- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150754
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
بين الأصالة والحداثة
02/01/10, 05:04 pm
المعركة التي بدأت رحاها بين الأصالة.. والحداثة، أو القدامة والمعاصرة في بداية النصف الثاني من القرن الماضي، يبدو أنها لم تحسم بشكل أو بآخر، بل على العكس مازالت تتجدد وتتطور بين فريقين يتجذر كل منهما في خندقه.. لا يتزحزح قيد أنملة.
وهذه المعركة.. التي هي ثنائية وتشكل امتدادا طبيعيا لثنائيات متعددة في الحياة كالليل.. والنهار.. اليمين واليسار.. الأبيض والأسود ، القديم .. والجديد ، .. الأصالة ، والمعاصرة .. الولادة ..والموت.
ومن المفارقة بين الثنائيات هذه تنفتح الأسئلة الجديدة والقديمة على السواء ، لتثير جدلا في الساحة الثقافية العربية ما إن يخبو حتى نراه يزداد اشتعالا ثانية دون الوصول إلى حل مرض لا لهذا الطرف أو ذاك .
فانصار الأصالة والتراث يرفضون بشكل قاس كل ما بدأ من مدارس إبداعية جديدة في مختلف ألوان الإبداع الأدبي منذ نهاية الخمسينات حينما انفجرت موجة المغايرة في الكتابة على يد الشعر الذي اختط لنفسه مساقات شعر التفعيلة على يد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة ، وآخرين كامتداد طبيعي لأوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وليس بديلا كليا عنها ، هذا من حيث الشكل . أما من حيث المضمون فقد انتقلت قصيدة التفعيلة من أطر ومحددات الموضوع الواحد الذي يحكم النص في الحياة ليصبح النص نفسه نص الحياة يحكم المواضيع كلها.. فانتقت من بطن القصيدة شكلا ومضمونا تسميات مثل المديح ، الهجاء ، الغزل ، لتحل محلها تسمية واحدة ، ليس إلا " القصيدة الجديدة " أو " قصيدة التفعيلة " ، وبعدها بدأت تتململ القصة القصيرة في الثورة على قوالبها المحددة، في " المقدمة " أو " التداعي المضموني " و " الفكرة " و " العقدة " و " الخاتمة " . ليمتد الأمر أكثر إلى الرواية والرسم والنحت ، ليطال الفن التشكيلي برمته وبالتالي وقف هذا الفريق . ثم تلا ذلك " قصيدة النثر " التي تحررت من التفعيلة الوزنية العروضية ، وكذلك تحررت من أي قيود وضوابط معتمدة في تحررها هذا على ارتفاع الحرارة الشعرية داخل النص
أما فريق الحداثة فقد رفض أن يأخذ بكل الإرث الأدبي كمعطى مسلم به دون المناقشة والمحاورة ، واستنباط ما هو صالح وملائم لحتمية التطور التاريخي في سياق زمننا المعاصر ، على اعتبار أن بعض ما كان صالحاً قبل مئات السنين ، ومعبرا عن الذائقة والنفسية العربية كذلك . ليس بالضرورة أن يكون صالحا الآن . فقد اختلفت طقوسية الحياة العربية ، وتفاصيلها جذريا مع تقدم العلوم والصناعات والزراعات حتى .. لذلك أصبح التعامل مع التراث الشعري العربي ، من موقع المساءلة لا التسليم ، ومن منطق الاستكشاف لا التقديس ، ومن طموح التعرف الذي يتشكل بالحوار مع النص ، وليس البدء بالأحكام الجاهزة التي تحجب النص وتحول دون معرفته .
من هنا يظهر تماسك حجة الحداثيين على أساس موقفهم للتصالح مع أنفسهم عموما. وهذا لا يعني أبدا رفض أراء القائلين بالوقوف على الأصالة أو القدامة ، والاستفادة منها. لكن هذه الأصالة تفرض دائما منطقا خاصا للتعامل معها من زوايا نظر مختلفة ومنظورات مغايرة كما كان سائدا في السابق ، وذلك على الأقل لجهة النقد .
لكن المهم كيف يمكن لنا أن نوظف الأصالة ومعطياتها الجديرة بالخلود ، بشكل معصرن ليخدم حياتنا وتوجهاتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية ، التي إن لم ترتكز أساسا على الإرث المعطى لنا من بطن التاريخ ، تصبح أفكارنا أشبه بأغصان في الريح لشجرة ليست لها جذور.. ولا ثمار.
لذلك تقتضي الضرورة ، من أجل تأسيس ومنهجة المصطلح الفكري والثقافي نقديا وإبداعيا، لا بد من العودة إلى المضيء من التراث والأصيل القديم في منابعه .. لأن المصطلح اللغوي النقدي العربي ، عموما يتخبط بين غياب صيغة مصطلحية عربية من جهة ، وترجمة هذه المصطلحية ، أو نقلها عن المدارس الفكرية الأوروبية من جهة ثانية .. فهل لنا أن نقف عند الأصالة والحداثة لنعرف إلى أين يصل بنا هذا التزاوج بين قطبي المعادلة ، وبالتالي تتعانق مقولات الجرجاني والتوحيدي ، وقدامة بن جعفر ، من جهة ، مع المعطيات الواقعية الآتية المعاشة من جهة أخرى .. في حين نحاول إثراء مخزوننا الثقافي والفكري بإرث عصر النهضة الأوروبية .. هذا الإرث الذي ارتكز على أدبيات وفلسفات القرنين السابع عشر والثامن عشر
هذه الأدبيات والفلسفات التي شكلت حداثة ارتقت في سماء المعرفة ، ليصير الفرق الحاصل بين دولنا ، ودول الغرب واضحا وبينا ، خصوصا إذا عرفنا أن منظومات الأفكار والعلوم المعرفية الأوروبية والغربية ، عموما استفادت وبشكل كبير ، من تراثنا العربي ، كمخزون هائل ، ما زال بحاجة إلى بحث ودرس وتنقيب ، وإعادة قراءة كي يعود الالتحام معه على نحو جلي
نقديا الأمر بحاجة إلى أكثر من وقفة وجهد فردي ، بل إلى جهد جمعي من النقاد العرب ، عموما ، لاستنباط المصطلح النقدي العربي ، وهو موجود وقادر على التماهي والتماشي مع المعطيات الإبداعية الحالية ، بل وأيضا يخولنا هذا المصطلح المغيب !! الدخول إلى قرننا الحالي ، خصوصا وأننا نفتقر إلى كثير من الأسلحة الحادة والجادة .
لذلك أدعو هنا إلى مؤتمر عام النقد العربي يكون شعاره بلورة المصطلح النقدي العربي الحديث .
أما لجهة الإبداع الشعري ، أظن أن زاوية النظر يجب أن تنفتح لتتسع الشكل والمضمون معا، إضافة إلى فهم العلاقة الجدلية بينهما ، وما تشكله هذه العلاقة من برهنة على شعرية النص .. تلك الشعرية التي لا تتحدد أبداً من خلال الشكل ، بقدر ما تتحدد بناءً على حرارة شعرية النص الداخلية، وبذلك نكون قد نجونا من الخلط وهدَانا من روع التعارض الحاصل بين الشعر العمودي والشعر الحديث، تفعيله وقصيدة نثر أيضا. لأن هناك الكثير من أبيات الشعر العربية الموزونة، إيقاعياً ، على نهج الخليل بن أحمد الفراهيدي تفتقر إلى أي حرارة شعرية، مثلما هناك الكثير من القصائد الشعرية، التي هي تقليدية ، من حيث الشكل " الوزن العروضي " بينما هي في حقيقتها لها أبعاد حداثية عالية ، ومتقدمة حتى عن الشعر الذي يكتب الآن .. بالضبط مثلما هناك قصائد كثيرة حديثة في شكلها وتفاعليها في حين يمكن تصنيفها ، مضمونها ، بأنها تقليدية إلى أبعد حد .
إذاً خلاصة القول أن حداثة الشكل والمضمون ، كل على حدة ، بل لمنطق الجدل بين الشكل والمضمون . هذا المنطق الذي يحدد رهافة وحرارة الشعرية أولاً ، سواءً انتمت إلى القديم أو إلى الشعر الجديد .
أما لجهة القصة والرواية ، فأعتقد أيضا أن لنا مخزونا شكل ويشكل القاعدة الأساسية لكل من القصة والرواية . وهذه القاعدة نجدها لجهة القصة عند مقامات الحريري والهمذاني ، التي شكلت الأبعاد الأولى للقص ، كبنية خطاب إبداعي ، في حين لجهة الرواية أم الروايات طراً " ألف ليلة وليلة " والتي شكلت وتشكل منبعا لعدد لا حصر له من الروايات .. وهناك الكثير من الروائيين العرب أسفادوا استفادة جلية منها .
صحيح أن الفن الروائي يؤرخ له على أبعد تقدير، إلى ما قبل مئتي عام ، تقريبا ، في أوروبا ، وتحديدا في أسبانيا ، إلا أنه ليس حكرا على الغرب ، وبإمكاننا أن نؤرخ للرواية العربية ، بشكل ناصع الوضوح والدقة إذا ما توقفنا عند بعض الأعمال مثلا . ألا يجوز أن نعتبر "الإمتاع والمؤانسة " لأبي حيان التوحيدي المكتوب حوالي 370 ه ذا بناء روائي مميز ، لجهة أساليب الرواية الحديثة ؟! ويروق لي هنا سوق وصف الكتاب ، كما جاء على لسان القفطي إذ قال : " وهو كتاب ممتع على الحقيقة لمن له مشاركة في فنون العلم ، فإنه خاض كل بحر ، وغاص كل لجة ، وما أحسن ما رأيته على ظهر نسخة من كتاب الإمتاع بخط بعض أهل جزيرة صقلية وهو : ابتدأ أبو حيان كتابه صوفيا وتوسطه محدثا ، وختمه سائلا ملحفا (أي سائقا أخبار الحكماء ).)
بقي القول أننا نستطيع بناء حداثتنا على موروثنا الثقافي والإبداعي عموما في معظم المجالات على اعتبار أن الرؤى تتطور مع الزمن ، والإبداع الحقيقي يسبق عصره ، وأعتقد جازما أن أجدادنا الضالعين في المعرفة والأدب ، الذين حلفوا لنا الكنوز هي ذاتها الكنوز التي اتكأت عليها المعارف والعلوم الغريبة التي طوَرت وتطورت مناهجها إلى الحداثة ، وما بعد الحداثة أيضا . فلماذا لا نعود إلى النبع من بدايات مصبه بدل أن نتبع الفروع ، التي نقدر عطاءها وقيمتها عاليا ؟!
وحتى ذلك الحين ستظل المعركة دائرة ، ولن تحسم لطرف من الإطراف ، إلا بتوافق الطرفين على منهجية بحث هدفها تخليد القديم وإعادة قراءته على نحو جديد وبرهنة الحداثة لذاتها وبذاتها أيضا في تماهيها مع الواقع .
منقول
وهذه المعركة.. التي هي ثنائية وتشكل امتدادا طبيعيا لثنائيات متعددة في الحياة كالليل.. والنهار.. اليمين واليسار.. الأبيض والأسود ، القديم .. والجديد ، .. الأصالة ، والمعاصرة .. الولادة ..والموت.
ومن المفارقة بين الثنائيات هذه تنفتح الأسئلة الجديدة والقديمة على السواء ، لتثير جدلا في الساحة الثقافية العربية ما إن يخبو حتى نراه يزداد اشتعالا ثانية دون الوصول إلى حل مرض لا لهذا الطرف أو ذاك .
فانصار الأصالة والتراث يرفضون بشكل قاس كل ما بدأ من مدارس إبداعية جديدة في مختلف ألوان الإبداع الأدبي منذ نهاية الخمسينات حينما انفجرت موجة المغايرة في الكتابة على يد الشعر الذي اختط لنفسه مساقات شعر التفعيلة على يد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة ، وآخرين كامتداد طبيعي لأوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وليس بديلا كليا عنها ، هذا من حيث الشكل . أما من حيث المضمون فقد انتقلت قصيدة التفعيلة من أطر ومحددات الموضوع الواحد الذي يحكم النص في الحياة ليصبح النص نفسه نص الحياة يحكم المواضيع كلها.. فانتقت من بطن القصيدة شكلا ومضمونا تسميات مثل المديح ، الهجاء ، الغزل ، لتحل محلها تسمية واحدة ، ليس إلا " القصيدة الجديدة " أو " قصيدة التفعيلة " ، وبعدها بدأت تتململ القصة القصيرة في الثورة على قوالبها المحددة، في " المقدمة " أو " التداعي المضموني " و " الفكرة " و " العقدة " و " الخاتمة " . ليمتد الأمر أكثر إلى الرواية والرسم والنحت ، ليطال الفن التشكيلي برمته وبالتالي وقف هذا الفريق . ثم تلا ذلك " قصيدة النثر " التي تحررت من التفعيلة الوزنية العروضية ، وكذلك تحررت من أي قيود وضوابط معتمدة في تحررها هذا على ارتفاع الحرارة الشعرية داخل النص
أما فريق الحداثة فقد رفض أن يأخذ بكل الإرث الأدبي كمعطى مسلم به دون المناقشة والمحاورة ، واستنباط ما هو صالح وملائم لحتمية التطور التاريخي في سياق زمننا المعاصر ، على اعتبار أن بعض ما كان صالحاً قبل مئات السنين ، ومعبرا عن الذائقة والنفسية العربية كذلك . ليس بالضرورة أن يكون صالحا الآن . فقد اختلفت طقوسية الحياة العربية ، وتفاصيلها جذريا مع تقدم العلوم والصناعات والزراعات حتى .. لذلك أصبح التعامل مع التراث الشعري العربي ، من موقع المساءلة لا التسليم ، ومن منطق الاستكشاف لا التقديس ، ومن طموح التعرف الذي يتشكل بالحوار مع النص ، وليس البدء بالأحكام الجاهزة التي تحجب النص وتحول دون معرفته .
من هنا يظهر تماسك حجة الحداثيين على أساس موقفهم للتصالح مع أنفسهم عموما. وهذا لا يعني أبدا رفض أراء القائلين بالوقوف على الأصالة أو القدامة ، والاستفادة منها. لكن هذه الأصالة تفرض دائما منطقا خاصا للتعامل معها من زوايا نظر مختلفة ومنظورات مغايرة كما كان سائدا في السابق ، وذلك على الأقل لجهة النقد .
لكن المهم كيف يمكن لنا أن نوظف الأصالة ومعطياتها الجديرة بالخلود ، بشكل معصرن ليخدم حياتنا وتوجهاتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية ، التي إن لم ترتكز أساسا على الإرث المعطى لنا من بطن التاريخ ، تصبح أفكارنا أشبه بأغصان في الريح لشجرة ليست لها جذور.. ولا ثمار.
لذلك تقتضي الضرورة ، من أجل تأسيس ومنهجة المصطلح الفكري والثقافي نقديا وإبداعيا، لا بد من العودة إلى المضيء من التراث والأصيل القديم في منابعه .. لأن المصطلح اللغوي النقدي العربي ، عموما يتخبط بين غياب صيغة مصطلحية عربية من جهة ، وترجمة هذه المصطلحية ، أو نقلها عن المدارس الفكرية الأوروبية من جهة ثانية .. فهل لنا أن نقف عند الأصالة والحداثة لنعرف إلى أين يصل بنا هذا التزاوج بين قطبي المعادلة ، وبالتالي تتعانق مقولات الجرجاني والتوحيدي ، وقدامة بن جعفر ، من جهة ، مع المعطيات الواقعية الآتية المعاشة من جهة أخرى .. في حين نحاول إثراء مخزوننا الثقافي والفكري بإرث عصر النهضة الأوروبية .. هذا الإرث الذي ارتكز على أدبيات وفلسفات القرنين السابع عشر والثامن عشر
هذه الأدبيات والفلسفات التي شكلت حداثة ارتقت في سماء المعرفة ، ليصير الفرق الحاصل بين دولنا ، ودول الغرب واضحا وبينا ، خصوصا إذا عرفنا أن منظومات الأفكار والعلوم المعرفية الأوروبية والغربية ، عموما استفادت وبشكل كبير ، من تراثنا العربي ، كمخزون هائل ، ما زال بحاجة إلى بحث ودرس وتنقيب ، وإعادة قراءة كي يعود الالتحام معه على نحو جلي
نقديا الأمر بحاجة إلى أكثر من وقفة وجهد فردي ، بل إلى جهد جمعي من النقاد العرب ، عموما ، لاستنباط المصطلح النقدي العربي ، وهو موجود وقادر على التماهي والتماشي مع المعطيات الإبداعية الحالية ، بل وأيضا يخولنا هذا المصطلح المغيب !! الدخول إلى قرننا الحالي ، خصوصا وأننا نفتقر إلى كثير من الأسلحة الحادة والجادة .
لذلك أدعو هنا إلى مؤتمر عام النقد العربي يكون شعاره بلورة المصطلح النقدي العربي الحديث .
أما لجهة الإبداع الشعري ، أظن أن زاوية النظر يجب أن تنفتح لتتسع الشكل والمضمون معا، إضافة إلى فهم العلاقة الجدلية بينهما ، وما تشكله هذه العلاقة من برهنة على شعرية النص .. تلك الشعرية التي لا تتحدد أبداً من خلال الشكل ، بقدر ما تتحدد بناءً على حرارة شعرية النص الداخلية، وبذلك نكون قد نجونا من الخلط وهدَانا من روع التعارض الحاصل بين الشعر العمودي والشعر الحديث، تفعيله وقصيدة نثر أيضا. لأن هناك الكثير من أبيات الشعر العربية الموزونة، إيقاعياً ، على نهج الخليل بن أحمد الفراهيدي تفتقر إلى أي حرارة شعرية، مثلما هناك الكثير من القصائد الشعرية، التي هي تقليدية ، من حيث الشكل " الوزن العروضي " بينما هي في حقيقتها لها أبعاد حداثية عالية ، ومتقدمة حتى عن الشعر الذي يكتب الآن .. بالضبط مثلما هناك قصائد كثيرة حديثة في شكلها وتفاعليها في حين يمكن تصنيفها ، مضمونها ، بأنها تقليدية إلى أبعد حد .
إذاً خلاصة القول أن حداثة الشكل والمضمون ، كل على حدة ، بل لمنطق الجدل بين الشكل والمضمون . هذا المنطق الذي يحدد رهافة وحرارة الشعرية أولاً ، سواءً انتمت إلى القديم أو إلى الشعر الجديد .
أما لجهة القصة والرواية ، فأعتقد أيضا أن لنا مخزونا شكل ويشكل القاعدة الأساسية لكل من القصة والرواية . وهذه القاعدة نجدها لجهة القصة عند مقامات الحريري والهمذاني ، التي شكلت الأبعاد الأولى للقص ، كبنية خطاب إبداعي ، في حين لجهة الرواية أم الروايات طراً " ألف ليلة وليلة " والتي شكلت وتشكل منبعا لعدد لا حصر له من الروايات .. وهناك الكثير من الروائيين العرب أسفادوا استفادة جلية منها .
صحيح أن الفن الروائي يؤرخ له على أبعد تقدير، إلى ما قبل مئتي عام ، تقريبا ، في أوروبا ، وتحديدا في أسبانيا ، إلا أنه ليس حكرا على الغرب ، وبإمكاننا أن نؤرخ للرواية العربية ، بشكل ناصع الوضوح والدقة إذا ما توقفنا عند بعض الأعمال مثلا . ألا يجوز أن نعتبر "الإمتاع والمؤانسة " لأبي حيان التوحيدي المكتوب حوالي 370 ه ذا بناء روائي مميز ، لجهة أساليب الرواية الحديثة ؟! ويروق لي هنا سوق وصف الكتاب ، كما جاء على لسان القفطي إذ قال : " وهو كتاب ممتع على الحقيقة لمن له مشاركة في فنون العلم ، فإنه خاض كل بحر ، وغاص كل لجة ، وما أحسن ما رأيته على ظهر نسخة من كتاب الإمتاع بخط بعض أهل جزيرة صقلية وهو : ابتدأ أبو حيان كتابه صوفيا وتوسطه محدثا ، وختمه سائلا ملحفا (أي سائقا أخبار الحكماء ).)
بقي القول أننا نستطيع بناء حداثتنا على موروثنا الثقافي والإبداعي عموما في معظم المجالات على اعتبار أن الرؤى تتطور مع الزمن ، والإبداع الحقيقي يسبق عصره ، وأعتقد جازما أن أجدادنا الضالعين في المعرفة والأدب ، الذين حلفوا لنا الكنوز هي ذاتها الكنوز التي اتكأت عليها المعارف والعلوم الغريبة التي طوَرت وتطورت مناهجها إلى الحداثة ، وما بعد الحداثة أيضا . فلماذا لا نعود إلى النبع من بدايات مصبه بدل أن نتبع الفروع ، التي نقدر عطاءها وقيمتها عاليا ؟!
وحتى ذلك الحين ستظل المعركة دائرة ، ولن تحسم لطرف من الإطراف ، إلا بتوافق الطرفين على منهجية بحث هدفها تخليد القديم وإعادة قراءته على نحو جديد وبرهنة الحداثة لذاتها وبذاتها أيضا في تماهيها مع الواقع .
منقول
- عبدالله حسن الذنيباتمشرف علوم العربية و آدابها
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 973
نقاط تميز العضو : 123747
تاريخ التسجيل : 08/07/2009
العمر : 39
رد: بين الأصالة والحداثة
02/01/10, 05:27 pm
مقال رائع
وبحث نافع
جزيت عليه خيرا
وبحث نافع
جزيت عليه خيرا
- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150754
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
رد: بين الأصالة والحداثة
02/01/10, 10:01 pm
لقد أسعدني مرورك دكتور عبد الله حسن الذنيبات من الأردن الشقيق .
جزاك الله ألف خير
جزاك الله ألف خير
- اسيل الجزائرعضو جديد
- البلد :
عدد المساهمات : 1
نقاط تميز العضو : 102090
تاريخ التسجيل : 05/12/2010
رد: بين الأصالة والحداثة
05/12/10, 11:54 pm
بحث رائع شكرا
- إسماعيل سعديمدير الموقع
- البلد :
الجنس :
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 150754
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
رد: بين الأصالة والحداثة
05/12/10, 11:57 pm
اسيل الجزائر كتب:بحث رائع شكرا
مرحبا أسيل أشكرك جزيل الشكر أسعدني مرورك
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى