مرسى الباحثين العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بقرة اليتامى Support
دخول

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 27 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 27 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد - 7229
7229 المساهمات
بتول - 4324
4324 المساهمات
3758 المساهمات
foufou90 - 3749
3749 المساهمات
1932 المساهمات
1408 المساهمات
1368 المساهمات
1037 المساهمات
973 المساهمات
535 المساهمات

اذهب الى الأسفل
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : بقرة اليتامى Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

بقرة اليتامى Empty بقرة اليتامى

06/04/10, 08:20 pm
الحكاية الشعبية، كائن حي.. وله أجنحة.. يطير بها عابراً الحدود، بدون جواز سفر.. لذلك نرى فيها ملامح إنسانية عامة، إذ تتشابه، وتتشابك، وتنمو، وتحيا في أرجاء دنيانا: مثيرة، ممتعة، صالحة في كل مكان وزمان.
ويكفيها فخراً أنها من تأليف "الشعب" بكامل فئاته، وهي ثمرة تفكير عقل جَمْعى، لذلك تنتصر دائماً للخير، ويلقى الشر فيها هزيمة مروعة.. كما أنها تصل مباشرة إلى وجدان سامعها، وقارئها، لا تحتاج إلى استئذان ولا تقف في وجهها أبواب مغلقة أو أسوار عالية..
والعالم يعترف لنا- نحن العرب- بأن لدينا أعظم كنوزه الشعبية: ألف ليلة وليلة، ويرى في شهرزاد أهم راوية للحكايات في كل الدنيا، لذلك أخذوا منها ما أعطوه لأبنائهم، وحولوها إلى مسرحيات، وأفلام، استمتعوا بها، وأسعدتهم، ووسعت من خيالهم وأنعشت دائماً ذاكرتهم.. وفعلوا نفس الشيء مع السير الشعبية العربية مثل عنترة، وعلي الزيبق، وأبي زيد الهلالي والزناتي خليفة ودياب، بجانب سيف بن ذي يزن، والأميرة ذات الهمة.
وكان جميلاً من الأستاذ "رابح خدوسي" والأستاذة "عائشة بنت المعمورة" أن يعيدا صياغة الحكاية الشعبية العربية في الجزائر، وأن يعداها للأطفال، أسوة بما حدث في كل بلدان العالم، وسوف نجد ملامح من سندريلا في قصة "بقرة اليتامى"، واستبدلت حكايتنا الحذاء بالشعرة الصفراء، كما أن حكايتنا كانت أكثر عمقاً وإنسانية عندما جعلت البقرة أكثر عطاءً من البشر، لأنها أعطت اللبن حتى بعد رحيلها.. والنصف الثاني من القصة يذكرنا أيضاً بحكاية "جاك وأعواد الفول"، وغيرها، حين يتحمل الصغار النفي، ويعتمدون على أنفسهم وعلى القدر، وهم ينجحون في النجاة بأنفسهم، بل وتحقيق حياة كريمة..
ونحن قد نجد في الحكاية الشعبية بعض القسوة والعنف لكن أبناءنا أكثر شجاعة من أن يخافوا منها أو ينزعجوا أو يرتجفوا، وهم يتقمصون شخصيات أبطال هذه الأعمال وهم قادرون على احتمال هذا الذي يجري معهم، وإن كنت شخصياً أفضّل استبعاد بعض الأحداث، لأننا نريد للأبناء أن يكونوا أكثر شعوراً بالأمن والطمأنينة..
لأن في دنيانا ما يزيد على الحاجة من الرعب الفزع. وحكاية "الأميرة السجينة" فيها من "جميلة والوحش" ومعروف أن لعقل الإنساني قادر على أن يهزم المارد والوحش والعملاق، إذاً ما أحسنا التفكير والتدبير.
ولا يعني هذا التشابه أننا أخذنا منهم وعنهم، لكن الحقيقة أننا أبدعنا بأنفسنا حكاياتنا، ومن قبلهم، وإنها طارت هنا وهناك، لأنها كائن حي لـه جناحان.. ولا يعقل أن تعلم شهرزاد العالم رواية الحكايات التي أنقذت حياتها، وحياة فتيات كان من الممكن أن يتخلص منهن شهريار، أي أن الحكي قد انتصر على القتل، وهزمه..
لذلك فإن لنا أن نشد على يد الكاتب "رابح" والكاتبة "عائشة"، شاكرين لهما أن قدما لنا هذه الأعمال التي وصلت إلينا عبر الأجيال، وكابدت الزمن، وبقت حية مما يؤكد أصالتها، وهو أمر جعل الناس يتوارثونها، ولا يفرطون فيها.. وهي-أي الحكايات- أروع بكثير من تلك التي تصل إلينا مترجمة ومنقولة، فهي ملكنا، وخاصة بنا، وتمسّ منا العقل والقلب والوجدان، وتجعل منا أناساً طيبين، وقادرين على مواجهة المصاعب، وعلى حل المشكلات، كما يفعل أبطالها..

نعم، إن البطولات التي أبداها شعب الجزائر من أجل الحرية والاستقلال قد يراها البعض أكبر وأعظم من تلك التي يقوم بها أبطال الحكايات الشعبية، لكن هذه الحكايات ساهمت بدون شك في وجود الأبطال الحقيقيين… ومرحباً بحكايات الجزائر الشعبية لكل القراء العرب في وطنهم الكبير.


الدكتور: عبد التواب يوسف





بقـرة اليتامى


في كل بيت، في كل قرية ومدينة يتذكر الكبار والصغار حكاية الأوائل الذين صنعوا الحياة بأفراحها وأتراحها،، وبين مئات الحكايات التي ترددها الجدات… من ذاكرة لأخرى ومن حكاية لحكاية نستلطف أعذب القصص وأغربها عبر سالف الأزمنة، تتداولها الألسن لتكوّن جلسة من جلسات التسلية والإثارة،، نقضي بها الساعات الطوال من الليل قرب الجدة.
"زينب" التي ما فتئت ذاكرتها المشحونة بصور حوادث مؤلمة ومفرحة يستعيد تذكرها زفير الزمن، يبتهج لها الصبية المجتمعون حولها في صبر وشوق وهي تسرد عليهم هذه الحكاية قائلة:
-آه يا أبنائي سأقص عليكم حكاية "بقرة اليتامى" القصة التي أبكت الأجيال، قصة الإنسان الذي لعبت به الأقدار في سخرية دامعة،،
يردون عليها: -نعم،، نعم يا جدتي هيا بسرعة،،
الجدة:
تغمر السعادة قلب الرجل الساكن الكوخ،، تحت زقزقة العصافير وزرقة السماء، ومع اخضرار الأرض تداعبه بسمات زوجته الحنون وهي ترعى طفليها "ظريف ومرجانة" مع بقرتهما الصفراء، ذاك رزقهما في الدنيا ينتفعان بحليبها… يجلسان بقربها، فتلامس بلسانها وجه "ظريف"، هذه سعادتهما تتضاعف، وقهقهاتهما تتعالى والفرح يحيط عالمهما وهما يترعرعان في حضن أبويهما الكريمين،، وتمر الأيام والليالي والقدر يكن للعائلة الصغيرة الهادئة أموراً أخرى،،
فجأة تخور قوى الأم الرؤوم فتصبح طريحة الفراش،، تمزقها سكاكين الوجع، تزيدها حرقة دموع طفليها وحسرة زوجها،، كانت الفتاة تسهر بجانب والدتها تخفف حرارة جسمها، وأضعه قطعة من القماش مبللة بالماء البارد على جبينها.. وما عسى "ظريف" أن يفعل سوى ذرف دموع حارقة شفقة على أمه التي قد يفقدها إلى الأبد!! وتزداد الحمى ويشتد مرضها،، فتسلم روحها إلى بارئها تاركة وراءها طفلين للوحدة والاغتراب،، لليتم والأحزان،،،،،
** *
الحزن دخل البيت دون استئذان،، شقاء وآلام مرة مرارة العلقم ودموع من فيضها تجري كالوديان… ما أقساك يا زمن الفراق، صحيح أن فراق الأحبة غربة،، وهكذا صار الطفلان كالعصفورين الصغيرين يبحثان عن أمهما في قلب أبيهما،، وأضحى الكوخ حزيناً مكفهراً، الظلام الدّامس يسكنه في رابعة النهار كما سكن أفئدة العائلة الجريحة كأنها طائر مهيض الجناح، الحزن الأسود يخيم على الجميع، حتى البقرة أحست بفقدان صاحبتها فندر الحليب في ضرعها…
** *
مرت السنون والعائلة بائسة تكاد رياح الشقاء تعصف بها.
رغب الأب عن الزواج بامرأة أخرى لأن زوجته الأولى لازالت تحتل قلبه وتفكيره لكن حرصه على ولديه، ورعايتهما وتدبير شؤون البيت جعله يفكر في الأمر مرة ثانية.
وتزوج الشيخ من امرأة ظن الخير في ناصيتها لكنها كانت تخفي تحت جمالها قلباً أسود أقسى من الحجر، قلباً لا يرحم ولا يلين.
أنجب الشيخ من زوجته بنتا سمّاها (عسلوجة) فتضاعف حقد زوجة الأب على الطفلين (ظريف ومرجانة) اللذين كان يقضيان وقتيهما في النهار مهملين جائعين، وعند المبيت يفترشان الثرى أو التبن قرب بقرتهما، يستمدان العطف والحنان من نظراتها كما يستمدان الغذاء من حليبها الدسم فنما جسماهما وتوردت خدودهما صحة وعافية وكان ذلك العطاء الحيواني تعويضاً للحرمان الإنساني.. احتارت زوجة الأب في أمر (ظريف ومرجانة)، رغم حرمانها وإهمالها لهما، يزدادان نمواً وجمالاً، وفي المقابل يعتري (عسلوجة) شحوب وهزال رغم عنايتها الفائقة بها غذاء ولباساً ودلالاً. فسهرت لذلك الليالي تفكر باحثة عن جواب شاف كاف للأسئلة المتهاطلة عليها كسيل الأمطار، لكنها لم تجد حلاً للغز المفارقة التي تراها تزداد يومياً.
وفي أحد الأيام أوصت بنتها (عسلوجة) قائلة:
-رافقيهما إلى المرعى وارصدي حركاتهما لتخبريني من أي مصدر يسترزقان، من أين يأكلان، لم تكن عسلوجة أقل من أمها حقداً وغيرة تجاه أخويها (ظريف ومرجانة) مما جعل نار الحسد تشتعل في قلبها الصغير فيصعد دخان اللهب إلى وجهها ليجعله أسود وهكذا ورثت (عسلوجة) من أمها صفة قبيحة تميت صاحبها ببطء.
استجابت عسلوجة لطلب أمها بلهفة وراحت ترقب الطفلين عن بُعد…!!
كانت دهشتها كبيرة وهي ترى البقرة في منتصف النهار تقترب منهما فيجثوان على ركبتيهما ثم يمسكان بضرعها لينهلا منه الحليب الصافي، يرضعان مثل الصبيين التوأمين كأنهما يمتصان ثدي أمهما،، يا له من مشهد رباني،،، ياله من موقف غريب عجيب،، حادث رائع، يدعو إلى التفكير في أسرار هذه الحياة وسخرية الأقدار ببني الإنسان.
اندهشت البنت (عسلوجة) لما رأت ذلك، لكنها سرعان ما حاولت تقليدهما،، تقدمت نحو البقرة وقبل أن تضع رأسها قرب الضرع صَكَّتْها البقرة بحافرها فأصابت عينها اليمنى، وكان ذلك جزاء التجسس على الأبرياء.. وعادت البنت (عسلوجة) إلى أمها مغمضة العين باكية الأخرى فأخبرت والدتها بما حدث لها وما شاهدت طول النهار.
اغتاظت الزوجة لما رأت وسمعت واشتد غضبها فعاقبت الطفلين (ظريف ومرجانة) عقاباً شديداً وقررت التخلص من البقرة (أم اليتامى).
ها قد شرعت تفكر في حيلة تنصب شراكها لتنفيذ قرارها.
بدأت توحي بذلك إلى زوجها تمهيداً لإبلاغه القرار، وبعد ذلك بأيام طلبت منه ذلك جهاراً نهاراً، قائلة:
-أيها الزوج العزيز، يا شيخي الكريم، نحن لسنا في حاجة إلى البقرة.
ردَّ عليها في دهشة وغضب: -ماذا تقولين أيتها الحمقاء؟ أجننت؟ أنسيت حليبها ولبنها وسمنها؟!
قالت وهي تلح في جرأة وقحة:
-بعها واشتر لنا حماراً نركبه فيريحنا، إني كرهتها، إنها متعبة، لا أريد رؤيتها بعد اليوم.. وباتا ليلتهما متخاصمين، يتجرعان مرارة الخلاف…
وجاءت الأيام ومع إصرار الزوجة على رأيها تفتت موقف الشيخ الصلب وانصاع لرغبة "زوجته"…..
في السوق الأسبوعي حيث ينعقد مؤتمر التجار والفلاحين ويلتقي الغني بالفقير والفلاح بالأمير والأمين بالغرّير، كان الناس يحملون السلل الحافلة بمختلف أنواع الخضر والفواكه الشهية التي منّت بها عليهم الأرض…. فواكه لذيذة أنتجتها أيدي خشنة متجعدة، كما عرضت في السوق أواني طينية أبدعتها أنامل النساء القرويات في أشكال منقوشة ومظاهر منحوتة وصور مزركشة قشبية أخذت من أمنا الأرض زخرفتها.
تقول الجدة "زينب" ضاحكة:
-"لو كان ما لساني لحلاح ما خذيت المداح" هذا حال الدنيا يا أكبادي، وهذه طبائع البشر كمعادن الأرض، فيها الذهب والفضة وفيها النحاس والرصاص، توجد نساء عطوفات كالأمهات أو أكثر، لا تخافوا يا صغاري، يبتسم الأطفال وتواصل الجدة سرد الحكاية، وهي تتثاءب واضعة راحة كفها على فمها من حين لآخر:
من مطلع الفجر لبس الزوج عباءته البيضاء ورمى برنوسه البني الطويل على كتفه ثم اتجه نحو الإسطبل ماسكاً الحبل بيديه المرتعشتين ليضعه حول قرني بقرة اليتامى…
كانت البقرة في طريقها إلى السوق الأسبوعي تبكي بلا دموع وكأنها عرفت مصيرها، بل أنها كانت تبدو حزينة لفراق الطفلين الأبدي.
عندما ابتسم الصبح حزيناً ذهبا إلى مكانها كالعادة لشرب حليب الصباح فوجدا المكان خالياً..
لم يجدا الكنز الذي تركته لهما أمهما فشعرا بموت أمهما مرة ثانية، وكأنها توفيت مرتين. فبكيا كثيراً…
كان الشيخ في طريقه يردد في نفسه كلمات يقصد بها زوجته:
-هي تقول وأنا أقول… هي تقول وأنا أقول حتى غلبتني بالقول،،، لقد صدق من قال لكل داء دواء يستطب به إلاّ الحماقة أعيت من يداويها يا ليتني تزوجت بالضاوية بنت المدّاح المرأة الكريمة العطوفة.
وفي باب السوق وجد الشيخ جزاراً يسوم الناس أبقارهم، فباعه البقرة بأدنى ثمن وعاد إلى بيته حزيناً يدعو الله اللطف والرحمة بصغيريه اللذين وجدهما مكان البقرة في حداد ينظران نحوه نظرات غريبة ممزوجة بالعتاب والاستفهام…
استلقى الشيخ على فراشه ليلاً وبعد أرق وسهاد حرما على جفونه النعاس استسلم للنوم فرأى في الحلم زوجته الأولى أم الطفلين تزوره دامعة العينين وهي تقول له: سامحك الله…. لقد ضيعت الأمانة.
ثم تطلب منه الذهاب إلى الجزار لاسترجاع ضرع البقرة وقرنيها ووضعهم على قبرها في أقرب وقت لاحق.
قام الشيخ من نومه مفزوعاً ولبس عباءته في منتصف الليل، ثم غادر بيته صامتاً وفي سرعة عجيبة هرول نحو دار الجزار، وأكمل الهزيع الأخير أمام باب الجزار ينتظر خروجه.
استيقظ الجزار على نباح الكلب فوجد الشيخ على عتبة البيت يرتعد من البرد، استغرب لحاله واستفسره عن رغبته، تعلق الشيخ بملابس الجزار يقبل يديه ملتمساً منه إعطاءه ضرع البقرة وقرنيها.
كان الطلب غريباً كلن قلب الجزار رغم قسوته رقَّ لحال الشيخ واستجاب لرغبته وقدّم له ما أراد في تلك الصبيحة….
بيديه حمل الشيخ ضرع البقرة والحليب يسيل منه ممزوجاً بالدم، ووضع قرنيها داخل قلمونة برنوسه، وسار في اتجاه المقبرة التي تنام فيها زوجته الأولى، عندما وصل إلى قبرها حياها في حسرة وأسف، ثم وضع الضرع على قبرها قرب حجر الشاهد، وغرس قرني البقرة بالقرب من القبر ثم انصرف إلى بيته مسروراً بإرضاء زوجتيه معاً.
** *
يشتد الزمن على الطفلين بمرارته المتوالية مع الأيام، لقد حزنا حزناً عميقاً لغياب بقرتهما، وها هو الجوع يضنيهما وزوجة أبيهما ترفض الاستجابة لتوسلاتهما المنبعثة من معدتيهما الخاويتين،، شحب لون وجهيهما وهزل جسماهما حتى صارا لا يُعرفان عند الناس…
في يوم من الأيام اشتد شوقهما لرؤية أمهما، فذهبا خفية إلى مقبرة القرية يزوران قبر حبيبتهما ويشكوان لها حالهما،، وصلا إلى القبر جائعين يلهثان من العطش فوجدا عليه ضرع البقرة يفيض حليباً دافئاً، كان ينتظرهما كالعادة وبالقرب منه نخلتين باسقتين كثيرتا العراجين التمرية، تأتي أكلها كلَّ حين.
احتضنا قبر أمهما فرحين مسرورين بلقائها وكأنهما يسمعان صوتها ينبعث من تحت التراب ثم بكيا حتى تبلل تراب قبرها حينما تذكرا حضنها الدافئ الحنون.
شربا الحليب وأكلا التمر حتى شبعا وارتويا ثم تحولا بنظراتهما يتطلعان إلى السماء وإلى النخلتين في صورتهما الشبيهتين بقرني البقرة، وبقي الطفلان اليتيمان طوال النهار يناجيان أمهما في مظهر إنساني لا مثيل له.
قدم الطفلان إلى المكان مرة ثانية وثالثة، يرتادانه وقت الحاجة حتى عادت النضرة إلى وجهيهما والسحر إلى محييهما والعافية لجسميهما فعاود زوجة أبيهما الحسد والضغينة، وطلبت من ابنتها (عسلوجة) إعادة الكرة مرّة ثانية، قبلت (عسلوجة) المهمة بغبطة وكأنها خلقت لفعل التجسس.
رافقت عسلوجة شقيقيها المغضوب عليهما إلى حيث يسيران، كانا يتعمدان التمويه في سيرهما بين المزارع والحقول يريدان التخلص من أسئلتها التحقيقية لكنها كانت مصممة على بغيتها. ويمر النهار عسيراً على الطفلين رغم اللعب والمرح بعض الأحيان، ينتظران عودة (عسلوجة) إلى البيت وقد أخذ منهما العياء والجوع،،، طلباً منها الرجوع فلم تقتنع حذراها من مهالك الطريق الذي يسلكانه فلم تأبه لكلامهما… حاولا العودة إلى البيت لكن الشوق والجوع والظمأ أرغموهما على الاتجاه نحو المقبرة…
كان الوقت أصيلاً وخلاله قهرهما الجوع فلم يستطيعا صبراً وتوجها نحو الضرع والنخلتين يهزان جذعيهما فيتساقط الحب رطباً شهياً. وانكشف السر…. تقدمت (عسلوجة) من الضرع المدرار وتجرعت خلسة قليلاً من الحليب وأبقت جرعة في فمها، كما وضعت تحت شفتها السفلى شق تمرة ثم عادت نحو البيت مسرعة لتجد أمها في انتظار التقرير الكامل المفصل عن المهمة الموكلة لها.
باتت زوجة الأب تفكر في الأمر أرهقها التفكير ولم تجد للموضوع حيلة ومع الصباح المشرق في ربوع القرية سمعت منادياً ينادي لبيع ما لديه من كسوة وعقاقير،، إنه الدلاّل… ها قد جاء في موعده… هرعت إلى بوابة الكوخ تسأله: ما في حوزتك لقطع النخلة؟ أجاب والعرق يتصبب من جبينه:
-القطران في عروق النخل، يقتل الجذور فتصبح سواكا وبخوراً.
أطربها جواب الدلاّل فاشترت منه ما يكفيها للفتك بالنخلتين، واتجهت صوب المقبرة لاهثة، تحمل القطران في يدها والمكر في قلبها، وما إن وصلت إلى النخلتين حتى بحثت عن جذورهما ودست فيهما القطران، ثم أخذت ضرع البقرة ورمته خارج المقبرة للكلاب التي التهمته في الحين.
بعد عودتها إلى البيت مكثت صامتة صمت المذنبين، لا يرى الرائي في عينيها الغائرتين غير علامات المكر والدهاء، أقبل الشيخ من عمله متعباً وقد ضعف بصره وابيض شعره، واحدودب ظهره، وقبل أن يستريح وقفت في وجهه صارخة تتصنع الغضب:
-هيا أبعدهما عني، إني كرهتهما؟
يتساءل العجوز في حيرة: -من تقصدين؟
قالت: -هما، اللذان تسببا في تعوير عين ابنتي عسلوجة.
** *
مع الصباح الباكر يجهز الشيخ ابنه ظريف وابنته مرجانة للرحيل،،، قصدوا الغابة ترافقهم الدموع، وفي نهاية الدرب الزراعي الملتوي قرب سفح الجبل ودّعهما الشيخ بشهقات حزينة وهو يضع في أيديهما قطعاً من الخبز وكيساً مملوء بألبستهم وفراشهم… وعاد إلى البيت كئيباً،، عاد وحده يبكي حرقة الوداع الأبدي..
ويسير الطفلان قاطعين الوهاد والجبال والأدغال، خارجين بلاداً داخلين أخرى، هائمين على وجهيهما لا يعرفان لرحلتهما اتجاهاً معيناً أو نهاية محدودة.. كان التعب قد أخذ موضعه منهما فجف ريقهما عطشاً والتوت أمعاؤهما جوعاً وكادا يموتان عياءً وظمأ لولا إشرافهما على نهر جار يسمى وادي السحر، بدا لهما من بعيد أملُ يائس وبسمة قائظ ومائدة نزلت من السماء.. وعندما وصلا لاحظت مرجانة سائلاً سحرياً يختلط بالماء، فتذكرت قصة الوادي السحري الذي يغسل الأبدان من الدنس ويحول شاربي مائه إلى غزلان!!
أسرع أخوها ظريف نحو النهر وانكب على الماء يريد إطفاء نار العطش الملتهبة في حلقه لكن أخته منعته من الشرب وبصعوبة أبعدته عن الماء وواصلا طريقهما.. توقف الطفل ظريف عن المشي وأخبر أخته بضياع قلادته عند الوادي، قلادة الذكرى والتذكار، المهداة له من أمه العزيزة… سمحت له أخته بالعودة للبحث عن قلادته وأوصته بالامتناع عن الشرب.
ورجع الطفل إلى النهر للبحث عن ضالته، لكن انسياب الماء بين الحصى زلالاً صافياً أفقده الصبر فلم يتمالك نفسه وانهال على الماء يعبه عباً، وفي لحظة، في رمشة عين، صار العجب! لقد تحول الطفل ظريف إلى مخلوق آخر.. يشبه الغزال! اندهشت لذلك أخته وبكت بكاءً مراً ثم حزنت لذلك حزناً عميقاً، واشتدت حيرتها على أخيها.. ها هي "مرجانة" جالسة تحت الشجرة تمشط شعرها والطفل الغزال أمامها يرتشف جرعات الماء لا يدري ولا يدرك حاله.. انسلت من شعرها الذهبي واحدة،، كانت طويلة في امتداد سالفها الطويل، سقطت الشعرة في مجرى النهر فجرفها التيار وسرى يتلاعب بها مسافات بعيدة، حتى توقفت فجأة بين أنامل يد بشرية،، إنها يد سلطان البلاد..
** *
منذ حين كان السلطان يتجول في رحلة صيد يصحبه الجند وسط الأدغال والأحراش وعند الظهيرة أراد الاستحمام بماء النهر الدافئ استعداداً لتناول وجبة الغذاء الدسمة، جلس على ضفة النهر ووضع يده في الماء يعاكس التيار الجاري مستلذاً بانسياب الماء بين أصابعه كسريان النسيم العليل بين السنابل، عندما حمل السلطان الشعرة في كفه كانت أشعة الشمس تنعكس عليها فتماوجت ألوانها في منظر سحري بديع، تفحص وتمحص الشعرة الذهبية كثيراً وبفراسة الأذكياء عرف أن الشعرة لفتاة رائعة الجمال كريمة النسب عالية الخلق.
وقف الملك صامتاً ثم اعتلى صهوة جواده الأصيل، فاجتمعت حاشيته حوله تنتظر الأوامر،،، قدّم لهم الشعرة قائلاً:
-جاءت مع الماء،،، أريد رؤية صاحبتها في أقرب وقت.
وبعد هنيهة من الزمن كان الجند يسلكون ضفتي النهر قاصدين منابع الماء للوصول إلى صاحبة الشعرة الذهبية،،، وجدوا في طريقهم نساء كثيرات يغسلن ثيابهن وينشرنها على الشجيرات القريبة من النهر كما شاهدوا فتيات عذارى يستحممن بماء النهر وقد أفزعهن قدوم الجند بغتة من حيث لا يدرين. وظل الجنود يسعون، يقارنون الشعرة الذهبية بشعر كل أنثى يصادفونها في طريقهم حتى اشتغل الناس بالأمر واحتارت النساء لذلك وتوقفت خطوات الجند على رأس النهر، حيث منابعه الأولى ولم يجدوا لصاحبة الشعرة الذهبية سبيلاً ولا أثراً، فعادوا إلى السلطان خائبين بعد أسبوع من البحث الدقيق، والاستطلاع الواسع.
اغتمّ السلطان لمّا علم بالأمر، واستسلم لتفكير طويل، يسائل نفسه ويعاتب تاجه ووزراءه عن عجز سلطانه في الوصول إلى شيء بسيط في مملكته وهو الآمر النّاهي…
ومرت الأيام فانشغل بأمور الرعية محاولاً تسلية نفسه، لنسيان صاحبة الشعرة الذهبية الغريبة،،، لكنه لم ينس إخفاء الشعرة في صندوقه الخاص مع لوازمه السرية…..
** *
ها هي الفتاة مرجانة تمشي وأخوها الطفل الغزال ظريف يتبعها في مشهد غريب حقاً،،، وفي غمرة حيرتها الكبرى شاهدت كوخاً قديماً يتوسط الأشجار فأسرعت بها قدماها نحوه، إنه لعجوز طيبة تعيش من الأعشاب والعقاقير التي تحضرها إلى الدّلال كل صباح، عندما يأتي وعلى كتفه "الشوال" وهو ينادي:
-غذاؤك دواؤك، هات ما عندك أعطيك ما عندي،،، البيع لا والمبادلات نعم.
فتقدم له العجوز الحشائش والعقاقير النافعة للعلاج مستبدلة إياها بالقمح والشعير والزيت.
رحبت بالطفلة التي جاءت تريد الخبز والماء لها ولأخيها.
تستغرب العجوز ثم تسأل:
-أين أخوك؟
وقصّت عليها مرجانة الحكاية من البداية إلى النهاية.
أسرعت العجوز إلى مربط الجديان وأطلقت الغزال من ربقة القيد، بعد أن عرفت قصته، فجاء مسرعاً ليقف قرب أخته، وقدمت لهما العجوز الخبز والعسل والتفاح ثم قالت لهما:
-لا تيأسا من رحمة الله،، أنا أمكما الآن… ثم نظرت إلى السماء وهي تقول:
-شكراً أيتها العناية الإلهية لقد حققت حلمي،،، حلمي الدفين منذ سنين.
عمّ الخير البلدة بحلولهما على بيت العجوز فنزل الغيث وتفجرت الينابيع المائية واخضرت الأرض الفلاحية، وغمرت خيمتها الأرزاق.
ويأتي الدلاّل يأخذ طبق الأعشاب فيجد بداخله ذهباً،،، استمر الحال شهوراً والدلاّل فرح ومتعجب، لكن الاستغراب كان يملأ خاطره ويشغل باله،، فقرر بعد سنين اطلاع السلطان على هذا السر العجيب… الأعشاب تصير ذهباً والصيف يصبح ربيعاً؟؟؟……..
** *
زوجة الأب وابنتها عسلوجة يقرران الرحيل والشيخ يمانع وقد ظنّ أن يد الأقدار تعيد له طفليه، حاول الامتناع لكن إصرار زوجته وتهديدها له بتظليمه لدى الحاكم زورا والوشاية بأنه لا يدفع الضريبة السنوية على أفراد عائلته، أخضعاه للأمر الواقع…. وسافرا الثلاثة إلى غير رجعة تاركين البيت أطلالاً، جدراناً طينية تتلاعب الرياح بسقفها النباتي.
أصبح الدلاّل من الأغنياء لكنه لم ينقطع عن الدلالة، ها هو يدخل قصر السلطان الواسعة أرجاؤه ويطلب من الحرس السماح له بمقابلة السلطان، بعد محاولات كان له ما أراد، يطأطئ رأسه، محيياً السلطان، بقوله:
-العظمة والجلالة لمولانا السلطان (يشير عليه السلطان بيده اليمنى قائلاً):
-هات ما عندك أيها الرجل، إن كنت مظلوماً فأنا منصفك وإن كنت مسلوب الحق أنا راده لك… انشر ما في صدرك…
الدلاّل مبتسماً:
-عفوك أيها السلطان، لا هذا ولا ذاك، إن سبب حضوري، واقعة أذهلتني وأطلب من مولاي السلطان السماح بسرد قصة العشب الذهبي.
(يشجعه السلطان بإيحاء من ملامحه، فيطلق الدلاّل العنان للسانه يصول ويجول واصفاً الزمان والمكان بأوصاف شتى أثارت فضول السلطان وحركت فيه سلطة القرار فأمر أحد حجابه بإحضار العجوز ومن معها قبل غروب شمس ذلك اليوم).
وغابت الشمس في الأفق وفي القصر أشرقت شمس أخرى إنها الفتاة مرجانة رفقة العجوز وأخيها الغزال أدخلهم حاجب القصر، فبهت السلطان لجمالها الباهر، كان سحرها يسري في النفوس كالموج في امتداده، جاء السلطان في الحين بالشعرة الذهبية وقارنها بشعر الفتاة فإذا بها تشبهه..
-يا لها من صدفة عجيبة!!
قالها السلطان وهو يهش لوجودهم بالقصر… ثم أكرم حضورهم وطلب منهم الإقامة في جناح الضيافة ثلاثة شهور لعلاج الغزال.
وجاء يوم الصبح الثاني ومعه وفود الأطباء والعلماء والعارفين بعلوم الدين، كانوا يصلون زرفات ووحدانا تلبية للنداء العاجل الذي أصدره السلطان إلى عمّاله في الأقاليم، ومع الأصيل كانت ساحة القصر تعج بذوي الأفهام والعقول النيرة والعارفين بسداد الرأي في الطب والحكمة، ها هم ينتظرون ظهور السلطان، أعناقهم تشرئب إلى الشرفة المهيأة له لمعرفة سر جمعهم.
وبعد زمن قصير أطل السلطان وحياهم بإشارة من يده ثم أمر حاجبه إحضار الغزال فأحضره في الحين، توجه السلطان بخطاب مطول للحاضرين تحدث فيه عن الحياة وأسرارها والخالق وقدرته، ثم طلب من الجميع البحث عن علاج للطفل الغزال كي يعود لصفته البشرية خلقة وخلقاً، لم يخف الحاضرون اندهاشهم وراحوا يسبحون ويحوقلون.. تناظروا فيما بينهم وشرعوا في التفكير والبحث وإجراء التجارب..
خلال فترة العلاج والضيافة أعجب السلطان بالفتاة مرجانة سلوكاً وجمالاً وتعلق قلبه بها، فعرض عليها الزواج… وافقت الفتاة مرجانة لكن مهرها كان غالياً، إذ طلبت من السلطان الوعد بعلاج أخيها حتى الشفاء التام، وقبل السلطان شرطها،، فأقاما عرساً بهيجاً رقص فيه الغزال كثيراً وعاشا أياماً سعيدة وعيشاً رغيداً تملؤه المودة والرحمة ويزينه التفاهم…
** *
من مرافق القصر الترفيهية المتحف الحيواني الذي يجمع في أروقته أصنافاً عديدة من الحيوانات الأليفة والمتوحشة، زاره السلطان رفقة زوجته فسرّت بما رأت وقالت في نفسها عندما مرت بجناح الغزلان:
-ربما يوجد في هذا السجن الحيواني من كان إنساناً وشرب الماء السحري فتحول إلى غزال، وصارت تتردد على هذا الجناح كل أسبوع تبحث عن سرّ ما.
** *
وفي يوم من الأيام اضطر السلطان للسفر، فأخبر زوجته بعزمه ثم وضع في أصبع من يدها اليسرى خاتم السلطنة، وأوصاها باستعماله عند الضرورة.. ودّعها ومشى فشيعته بنظرات ينبعث منها الحب والاعتزاز، ثم عادت إلى جناحها كي تستريح قليلاً ولتختلي بنفسها فتنظر إلى بطنها المنتفخ، مبهورة بالحمل، فخورة متشوقة للمولود الأول، الذي ستأتي به هدية إلى السلطان بعد عودته..
في غياب السلطان عن قصره جاء فقير في ثياب بالية يطلب صدقة، كان الوقت أصيلاً، إنه الزمن الذي تخرج السلطانة إلى شرفتها تتأمل الكون وتودع الشمس وهي تلبس عباءتها الصفراء مستعدة للنوم خلف الأفق، وقع بصرها على السائل يرفع يده نحوها، فاقشعر جسمها وأحست بشعور غريب يغمرها، طلبت من الحراس إدخاله إلى الساحة… نزلت من الطابق العلوي مسرعة واقتربتَ منه فتعرفت عليه… نعم هو أبوها العجوز.. عانقته فاحتضنها وبكيا، أطعمته حتى شبع وسقته حتى ارتوى وألبسته أزهى الثياب حتى دفئ وشعر بالراحة والطمأنينة، وحدثته كثيراً عن رحلة العذاب والمتاعب فقال لها بصوت حنون:
-إن دوام الحال من المحال، وإن الله مع الصابرين.

وعندما أراد مغادرة القصر وضعت مرجانة في يده كيس فطائر محشوة باللحم ثم التمست منه عدم فتح الكيس قبل الوصول إلى البيت مع حفظ سر وجودها عن زوجته وابنته.
وعاد الشيخ إلى زوجته وابنته فرحاً مسروراً وحائراً في أمر ابنه الغزال ظريف… فتحت الزوجة وابنتها الكيس فإذا الذهب يتدفق من بين الفطائر، قطع تتساقط فتحدث رنيناً وتلمع فيتحول البريق إلى توهج يثير النفوس الطامعة.
طلبت المرأة من زوجها الذهاب إلى السلطانة لشكرها رغبة منها في المزيد من الذهب، ولم يمانع الشيخ لأنه تعود الطاعة والانصياع وعلم أن مقاومته لها ستبوء بالفشل لا محالة.. وفي اليوم الموالي ذهبا ترافقهما ابنتهما (عسلوجة)، وكم كانت المفاجأة كبيرة للزوجة وابنتها عندما تعرفا على السلطانة التي أكرمت ضيافتهم جميعاً، ندما وطلبا منها على العفو وكان لهما ذلك.
وبعد ضيافة ثلاثة أيام قرر الشيخ العجوز أخذ زوجته وابنته (عسلوجة)، ومغادرة القصر خشية وقوع ابنته السلطانة ضحية مكر جديد تدبره لها زوجته… وعندما علمت السلطانة مرجانة بقراره وافقته لكنها طلبت منه السماح لعسلوجة بالبقاء معها في القصر أياماً.. فكان لها ما أرادت..
** *
ذات ضحى يوم جلست السلطانة مرجانة في حديقة القصر على حافة البئر تتأمل هندسته الرائعة وبجانبها أختها عسلوجة، ثم شرعت مرجانة في تسريح الشعر الذهبي، المتماوج الألوان، وأثناء ذلك استيقظ في قلب عسلوجة هاجس المكر القديم واشتعلت نار الغيرة في فؤادها فأظلمت الدنيا أمام عينيها، ولم تشعر بالراحة إلاّ بعد أن دفعت بالسلطانة إلى أعماق البئر ثم عادت إلى جناح الخدم بالقصر هادئة النفس كأنها لم تفعل شيئاً، بل طلبت منهم سبع قدور لتقديم الغزال وجبة شهية توضع على مائدة السلطان العائد من سفره البارحة فقط.
لكن الغزال عندما رأى ما رأى من قدور نطق فزعاً وأسرع نحو جناح السلطان فأيقظه من نومه وهو يقول:
-دعوني… دعوني… أودع أختي، أذهب إليها في البئر، ثم افعلوا ما شئتم!! وأغمي عليه لعدة ساعات.
(يا خويا، يا ولد أما وبابا سبع قدور تتغالى سبع مواس تتسانى هكذا كانت السلطانة ترثي أخاها الغزال من داخل البئر باكية شاكية في حزن، بعدما سمعت الحرس يتحدثون في أمر ذبح الغزال دون أن ينتبهوا لها)، حاولت مناداتهم لكن حنجرتها لم تقو على التصويت لهول ما وقع لها عند رميها في البئر… حتى إنها وضعت حملها، توأمين داخل البئر،،، وبقدر فرحها الشديد بهما كانت خائفة عليهما من أذى الماكرين…
أعلن السلطان حالة الطوارئ في البلاد وأخبر الجيش بالكارثة فهلع كل من سمع الخبر، توجه الجميع للبحث عن زوجة السلطان في آبار المدينة، بينما ذهب بنفسه إلى بئر عتيقة محفوفة بالحشائش في إحدى حدائق القصر، وقف ينظر داخلها، وصل مسمعه صوت الألم المنبعث من أعماق البئر ممزوجاً بأنين الحزن وسمع صوت وليد يبكي صباه، لم يتمالك السلطان نفسه فحاول الارتماء في البئر لإنقاذ زوجته المشرفة على الهلاك لكن حراسه كانوا أسبق منه إلى دخول البئر المرعبة وبعد حين من الجهد والمعاناة خرج الجميع من البئر في حالة يرثى لها.
كان المشهد مؤثراً، والموقف عصيباً وكانت المفاجأة كبيرة عند رؤية الصبيين يتعلقان بثديي أمهما، احتضن السلطان زوجته النفساء مع الصبيين، احتضنهم جميعاً ثم حمل الطفلين الجميلين بفرح كبير وأعلن إنهاء حالة الطوارئ وإقامة الاحتفالات في كل الأقاليم تكريماً لزوجته ولبنيه… وكان عقاب الفتاة عسلوجة على فعلتها الشنعاء النفي الدائم خارج السلطنة، بينما اختار والد السلطانة مرجانة البقاء قرب حفيديه الصغيرين يرعاهما ويتأمل نموهما.
تزامنت الاحتفالات بوضع العلماء والأطباء اللمسات الأخيرة لبحوثهم وتجاربهم حول إبطال مفعول الماء المسحور.
وفي غمرة البهجة والسرور بنجاة السلطانة من الموت المحقق وبازدياد الأميرين الصغيرين أعلن العلماء والأطباء والحكمة عن اكتشاف دواء جديد يعيد للشاب ظريف الغزال هيئته البشرية الأولى التي كان عليها قبل أن يشرب من وادي السحر، فأطرب هذا الخبر العائلة الحاكمة وكل من كان في البلاد، وقدّم العقار إلى الغزال ظريف في الحين وبمجرد تناوله مع جرعة من زيت الزيتون بدأت صفاته الجسمية تتغير والعلماء يشاهدون.
كانوا جميعاً في المخبر الملكي في صمت رهيب كأن الطير على رؤوسهم وما هي إلاّ دقائق حتى عاد الشاب إلى حالته الطبيعية. إنسان جميل، شاب في مقتبل العمر،، بهي الطلعة وسيم الوجه،،، فازدادت الفرحة في القصر وتعانق الجميع، السلطان مع السلطانة والشيخ وابنه ظريف ومعهم الصبيان الصغيران…
تنفست الجدة (زينب) الصعداء وهي تشرف على نهاية الحكاية الأسطورة، ثم قالت:
-وهكذا يا أحفادي الأعزاء،، عاش الجميع في سعادة وهناء ردحاً طويلاً من الدهر، إلى أن حضر "هادم اللذات وميتم البنين والبنات، مخرب القصور ومعمر القبور" فمات من مات وعاش من عاش وسبحان الحي الذي لا يموت)…
ثم تفقدت الصغار فوجدتهم نائمين، فنامت بالقرب منهم بعد أن قالت:
-هكذا ينامون كلّ ليلة وفي الليلة المقبلة يطالبونني بإعادة الحكاية، ثم استدركت قائلة:
-إنها الطفولة…. يحكمها قانون عجيب!!









الأميرة السجينة


قال البرّاح: يا ناس يا سامعين… يا صغار
يا كبار… هكذا الدنيا تلعب بأقدار الملاح… يوم في الأفراح وعشرة في الأتراح…
قد نتعود أشياء ونألفها،، نحببها إلى أنفسنا لأجل المتعة،، هكذا يقتحمنا الزمن دون أن نتخذ له في النفس مكاناً،، فالأحداث المتتابعة،، تختلف من رواية نعرفها لأخرى صاغتها لنا الجدة "زينب" التي لا تتوانى عن مؤانستنا لتخفف عنا وطأة طول الليالي…. ها قد بدأت الحكاية، قصته من عهد الأجداد لنتابع جميعاً:
على سفح الجبل العتيد تتربع دولة شامخة في عزها، هادئة في سير نظامها السياسي والاجتماعي،، تحيط بها البساتين باختلاف زهورها ورقصات فراشاتها وزقزقة عصافيرها وتغاريد طيورها الراقصة بين أفياء الأشجار المنتشرة على صدر البلدة…أو لِنَقُلْ البليدة لأنها صغيرة…
جلس الحاكم ذو اللحية البيضاء والشاربين الطويلين مزهواً ببرنوسه الأحمر وحذائه الجلدي الموشوم برسومات مختلفة واضعاً في رقبته قلادة وخاتماً يلمعان لمعان البرق الخاطف كما قبلتهما الشمس بأشعتها فيزداد المكان ضياء… تحت الشجرة التي اعتاد الجلوس في ظلالها يتزين المجلس بعدل الملك الذي بث الاطمئنان في القلوب ونشر الأمان في سائر أنحاء المملكة،، والورود الحمراء المتفتحة تستقبل قطرات الندى محتضنة إياها في حنو عجيب وحتى زهور الأقحوان تبتسم هي الأخرى سعيدة بمحاذاة السلطان….
وهو في جلسته الهادئة يفكر في العريس المفضل لابنته الوحيدة "كنزة"،، الموضوع الذي شغل باله كثيراً،، بدأت تحوم حولـه فراشة بلباسها المرونق،، تحط هنا وتطير هناك عالية بخفة عجيبة،، يترقبها الملك بنظرات شاردة،، يتبعها ببصره كأنه يستشيرها في طريقه لاختيار موفق لشاب من بين مواكب العرسان التي تتوافد عليه لطلب الأميرة "كنزة"،، وكلّ واحد يتميز بصفات محبوبة،، كالقوة وطيبة القلب والحنكة والدهاء……. واصلت الفراشة ترنحها برقصاتها أمامه ثم اختفت بين الورود، فتّش عنها ببصره فلم يعثر عليها،، وهنا راودته فكرة طريفة حول موضوع زواج ابنته إذ قرر إجراء امتحان لخطاب ابنته… والفائز منهم سيصبح صهراً له!!
إنّ مهرها سهل لكنه ممتنع….. وجاء اليوم المعلوم، يوم الامتحان الذي يكرم المرء فيه أو يهان، فجلس على كرسي العرش وعلى رأسه تاج الملك واضعاً يده على خده، كم كان ذلك الكرسي مغرياً يومض ببريق السلطة الذي يسيل لعاب الطامعين والطامحين،، بدا شكله رائعاً إذ كانت تزينه نقوش أصلية مستوحاة من عالم الطبيعة، ومن الفن التقليدي الأصيل لأجداد الأجداد، حتى أرجله تشبه رؤوس الغزلان، وعليه علّق جراب وبداخله شيء مجهول،، طلب الملك من الشاب معرفته فياله من امتحان! وياله من مهر وياله من مطلب عسير..!!!
** *
تقدم إلى السلطان حشد من الفرسان يطلبون يد الأميرة يجربون حظوظهم في يوم مشهود حاولوا معرفة ما بداخل الجراب…. لكنهم أخفقوا كلهم في الامتحان، فيهم من قال:
-يوجد تفاح وآخر قال: ذهب،، ومن قال: رأس قرد وآخر قال: كتب،، وآخر قال: ثعبان… وعاد كلّ واحد مكسور الخاطر والوجدان يقول معزيّاً نفسه: المهم المشاركة.
وفي نهاية المنافسة قدم إلى قصر السلطان،، شاب وسيم،، يرتدي ملابس متواضعة،، تسبقه ابتسامته المشرقة التي تخفي ثقة وشجاعة، كما يخفي برنوسه البنفسجي المتدلي وراءه المشدود إلى رقبته أناقته المتميزة،،،، ورغب في المشاركة لمعرفة ما بداخل الجراب…………..
حينما رأته الأميرة أعجبت بجماله فراحت تومئ له بإيحاءات وإشارات تدل على ما بداخل الجراب،، من خلف الستار كانت تبدي له في يدها وردة حمراء……
-وأجاب الشاب الوسيم قائلاً:
يوجد داخل الجراب ورد أحمر…. فتهلل وجه السلطان بالبشر وهنأ الشاب على النجاح،، ثم زوّجه ابنته "كنزة" وفاء بعهده،، فأقيمت الأعراس البهيجة الحافلة بأهازيج الطرب المليئة بما لذّ وطاب من طعام ...لحوم وفواكه وحلويات………….
** *
وذات يوم ليس كغيره من الأيام، في الصباح الباكر تحول الشاب إلى أصله،،، إلى صورته الحقيقية،، وحش غابي،، حمل الأميرة عنوة إلى قمة الجبل بعدما كمّم فمها بقطعة من القماش كي لا تستطيع الصراخ وفي قلعته أغلق حولها كل الأبواب الموصدة بالحديد وأرهبها بالتهديد والوعيد….
احتار السلطان وحزن لغياب ابنته الوحيدة،، ومما زاد في حزنه وعذابه جهله بمصيرها وأخبارها…. فكّر ملياً فخطرت بباله فكرة،، تذكّر حمامة السلام البيضاء،،، الحمامة الزاجلة،، حاملة بريده إلى الأمراء والسلاطين في كل البلدان… فكتب مخطوطاً وعلّقه برجلها اليسرى… وأوصاها قائلاً:
-يا حمامة السّلام هذا الكتاب خذيه أمانة إلى ابنتي المهاجرة،، ابحثي عنها في الأرض وفي السماء، في كل مكان بالمعمورة واحذري أن تسلميه لغيرها.. ولا ترجعي إلى القصر حتى تبلغيها الرسالة وتأتي بأخبارها، زينة البنات.
طارت الحمامة تقطع الجبال والوديان،، تمر على القصور والجسور والمدن والقرى.. باحثة عن الأميرة الغائبة،، تواجه العواصف وزمهرير الرياح ورذاذ المطر ووابله…
وصلت الحمامة البيضاء إلى قلعة حديدية حيث أخبرها هاجس غريزي بواسطة حواسها أن صاحبتها الأميرة موجودة في هذه القلعة المهجورة،، فبدأت تحوم في فضاء القلعة واستمرت في رقصاتها الإستطلاعية. حتى لمحت الأميرة "كنزة" قادمة نحوها والابتسامة الحزينة تفترش محياها الذابل، نظرت إلى الحمامة الطليقة مستبشرة كسجينة اقترب موعد تسريحها، وهتفت:
-آه، أيتها الحمامة البيضاء،، يا رائحة الأهل القادمة،، يا حمامة السلطان العزيز هل تعرفت على التي كانت تقدم لك الحب؟! اقتربي،، حطي على ركبتي هذه،، قبل عودة الوحش الشرس، الذي أغراني بزيف جماله فلم أسأل عن علمه وأخلاقه.
وأحسّت الحمامة بشعور الأميرة فحطت على ركبتيها،، احتضنت الأميرة الحمامة وقبلتها بحرارة ممزوجة بدموع الشوق والألم ثم اكتشفت الرسالة فأخذتها من رجلها وقرأتها،، فهمت ما احتوته فبكت وكتبت في الحين إلى والدها تحكي له مرارة العيش والمعاناة التي تمر بها عند الوحش (الشاب) لقد ندمت كثيراً على زواجها واختيارها المتسرع للجمال الغادر….
طارت الحمامة عائدة بالمرسال والأخبار إلى السلطان… مسك السلطان الرسالة فرحاً،، وعند قراءة المراسلة شعر بنوبة الأسى تحتويه من جديد،، طلب إحضار "الشيخ المدبر" كي يبدي له عمّا يحس به ليشير عليه قصد إنقاذ ابنته من هذا الشاب المتوحش وليسأله:
-هل يفلح الجيش في استعمال القوة لاستعادة الأميرة كنزة المختطفة؟!
أقام الشيخ المدبر في جناح خاص، وعندما عرض عليه الملك الأمر لم يوافق على إرسال الجيش إلى القلعة الحديدية، لأن الشاب المتوحش قد ينتقم من الأميرة عند رؤية الجند قادمين نحوه، وأشار عليه بالذهاب إلى القلعة والتسلل داخلها بحكمة وشجاعة، ودلّه على فرسان يثق فيهم، شباب أبناء عجوز يمتازون بهاتين الصفتين،،،،،،،،
** *
ذهب السلطان حيث العجوز وروى لها مرارة معاناته بعد اختطاف ابنته، ووعدها بالعيش النعيم هي وأولادها إن أعادوا له فلذة كبده الأميرة "كنزة"…
فكرت العجوز كثيراً ملياً، وبعد تمحص وتدقيق في الموضوع طلبت من حراس الملك إحضار صوف الحرير، فأحضره الحراس على جناح السرعة…
شرعت العجوز الأرملة في حياكة الصوف حيث جلست على الأرض واضعة بين ركبتيها المغزل وبدأت تغزل صوف الحرير، ثم قامت بنسجه، حتى أخذ شكل ثوب مرقوم بأشكال وألوان زاهية، وحين أحسّت بقدوم أبنائها السبعة طلبت من الملك الاختفاء خلف الباب الخشبي…
دخل الشبان على أمهم المنهمكة في الحياكة فسعدوا لنشاطها ثم بدؤوا يسألون ويستفسرون عم تصنعه أمهم، ولمن هذا القميص الجميل، دون أن يشعروا بوجود غريب خلف الباب.. ردّت الأم وهي تبتسم:
"لمن يستحقه منكم يا أبنائي، للشجاع الحكيم… الذي يحقق لي أمنية لكنها محفوفة. بالمخاطر..
(تتنهد الجدة "زينب" الكبدة حنينة قلبي على وليدي انفطر وقلب وليدي على حجر وتواصل وقد أدمعت عيناها، فلقد تذكرت ابنها المهاجر وراحت تردف كلامها):
-إيه يا أبنائي….
لقد بدأ الإخوة في استعراض قوتهم وشجاعتهم والسلطان خلف الباب يستمع، يقطب حاجبيه تارة ويبتسم تارة أخرى، ثم خرج من وراء الباب وخاطبهم وهم مشدوهين أمام المفاجأة الغريبة، فقال:
-إذن الحمد لله لقد عثرت على أشجع الفرسان، ما عليكم أيها الفرسان سوى إرجاع ابنتي من قبضة الوحش وأعدكم بالثراء، والجاه الذي تريدون إن وفقتم في مهمتكم بمشيئة الخالق…
** *
قاد الأخ الأكبر إخوته الستة، كان يمتاز بدقة النظر وسداد الرأي وحنكة عالية ودهاء كبير، وهم يمشون خلف الحمامة الطائرة، يقطعون أشواطاً للعثور على الأميرة، وما هي إلاّ أيام حتى رأوا على قمة الجبل قصراً منيفاً يلفه الضباب كالثوب الشفاف تحوم حوله الخفافيش، تحرسه من كل غريب يقترب ولو من أسوار القلعة الحديدية المحيطة به………..
لقد كان منظر القصر مرعباً يدخل الفزع في قلوب المشاهدين، لكن الإخوة السبعة لم يتأثروا لذلك ولم يثن من عزمهم الشكل الخارجي الرهيب…
وقف الإخوة يتشاورون ويخططون للدخول وكذا يرصدون حركة الوحش حين دخوله. ولما عاد في المساء وفتح الأبواب الحديدية السبعة ثم غلقها وراءه بمفاتيح مختلفة.. قال كبيرهم:
-إنه سجن يحيط بالأميرة الجميلة…
في منتصف الليل تسلّل الإخوة داخل القلعة الحديدية بواسطة جبل طويل، تعلقوا به ثم نزلوا ساحة القصر في هدوء تام… سمع الإخوة السبعة بعدما اقتربوا من باب القصر الحديدي شخير الوحش ينبعث من جناح النوم مدوياً في سكون الليل كشلال الماء المتدفق من الأعالي، صعد الإخوة مدرجات القصر الواحد تلو الآخر، وفي مهارة عجيبة، استطاع الأخ الأكبر فتح الأبواب المغلقة والوصول إلى مخدع الوحش حيث وجد الأميرة وضفائر شعرها مشدودة بيده الغليظة،،، تنام الأسيرة وخصلات شعرها الذهبي متدفقة كالشلال الحزين على ظهرها،، مستسلمة،، بائسة،، شاحبة الوجه،، نحيفة الجسم،، كأنها في سبات عميق،، مدّ الشاب يده نحو شعرها محاولاً فك ضفائرها من قبضة الوحش،،،، فاستيقظت الأميرة "كنزة" مذعورة لكن الشاب وضع راحة كفه على فمها يمنعها الصراخ ثم طمأنها بإشارة من ملامح وجهه مصحوبة بابتسامة. فاستبشرت بخلاصها وسارعت إلى الهروب مع الشاب وإخوته الستة الذين استعملوا المسلك الذي دخلوا منه كي يهرّبوا، حملوا الأميرة المنهكة القوى بالتناوب وهي مغمى عليها من الخوف الممزوج بالفرحة المفاجئة، واختفوا في الغابة ليأخذوا قسطاً من الراحة فأخذتهم غفوة نعاس من شدة السهر وناموا،،،،
** *
تحسس الفراش فلم يجد الأميرة بجانبه،، كانت يده خالية من ضفائرها،، وجد قيدها مفككاً ففزع وفاض غيظه،، صرخ صرخة توقظ الموتى من قبورهم فاستيقظت حيوانات الغابة وطارت العصافير من أعشاشها مرعوبة،، كان الزبد يسيل من فمه وهو يبحث عنها في القصر وساحته.. ثم خرج إلى الغابة يقطع.. يكسر أغصان الأشجار بأسنانه ويدوسها بأقدامه الكبيرتين والخفافيش فوقه تشاركه العاصفة إنه الوحش الغاضب…..
اهتزت الأرض تحت أقدام الإخوة السبعة فاستيقظوا من نومهم حائرين،، الوحش يتقدم نحوهم والشرر يتطاير من عينيه……
كان لأحد الإخوة ساقان طويلان فقرر استعمالها،، قال لإخوته:
-لي فكرة،،، نفُّر من الوحش بعد أن نشعل النار في الغابة فيحترق هو وننجو نحن مع الأميرة…
عارضه أصغرهم قائلاً: هل تريد أن نحرق أنفسنا ونحن أحياء؟ وهل نسيت أن الشجرة مقدسة في أعرافنا ولا يجوز حرقها؟! أين شجاعتكم؟
طمأنهم أخوهم الأوسط: اتركوا الأمر لي فسوف أخرج سيفي في وجهه وأقاتله،، كما وعدنا أمنا والسلطان هذه هي الشجاعة،، هل نسيتم؟ وإذا استلزم الأمر سأستدعيكم فوراً..
لكن إخوته قالوا: يجب أن نواجه الوحش جميعاً كرجل واحد وليكن ما يكن،،
وقبل أن يصل الوحش إلى المكان هاجمه الشبان بقوة الأسود وشجاعة الأبطال وخفة الطيور ومهارة الفرسان،، فانهالوا عليه بوابل من ضربات السيوف حتى مزقوه وطار رأسه متدحرجاً على الأرض…. وعادوا والعود أحمد صحبة الأميرة ففرح السلطان فرحاً عظيماً،، وأقام حفلاً متواصلاً تم خلاله مكافأة الإخوة السبعة لعملهم،، لكن الصراع بدأ بينهم…
** *
تقول الجدة "زينب": هل تعلمون لماذا يا أبنائي، لأن كلّ واحد أراد أن يتزوج الأميرة الحسناء وعندما أستشيرت الأميرة كنزة في الأمر اختارت الشاب الذي فك قيدها وضفائرها من يد الوحش،،، قائلة:
-جمال الرجل في عقله وليس في جسمه أو جيبه..
قال البرّاح: وهكذا تنتصر الحقيقة على الزيف وينكشف كل غادر طال الزمان أم قصر….
Gustice
Gustice
مشرفة سابقة
البلد : بقرة اليتامى Jz5m7711
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 393
نقاط تميز العضو : 107629
تاريخ التسجيل : 06/04/2010
العمر : 35

بقرة اليتامى Empty رد: بقرة اليتامى

15/04/10, 06:28 am
يا الله ما أحلى هاي القصص يسلموا ايديك
في كمان
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : بقرة اليتامى Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

بقرة اليتامى Empty رد: بقرة اليتامى

15/04/10, 09:28 am
شكرا على المرور أختي جيستيس
بتول
بتول
مشرفة المرسى العام
مشرفة المرسى العام
البلد : بقرة اليتامى Marsa210
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 4324
نقاط تميز العضو : 155285
تاريخ التسجيل : 04/02/2010
http://arabic-23.3arabiyate.net/

بقرة اليتامى Empty رد: بقرة اليتامى

11/03/11, 02:05 am
قصة جميلة جدا جدا

يسلمو
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى