مدخل إلى الأدب الجاهلي
+2
بتول
إسماعيل سعدي
6 مشترك
- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150694
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
مدخل إلى الأدب الجاهلي
05/07/10, 05:06 pm
التعريف بمصطلح الأدب الجاهلي:
إذا بحثنا في فترة العصر الجاهلي فإننا لا نجد ما يدل على استخدام العرب للفظة الأدب، و إنما نجد اسم الفاعل منها" أدب " أي الداعي إلى الطعام أو صانع المأدبة ، و هّذا واضح في قول طرفة ابن العبد:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر(1)
و لم تتجاوز هذه اللفظة في نطاق العصر الجاهلي المعنى الحسي(2)
و قد جاء في لسان العرب لابن المنظور: أن الأدب الذي يتأدب به الأديب من الناس ، سمي أدبا لأنه يأدب الناس إلى المحامد، و ينهاهم عن المقابح، و أصل الأدب الدعاء و منه قيل للصنيع يدعى إليه الناس مدعاة و مأدبة.
إنّ استخدام كلمة " أدب " التي أصبحت تعني اليوم التعبير القولي المتفنن عن الذات الإنسانية ، هو استخدام مستحدث في اللغة العربية ، إذ لم يكن العربي ، إذ لم يكن العربي في الجاهلية حين يقول ما نسمّيه اليوم أدبا – شعرا كان أو نثرا – يسمّيه كذلك، و إنما يبدو أنّ هذه الكلمة كانت تستعمل في العصر الجاهلي و العصور الإسلامية الأولى للدلالة على الخلق النبيل الكريم،و ما يتركه هذا الخلق من أثر في الحياة العامة و الخاصة(3)، و من المرجح أنه بتطور الحياة و طموح الناس إلى الثقافة، و اتصالهم بالحضارة الفارسية و غيرها من الحضارات، و ازدهار حركة التأليف الأولى في القرنين الثاني و الثالث نشأ إلى جانب هذا المعنى العملي المتصل بالسلوك اليومي معان مجازية أخرى، منها أنّ هذه الكلمة أصبحت تدل على جملة المعارف التي تسمو بالذهن و التي تتصل بوسائل التخاطب الإجتماعي مثل النثر الفني و الشعر و ما إلى ذلك، حتى كان عصر الجاحظ الذي أسّس مفهوما ثقافيا للكلمة فمهد للتطور الدلالي الذي عرفته الكلمة في العصر الحديث(4).
_________________________________
1) الديوان ، ص 55(المشتاة:الشتاء. ندعو الجفلى: أي نعم بدعوتنا إلى الطعام، و لا تخص أحدا، و ضد الجفلى النقرى: و هي أن يخص الأدب لا أن يعم . و الأدب : الداعي إلى الطعام، أو صانع المأدبة كل طعام صنع لدعوة أو عرس.
2) روائع من الأدب العربي، د. هاشم صالح منّاع ص:11
3) انظر دائرة المعارف الإسلامية ، مادة أدب لجولد زيهر.
4) انظر دروس و نصوص في قضايا الأدب الجاهلي د عفت الشرقاوي ص:21
هذا فيما يخص كلمة " أدب " أما عن كلمة " الجاهلي" و التي يراد بها العصر أو الفترة العربية الممتدة من قبيل ظهور الإسلام ، و يعد تاريخ الجاهلية أضعف قسم كتبه المؤرخون في تاريخ العرب ، إذ يعوزه التحقيق و التدقيق، و يبدو أنّ كل المصادر تقسم عصر الجاهلية إلى قسمين : العصر القديم أو الجاهلية الأولى و الجاهلية الثانية قبيل الإسلام و يميل بعضهم إلى القول بأن الفترة الأولى تمتد من فجر التاريخ إلى القرن الخامس الميلادي ، و الفترة الثانية تمتد من القرن الخامس الميلادي إلى ظهور الإسلام ، و هذه الفترة الثانية هي التي جاءنا عنها الشعر و هي التي تمتد إلى أكثر من قرنين قبل الإسلام.
إنّ الصفات الثقافية لهذه المرحلة الجاهلية من تاريخ العرب تقتضي القول بأنّ وراءها تاريخا طويلا استغرق قرونا عدّة سبقت فترة ما قبل الإسلام على الرغم ممّا يبدو لنا من أنّ العصر العربي عشية ظهور الإسلام كان بالقياس إلى ما قبله من العصور القديمة يتسم بالانحطاط الاجتماعي الشديد ، مما حمل أكثر الباحثين على القول بأن الجاهلية التي وصف بها هذا العصر تعني الجاهلية و الهمجية(1).
و الجاهلية في المعاجم هي زمن الفترة و لا إسلام و قالوا: الجاهلية الجهلاء فبالغوا ، و في تفسير حديث الرسول ( صلى الله عليه و سلّم): إنك امرؤ فيك جاهلية ، يقول صاحب اللسان: و هو الحال التي كان عليها العرب الإسلام من الجهل بالله سبحانه و رسوله و شرائع الدين و المفاخرة بالأنساب و الكبر و التجبر و غير ذلك و كثيرا ما ارتبطت كلمة الجهل في الاستخدام القرآني بمعاني العدوان بصورة أو بأخرى على الحقائق الكونية العليا و ذلك في مثل قوله تعالى:
" قالوا ياموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، قال إنّكم قوم تجهلون"
138 الأعراف
" قل أفغير الله تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون "
64 الزمر
___________________________
(1) انظر المرجع نفسه ص: 35
كذلك تستخدم الكلمة مرتبطة بانتهاك المقدسات و التجرؤ على الحرمات و ما يتصل بها من القيم و المثل العليا ، يقول تعالى:
" قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف و أخيه إذ أنتم جاهلون "
89 يوسف
" خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين"
199 الأعراف
و هكذا يتضح لنا أن الجاهلية في جوهرها عدوان أو ميل إلى العدوان أو استرسال في الغضب و الضلم بصوره المادية و المعنوية المختلفة و لقد وصف القرآن الكريم المجتمع العبي قبل الإسلام بالجاهلية فقال تعالى:
" يظنّون بالله غير الحق ظنّ الجاهلية "
154 آل عمران
و قال : " أفحكم الجاهلية يبغون"
50 المائدة.
و قال: " وقرن في بيوتكنّ و لا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى "
33 الأحزاب
فهذه الجاهلية تعبير عن حياة العرب قبل الإسلام التي كانت تقوم على العدوان و سفك الدماء – و كأنّ الحرب شريعتهم المقدسة – أكثر من أن تكون تعبيرا عن أمية دينية أو علمية(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر المرجع نفسه ص: 42 .
أوّليات الشعر العربي
لقد ارتبطت أولية الشعر العربي بذكر حرب البسوس(1) تلك الحرب التي دارت رحاها بين قبيلتي بكر و تغلب منذ أوائل القرن الخامس الميلادي ، حيث ترجع إليها أقدم مجموعة من الشعر العربي التي تستند إلى مصادر صحيحة نسبيا ، لشعراء مشهورين في تاريخنا الأدبي كالمهلهل ابن ربيعة ، و المرقش الأكبر و المرقش الأصغر و جليلة البكرية و سعد ابن مالك و الحارث ابن عباد و غيرهم أما قبل هذا التاريخ فيصعب فيه تحديد التاريخ الذي بدأ فيه العرب الأوائل ممارسة فن الشعر ، إلاّ أنّ ما بين أيدينا من مادة لا يساعدنا على أن نجزم برأي في هذه الأولية و كل محاولة يبذلها باحث لتحديدها إنّما تكون من قبيل التخمين(2)
يذكر الباحث مصطفى صادق الرافعي عند حديثه عن أولية الشعر مايلي:" و قد تصفحنا التواريخ العربية ، و أرجعنا ما نقلوه عن أهل الرواية وهم مصدر آداب الجاهلية و أخبارها،
فرأينا أنّ ما كتبوه من ذلك إذا صلح أن ينقل فهو لا يصلح أن يعقل" و يقول المستشرق نيكلسون إنه " من المستحيل أن نثبت بأي درجة من التأكيد ، التاريخ الذي بدأ فيه العرب ممارسة فن الشعر "(3)، كما ذهب إلى الرأي نفسه كل من بروكلمان (4) و كارلو نالينو(5).
و إذا بحثنا في الأولية الزمنية للمحاولات الناضجة أو مرحلة القصائد، فإننا نجد كثيرا من القدماء يخصون المهلهل ابن ربيعة بفضل ريادة الشعراء أصحاب القصيد ، و في ذلك يقول ابن سلاّم (6):" و كان أوّل من قصد القصائد و ذكر الوقائع، المهلهل ابن ربيعة", و يقول
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الشعر في حرب البسوس لعبد العزيز نبوى، رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة.
(2) انظر دراسات في الأدب الجاهلي ل د. عبد العزيز نبوى ص: 48
(3) المرجع نفسه ص: 49 عن Nisholoson, a literary history of arabs,p:73
(4) انظر تاريخ الأدب العربي ، ترجمة عبد الحليم النجار ، دار المعارف 1/44 .
(5) تاريخ الآداب العربية ، دار المعارف ، ط:2ص: 52.
(6) طبقات فحول الشعراء ، شرح محمود محمد شاكر ، دار المعارف 1/33 .
السيوطي(1) " أول من يروى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتا من الشعراء : مهلهل " و معنى هذا أن المرحلة التي سبقت حرب البسوس كانت مرحلة مقطوعات و أبيات متفرقة ، و هو ما أكد عليه السيوطي في قوله: " لم يكن لأوائل العرب من الشعر إلاّ الأبيات يقولها الجل في حاجته "و إذا اجتهدنا لاستقراء أقدم ما وصلنا من وثائق في الشعر العربي ، فإنّ هذه النصوص ذاتها تلقى ظلالا من الشك حول ريادة المهلهل في إطالة القصائد فمن أوّل من أطال القصيد في الشعر العربي؟.
ذهب القدماء في تعليل تسمية المهلهل – وهو عي ابن ربيعة – مذهبين: أولهما أنه أول من هلهل الشعر ، و ذهبوا في توضيح معنى الهلهلة مذهبين أيضا:
1- فقالوا حينا : هلهل الشعر ، أي أرقه ( من الرقة).
2- وقالوا حينا آخر : هلهل القصيدة بمعنى أطالها ، وهو أوّل من يروى له قصيدة تبلغ ثلاثين بيتا(2)
ففيما يخص القول الأول يقول الأصمعي (3) " إنه سمي مهلهلا لأنه كان يهلهل الشعر أو يرققه و لا يحكمه "و هو قول كما نرى لا يثبت للمهلهل فضلا و هو عين ما يقوله ابن سلاّم(4) حين قال إنّه " سمي مهلهلا لهلهلة شعره كهلهلة الثوب و هو اضطرابه و اختلافه ".
أمّا القول الثاني ، أي الهلهلة بمعنى الإطالة ، و إن كانت أطول قصيدة تروى للمهلهل برواية أبي علي القالي (5) تبلغ سبعة و عشرين بيتا ، و هي تبدأ بقوله :
أليتنا بذي حسم أنيري إذا أنت انقضيت فلا تحوري
ــــــــــــــــــــــ
( 1 )المزهر ( طبعة دار الكتب العربية ) 2/ 237 ، 474.
( 2 )انظر دراسات في الأدب الجاهلي ، د. عبد العزيز نبوى ص: 49
(3) ابن دريد ، الإشتقاق، تحقيق عبد السلام هارون ص: 338.
(4) طبقات فحول الشعراء، ص: 39 .
(5) الأمالي 2/ 129- 134 .
فإنّ هناك شاعر آخر معاصرا له و هو المرقش الأكبر ، يروي له المفضل الضبي ، فيما يرويه له من قصائد في المفضليات قصيدة تبلغ خمسة و ثلاثين بيتا و هي القصيدة التي تبدأ بقوله :
هل بالديار أن تجيب صمم لو كان رسم ناطقا كلّم
فإذا أخذنا هلهلة الشعر بمعنى إطالة القصيدة ، فالمرقش الأكبر أحق أن يكون هو مهلهل الشعر العربي كما تقول لنا النصوص ، هذا فضلا عن أنّ قصائد المرقش الأكبر ذات مقدمات غزلية و طللية ، الأمر الذي يدعو إلى الإطالة في القصيدة ، كما أنّ هذا الأمر يثبت أنّ المرقش الأكبر قد اهتدى إلى النموذج الفني للقصيدة الجاهلية الذي استقر بعد ذاك و عرفناه لدى شعراء مرحلة المعلقات التالية لمرحلة شعراء حرب البسوس التي كان كل من الشاعرين المهلهل و المرقش من أعلامها.
أمّا فيما يخص التعليل الثاني لتسمية المهلهل ، فهو ما ذهب إليه القدماء من أنّه سمي بهذا الاسم بسبب بيت شعر قاله و هو (1):
لمّا توقّل في الكراع هجينهم هلهلت أثأر مالكا أو صنبلا
و هذا أمر مألوف لدى القدماء إذ قالوا مثلا أنّ المرقش الأكبر إنما سمي بذلك لأنه قال (2):
الدار قـفر و الرسوم كـما رقّش في ظهـر الأديم قلم
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح ديوان الحماسة ، التبريزي 2/480
(2) انظر الأغاني : ( ساسي) 5/ 179
(3) انظر دراسات في الأدب الجاهلي {. عبد العزيز نبوى ص: 52 عن التهانوني ، كشاف اصطلاحات الفنون ، مادة سجع.
المعلقات: - التسمية
- أصحاب المعلقات
- شعر الوقوف على الأطلال
المعلقات هي مجموعة من القصائد الطوال، مختارة من الشعر الجاهلي و أصحابها من أشهر شعراء الجاهلية ، و قد اختلف القدماء في عدد هذه المعلقات و في تسميتها فمنهم من يقول إنّها ثماني معلّقات و منهم من يقول إنها عشر ، و منهم من يقول إنها سبع فقط.
أما من حيث اسمها فمنهم من يقول: القصائد السبع أو السبع الطوال ، و منهم من يقول المعلقات فحسب ، و غير ذلك(1).
كذلك يختلف الرواة في شأن الاهتمام بهذه القصائد، فيقول بعضهم إن العرب قد بلغ بهم الكلف بالشعر و تفضيلهم له أن عمدوا إلى سبع قصائد تخيّروها من الشعر القديم، فكتبوها بماء الذهب في القباطي المدرجة و علقوها بين أستار الكعبة ، فلهذا السبب يقولون : مذهبة امرئ القيس ، و مذهبة زهير و غيرهما.
و ينص ابن عبد ربه على أن المعلقات السبع هي كما يلي:
لامرئ القيس و مطلعها . قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل.
و لزهير و مطلعها. من أمّ أوفى دمنة لم تكلّم.
و لطرفة و مطلعها : لخولة أطلال ببرقة ثهمد.
و لعنترة و مطلعها: يا دار عبلة بالجواء تكلمي.
و لعمرو ابن كلثوم و مطلعها : ألا هبّي بصحنك فصبحينا.
و للبيد ومطلعها: عفت الديار محلها فمقامها.
و للحارث ابن حلزة و مطلعها: آذنتنا بينها أسماء.
و يحتج من يسميها بالقصائد الطوال بظاهرة الطول الواضح فيها، إن معلقة امرئ القيس تصل إلى 81 بيتا، بينما تبلغ معلقة زهير 62 بيتا ، و طرفة 103 و عنترة 74 ، و عمرو ابن كلثوم 103، و لبيد 88، و الحارث ابن حلزة 81 بيتا.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر دروس و نصوص في قضايا الأدب العربي، د. عفت الشرقاوي ص: 184.
وهناك من اللغويين من يعلّل تسمية هذه القصائد بالمعلاقات تعليلا آخر غير فكرة التعليق على الكعبة ، و من هؤلاء أبو جعفر النحاس النحوي ( توفي سنة 328هـ)، أحد شرّاح هذه المعلقات، فقد كتب يقول :" و اختلفوا في جمع هذه القصائد السبع ، و قيل أن العرب كان يجتمع بعكاظ، ويتناشدون الأشعار فإذا استحسن الملك قصيدة قال علقوها و أثبتوها في خزانتي فأما قول من قال إنها علقت في الكعبة فلا يعرفه أحد من الرواة"(1)، و ربما كان ابن الكلبي – المتوفى سنة 204 هـ - هو أوّل من قال بقصة التعليق على الكعبة، إذ ذكر أنّ أول شعر علّق في الجاهلية على ركن من أركان الكعبة هو شعر امرئ القيس و ذلك "أيّام الموسم حتى نظر إليه ، ثمّ أحدر( أنزل) "،فعلقت الشعراء ذلك بعده ، و كان ذلك فخرا للعرب في الجاهلية ، و عدوا من علق شعره سبعة نفر إلاّ أن عبد الملك طرح شعر أربعة منهم ، و أبت مكانه أربعة "(2).
إلاّ أنّ هناك رواية أخرى تقول : إن اختيار هذه السبع و تسميتها بالمعلقات يرجع حماد الراوية (95 – 185هـ) الذي رأى زهد الناس في عصره و انصرافهم عن الشعر فجمع هذه السبع و حضّهم عليها ، و قال لهم : هذه هي المشهورات ، فسميت القصائد المشهورة .
و مهما يكون من أمر فإنّ الشهرة المستفيضة لهذه القصائد أنّها المعلقات و إن كان هناك من يسمّيها بالسموط ، و السموط هو القلادة ، فكأنّ لجودتها و رفعة مقامها تقوم مقام السموط في جيد الحسناء ، أمّا الذين يذهبون إلى تسميتها بالمذهبات فإنهم يرجحون الأخذ بخبر كتابتها بماء الذهب و تعليقها على الكعبة(3).
الوقوف على الأطلال:
كثيرا ما بدأ الشاعر الجاهلي قصيدته بالوقوف على الأطلال ، فقد جعلوا هذا الأخير لحنا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر تاريخ آداب اللغة العربية ، جرجي زيدان، ج 1، ص106.
(2) ابن الكلبي نقلا عن معلقات العرب ، د بدوي طبانة، ص: 19.
(3) انظر دروس و نصوص في قضايا الأدب العربي ، د. عفّت الشرقاوي، ص: 186، و انظر العمدة لابن رشيق، ج:1 ص:96.
يفتتحون به قصائدهم و يطول الوقوف بهذه الأطلال كما يطول التأمل بهذا المكان آثار شاخصة بارزة و تسمى حينئذ بالأطلال، و قد لا تكون به إلاّ الآثار البارزة ، و تسمّى حينئذ بالرسوم، تشبيها لها بالرسوم و الكتابة ، و ربما غلب الطلل على الآثار شاخصة و غير شاخصة.
و من الصور الشائعة في المقدمة الطللية أن يبدأ الشاعر بذكر الديار و قد عفت أو كادت آثارها أن تمحى، ثم يذكر الديار و يحدد مكانها بذكر ما جاورها من مواضع ، ثمّ ينعتها بعد أن سقطت عليها الأمطار ، و نما عليها العشب فاتخذتها الحيوانات مرتعا تقيم فيه و تتوالد يقول لبيد:
عفّت الديار محلّها فمقامهــا بمنى تأبّد غولـها فرجامـها(1)
فمدافع الرّيان عرّي رسمـها خلقا كما ضمن الوحيّ سلامها(2)
دمن تجرّم بعد عهد أنيســها حجج خلون حلالها و حرامها(3)
رزقت مرابيع النجوم وصابها ودق الرواعد جودها و رهامها(4)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) عفت: درست و امحت. محلها فمقامها: أي الأماكن التي كانوا يحلّون بها و يقيمون، و المراد جميع أرجائها. منى و الغول و الرجام: مواضع. تأبد: أصبح موحشالا أنيس فيه.
(2) عري : ارتحل عنه أهله فعري . خلقا: بلي، أي بليت آثار القوم، و أصبحت في مستوى الأرض.الوحي بضمّ الواو: الكتابة.السلام بكسر السين: الحجارة.
(3) الدمن: آثار القوم و آثار الحيوانات. تجرّم: تمّ.خلون: مضين. حلالها و حرامها: أي مضت بأشهر الحل و الحرم، أي بتمامها.
(4) مرابيع النجوم، و يروى مرابيع السحاب : أي رزقت أوائل المطر ، و أضاف المرابيع إلى النجوم لأنه يقال: مطرنا بنوء كذا، و النوء: النجم. الجود: المطر الكثير الذي يرضي القوم.الرهام: المطر الضعيف.
و قد لا يتوسّع بعض الشعراء كما فعل لبيد من مثل ما نجده عند زهير ابن أبي سلمى، إذ يحدد ديار محبو بته " أمّ أوفى"في مواضع " حومانة الدّرّاج "و " المتثلم " " الرقمتين " و قد امّحت آثارها ، و بدت بعد انقضاء عشرين سنة و كأنها وشم على معصم، و اتخذتها الضباء و البقر الوحشي مرتعا تقيم فيه و تتوالد، يقول زهير في مطلع معلقته:
أمن أمّ أوفى دمنة لم تكـلّم بحومانـة الدراج فالمتثلــم(1)
و دار لها بالرقمتين كأنـّها مراجيع وشم في نواشر معصم(2)
و ينتقل كثير من الشعراء بعد الوقوف بأطلال المحبوبة إلى وصف مشهد الرحيل ، و هودج الحبيبة و صواحبها، و قد يصفون الطريق الذي سلكه القوم و يذكر الأماكن الجديدة التي حلّوا بها ، و تتنوع طرائق التعبير و مشاهد الرحيل بين الشعراء : ويبقى بعدها مشهد الرحيل معلما من المعالم التي تلي المقدمة الطللية و جانبا من جوانب الحديث عن المحبوبة.
إن الشعراء الجاهليين أفردوا مقدّمات أكثر قصائدهم لأحاديث الغزل و ما يتصل به: و أنّ المقدّمات الطللية هي أكثر المقدّمات انتشارا و هي مقدمة يقف الشاعر فيها بأطلال محبوبته ناعتا المكان و ما آل إليه بعد أن كان عامرا بأهله ، و قد يبكي في هذا المكان على حبّه الضائع، أو يتذكر موقف لرحيل فيصف الظعن و ما يلاقيه من جوى و حرمان ، و قد يبدأ بحديث الفراق مباشرة من مثل مطلع معلقة الحارث ابن حلزة:
آذنتنا ببينها أسماء ربّ ثاو يملّ من الثواء
و قارئ الشعر الجاهلي يمكنه أن يستخلص المثال الأعلى للجمال ، سواء كان جمالا حسّيا أو معنويا يتصل بالسجية و الأخلاق ، و عذوبة الروح و حلاوة الحديث...إنّ الشعراء الجاهليين قد نحتوا للمرأة في أشعارهم تمثالا دقيقا مجلا القسمات ، بدءا بشعرها و انتهاءا بقدميها ، و هو تمثال يفيض حيوية و يمتلئ بصفات خلقية و روحية هي الصفات التي أحبّها الجاهلي في المرأة بشكل عام.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) أمّ أوفى: كنية محبوبته. لم تكلم: لم تتكلم. حومانة الدراج فالمتثلم: موضعان.
(2) الرقمتان: موضع اختلف الشرّاح في تحديده . مراجع وشم: محدد. نواشر: عصب.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) أم أوفى: كنية محبوبته، لم تكلم : لم تتكلم.حومانة الدرّاج فالمتثلم: موضعان.
- loulouعضو نشيط
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 106
نقاط تميز العضو : 97256
تاريخ التسجيل : 06/10/2011
العمر : 33
رد: مدخل إلى الأدب الجاهلي
11/11/11, 08:39 pm
جزاك الله خيرا.
- محمدمشرف مرسى الرياضة
- البلد :
عدد المساهمات : 7229
نقاط تميز العضو : 205023
تاريخ التسجيل : 10/12/2009
رد: مدخل إلى الأدب الجاهلي
11/11/11, 10:16 pm
رائع ومميز ما قرأته هنا
بارك الله فيك
بارك الله فيك
- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150694
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
رد: مدخل إلى الأدب الجاهلي
11/11/11, 11:26 pm
بتول ، محمد ،loulou سعدت بمروركم العبق شكرا جزيلا لكم .
- بوعلام ممشرف المرسى الجامعي
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 374
نقاط تميز العضو : 102401
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 42
رد: مدخل إلى الأدب الجاهلي
12/11/11, 11:31 am
بارك الله فيك أستاذنا الكريم
- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150694
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
رد: مدخل إلى الأدب الجاهلي
16/11/11, 12:42 am
بوعلام م كتب:بارك الله فيك أستاذنا الكريم
شكرا أخي بوعلام .
- foufou90مشرفة المرسى العام
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3749
نقاط تميز العضو : 148155
تاريخ التسجيل : 24/10/2009
العمر : 34
رد: مدخل إلى الأدب الجاهلي
16/11/11, 08:25 pm
جزيت خيرا...
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى