي الناس بأشياء مختلفة مخالفة لما عليه جماعة الناس عندنا، ببلدنا الذي نحن فيه...". وقد كان مالك يردد عبارة شيخه ربيعة الرأي"ألف عن ألف خير من واحد عن واحد"
ورغم اشتهار مالك بكونه القائل بعمل أهل المدينة، فإنه اعتمد في ما ذهب إليه على غيره ممن سبقه،كعمر بن عبد العزيز،الذي كان يجمع فقاء المدينة فيسألهم عن السنن و الأقضية التي تعرض له وقد كان يطرح ما لا يعمل به الناس. ومن هؤلاء أيضا أبو الدرداء الذي كان يقال له بلغنا كذا وكذا بخلاف ما يقول، فيقول : "وأنا سمعته، ولكن أدركت العمل على غير ذلك".
وإن تمسك مالك بعمل أهل المدينة، جعله يقدمه على غيره من الآثار المخلفة له، فقد ثبت عنه أنه كان يقول عن أستاذه ابن شهاب الزهري:"سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما حدثت بها قط، قيل لم؟قال ليس عليها العمل"وقد جعله تمسكه ذلك يكتر من اللجوء إليه في كتابه الموطأ، فقد ذكر فيه أجماع أهل المدينة في نيف وأربعين مسألة، ومنها قوله" الأمر المجتمع عليه عندنا أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح،ولا تجوز على غيرهم إذا كان قبل أن يتفرقوا،وبهذا كان يفتي علي، ومعاوية، وعبد الله بن الزبير وعروة و ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز..."
وعمل أهل المدينة ثلاثة أقسام:
أن يجمعوا على أمر، ولا يثبت أن غيرهم يخالفهم فيه.وهذا النوع حجة عند الجميع
أن يجمعوا على أمر يخالفهم فيه غيرهم،و يعبر عنه مالك وعت الذي قبله بقوله " السنة التي لا خلاف فيها عندنا"
ما فيه اختلاف بين أهل المدينة أنفسهم، وهدا النوع محل نزاع بين علماء المالكية وغيرهم.
وعمل أهل المدينة أن كان راجعا إلى النقل فهو حجة عند المالكية وعند غيرهم.
قول الصحابي:
هو حجة، عند الإمام مالك والشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" ويكون قول الصحابي حجة إذا خالف القياس لأنه كما يقول القرافي إذا خالف القياس يقتضي أنه إنما عمل لنص أما إذا لم يخالف القياس فأمكنه أن يكون عن اجتهاد فيكون كقول غير الصحابي فيصير دليله لدلالته على الدليل عند هذا القائل لا لكونه دليل في نفسه.
القياس:
في اللغة "قاس الشيء بالشيء قدره على مثاله " وفي الاصطلاح حمل معلوم على معلوم لمساواته في علة حكمه ويعرفه وهبة الزحيلي بقوله"... هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه الشرعي بأمر منصوص على حكمه ، لاشتراكهما في علة الحكم"
ومن أمثلة ذلك إلحاق النبيد بالخمر في التحريم،لعلة الإسكار.و إلحاق استئجار الأخ على استئجار أخيه،بخطبة أحدهما على خطبة أخيه،في التحريم لعلة الإيذاء وإثارة الحقد و ثوريت العداوة.
و القياس من الأدلة التي اعتمدها الإمام مالك في استنباط الأحكام وقال القرافي إن مالكا يقدم القياس على خبر الواحد لأن الخبر يفيد الحكم،والقياس الحكمة.
وقد اشترط المالكية، في صحة القياس مجموعة من الشروط منها ما يتعلق بالحكم الذي يصح القياس عليه ومنها ما يخص العلة التي هي أساس القياس.فالمقيس عليه لابد أن يكون غير مختص بقضية معينة ولذالك لم يجيزوا عدم التنبيه في نية الصوم قياسا على صوم عاشوراء،لأن صومه قد نسخ رمضان.
أما فيما يخص العلة فقد سايروا جمهور الأصوليين في تعريفها وفي اعتبارها أساسا للقياس وبينوا مسالكها والقوادح التي تؤثر في اعتبارها وعدمه.
الاستحسان:
قال به مالك في كثير من المسائل منها تضمين الصناع، والقصاص بالشاهد واليمين،و"تضمين الحمالين للطعام و الإدام دون غيرهم من الحمالين " وقد ثبت عن مالك أن الاستحسان تسعة أعشار العلم.
والاستحسان عند المالكية ثلاثة أنواع
1) استحسان سنده العرف،كالذي يحلف أن لا يأكل لحما فيأكل السمك،فإنه لا يحنث مع أن السمك سماه القرآن لحما، غير أن العرف لا يسميه لحما فاعتبر العرف إيثارا على الدليل الذي هو القياس.
2) استحسان سنده المصلحة.ومن أمثلته،الأجير المشترك،إذا هلك المال في يده، فالقياس أنه لا يضمن،ولكن يحكم بضمانه لمصلحة المحافظة على أموال الناس.
3) استحسان سنده رفع الحرج وإيثار التوسعة على الناس.
المصلحة المرسلة:
حجة عند مالك رحمه الله، وهي لا تعتبر إلا إن وقعت في محل الضرورة فيجوز أن يؤدي إليها اجتهاد مجتهد.
الاستصحاب:
معناه أن اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر يوجب ظن ثبوته في الحال أو الاستقبال.وهذا الظن كما ذكر القرافي حجة عند مالك والمزني وابن أبي بكر الصيرفي حجة خلافا لجمهور الحنفية.
العوائد:
يقصد بالعادة غلبة معنى من المعاني على الناس،وقد تكون هذه الغلبة في سائر الأقاليم كالحاجة للماء الهواء والغداء وقد تكون خاصة وهذه العادة حجة عند المالكية بدليل قول القرافي "فهذه العادة يقضي بها عندنا"
العرف:
من المصادر التي اعتمدها المالكية في الاجتهاد وبنو عليها الأحكام في المسائل التي لم يرد فيها نص من الكتاب ومن السنة.
وهو لغة الشيء المعروف المألوف المستحسن.وفي اصطلاح الفقهاء ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول.والعرف نوع من أنواع العادة.
ومن الأدلة التي ساقها المالكية لتحكيم العرف قوله تعالى {خد العفو وأمر بالعرف }كما استدلوا من السنة بما أخرجه أحمد في مسنده قال حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو بكر حدثنا عاصم عن زر بن حُبيش عن عبد الله بن مسعود قال{ إن الله نظر في قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلبه محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيء}ووجه الاستدلال بهذا الحديث كما يذهب لذالك عمر الجيدي لاعتبار العرف أنه إذا كان كل ما رآه المسلمون مستحسنا قد حكم بحسنه عند الله فهو حق لا باطل فيه
إن كل المذاهب أخذت بالعرف واعتبرته مصدرا من مصادر التشريع لكن المذهب المالكي توسع في الأخذ به وقد اعتبره المالكية نوعا من المصلحة وتوسعوا في فيه
كثيرا حتى إنهم خصصوا به بعض النصوص مما جعل مذهبهم يفوق المذاهب الأخرى في الاعتماد عليه بل وعدوه أصلا من الأصول يجب الرجوع إليه .إلا أنهم نبهوا إلى أن العرف لا ينبغي أن يلبس لباس الديمومة بل إن الأحكام تدور مع العوائد حيثما دارت وتبطل معها إذا بطلت
الاستقراء:
هو تتبع الحكم في جزئياته على حالة يغلب على الظن أنه في صورة النزاع على تلك الحالة كاستقراء العرض في جزئياته بأنه لا يؤدي على الراحلة،فيغلب الظن أن الوتر لو كان فرضا لما أدى على الراحلة وهذا الظن حجة عند المالكية .
سد الذرائع:
الذريعة الوسيلة للشيء ومعنى ذلك حسم مادة وسائل الفساد دفعا له ويعرفها محمد الروكي هو منع الوسائل المباحة المفضية إلى غايات محرمة تحققا أو غلبة ظن.لأن للوسائل حكم مقصدها.وكما يتوصل إلى الحكم الشرعي عن طريق سد الذريعة فقد يتوصل إليه عن طريق فتحها،وذلك أن ما كان مطلوبا شرعا إذا افتقر إلى وسيلة مباحة صارت واجبة بوجوبه لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
مراعاة الخلاف:
هي إعمال دليل في لازم مدلوله الذي أعمل في نقيضه دليل آخر أوهي إعمال المجتهد دليل مخالفة في لازم مدلوله الذي أعمل في عكسه دليلا آخر كنكاح الشغار فإنه غير جائز في المذهب
وصفوة القول إن المتأمل في أصول المذهب المالكي يجدها تزاوج بين النقل والعقل والنص والاجتهاد مما جعل المذهب المالكي يستوعب كل التطورات التي تقع في حياة المكلفين في كل العصور والأزمان الشيء الذي يدل على أن المذهب المالكي أكتر عمقا وسعة من باقي المذاهب الأخرى ولعل هذا ما جعل المغاربة يتشبثون به مذ ظهر على أرضهم على عهد الأدارسة إلى اليوم .
المصادر والمراجع
أبو إسحاق الشاطبي.الموافقات،المجلد الثالث، دار ابن عفان
ابن منظور .لسان العرب ،دار المعارف القاهرة
أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي .إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك تحقيق أحمد بوطاهر الخطابي الرباط 1400ه_1980م
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي.......شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول،مطبعة دار الفكر1424ه-2004م بيروت
محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي.الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي،مطبعة إدارة المعارف الرباط 1340ه.
عمر الجيدي،مباحث في المذهب المالكي بالمغرب .الطبعة الأولى 1993.
عمر الجيدي محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي.
عبد الوهاب خلاف،علم أصول الفقه.
محمد أبو زهرة .اصول الفقه دار الفكر العربي.
وهبة الزحيلي.الوجيز في أصول الفقه،دار الفكر المعاصر بيروت،2003م-1424ه.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،ندوة الإمام مالك إمام دار الهجرة .
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، إنك أنت العليم الحكيم.
وبعد،عرف المذهب المالكي، انتشارا سريعا وواسعا في جل بقاع المعمور، وذلك راجع لشخصية صاحبه أولا وعلمه ولتمسكه بالقرآن والسنة وتشبثه بآثار الصحابة والتابعين، الأمر الذي دفع الناس العامة منهم والخاصة إلى تقدير علمه وإتباع منهجه والتشبث بمذهبه، لأنه الأقرب إلى روح الشريعة ، من سائر مذاهب الشام والعراق وغيرها من الأمصار الأخرى ،ونظرا لما عرف عن الإمام مالك من استقامة وإخلاص في بذل العلم ، والتزامه الصارم بإتباع القرآن والسنة والقياس الواضح ، فما من مسألة عرضت عليه، إلا والتمس لها حلا في الكتاب والسنة فإن لم يجد ذهب إلى القياس الصحيح، فإن لم يجد اعتذر عن الإفتاء ، وقال جملته الشهيرة "لا أدري"
جل هذه العوامل وغيرها جعلت المذهب المالكي يذيع وينتشر في العديد من الأمصار، ومن بينها المغرب الذي انتقل إليه من الأندلس أيام حكم الأدارسة للمغرب ، بعد أن كان المغاربة يتبعون مذاهب مختلفة ، من حنفية و خارجية ومعتزلة و برغواطية، وغيرها كالمذهب الأوزاعي .إذ دعا السلطان إدريس الناس لا تباع منهجه واتخذ مذهبه مذهبا للمغاربة ونشر كتابه الموطأ الذي أصبح منذ ذلك العهد دستورا للمغاربة ،كما أصبح مالك إمامهم ومذهبه مذهبهم.وأصوله أصول علمائهم فما هي هذه الأصول إذن؟
من المعلوم أن الإمام مالك رضي الله عنه لم يدون الأصول التي بنى عليها مذهبه واستخرج على أساسها أحكام الفروع. والتي قيد نفسه في الاستنباط بقيودها وقد كان في ذلك شأن معاصره أبي حنيفة. و أدق إحصاء لأصول المذهب المالكي كما يذهب إلى ذلك العديد من الدارسين ومنهم عبد الغفور الناصر ما ذكره القرافي في كتابه شرح تنقيح الفصول، الذي ذكر أن أصول المذهب المالكي هي القرآن والسنة والإجماع و إجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع و الاستحسان والاستصحاب. في حين قصرها الشاطبي (ت790هجرية) على أربعة الكتاب والسنة والإجماع والرأي .
إلا أنه قبل الخوض في الحديث عن هذه الأصول وعن منهج المالكية في الاستدلال بها لابد قبل ذالك من تعريف المقصود بعلم أصول الفقه.
1. تعريف أصول الفقه
أ- مصطلح الفقه
الفقه في اللغة هو العلم بالشيء والفهم له أما في الاصطلاح فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية بالاستدلال. أما صاحب الفكر السامي فيقول هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية. وعلم الفقه يتكون من جزأين أحدهما العلم بالأحكام الشرعية العملية فالأحكام الاعتقادية، كالوحدانية و رسالة الرسل وتبليغهم رسائل ربهم والعلم باليوم الآخر وما يكون فيه أما الجزء الثاني فهو العلم بالأدلة التفصيلية لكل قضية من القضايا.
ب- مصطلح الأصول
الأصل في اللغة: أسفل كل شيء وجمعه أصول. وأصل الشيء ما منه الشيء لغة ورجحانه أو دليله اصطلاحا،فمن الأول أصل السنبلة البرة، ومن الثاني الأصل براءة الذمة،ومن الثالث أصول الفقه ،أي أدلته أما عند الأصوليين "فهو ما يبنى عليه الفقه"
وبذلك فإذا كان الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب، من أدلتها التفصيلية فإن الأصول هي السبيل لاستنباط هذه الأحكام.فما هي الأصول التي اعتمدها المالكية لاستنباط الأحكام، وكيف تعاملوا مع هذه الأصول. هذا ما سنحاول الإحاطة به في المحورين الثاني والثالث من هذا العرض بإذن الله.
الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي (ت 765ه)في كتابه (الحلال والحرام)عن شيخه أبي محمد صالح (ت 631 ه) أن الأصول التي بنى عليها مالك مذهبه ستة عشر.نص الكتاب وظاهر الكتاب وهو(العموم) ودليل الكتاب(مفهوم المخالفة ومفهوم الكتاب (وهو مفهوم الموافقة) وتنبيه الكتاب( التنبيه على العلة)كقوله
2. أصول المذهب المالكي
اختلف في أصول المذهب مالك وعددها كما أسلفنا إذ يقول الونشريسي ذكر أبو تعالى ( فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله) فإنه تنبيه على علة الحكم فهذه خمسة ومثلها في السنة النبوية والمجموع عشرة. ثم الإجماع والقياس والاستحسان وسد الذرائع وعمل أهل المدينة وقول الصحابي وهذه ستة عشر. في حين ذهب ابن السبكي أن أصول مذهب مالك تزيد عن الخمسمائة ويعني بذلك القواعد التي استخرجت من فروعه المذهبية التي تفرعت عن هذه الأصول الستة عشر أو النيف والعشرين،والقواعد غير الأصول" فهي ما تحصل من الاجتهاد في أحكام الفروع من طرف المجتهدين وأصل التخريج والاستنباط ،باستقرائهم الأشباه والنظائر،وتبينهم العلة الجامعة بين كل فئة منها مقيمين من هذه العلة أو مناط الحكم قاعدة في شكل نص كلي يتضمن حكما تشريعيا عاما يطبق على كل المسائل والجزئيات المندرجة تحته والمتضمنة لنفس المناط. هناك إذن فرق بين أصول المذهب وقواعده فالقواعد ضوابط توضح المنهج الذي سار عليه المجتهدين في استقراء المسائل الجزئية و تحديد العلة الجامعة في كل فئة منها ،مستنتجين قاعدة كلية عامة ،تطبق على كل المسائل والجزئيات المندرجة تحتها بجامع وحدة المناط .أما الأصول فهي الأدلة كما سبقت الإشارة أو بتعبير الدكتور عمر الجيدي رحمه الله هي "...المصادر الإجمالية التي تستقى منها أحكام الفروع الجزئية " وأصول المذهب المالكي حسب القرافي الذي يعتبر إحصاؤه لأصول مذهب المالكية أدق إحصاء تسعة عشر هي الكتاب والسنة وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة ،والاستصحاب و البراءة الأصلية والعوائد والاستقراء،وسد الذرائع والاستدلال والاستحسان والأخذ بالأخف والعصمة وإجماع أهل الكوفة وإجماع العشرة وإجماع الخلفاء الأربعة.
3. منهج المالكية في الاستدلال بالأصول
القرآن:
الأصل الأول من أصول الاستدلال عند الأئمة الأربعة ومن بينهم مالكا ويلاحظ في استدلال مالك بالقرآن أمور ثلاث:
إيراد الآثار و إيفاء الموضوع حقه من النقل ثم سوق الآية مع بيان وجه دلالتها وتفسيرها في اختصار.
إحجامه في بعض الأحيان عن الاحتجاج بالكتاب خاصة في المسائل التي استوفى القرآن فيها القول كالجهاد مثلا. فمالك لم يورد في هذه المسألة شيئا من القرآن.
إيراد الموضوع أولا كقضية تم تبيانها بما هو معمول فيها اجتماعيا ثم الإتيان بما فيها من آثار أو قرآن.وهذا ما فعله مثلا عند الإشارة إلى حظوظ الورثة . فهو لم يصدر الموضوع بالآيات القرآنية، و لكنه عكس حيث قال: الأمر المجتمع عليه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا من فرائض المواريث أن ميراث الولد من والدهم... حتى إن انتهى من تقرير الموضوع أورد آية النساء (ويوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)
السنة:
في اللغة قال ابن منظور "... وقد تقرر في الحديث ذكر السنة وما تصرف منها،والأصل فيه الطريقة والسيرة، وإذا أطلقت في الشرع، فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا مما ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة
وهو لفظ يطلق على ما جاء منقولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، على الخصوص مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز بل إنما نص عليه من جهته عليه السلام كان بيانا لما في القرآن أم لا. كما يطلق أيضا على ما عمل به الصحابة وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد لكونه إتباعا لسنة ثبتت عندهم. أما حين يستدل مالك بالسنة فتلاحظ ظاهرتين أولاهما استعماله للفظ السنة بمعنى الطريقة والخطة و الثانية استعمالها بمعنى المأثور عن الرسول الكريم مع إضافة عبارات من عنده مثل قوله قال مالك وأحب إلي ، وقد استدل مالك بنوعين من السنة .
السنة المرفوعة المتمثلة في الأحاديث الصحيحة سواء كانت خبر آحاد، أو متواثرة . والنوع الثاني السنة الأثرية وهي أقوال الصحابة و فتاويهم وعمل أهل المدينة وأعرافهم.
الإجماع:
في اللغة فال ابن منظور "...وجمع أمره وأجمعه وأجمع عليه :عزم عليه،كأنه جمع نفسه له،والأمر مجمع، و يقال أيضا أجْمعْ أمرك زلا تدعه منتشرا، والإجماع : أن نجمع الشيء المتفرق جميعا"
أما في الاصطلاح : فهو اتفاق المجتهدين من الأمة الإسلامية في عصر من العصور بعد النبي عليه السلام على حكم شرعي في أمر من الأمور العملية يقول عبد الوهاب خلاف :"الإجماع في اصطلاح الأصوليين :هو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين، في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي في واقعة"
يجعل إمامنا مالك الإجماع في المرتبة الثالثة، وهو ما يعني أنه لا يتم اللجوء إليه إلا عند انتفاء وجود الحكم في القرآن والسنة .
الاجتهاد:
هو عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية في الشريعة. وهو مطلوب في كل زمان ومكان وقد يكون فرضا عينيا إذا تعين مجتهد للنظر في حادثة بأن لم يوجد غيره ،أو فرضا كفائيا إذا تعدد المجتهدون، فإذا قام به أحدهم ،سقط الإثم والطلب عن الباقين وإن تركه الجميع أثموا جميعا
كان الإمام مالك من المجتهدين الأوائل وقد اجمع أهل المدينة على قبول اجتهاده واعتبروه حجة بينهم وبين الله مستعصمين به لدينهم فجلس للإفتاء، حينما ارتضاه حينما وجده علماؤهم أهلا لذلك فأفتى بعد الاجتهاد في جميع النصوص والتثبت من صحتها وفي تنزيلها على المسائل المعروضة عليه،واجتهد في معرفة مقاصد الشريعة لتكون آراؤه مسايرة لمنهجها العام.
ويمر المجتهد أثناء عملية الاجتهاد بثلاث مراحل :
أ- استيعاب النصوص وجمع الآثار التي تعني الحكم وتصحيحها.ولقد اجتهد الإمام مالك في تصحيح أكبر عدد ممكن من الأحاديث والآثار حتى قيل أنه حفظ مائة ألف حديث.
ب- اختيار النصوص التي تلاءم الواقعة أو المسألة التي يطلب منه الحكم فيها وفي هذه المرحلة لابد للمجتهد من الانتقال بين مجموعة من النصوص التي عنده وتفسيرها طبقا لنوعية الحادث أو المشكلة الواردة والتأكد من عدم وجود أدلة معارضة.وقد نهج مالكا في هذه المرحلة مبدأين اثنين أحدهما ربط صحة الأثر بعدالة الراوي وعلمه والثاني اعتبار استمرار العمل تفسيرا صحيحا لمدلول الأثر كيلا يعتمد على فهمه الخاص، إنما على أفهام جمع من العلماء تواتروا على رأي واحد وعمل واحد.
ت- التنظير بين الوقائع المنصوص على حكمها والوقائع الواردة التي لا نص فيها و إصدار الحكم وفقا لأوجه الشبه بينهما.
إجماع أهل المدينة:
لقد اعتبر مالك عمل أهل المدينة حجة، وقدمه على خبر الآحاد، وقد كان يلوم من لا يأخذ به ، وكتب في ذلك إلى الليث بن سعد يقول له " بلغني أنك تفتي الناس بأشياء مختلفة مخالفة لما عليه جماعة الناس عندنا، ببلدنا الذي نحن فيه...". وقد كان مالك يردد عبارة شيخه ربيعة الرأي"ألف عن ألف خير من واحد عن واحد"
ورغم اشتهار مالك بكونه القائل بعمل أهل المدينة، فإنه اعتمد في ما ذهب إليه على غيره ممن سبقه،كعمر بن عبد العزيز،الذي كان يجمع فقاء المدينة فيسألهم عن السنن و الأقضية التي تعرض له وقد كان يطرح ما لا يعمل به الناس. ومن هؤلاء أيضا أبو الدرداء الذي كان يقال له بلغنا كذا وكذا بخلاف ما يقول، فيقول : "وأنا سمعته، ولكن أدركت العمل على غير ذلك".
وإن تمسك مالك بعمل أهل المدينة، جعله يقدمه على غيره من الآثار المخلفة له، فقد ثبت عنه أنه كان يقول عن أستاذه ابن شهاب الزهري:"سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما حدثت بها قط، قيل لم؟قال ليس عليها العمل"وقد جعله تمسكه ذلك يكتر من اللجوء إليه في كتابه الموطأ، فقد ذكر فيه أجماع أهل المدينة في نيف وأربعين مسألة، ومنها قوله" الأمر المجتمع عليه عندنا أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح،ولا تجوز على غيرهم إذا كان قبل أن يتفرقوا،وبهذا كان يفتي علي، ومعاوية، وعبد الله بن الزبير وعروة و ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز..."
وعمل أهل المدينة ثلاثة أقسام:
أن يجمعوا على أمر، ولا يثبت أن غيرهم يخالفهم فيه.وهذا النوع حجة عند الجميع
أن يجمعوا على أمر يخالفهم فيه غيرهم،و يعبر عنه مالك وعت الذي قبله بقوله " السنة التي لا خلاف فيها عندنا"
ما فيه اختلاف بين أهل المدينة أنفسهم، وهدا النوع محل نزاع بين علماء المالكية وغيرهم.
وعمل أهل المدينة أن كان راجعا إلى النقل فهو حجة عند المالكية وعند غيرهم.
قول الصحابي:
هو حجة، عند الإمام مالك والشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" ويكون قول الصحابي حجة إذا خالف القياس لأنه كما يقول القرافي إذا خالف القياس يقتضي أنه إنما عمل لنص أما إذا لم يخالف القياس فأمكنه أن يكون عن اجتهاد فيكون كقول غير الصحابي فيصير دليله لدلالته على الدليل عند هذا القائل لا لكونه دليل في نفسه.
القياس:
في اللغة "قاس الشيء بالشيء قدره على مثاله " وفي الاصطلاح حمل معلوم على معلوم لمساواته في علة حكمه ويعرفه وهبة الزحيلي بقوله"... هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه الشرعي بأمر منصوص على حكمه ، لاشتراكهما في علة الحكم"
ومن أمثلة ذلك إلحاق النبيد بالخمر في التحريم،لعلة الإسكار.و إلحاق استئجار الأخ على استئجار أخيه،بخطبة أحدهما على خطبة أخيه،في التحريم لعلة الإيذاء وإثارة الحقد و ثوريت العداوة.
و القياس من الأدلة التي اعتمدها الإمام مالك في استنباط الأحكام وقال القرافي إن مالكا يقدم القياس على خبر الواحد لأن الخبر يفيد الحكم،والقياس الحكمة.
وقد اشترط المالكية، في صحة القياس مجموعة من الشروط منها ما يتعلق بالحكم الذي يصح القياس عليه ومنها ما يخص العلة التي هي أساس القياس.فالمقيس عليه لابد أن يكون غير مختص بقضية معينة ولذالك لم يجيزوا عدم التنبيه في نية الصوم قياسا على صوم عاشوراء،لأن صومه قد نسخ رمضان.
أما فيما يخص العلة فقد سايروا جمهور الأصوليين في تعريفها وفي اعتبارها أساسا للقياس وبينوا مسالكها والقوادح التي تؤثر في اعتبارها وعدمه.
الاستحسان:
قال به مالك في كثير من المسائل منها تضمين الصناع، والقصاص بالشاهد واليمين،و"تضمين الحمالين للطعام و الإدام دون غيرهم من الحمالين " وقد ثبت عن مالك أن الاستحسان تسعة أعشار العلم.
والاستحسان عند المالكية ثلاثة أنواع
1) استحسان سنده العرف،كالذي يحلف أن لا يأكل لحما فيأكل السمك،فإنه لا يحنث مع أن السمك سماه القرآن لحما، غير أن العرف لا يسميه لحما فاعتبر العرف إيثارا على الدليل الذي هو القياس.
2) استحسان سنده المصلحة.ومن أمثلته،الأجير المشترك،إذا هلك المال في يده، فالقياس أنه لا يضمن،ولكن يحكم بضمانه لمصلحة المحافظة على أموال الناس.
3) استحسان سنده رفع الحرج وإيثار التوسعة على الناس.
المصلحة المرسلة:
حجة عند مالك رحمه الله، وهي لا تعتبر إلا إن وقعت في محل الضرورة فيجوز أن يؤدي إليها اجتهاد مجتهد.
الاستصحاب:
معناه أن اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر يوجب ظن ثبوته في الحال أو الاستقبال.وهذا الظن كما ذكر القرافي حجة عند مالك والمزني وابن أبي بكر الصيرفي حجة خلافا لجمهور الحنفية.
العوائد:
يقصد بالعادة غلبة معنى من المعاني على الناس،وقد تكون هذه الغلبة في سائر الأقاليم كالحاجة للماء الهواء والغداء وقد تكون خاصة وهذه العادة حجة عند المالكية بدليل قول القرافي "فهذه العادة يقضي بها عندنا"
العرف:
من المصادر التي اعتمدها المالكية في الاجتهاد وبنو عليها الأحكام في المسائل التي لم يرد فيها نص من الكتاب ومن السنة.
وهو لغة الشيء المعروف المألوف المستحسن.وفي اصطلاح الفقهاء ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول.والعرف نوع من أنواع العادة.
ومن الأدلة التي ساقها المالكية لتحكيم العرف قوله تعالى {خد العفو وأمر بالعرف }كما استدلوا من السنة بما أخرجه أحمد في مسنده قال حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو بكر حدثنا عاصم عن زر بن حُبيش عن عبد الله بن مسعود قال{ إن الله نظر في قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلبه محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيء}ووجه الاستدلال بهذا الحديث كما يذهب لذالك عمر الجيدي لاعتبار العرف أنه إذا كان كل ما رآه المسلمون مستحسنا قد حكم بحسنه عند الله فهو حق لا باطل فيه
إن كل المذاهب أخذت بالعرف واعتبرته مصدرا من مصادر التشريع لكن المذهب المالكي توسع في الأخذ به وقد اعتبره المالكية نوعا من المصلحة وتوسعوا في فيه
كثيرا حتى إنهم خصصوا به بعض النصوص مما جعل مذهبهم يفوق المذاهب الأخرى في الاعتماد عليه بل وعدوه أصلا من الأصول يجب الرجوع إليه .إلا أنهم نبهوا إلى أن العرف لا ينبغي أن يلبس لباس الديمومة بل إن الأحكام تدور مع العوائد حيثما دارت وتبطل معها إذا بطلت
الاستقراء:
هو تتبع الحكم في جزئياته على حالة يغلب على الظن أنه في صورة النزاع على تلك الحالة كاستقراء العرض في جزئياته بأنه لا يؤدي على الراحلة،فيغلب الظن أن الوتر لو كان فرضا لما أدى على الراحلة وهذا الظن حجة عند المالكية .
سد الذرائع:
الذريعة الوسيلة للشيء ومعنى ذلك حسم مادة وسائل الفساد دفعا له ويعرفها محمد الروكي هو منع الوسائل المباحة المفضية إلى غايات محرمة تحققا أو غلبة ظن.لأن للوسائل حكم مقصدها.وكما يتوصل إلى الحكم الشرعي عن طريق سد الذريعة فقد يتوصل إليه عن طريق فتحها،وذلك أن ما كان مطلوبا شرعا إذا افتقر إلى وسيلة مباحة صارت واجبة بوجوبه لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
مراعاة الخلاف:
هي إعمال دليل في لازم مدلوله الذي أعمل في نقيضه دليل آخر أوهي إعمال المجتهد دليل مخالفة في لازم مدلوله الذي أعمل في عكسه دليلا آخر كنكاح الشغار فإنه غير جائز في المذهب
وصفوة القول إن المتأمل في أصول المذهب المالكي يجدها تزاوج بين النقل والعقل والنص والاجتهاد مما جعل المذهب المالكي يستوعب كل التطورات التي تقع في حياة المكلفين في كل العصور والأزمان الشيء الذي يدل على أن المذهب المالكي أكتر عمقا وسعة من باقي المذاهب الأخرى ولعل هذا ما جعل المغاربة يتشبثون به مذ ظهر على أرضهم على عهد الأدارسة إلى اليوم .
المصادر والمراجع
أبو إسحاق الشاطبي.الموافقات،المجلد الثالث، دار ابن عفان
ابن منظور .لسان العرب ،دار المعارف القاهرة
أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي .إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك تحقيق أحمد بوطاهر الخطابي الرباط 1400ه_1980م
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي.......شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول،مطبعة دار الفكر1424ه-2004م بيروت
محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي.الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي،مطبعة إدارة المعارف الرباط 1340ه.
عمر الجيدي،مباحث في المذهب المالكي بالمغرب .الطبعة الأولى 1993.
عمر الجيدي محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي.
عبد الوهاب خلاف،علم أصول الفقه.
محمد أبو زهرة .اصول الفقه دار الفكر العربي.
وهبة الزحيلي.الوجيز في أصول الفقه،دار الفكر المعاصر بيروت،2003م-1424ه.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،ندوة الإمام مالك إمام دار الهجرة .
- ناديسعضو مشارك
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 85
نقاط تميز العضو : 108501
تاريخ التسجيل : 17/03/2010
العمر : 37
رد: أصول المذهب المالكي
06/03/11, 07:43 pm
إدعوا لي بالنجاح
صديقتكم ن ح
صديقتكم ن ح
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى