مرسى الباحثين العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية. Support
دخول

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 23 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 23 زائر

لا أحد

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد - 7229
7229 المساهمات
بتول - 4324
4324 المساهمات
3758 المساهمات
foufou90 - 3749
3749 المساهمات
1932 المساهمات
1408 المساهمات
1368 المساهمات
1037 المساهمات
973 المساهمات
535 المساهمات

اذهب الى الأسفل
avatar
سمية سمية
عضو جديد
عضو جديد
البلد : اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية. Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 46
نقاط تميز العضو : 108321
تاريخ التسجيل : 19/07/2009
العمر : 48

اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية. Empty اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية.

15/10/11, 03:22 am
مقدمة:
في مولج الحديث أريد أن أبيٌن بأنٌ هذه المحاولة لا تعد دراسة من أجل إثبات حقيقة علمية أو نفيها, وإنما من أجل إثارة نقاش لا بد منه، وتوضيح بعض الأمور الضرورية في مجال البحث اللساني قديما كان أم حديثا , خصوصا في ظل الاستفهامات والتساؤلات التي تحوم حول علاقة الموضوعين- اللسانيات الحديثة والنحو العربي- ببعضهما البعض.
كما أنٌني أريد أن أُصرح بأنٌ محاولتي لإثارة هذا النقاش لم تولد من عدم, فقد تلاعبت في ذهني عدٌة أفكار أثناء قراءتي لمؤلفات بعض النٌحويين و اللٌسانيين ،تبيّن لي منها أنٌ البعض منهم يلمح إلى ضرورة إزالة النحو ,ومنهم من يصرح بذلك علانية ,و آخرين ذهبوا إلى أنٌ النحو قد مات منذ زمن وما على اللٌغويين اليوم سوى إعادة إحيائه,أو استبداله بنظريات لغوية أجنبية, مما جعل بعض النٌحويين يصوب أصابع الاتٌهام إلى اللٌسانيات الحديثة التي تقاسمت نفس الموضوع و النحو، ألا وهو اللغة و اختلفت معه في كيفية دراسته, فهل لهذه الأقوال من أدلٌة شافية كافية تدين اللسانيات الحديثة؟ ، أم أنٌ ما يُقال و يُعتقد مجرّد افتراءات نسبت إلى اللّسانيات رغبة إيقاف تقدٌمها , خصوصاو أنٌها من ضمن العلوم اللّغوية الفتيّة التي تريد أن تنظر إلى النحو العربي نظرة مغايرة لنظرية واحدة كانت سائدة من قبل , وذلك من خلال استعمالها لمنهجيات جديدة ,فلا خوف إذن من هذه اللسانيات الحديثة على النحو العربي .


الواقع أريد أن أطرح هذه الاستفسارات والتساؤلات , وأن أحاول الإجابة عليها في إطار أشمل و أوسع ليكون حديثنا حول الموضوعين السالفين أكثر دقة وموضوعية , فقد ارتأيت أن أوضح حقيقة اللسانيات الحديثة وتاريخها , كما قصدت بعد ذلك تحديد أولى بدايات التيارات اللسانية العربية الحديثة وأنواعها، منتقلا فيما بعد إلى الطرف الثاني من البحث و المتضمن حقيقة النحو العربي وماهيته، محاولا بعد ذلك تفنيد قول بعض المستشرقين بموت النحو العربي وبوجوب الاستغناء عنه, ذلك أنٌ هذه القضية تعتبر من أهم قضايا النحو الراهنة,منتقلا بعد كل هذا إلى دراسة منهجيتي النحو واللسانيات, و مشيرا من خلال ذلك إلى الاختلاف الموجود بينهما كما عمدت بعد ذلك الى نفي علاقة التنافر والتضاد المزعومتين لهما, وإثبات أن اللسانيات والنحو علمان ضروريان لا سبيل للاستغناء عنهما إذا أردنا مواكبة الحضارة, و مختتما هذا البحث بمحاولة تبرئة ساحة اللسانيات من كل التحديات والعوائق التي تعترض النحو العربي, ونافيا المقولة الزاعمة بخطر اللسانيات الحديثة عامة, ومنهجيتها بصفة جد خاصة على النحو العربي.

أولا: ماذا نعني باللسانيات الحديثة "علم اللغة الحديث"؟:
اللسانيات هي " الدراسة العلمية للسان" وبتعريف أكثر دقة و شمولية, هي الدراسة العلمية للغات البشرية كافة من خلال الألسن الخاصة بكل قوم من الاقوام "سواء أتعلق الأمر بالشعوب البدائية أم الحضارية, بالحقب القديمة أم بحقب الانحطاط" .
إنٌ هذه الدراسة تشمل ما يليSadالأصوات اللغوية –حروفا و كلمات- التراكيب النحوية , الدلالات والمعاني اللغوية , علاقة اللغات البشرية بالعالم المحيط بالإنسان ) , كما تعتمد هذه الدراسة على اللغة المحكية, و ليس على اللغة المكتوبة على أساس أنٌ الإنسان يتكلم أولا, ثم يدوٌن ذلك الكلام.
ونعني بالدراسة العلمية البحث الذي يستخدم فيه الأسلوب العلمي المعتمد على المقاييس التالية : ملاحظة الظواهر اللغوية - التجريب و الاستقراء المستمر- ومن ثم بناء نظريات لسانية من خلال وضع نماذج لسانية قابلة لتطور- ضبط النظريات اللسانية الكلية ثم ضبط الظواهر التي تعمل عليها –استعمال العلائق الرياضية الحديثة –الموضوعية المطلقة , مع وجوب الامتناع كليا عن "اقتراح اختيار ما ضمن تلك الأحداث باسم بعض المبادئ الجمالية أو الأخلاقية" مثلا كأن نرفض نتيجة ما, توصٌلت إليها الدراسة العلمية , بسبب تناقضها و مبدأ جمالي كان يراعى في غالب الأحيان في الدراسات اللغوية القديمة على سبيل المثال .
فالواجب علينا أثناء البحث العلمي أن " نستند إلى آليات منطقية تسمح للذهن بترتيب إجراءاته, بعيدا عن التسليم بالحقائق و التلقي السطحي والأحادي للمعرفة " , فهذه الأسباب وغيرها تبعدنا الأسس العلمية للبحث اللساني.
وكما أن اللغات البشرية لها ارتباطات متعددة متنوعة سواء أكانت إنسانية أم طبيعية , كذلك فإن لعلم اللغة الحديث فروعا مختلفة, يختص كل واحد منها بناحية جزئية من هذا الكل الذي يسمى "اللغة" ومن هذه الفروع نجد :
آ-اللسانيات النظرية (العامة) تبحث بالنظريات اللغوية ونماذجها المتفرعة عنها وكيفية معالجتها للبنية اللغوية سواء أكانت تلك النظريات اللغوية في الماضي أم الحاضر. ومن العلوم المتفرعة عن اللسانيات النظرية ما يلي:‏
1-الصوتيات التي تتفرع بدورها إلى: الصوتيات الفيزيائية , الصوتيات الوظيفية.‏
2-النحويات أو علم التراكيب الذي يتفرع بدوره إلى: علم بناء الجملة –علم بناء الكلمة- علم التقديم والتأخير في العناصر اللغوية- علم القواعد اللغوية العالمية- علم القواعد اللغوية الخاصة- علم الضوابط العامة والخاصة المفروضة على القواعد.‏
3-الدلاليات أو علم المعنى الٌذي يتفرع بدوره إلى: علم المعنى الخاص وعلم المعنى العام- علم بنية الدلالة في الدماغ البشري- علم التعرف على اللغة عندما تخزن في الدماغ دون معرفتها –علم فهم اللغة عندما تخزن في الدماغ مع فهمها- علم المشترك والترادف- علم تقطيع اللغات للواقع وتسميته- علم أنواع الدلالة والمعنى.‏
ومن الملاحظ أنٌ بعض اللسانيين يدمجون علم الصرف بعلم النحو فيما يفضل البعض الآخر الفصل بينهما, أمثال الدكتور مصطفى حركات الذي عرٌف علم الصرف بكونه يدرس " قواعد تركيب المرفيمات لتكوين الكلمات " , كما عرٌفه كذلك الدكتور عبد العزيز عتيق بأنٌه" تغيير في بنية الكلمة لغرض معنوي أو لفظي , ويراد ببنية الكلمة هيأتها أو صورتها الملحوضة من حيث حركتها أو سكونها وعدد حروفها" , مؤكدين أنٌ مجال دراسته يشمل الكلمة فقط.
ب-واللسانيات التطبيقية تبحث في التطبيقات الوظيفية التربوية للٌغة من أجل تعليمها وتعلٌمها للناطقين ولغير الناطقين بها، وتبحث أيضاً في الوسائل البيداغوجية المنهجية لتقنيات تعليم اللغات البشرية وتعلٌمها (أصول التدريس –مناهج التدريس- وضع النصوص اللغوية وانسجامها مع المتعلمين- وضع الامتحان- امتحان الامتحان- علاقة التعلم والتعليم بالبيئة الاجتماعية). " ‏ ولعلٌ كتاب (نظريات التٌعليم ) من أهمٌ الكتب الٌتي ظهرت حديثا في مجال البحث في موضوع التعليم "
ج-واللسانيات الأنثروبولوجية تبحث بالصٌلة التي تربط اللٌغة بأصل الإنسان. فاللٌغة عضو بيولوجي كبقية الأعضاء البيولوجية الأخرى عند الإنسان، ولكن، على الرغم من ذلك فإنٌ اللٌغات البشريٌة متفاوتة من حيث الرقي الحضاري ومن حيث أنظمتها الداخلية وقدرتها على تقطيع العالم الذي يحيط بالإنسان.‏
د-واللسانيات الاجتماعية تبحث في العلاقة القائمة بين اللٌغة والمجتمع "باعتبار أنٌ اللٌغة منظومة اجتماعية" ذلك لأنٌ اللغة لها صلة بالمجتمع الذي ينظمها ويؤطرها على نحو يجعلها مختلفة عن اللغات الأخرى نظاماً وعادة وسلوكاً. فاللغة ظاهرة اجتماعية تتفق عليها الجماعات البشرية، وهي تعكس كل ما يموج فيها من عادات وتقاليد وثقافة ودين وتنوعات جغرافية وإقليمية. إنٌ من مهمة اللسانيات الاجتماعية البحث في التالي: اللغة واللهجة –الأطلس اللغوي الجغرافي- العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الواحد وأثر ذلك في تعليم اللغة القومية وتعلمها- الفروق القائمة بين لغة النساء ولغة الرجال- المستويات الكلامية اللغوية حسب سياقاتها الاجتماعية- اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة.‏
هـ-واللسانيات الأدبية تبحث بالعلاقات القائمة بين اللسانيات والأدب والنقد والسيميائيات والأسلوبيات. و ماهي أفضل التقنيات اللسانية التي يمكن للأديب والكاتب أن يستخدمها ليكون عمله أكثر تأثيراً وفهماً في المجتمع؟و كيف يستطيع الأدب أن يقدم عينات وشرائح أدبية متنوعة للسانيات من أجل أن تدرسها وتبني عليها فرضيات يمكن أن تساهم في بناء صيغة علمية دقيقة للنقد الأدبي الحديث؟.‏
و-واللسانيات البيولوجية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والدماغ. إن مهمة هذا العلم معرفة البنية اللغوية الدماغية عند الإنسان ومقارنتها بالبنية الإدراكية عند الحيوان. أضف إلى ذلك أن هذا العلم يريد معرفة التطور اللغوي البيولوجي عند الأطفال وكيف يمكن أن ينشأ المرض اللغوي عندهم؟.‏
ز-واللسانيات الرياضية تنظر إلى اللغة على أنها ظاهرة حسابية مركٌبة صوتاً وتركيباً ودلالة، ومنظمة على نحو متشابك من أجل تطويعها ووضعها في أطر وصيغ رياضية من أجل معرفتها معرفة دقيقة جداً لإثبات الفرضية التي وضعها تشومسكي من أن اللغة عبارة عن آلة مولدة ذات أدوات محددة قادرة على توليد ما لا نهاية له من الرموز اللغوية من خلال طرق محددة.‏
ح-واللسانيات الحاسوبية –المعلوماتية (الكومبيوترية) تبحث عن وضع اللغات البشرية في صيغ وأطر رياضية وذلك لمعالجتها في الحاسبات الإلكترونية من أجل السرعة والدقة العلميتين في البحوث اللغوية ومن أجل ترجمة النصوص اللغوية ترجمة آلية فورية.‏
لقد كان تاريخ اللسانيات مرتبطا بالمحاضرات التي كان يلقيها عالم اللغة فيردنان دي سوسير,الٌذي يُعد الأب الحقيقي للسانيات الحديثة ,و الٌذي نُشرت له محاضراته بعد مماته سنة (1919) في كتاب اسمه
" محاضرات في اللسانيات العامة ", فقد كان جوهر هذه المحاضرات يدور حول طرح منهج لساني علمي جديد لدراسة اللغات البشرية دراسة آنية , فقد كان المنهج الٌذي استعمله ردة فعل على المناهج اللغوية الماضية التي كان يستخدمها العلماء في الهند لمقاربة اللغات الهندية بالغات الاوروبية وذلك باِستعمال المنهج التاريخي الذي "يدرس اللغة دراسة طولية ؛ بمعنى أن يتتبع الظاهرة اللغوية في عصور مختلفة وأماكن متعددة ليرى ما أصابها من التطور" .
لقد انتقل منهج دي سوسور اللساني إلى الولايات المتحدة, وطُوّر تطويراً يختلف عما كان عليه في أوربا. من هنا نشأت "البنيوية" اللسانية (Structuralism) على يد عالم أمريكي هو بلومفيلد في كتابه "اللغة (Language) فقد تطورت النظرية البنيوية من خلال نماذج عديدة جداً , واستمرت في التطور حتى عام 1957 حيث جاء عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي الذي كان انعطافاً وحدثاً عظيماً في تاريخ العلوم الإنسانية والطبيعية في العالم. فقد استطاع هذا العالم أن يقلب المفاهيم الطبيعية والإنسانية رأساً على عقب كالمفاهيم المطروحة في علم النفس والمنطق والفلسفة وعلم الأنثروبولوجيا والرياضيات وعلم البيولوجيا وعلم الحاسبات الإلكترونية وعلم الفيزياء.

ثانيا:متى كانت أولى بدايات التيارات اللسانية العربية الحديثة؟ وما هي أنواعها؟ :

"من الصٌعب تحديد البدايات الأولى لانتقال الفكر اللغوي الحديث إلى ميدان التفكير اللغوي في العلم العربي" , فلم يكد يمضي نصف قرن علي ظهور اللسانيات حتى كان بعض اللسانيين العرب يدرسونها في الغرب مثل إبراهيم أنيس وداود عبده و تمام حسان وكمال بشر و غيرهم ، وهذا يعني أنٌ الغرب قد سبق العرب بحوالي نصف قرن من الجهود اللسانية الحقيقية ، وكان بالإمكان تجسير هذه الهوة بسرعة بهضم اللسانيات العالمية , بل وبالإسهام الحقيقي في تطويرها و المشاركة في المجهود العالمي في الدراسات اللسانية ،لأن وسائل الاتصال السريع كانت تحمل بشرى بناء علاقة لسانية إيجابية بين اللسانيات من جهة, و الثقافة العربية من جهة أخرى .
لقد كان الرواد الأوائل على مستوى عال من الإدراك العلمي ، مما يسر لهم فهم المعطيات اللسانية غير العربية بسرعة, و إتقان ، بصفتهم الشخصية العلمية لما يمتلكونه من مؤهلات نجاح الخطاب اللساني في الثقافة العربية ، وسيرتهم العلمية تؤكد أنٌ كلٌ واحد منهم مؤهل تأهيلا عاليا ليكون في المستقبل عالم لسانيات ، لأنٌ معضمهم إن لم يكن كلهم كانوا مبتعثين من جامعاتهم لإكمال دراساتهم العليا، وعادةً مايكون المتعثون من أوائل الأقسام، و هذا الابتعاث يشير إلى وعي مبكر إيجابي من المسؤولين عن التعليم العالي آنذاك, لأهمية دراسة اللسانيات بفروعها المتعددة.
ومن المثير للاهتمام أن ٌ هؤلاء اللسانيين قد انقسموا إلى تيارين أساسيين هما :
1- تيار لساني عربي محافظ مدين للنحو العربي: متمثٌٌل في باحثين حاولوا عوربة اللسانيات و أسلمتها, بمعنى محاولة إيجاد صيغة لسانية تنطلق من الموروث العربيٌ لا من معطيات علم اللسان الحديثة، فأخذوا من اللسانيات ما وجدوا له مثيلا في الموروث العربي، و ما ناقضه درسوه تحت عنوان" التناقض بين المذاهب اللسانية الحديثة" للوصول إلى معادلة (لسانيات حديثة) , في مقابل( نحو واحد).
2- تيار لساني عربي متخصص أصلا في الموروث اللغوي –النحو- لكنهم قرؤوا عن اللسانيات وتثقٌفوا بها مجاراة لموضة العصر الحديث ، وطرحوا أنفسهم بوصفهم لسانيين، وما هم بذلك لأنٌ معرفتهم اللسانية لا تتٌسم بالعلمية.
و على الرغم من جهود هؤلاء اللسانيين العرب وأعمالهم القيٌمة فاللسانيات العربية لم تلق الرواج الذي حظيت به في الغرب فقد ظلٌت مهمٌشة في المؤسسات التي أوكلت إليها مهام الإطٌلاع على البحث اللساني .

ثالثا: ما نعني بالنحو العربي؟
-النحو لغة: هو القصد والطريق, وقد يكون ظرفا أو اسما.
اصطلاحا: هو ذلك العلم الذي يعرف به أواخر الكلمات إعرابا و بناء ,كما يعرف به النظام النحوي للجملة ,وهو ترتيبها ترتيبا خاصا ؛ بحيث تؤدي كل كلمة فيها وظيفة معينة حتى إذا اختل الترتيب اختل المعنى.
فغاية النحو" بيان الإعراب و تفصيل أحكامه حتى سماه بعضهم علم الإعراب "
وكان هذا المصطلح أوٌل ما ظهر يشير إلى مجموعة القواعد التعليمية التي يتعلٌمها الناس كي يلحقوا بالعرب الفصحاء في إجادتهم العربية .
كان العرب قبل الإسلام ينطقون العربية سليقة, حيث لم تكن مدوٌنة , ولما سُمع اللحن في قراءة القرآن الكريم,ففكٌر أولوا الألباب و الأمر في وضع قواعد تصونه من الزيغ الذي بدأ يلحق به ,وهذا بهدف المحافظة على اللسان العربي , من خلال وضع قوانين تضبطه.
وتكاد الروايات تتٌفق على أنٌ أبا الأسود الدؤلي هو الٌذي وضع النحو العربي بعد أن أخذه عن علي بن أبي طالب؛ وهذا ما تجمع عليه أغلب المصادر القديمة , وزاد فيه علماء العربية الذين أسسوا العربية وفتحوا أبوابها و نهجوا سبيلها ووضعوا قياسها, فقد ظهرت مدرستان نحويتان في العراق سبب ذلك أن العراق كان من أسبق الأقاليم العربية مدنية و حضارة , فقد قامت بالبصرة مدرسة تهتم بوضع قواعد النحو العربي, وكان من أعلامها الخليل بت أحمد الفراهيدي 175هجري , وسبويه 180هجري وتجسدت أفكار هذه المدرسة في ( الكتاب) الذي أخرجه سبويه , وكما قامت إثرها مدرسة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها وهي مدرسة الكوفة و التي تأخرت عن مسائل النحو لاشتغالها بمسائل الفقه.

رابعا : قول بعض علماء اللغة المستشرقين والغربيين بموت النحو:
لقد كان من المهم أن نتطرق الى هذه المشكلة الحديثة التي خلقها بعض علماء اللغة المستشرقين و الغربين لنحاول أن نوضٌح بعض النقاط وأن نفنٌد الحجج التي قدمها هؤلاء الناقمين على النحو العربي , وذلك بعد أن نعرض لهم بعض حججهم المفتعلة وهي:
-1 القول الشائع الذي يقضي بأنٌ من أراد أن يؤلف شيأ بعد سبويه فليستحي وهو ما يعني أن البحث الجدي في النحو قد انتهى عند سبويه .
2-القول الشائع الأخر الذي يقضي بأنٌ النحو قد طبخ حتى احترق وهو ما يشير بالنسبة لهم الى القناعة الأكيدة بأن النحو العربي لا يمكن أن يقال فيه أكثر مما قيل .
3- وقف الاحتجاج للغة والنحو وهو الذي قطع الصلة بين النحو بصفته جملة من القوانين المعيارية التي تضبط اللغة وبين اللغة التي يستمد الإنسان حياته منها .
4- استدلالهم بالذين يكتبون في النحو فهم يرون في أعمالهم فارغة المكنون لا تحمل أي جديد البتٌة , وملاحظتهم الدراسات الأكاديمية التي تدور في غالب الأحيان حول تحقيق بعض المخطوطات , ودراسة بعض أراء النحويين التي لا تقدم أي جديد بحسبهم .
فقد رأوا في هذه الأسباب دليلهم الواضح و القاطع بأن النحو قد مات وانقضى وقته , إلا أن الملاحظ في هذه الحجج المستعملة – لمحاولة التقليل من قيمة النحو العربي و ثني النحاة المعاصرين على العمل والاجتهاد في سبيل الرقي بالنحو العربي, سواء من أصحاب التيار المتعصب للنحو العربي أم من أصحاب التيار المستعمل للمنهجيات اللسانية الحديثة- أنها نابعة من عاطفة البغض والحسد التي يكنها بعض المستشرقين والغربين للغة العربية عامة ونحوها على وجه الخصوص , فبشهادة عالم اللسانيات الأمريكي نوم شومسكي الذي رأى في التراث اللغوي العربي ومن ضمنه النحو كنزا عظيما – لا يمكن أن يموت- وأنه لو التفت إليه الغرب مبكرا لكانت اللسانيات في مرحلة متقدمة عن الزمن التي هي فيه.
هذا الكلام وإن دلٌ على شيئ, فإنٌقه يدل على عظمة التراث اللغوي العربي غير القابل للفناء.
وكما أنٌ هؤلاء المدعين بموته قد أساؤا فهم قصد كلٌ من الدكتورين إبراهيم مصطفى (رحمه الله تعالى ) ,و الدكتور الفاضل شوقي ضيف اللذين ألفا كتابين هما على التوالي "إحياء النحو", " وتجديد النحو" اللذان وإن اختلفا في عدة أراء فإنهما اشتركا في هدف عظيم وهو تيسير قواعد النحو العربي وإعادة تبويبه تبويبا محكما, فقد حاول د: شوقي ضيف "تجديد النحو بعرضه عرضا حديثا على أسس قوية تصفيه و تروقه وتجعله داني القطوف للناشئة "
فالقول إذن بموت النحو أمر غير مقبول و القول بصعوبة تعليمه أمر واقعي ملحوظ في مؤسساتنا التعليمية وجامعاتنا إلاٌ أن هذا الأمر لا يعتبر مأخذا على نحونا العربي , بل يعتبر مزيٌة تحثٌ الباحثين على العمل فيه بكد و على السير به قدما وفق مناهجه, وبالاعتماد على النتائج التي توصلت إليها اللسانيات النظرية عامة والتعليمية خاصة, ومن المحاولات الناجحة نذكر عمل الدكتورة سلوى محمد عزازي في كتابها : "النحو العربي وأساليب الترغيب فيه" أن تذليل هذه الصعوبات مقترحة عدة حلول من بينها :" جعل النحو وظيفيا باستخدامه في مواقف الحياة المختلفة, وتعويد الطفل على فهم معنى الجملة أولا حتى يستطيع إعرابها , و استغلال هوايته المفضلة لترغيبه في النحو ..الخ.." .

خامسا:مشكلة الفرق القائم بين وصفية اللسانيات و معيارية النحو العربي:
"من أخطر ما عاق ازدهار الوعي اللساني في أوساطنا العلمية معركة الوصفية والمعيارية في المعرفة اللغوية , بل على وجه التحديد ما لابسهما من خلط منهجي و تحريف مبدئي تولدت عنهما مجموعة من المشاكل الزائفة أربكت دعاة المعيارية وأرهقة أنصار الو صفية فاستنزفت طاقت من هؤلاء و أولئك وقد ساهم في خلق عقدة الإشكال كل من اللسانيين دعاة الوصفية , وفقهاء اللغة دعاة المعيارية فلا أنصف العربية من ظنوا أنهم حراسها ولا خدم اللسانيات من انبروا روادا لها" .
ما يتوجب علينا في هذا الموضع هو محاولة فهمنا لهذه المشكلة من خلال طرحنا لمنهجيتي البحث في اللسانيات الوصفية وعلم النحو المعياري , ودراستنا لكيفية تعاملهما مع اللغة المدروسة خاصة وأنٌ منهجية اللسانيات كانت من أهم النقاط التي وجٌهت لها اتهامات عديدة من طرف بعض علماء اللغة بخصوص خطرها على النحو العربي.
تقوم منهجية اللسانيات على الاعتماد على المنهج الوصفي ( descriptive) , من خلال دراستها للغة باعتبارها ظاهرة إنسانية, فهي تأتي إلى اللغات البشرية كلٌها تفككها و تحللها إلى قطع دلالية,من خلال البحث عن القوانين التي تتحكم في ربط الوحدات الدلالية بعضها ببعض و كيفية تشكل البنية الداخلية لأيٌة لغة ما محاولة بذلك معرفة كيفية توزعها في النظام العام لتلك اللغة وثم تنتقل لدراسة لغة أخرى بنفس المنهجية المتبعة سالفا , وهكذا دواليك .
ومن خلال هذه الدراسات التي يجريها على لغات مختلفة تتكون عند اللساني عدة أنظمة حول الظاهرة اللغوية , منتقلا بهذا إلى محاولة الكشف عن الخصائص التي تشترك فيها هذه اللغات المختلفة وتفسيرها في إطار أعم , وذلك من اجل إيجاد لغة عالمية يشترك فيها جميع البشر من خلال اكتشاف المبادئ العامة( General principles (التي تربط لغة ما بأخرى .
أما بالنسبة لمنهجية البحث في النحو العربي " فيجمع اللسانيون اليوم على أنٌ هذا العلم علم معياري ؛أي أنٌه يبحث في جوانب الصواب والخطأ في استعمال المفردات من حيث الدلالة والبنية , لا مجرد علم وصفي يصف المفردات اللغوية في ذاتها دون البحث عن الصواب و الخطأ في الاستعمال "

فالنحو إضافة عن اختباريته و تقصيه سبل الحصر والوصف و الشمول فهو تقريري تقنيني في إصداره للأحكام بشأن الاستعمال اللغوي , فالنحوي يعمل جاهدا إلى اكتشاف الأساليب و التراكيب اللغوية السليمة من جميع الأخطاء على اختلافها ( النحوية,اللغوية, الإملائية , الصرفية , وحتى الدلالية ) من أجل تصحيحها و إبداء رأيه فيها , أما اللساني فيحاول فقط ضبط نواميس الظواهر اللغوية على اختلاف مستوياتها ,و لكن دون إبداء رأيه فيها سواء كانت تلك الظاهرة اللغوية صائبة أم خاطئة .

خاتمة:
إنٌه لمن التٌلقي السطحي والأحادي للمعرفة اعتبار الوصفية و المعيارية شحنتين متنافرتين , كما أن التسليم بفكرة أن اللساني عند التزامه بالوصفية عليه الطعن في المعيارية تفكير خاطئ بالمرة , فهو حين يعمل بهذه الفكرة يكون قد خرج أساسا عن مبدئه الوصفي داخلا بهذا التفكير إلى حيز المعيارية –كأن يخطأ الصواب مثلا – في تحسٌسه لنواميس الظاهرة اللغوية , بالإضافة إلى أنٌه هناك حقيقة كبرى قد خفيت عن النحويين, و اللٌسانيين أنفسهم هي أنٌ الوصفية و المعيارية مقولتان لا تنتميان على صعيد فلسفة المعارف إلى نفس المنطلق المبدئي لأنٌهما ليستا من طبيعة واحدة أصلا , كما أنٌ النحو واللسانيات ليسا ضدين بالمعنى المبدئي للتضاد , كيف والنحو كان في القديم إلى جانب أنٌه يبحث عن مجموعة النواميس التي تحرك الظاهرة اللغوية , يُعرٌف بكونه عملية تفسير الانسان لنظام اللغة بمعطيات المنطق من العلل و الأسباب والقرائن , إذن فإنٌ ادعاء خطر اللسانيات على النحو العربي وإن كان هذا الخطر بشكل ضعيف جدا فإنٌه يرجع إلى تناول الباحث لأدوات المناهج الحديثة تناولا خطأ , فالعلوم تكمل بعضها ولا تنسف بعضها البعض .

منقول
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية. Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146534
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية. Empty رد: اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية.

16/10/11, 09:23 pm
بارك الله فيك أخي فتى الحضنة .
محمد
محمد
مشرف مرسى الرياضة
مشرف مرسى الرياضة
البلد : اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية. Btf96610
عدد المساهمات : 7229
نقاط تميز العضو : 200863
تاريخ التسجيل : 10/12/2009

اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية. Empty رد: اللسانيات الحديثة و النحو العربي : بين المعيارية والوصفية.

20/10/11, 10:22 pm
جزاك الله كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى