مرسى الباحثين العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
محاضرات في تاريخ الجزائر  Support
دخول

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 23 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 23 زائر

لا أحد

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد - 7229
7229 المساهمات
بتول - 4324
4324 المساهمات
3758 المساهمات
foufou90 - 3749
3749 المساهمات
1932 المساهمات
1408 المساهمات
1368 المساهمات
1037 المساهمات
973 المساهمات
535 المساهمات

اذهب الى الأسفل
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty محاضرات في تاريخ الجزائر

21/07/10, 11:04 pm
المحاضرة الأولى:

الأوضاع السياسية و الإقتصاديةو الإجتماعية
في أروبا عشية الإحتلال الفرنسي للجزائر


تمهيد :
لعل المتمعن في صفحات التاريخ الأوروبي مع مطلع القرن السادس عشر و بداية القرن السابع يجد الوجه الأروبي قد تغير نحو الإيجاب و خصوصا أثناء القرن الثامن عشر و ذلك بعدأن خرجت أوروبا من حروبها الضيقة الإقليمية إلى البحث عن سبل الوحدة و ترك سلبيات الكنيسة إلى الإحتكام إلى التوجهات الجديدة المنبثقة عن أفكار التنوير و الغقلنة ،و أضحى التوازن جليا بين عالم الأمس الذي إتجه نحو التراجع و العالم الأوروبي إلى خط لنفسه ويكشف عن نواياه التوسعية بفضل تحسينه أوضاع مختلفة:
1/الوضع السياسي:
إن الدارس للوضع السياسي في أوروبا منذ النصف الأخير من القرن18 يجده يتميز بروح الوفاق و التضامن الأوليين نحو النظرة التوسيعية عكس ما كانت عليه قبل هذه الفترة و بالخصوص خلال التوسعات النابليونية في أوروبا و فارجها و لعل الشيء الذي ميز أوروبا أيضا مع بداية القرن التاسع عشر هو بروز قوتين كبيرتين تتمثلان في قوة فرنسا و عظمة بريطانيا و البحث لكل منهما عن مناطق نفوذ إلى ما وراء البحار خصوصا بعدما أصبحت الدولة العثمانية تسمى بالرجل المريض و حان الأوان لإقتسام ممتلكاتها و ذلك ما عرف بالمسألة الشرقية و حتى إيالة الجزائر بإعتبارها كانت تابعة للباب العالي.
و إذا كانت الثورة الفرنسية التي عرفتها فرنسا سنة 1789 تحت شعار الإخاء و المساواة و الحرية فإن نظرة فرنسا للجزائر كانت سابقة لهذا التاريخ بل يعود إهتمامها بشمال إفريقيا إلى مرحلة الإمتيازات التي تحصلت عليها خلال عهد فرانسوا الأول و سليمان القانوني خلال سنة 1535.
و كانت شعارات الثورة الفرنسية قد إيقضت العديد من دول أوروبا بغية الوحدة المنشودة مثلما هو الشأن بالنسبة لإيطاليا و ألمانيا و إسبانيا و حتى روسيا إذ عرفت هذه الأقاليم حركات تحريرية ضد الانظمة الديكتاتورية و ظهرت ثورات كالثورة الشعبية في إسبانيا سنة 1812و في روسا سنة 1825، و محاولات الإتصال المتكررة عن أراضي الدولة العثمانية في أراضي البلقان و التي آلت إنفصال الحرب سنة 1804 و إستقلال اليونان سنة 1830 و بنفس الوتيرة إستقلت بلجيكا عن هولندا كما انفصل بولونيا عن روسيا و المجر عن النمسا و رومانيا عن الباب العالي.
و يمكن القول أن هده الحركات الإنفصالية أخدت الشيىء الكثير عن مبادىء الثورة الفرنسية ، هده المبادىء التي كسرت أسس الإقطاع و زعزعت أركان الرجعية والإستبداد ، و لكن إنعكاس ذلك كان على أرزّوروبا أكثر من غيرها ، لأن فرنسا لم تنقل إلى الجزائرإلا ما يتعار ض أساسا مع مبادىء الحرية و المساواة ، و اختارت بذلها السيطرة و الهيمنة و الإحتلال لأرض ليست لها ، و إستعبدت شعبا بإسم الحرية و اليموقراطية تحت ذريعة تأذيب الاي حسين آخر دايات الجزائر
2/ الوضع الإقتصادي و الإجتماعي:
لقد استطاعت دولة أروبا و بالخصوص فرنسا و بريطانيا أن تغير من أوضاعها الإقتصادية و الإجتماعية ، و خصوصا بعض وصول الطبقة الوسطى البرجوازية إلى السلطة و الإستيلاء على دواليب الحكم ، و بذلك تشكلت أنظمة سياسية جديدة غيرت من البنية الإجتماعية ، و عززت من وسائل الإنتاج ، و خرجت من صراعات الكنيسة ، و إعتمدت على حركة العقلنة و التنوير ، وكل ذلك عزز من القيم الإجتماعية و من ظروف المعيشية فازدادت المواليد و نقصت الوفايات ، و استغل الهرم الإجتماعي لبناء أروبا الحديثة التي طلقت عهد الظلام و التي إمتازت به فترة العصور الوسطى .
ولعل من العوامل المساعدة إيضا على بناء وجه أروبا الحديثة هو إنتشار مظاهر الثورة الصناعية و إزدياد الطلب على المواد الأولية ، و أصبحت الضرورة ماسة إلى البحث عن الأسواق الخارجية للتصدير ، و من ثم أضحى التكفل بالطرق التجارية و البرية حتمية ملحة ضد المخاطر الخارجية ، و بالضبط ضد الجزائر التي كانت تلبسها أروبا تهما خطيرة كقضية القرصنة و الإعتداء على السفن العابرة في البحر الأبيض المتوسط .
ولذلك فلاغرابة أن نجد دول أروبا تتحالف ضد الجزائر لإحباط هذا الشبح المتمثل في البحرية الجزائرية التي كانت رافعة لراية الجهاد البحري للحفاظ على الدولة الإسلامية ، بل ونجد القضية الجزائرية قد أدرجت في جدول أعمال مؤتمر فيينا 1815 ، و كذلك مؤتمر إكس لاشبيل سنة 1818 ، و بذلك أضحت الضرورة ماسة لتكسير شوكة الجزائر و هيبتها الدولية
و من هنا نجد أروبا و كأنها قد شعرت بمرحلة جديدة سادها عنصر التفوق ، و إنتقلت من مرحلة الصمود إلى مرحلة جديدة تجلت في سياسة التوسع و الهيمنة لحماية مصالحها و البحث عاى مناطق نفوذ عديدة ، و تجلى ذلك في العديد من التحرشات التي قامت بها على سواحل البحرالأبيض المتوسط ، وخصوصا ما كان على شواطىء الجزائر ، وكل ذلك جر بالعلاقات الجزائرية الأروبية إلى عملية المد و الجزر ، بل أحيانا إلى طريق مسدود.
و من بين الدول الأروبية التي إهتمت بالقضية الجزائرية دولة فرنسا التي شنت في العديد من المرات غاراتها على سواحل الضفة الجنوبية من المتوسط ، و بالضبط سواحل الجزائر ، كما تحالفت في العديد من المرات مع البحرية الأروبية لإضعاف شوكة الجزائر ، و لعل خير مثال على ذلك مشاركة فرنسا في معركة نافرين بجنوب اليونان سنة 1827 ضد الأسطول العثماني الذي ناصره وقتها الأسطول الجزائري ، هذا الأخير الذي إعتبر أن التحالف الأروبي كان تحالفا صليبيا ضد الدولة العثمانية الممثلة للخلافة الإسلامية .
ونظرا لإختلال التوازن بين القوتين البحريتين العثمانية و الأروبية ، فإن الغلبة كانت لأروبا التي خرجت من ظيم العصور الوسطى إلى مرحلة التنوير و قيام الثورة الصناعية .و يعد إنهزام الجيش العثماني و معه البحرية الجزائرية إيذانا واضحا على بداية التحرش الفعلى الفرنسي على سواحل الجزائر بعد تكسير أسطولها البحري و زوال هيبة إنكشاريتها ، و كانت فرنسا تسعى دوما لإزالة الجزائر من الخريطة السياسية الدولية ، و إعتبر الكثير من المؤرخين الفرنسيين أن عملية الإحتلال أضحت ضرورية و تاريخية و حتمية ، و أنه حان وقتها لجني ثمار قرون عديدة من التربص للإنفراد بإحتلال الجزائر ، هذه الأخيرة التي أصبحت في أواخر عهد الدايات تعيش جملة من الصعوبات أثرت عليها سياسيا بعدما لاح في الأفق فتور في العلاقات بين دار الساطان بالعاصمة و البيالك الأخرى سواء في قسنطينة بزعامة أحمد باي ، أو بايلك التيطري بقايدة بومزراق ، أو بايلك الغرب ، و أصبح العامل المشترك هو الدنوش السنوي الذي يدفع لخزينة الدولة بالجزائر العاصمة .و كل ذلك إنعكس بالسلب عاى البنية الإقتصادية و الإجتماعية و حتى الثقافية للجزائر عشية الإحتلال .مما مكن القوة و الحملة الفرنسية بقيادة دوبورمون من إحتلال الجزائر في صائفة 1830 .



المصادر و المراجع المعتمدة في المحاضرة:
1/ الدكتور جمال قنان ، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحديث 1500-1830، ط1 ، المؤسسة الجزائرية للطباعة 1987.
2/ الدكتور أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية ، القسم الأول ، ط1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر1992
3/ الدكتور محمد العربي الزبيري، مدخل إلى تاريخ المغرب العربي الحديث ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع 1985.
سعد الله ، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث (بداية الإحتلال )، ط3 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع 1982 .
















إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

21/07/10, 11:11 pm
المحاضرة الثانية :
دوافع الاحتلال الفرنسي للجزائر.
تمهيد/
لاشك أن الجزائر تتمتع بموقع استراتيجي (جغرافي ) هام يجعلها عرضة للتقلبات السياسية و الاقتصادية العالمية كما أنها تتأثر بالسيرورة التاريخية و التأثر فيهأيضا ، ومنها ظهور الحركة الاستعمارية الأوروبية الحديثة ،التي تكالبت وتنافست على المستعمرات في ما وراء البحار ،و ضمن هذا الإطار ظهرت أطماع فرنسا في الجزائر .
ذلك أن الدوافع التي أدت بفرنسا إلى احتلال الجزائر كثيرة ومتنوعة ،وهي على العموم دوافع سياسية ،وأخرى إقتصادية مرتبطة و متداخلة ومتكاملة بعضها ببعض .وسنحاول في هذه الدراسة معالجة الأسباب السياسية و الأسباب الإقتصادية وحدها .
لقد ظهرت الدولة الجزائرية الحديثة مع بداية القرن السادس عشر الميلادي بانتمائها إلى السلطنة العثمانية تحت قيادة "الباي لرباي " وبذلك بدأت معالم الحدود الإقليمية للدولة الجزائرية تظهر و تستقر تدريجيا ، وينمو معها الكيان السياسي للجزائر المنفصلة عن تونس و المغرب الأقصى .وبذلك ظهر نوع من الشعور الوطنيلدى المواطنين جعلهم يندفعون بكل ما يملكون من قوة و إمكانيات : لتدعيم هذه الدولة الفتية ، وحماية هذا الوطن العزيز من الغاصبين المسيحيين المتعصبين .
وخلال القرن السابع عشر الميلادي بدأت الجزائر تنفصل تدريجيا عن الدولة العثمانية ، ففي سنة 1659م إغتصب ديوان الإنكشلريين آداة الولاية كلها ، وبعد سنتين ، أرسل الإنكشاريون بالجزائر ، وفدا لمقام القائد العام للأسطول ووزير البحرية ،و أجبروا الدولة العثمانية على قبول الأمر الواقع ، و أصبحت السلطة التنفيدية بأيدي الإنكشاريين .
و بمرور الزمن وحسب التطورات التي حصلت في البلاد ، قرر ديوان الإنكشارية أن يتولى الحكم آغا عن طريق الانتخابات ، على أن يبقى في الحكم لمدة شهرين اثنين فقط ، و تعتبر هذه الفترة ، أي عهد الآغاوات الذي استمر إثني عشر سنة مليئة بالخلافات ، و ذلك أن الأغوات المنتخبين للحكم رفضوا التخلى عن مناصبهم ، و في سنة 1671 إنتهت هذه الوضعية بعد تسلط رؤساء الجيش الإنكشاري على مقاليد السلطة ، ونصبوا الدايات على رئاسة السلطة ، و بذلك برزت أكثر ‘رتباطات الجزائر باللباب العالي .
وخلال هذه الفترة أصبحت الجزائر تحتل قوة مهابة في البحر المتوسط ، ، بل أصبحت الدول المارة بالبحر المتوسط تدفع إتاوة للجزائر مقابل حماية سفنها في المتوسط من الإعتداء ، و كل ذلك مكن من سيادة و قوة الدولة الجزائرية و ربطت علاقات عديدة مع دول أروبا فعلى سبيل المثال معاهدة 1561 مع هنري الرابع ثم تدعمت أكثر خلال قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 .و التي جاءت بمبادىء الحرية و المساواة و الإخاء وهذه الأفكار كانت محبذة لدى الكثير من الجزائريين ، هذا في حين هناك الكثير من البلدان الأروبية قد حاصرت هذه الأفكار و إعتبرتها معادية لها ، و لذلك لا غرابة أن نجد الجزائر تقدم المساعدات الكافية للفرنسيين خلال ثورتهم على شكل قروض و حبوب غذائية .
لكن فرنسا لم تكن وفية لما قدمته لها الجزائر في محنتها ، وعشية إحتلالها للجزائر عززت من علاقاتها مع اليهودين بكري و بوشناق اللذين كانا مسيطرين على تجارة الحبوب و قد مولها التاجران بكميات هامة من الحبوب ، و لكنها رفضت دفع الديون مما أدى إلى تأزم الوضع بين الجزائر و فرنسا و إعتبر الداي حسين أن ذلك العمل لا يليق بالجزائر ، بل هو تعدي على الرعايا الجزائريين ، و او أن ذلك ما هو إلا مصيدة لفرنسا لتعكير العلاقات و إيجاد الأجواء المناسبة التدخل في قضايا الجزائر بعدما لمست فيها بوادر الضعف .
و هناك جملة من العوامل الدافعة للإحتلال يمكن أن ندرجها في النقاط التالية :
1/ الأسباب السياسية :
إن قضية المروحة التي جعلت منها فرنسا سببا رئيسيا في حماتها على الجزائر ما هي إلا خرافة تاريخية ، و أن الداي حسين لم يهن القنصل الفرنسي دوفال ، بل نجد أن الأسباب متعددة ، و تعود إلى قرون مضت في العلاقات الفرنسية الجزائرية كما رأينا آنفا ، وكانت هذه العلاقات قد عرفت مرحلة المد و الجزر بحكم قوة و ضعف كل دولة أي فرنسا و الجزائر ، و لعل المتتبع لمراحل إهتمام فرنسا بالشؤون الجزائرية يجد أن حكومة فرنسا قد رحصت لقنصلها دوفال بالمزيد من المناورة بغرض تمكين فكرة الإحتلال و قبولها لدى المعارضة وأنه لا يمكن إهانة العلم الفرنسي ، و تجلى ذلك بالوضوح في مذكرة فرنسا عشية الإحتلال و المؤرخة في 7 ديسمبر 1827 و التي من خلالها تم فرض الحصار البحري على الجزائر و ذلك قبل المروحة بشهور .
كما أن سياسة شارل العاشر لم محبذة لمبادىء الثورة الفرنسية ، و كان الرجل رجعيا إلى حد كبير في سياسته و من أمثلة ذلك تعطيل المؤسسات الدستورية و تعطيل البرلمان و خنق حرية الصحافة ، و خنق الحريات و تهجير المعارضة و تكميم الأفواه و كل ذلك لم يكن مقبولا لدى الكثير من الفرنسيين الذين تشبعوا بمبادىء الثورة الفرنسية ، و جر إلى تذمر كبير في الأوساط الفرنسية ضد الملك الفرنسي .
و تذكر العديد من الدراسات التاريخية أن الداي حسين بعث ببعض الرسائل إلى الحكومة الفرنسية يستفسر من خلالها على قضية الديون و نحوها لكن فرنسا لم ترد على رسائله و أهملت مسعاه ، و كل ذلك أغضب الداي حين سئل دوفال حين قدم له تهاني العيد ، و كان جواب القنصل الفرنسي في منتهى الوقاحة و قال للداي إن بلادي لا تتنازل للإجابة لرجل مثلكم و قال ذلك أمام ديوان الداي ، و لم يتمالك هذا الأخير و لوح عليه بالموحة التي كانت في يده .
ووجدت فرنسا في الحادثة المادة الخصبة في ترويجها للحملة و كسب الرأي العام الفرنسي مها ىلقبول الفكرة و هي ضرب الجزائر و تأديبها على موقفها من دوفال ، و من جهة أخرى بدعوى القضاء على القرصنة و قوة الجزائر التي كثيرا ما أقلقتها ، كما إدعت أيضا أنها تريد تحرير المساجين المسيحيين الذين أسرتهم البحرية الجزائرية ، و كل ذلك أكسب فرنسا تعاطفا دوليا من أجل القيام بحملتها على الجزائر .بإستثناء بريطانيا التي ظلت هي الأخرى تبحث على مناطق النفوذ ب‘تبارها العدو اللذوذ لفرنسا .و بذلك كان هذف فرنسا إبعاد المعارضة و البحث لها عاى مناطق بعيدة عنها .
2/ إدعاء إنقاذ الجزائريين من سيطرة الإحتلال التركي :
كانت فرنسا و حلفائها من المسيحيين يعتبرون ذوما أن الوجود العثماني في الجزائر هوبمثابة إحتلال و منافس لها في برنامج توسعها ، و من ذلك شنت هجوما إعلاميا عبر العصور التاريخية بغرض تشويه سمعة العثمانيين في الجزائر ، و أنهم أبعدوا السكان عن قضاياهم و هيمنوا عاى كل شيىء في الإدارة و السلطة و الإقتصاء و حتى في الدين ، و إستغلوا بعض النقائص التي لاحت من حين لاآخر في سياق الوجود العثماني في أرض الجزائر و بروز بعض الثورات كالثورة الدرقاوية في الغرب الجزائري و ثورة بن الأحرش في الشرق الجزائري ، و تناست فرنسا من جهة أخرى أن الوجود العثماني هو الدي طهر السواحل الجزائرية من التحرشات الإسبانية و حرر الكثير من الموانىء الجزائرية ، بلكان الوجود العثماني في الجزائر بطلب من الجزائريين أنفسهم ، و هو الذي مكنهم من القوة البحرية في المتوسط.
لذلك لا غرابة أن نجد الإدارة الفرنسية توزع على الجزائريين عشية الإحتلال منشورا هاما تظمن نقاط أساسية و هي أن الوجود الفرنسي في الجزائر يهدف أساسا لمحاربة الأتراك و إعطاء الحرية التامة للجزائريين ، و كأن القضية بين الداي حسين و فرنسا فقط .و مما جاء في البيان قوله : " يا أعز أصدقائنا و محبينا سكان الجزائر و من ينتمي إليكم من شعب المغاربة ، أن الباشا حاكمكم من حيث أنه تجرأ على بهدلة فرنسا و أقدم على إهانتها فقد سبب بجهله هذا كل ما هو عتيد أن يحل بكم من الكوارث و المضرات ، فلا بد أن هذا الباشا حاكمكم من قلة بصيرته و عماوت قلبه قد جدب على نفسه الإنتقام المهول و قد دنا منه القدرالمقدر عليه و عن قريب يحل به ما إستحقه من العذاب المهين ، أما أنتم ياشعب المغاربة إعلموا و تأكدوا يقينا أني لست آتيا لأجل محاربتكم فعليكم أن لا تزالوا آمنين و مطمئنين في أماكنكم ، و كل ما لكم من الصنائع و الحرف براحة سر ، ثم إني أحقق لكم أنه ليس فينا من يريد يضركم لا في مالكم و لا في أعيالكم ، و مما أضمن لكم أن بلادكم و أراضيكم و بسلتينكم و حوانيتكم و كل ما هو لكم صغيرا كان أو كبيرا يبقى على ما هو عليه و لا يتعرض لشيىء من ذلك جميعه أحد من قومنا بل يكون في أيديكم دائما فآمنوا بصدق كلامي ، ثم إننا نضمن لكم أيضا و نعدكم وعدا مؤكدا غير متغير و لا متأول أن جوامعكم و مساجدكم لا تزال معهودة معمورة على ما هي عليه الآن .."
3/ الأسباب الإقتصادية :
إلى جانب العوامل السالفة الذكر هناك من العوامل الأخرى التي ساهمت في دفع فرنسا لإحتلال الجزائر منها العوامل الإقصادية و هي كثيرة و متنوعة ، منها جعل الجزائر مستعمرة تنقل إليها الأموال بغرض الإستثمار ، و تنقل منها الصنائع و المنتوجات التي لا يمكن إنتاجها في فرنسا ، هذا فضلا إلى جلب المواد الأولية الضرورية للإسهام في الصناعة ، كذلك جعل الجزائر مستوطنة خصبة تجلب إليها الأعداد الكثيرة من الفرنسيين و حتى الأروبيين ، و ذلك بغرض الإستيلاء على أجود الأراضي الزراعية و فلاحتها ، هذا إضافة إلى البحث على تصدير البرجوازية الفرنسية التي وصلت إللا السلطة خلال قيام الثورة الفرنسية ، و تأههيلها ماديا .
و كانت الأسواق هي الأخرى مثار إهتمام البرجوازية الفرنسية بغرض التصدير للمنتوج الفرنسي الفائض إلى الجزائر و البلدان المجاورة لها ، و كانت الفلاحة من بين الإنشغالات التي دفعت بالرأسمال الفرنسي بالتركيز على ارض الجزائر لما تملكه من خصائص مناخية هامة تساهم في تنويع المحصول الفلاحي لتقارب المناخ المتوسطي مع جنوب فرنسا وإمتلاك الجزائر لمناخات أخرى قارية و شبه جافة و صحراوية وكل ذلك نوع لها لاحقا من الزراعات و تنوع الحوامض و البقول و الفلاحة الصحراوية التي مدت لها السكة الحديدية بغرض تسويق الإنتاج إلى أروبا و تغطية السوق الفرنسي .
هذا ناهيك على ما تملكه الجزائر من الثروة السمكية وبالخصوص المرجان فس سواحل القالة و غيرها من موانىء الصيد ، و التي لم تكن غريبة عن فرنسا بعد أن تحصلت على معاهدة الإمتيازات و صيد السمك في موانىء القالة من جراء المعاهدة التي أبرمتها مع السلطان العثماني سليمان القانوني و ملك فرنسا فرنسوا الأول ، و لعلما يوضح الأهمية الإقتصادية الدافعة للإحتلال ما تضمنه تقرير تونير الذي كان في أهميته يشبه إللا حد كبير تقرير الجاسوس الفرنسي بوتان ، و قد وصف التقرير الحالة الإقتصادية التي كانت عليها الجزائر ، و التي تغري أصحاب رؤوس الأموال و المصالح التجارية ، و قال في ذلك الشأن أن المصالح المالية و خزينة الدولة كانت بها ما يزيد عن 150 مليون فرنك ، و أن بالجزائر موانىء عديدة و سهولا خصبة زراعية ، و غابات كثيفة صالحة لبناء السفن ، كما توجد مناجم و مواد أولية تزخر بها الجبال في مناطق عدة من الجزائر ، و في نفس الوقت دغدغ عواطف العسكريين حينما أوصى بإقامة مستعمرات عسكرية فرنسية في الجزائر .
و هناك مشروع آخر تقدم به أحد النواب في البرلمان الفرنسي و قد نادى به صاحبه بإقامة مستعمرات عسكرية شبيهة بما فعل الرومان في الجزائر ، و بدعوة الأروبيين أن يتوجهوا إلى الجزائر بدل الهجرة إلى أمريكا . و قال صاحب هذا المشروع إن إحتىل الجزائر سيعوض فرنسا عما فقدته في منطقة الراين و الألزاس و يغنيها عن شراء بعض البضائع مثل التبغ و الحرير و السكر و الزيت و القطن .
4/ الدوافع الدينية :
لعل من بين الدوافع الأخرى التي حفزت الإحتلال الفرنسي للجزائر العامل الديني و خدمة المسيحية ، و نشرها في شمال إفريقيا ، و ما الصراع الذي دار في المتوسط منذ سقوط دولة الموحدين إلى بداية الإحتلال إلا صورة عاكسة لذلك . و قد فهم الفرنسيون أن سقوط الجزائر يعني سقوط قلعة إسلامية و عودة الديانة المسيحية إلى ديارها و قد خطب شارل العاشر في جنده عشية الإحتلال و حثهم قائلا : إن الإستيلاء على الجزائر يعني إنتصارا للمسيحية جمعاء . و قد دلت الكثير من الدلائل أن ما إقترفه الفرنسيون مباشرة بعد سقوط العاصمة و ما قاموا به من إهدار ضد الديانة الإسلامية لدليل على ذلك البعد الدفين لضرب الإسلام و المسلمين ، ففي اليوم الموالي لدخول مدينة الجزائر الموافق ل 11يوليو1830 أقاموا إحتفالا دينيا ضخما في الساحة الرئيسية للقصبة حضره الجنرالات و الضباط و الجنود يتقدمهم دوبورمون ، و قد روى أحد الفرنسيين المعاصرين نشوة الإنتصار بقوله : " إن الإحتفال الضخم جرى في القصبة التي بناها أبناء محمد "ص" لمواجهة أبناء عيسى ، و قد رتلوا آيات الإنجيل بأصوات عالية أمام آيات القرآن التي أصبحت ميتة و التي كانت تغطي كل الجدران "
و إعتبر الفرنسيون أن الجنود الذين ماتوا في الجزائر شهداء المسيحية ، و قد إتضح ذلك جليا في كتابات أحد الفرنسيين و المدعو بوجولا و هو يكاد ينفجر بإنتصار الصليب على الهلال في أرض الجزائر و يعلن أن الفرنسيين قد علقوا الصليب على ثلاث مآذن في مساجد الجزائر ، و في نظره أن قتلى الحملة من الفرنسيين هم شهداء الحضارة و الوطن و المسيحية و إعتبر أن دماءهم قد وطدت دعائم الكنيسة المسيحية في الجزائر ، و قد دعا إله القديس لويس بتعويضهم على أرواحهم التي أزهقت من أجل المسيحية.
5/ فرض الحصار على البحرية الجزائرية سنة 1827 :
بعد عملية الصراع الفرنسي البريطني و فشل هذه الأخيرة في فرض سيطرتها على منطقة شمال إفريقيا ، غيرت من تعاماها مع الجزائريين بغية إضعاف القوة الفرنسية ، و ذلك من بين العوامل التي عجلت بفرنسا لضرب الحصار على سواحل الجزائر ، ففي 15 جوان من سنة 1827 أمر ملك فرنسا شارل العاشر بأن تحاصر سواحل الأيالة الجزائرية حصارا شديدا ، و لا يرفع عنها إلا عندما يقوم الداي حسين بترضية فرنسا و بتقديم الإعتدارات اللازمة لها عن فعلته تجاه القنصل الفرنسي دوفال في قضية المروحة بيوم 29 أفريل من نفس السنة ، مه العلم أن قضية المروحة ما هي إلا حجة ملغمة لتبرير عملية لا تخفى أهدافها السياسية و العسكرية و الدينية و الإقتصادية كما سبق الإشارة إليها ، لأنه من غير المعقول أن تنفق فرنسا أكثر من مائة مليون فرنك فرنسي من أجل التلويح بالمروحة على ممثلها الديبلماسي .
و هكذا إستمر الحصار بدل الحملة ، و كان الفرنسيون يهدفون من ورائه إلى قطع التموين على الجزائر ، و كان أسطولهم المحاصر يتكون من 12 سفينة بحرية مهمتها مراقبة الموانىء الجزائرية ، و كانوا يوقفون بعض السفن المشبوهة و يحتجزون بعض السفن الأخرى ، و لكن الحصار لم ينه عمليات القرصنة و بالتالي لم ينجح .و في 3 أكتوبر وقعت معركة بين الطرفين و دامت حوالي أربع ساعات و لم تسفر عن نتيجة لكل من الطرفين .
و في 4 جانفي من سنة 1828 فتحت فرنسا المفاوضات من جديد مع الجزائر هادفة على إلغاء الحصار بطريقة مشرفة و مد جسور التعاون من جديد مع الأيالة ، و في 29 أفريل من نفس السنة زارت الجزائر بعثة فرنسية بقيلدة بيزار للتفاوض مع الداي ، و الظاهر أن هذه البعثة فشلت في التفاوض بسبب إصرار الداي على عدم دفع التعويضات لفرنسا ، و عاودت فرنسا الكرة من جديد و أرسلت وفدا للتفاوض برئاسة بيزار لكن الشروط الفرنسية يبدو أنها كانت تعجيزية لأنها طلبت من الجزائر إرسال وزيرا من حكومتها لفرنسا ليقدم الإعتذار و يقوم بدلك بعد أن توقع معاهدة صلح مع فرنسا .
و أمام هذه المحاولات المتعددة في التفاوض الدي باء بالفشل عاد الفرنسيون مرة أخرى إللا التفكير في الحملة ضد الجزائر ففي صيف 1828 كلف وزير الحربية الجديد دى كو لجنة خماسية لدراسة المسائل المتعلقة بالحملة على الجزائر و تقديم خطة كافية لتعيين الوسائل و الضروريات لعملية التنفيد ، و مما قامت به هذه اللجنة جمع كل الأخبار و الدراسات على الجزائر منذ 1628إلى 1808 ، و كان رأي اللجنة تقريبا هو ما ذهب إليه بوتان و تونير ، و كان في تقديرها أن تغادر الحملة ميناء طولون في منصف أفريل ، كما قدرت تكاليف الحملة ب25 مليون فرنك ، كما توقعت أن تكون هناك معركة بين القوات الفرنسية و جيوش الداي .
و تقول بعض الدراسات أن البرلمان الفرنسي عارض سياسة وزارة الحربية كما وقف عند خسارة الحصار البحري و كذا الظروف الدولية الغير مناسبة ، وطالب من الحكومة اللجوء مرة أخرى للتفاوض بذلا من القوة العسكرية و كان ذلك سنة 1829 و أرسلت الضابط العسكري المدعو دى ننرسيا في مهمة إلى الجزائر للتفاوض مع الداي ، و لم تخرج فرنسا عن مألوفها و هو ضرورة الإعتذارلكن الداي أصر على موقفه الرافض لذلك و إعتبره تنازلا منه لفرنسا .
و مع تطور الأحداث في فرنسا و تغيير سلم السلطة ووصول دى بولينيكإلى رئاسة الوزارة في أواخر 1829 وكانت له مشاريع توسعية في الضفة الجنوبية للمتوسط و حتى في أروبا و بلاد الشرق قد زاد من الهوة بين الجزائر و فرنسا خصوصا بعد تغيير وزير البحرية و تنصيب البارون دى هوسي الذي كان يرى ضرورة الإسراع في الحملة على الجزائر في ربيع 1830 .
و قد نشرت جريدة المونتور الفرنسية في عددها الصادر يوم 20 أفريل من سنة 1830بيانا توضيحيا تضمن جملة من أغراض الحصار البحري الذي فرض على الجزائريين بعد أن أخطأ الداي في شرف فرنسا و تعنت لرأيه كما ذكرت أيضا بعض الأخطاء التي تراها في سياسة داي الجزائر نذكر منها :
1/ أنه لم يعاقب أهالي مدينة عنابة الذين قاموا سنة 1818 بمهاجمة السفينة الفرنسية لوفورتني .
2/ أن الداي رفع الإتاوة السنوية التي كانت تدفعها المؤسسات الفرنسية المستغلة لموانىء الشرق الجزائري .
3/ أنه أجاب الأميرالين الفرنسي و الأنجليزي اللذين جاءا يقدمان له سنة 1819 مقررات مؤتمر إكس لا شبيل ، بأت له الحق في إستقرار رعايا جميع الدول التي لا تقيم معها علاقات ودية ، و التي لايكون لها تمثيل ديبلوماسي في بلاده .
4/ أن الداي صرح للقنصل الفرنسي أمام الملاء بأنه لم يسمح لفرنسا بأن تنصب و لو مدفعا واحدا على الأراضي الجزائرية، و أنه لم يعد يعترف للفرنسيين بغير الحقوق التجارية التي يتمتع بها الأروبيون الآخرون .
5/ أنه أرسل برقية شديدة اللهجة إلى الحكومة الفرنسية يطالب فيها بالديون التي هي في ذمة فرنسا .
6/ أنه أمر سنة 1825 بتفتيش مقر المؤسسات الفرنسية في عنابة بحثا عن الأسلحة المحظورة التي كان التجار الفرنسيون يبيعونها إلى سكان الشرق الجزائري .
7/ أنه أذن في سنة 1826 لجميع الأمم بصيد المرجان على ساحل الأيالة ، و قد إعتبر الفرنسيون هذا الإجراء تعسفا في حقهم و يحرمهم من أحد الإمتيازات التي ظلوا يتمتعون بها منذ أكثر من ثلاثة قرون .
و لعل المتتبع لطل هذه الإدعاءات يجدها شبه باطلة في محتواها ، لأن فرنسا أصبحت تبحت على الدرائع أكثر منها من الحقائق التاريخية ، و ما أجرى عليه الداي من حفظ اسيادة الدولة و الأمر بمراقبة المؤسسات الفرنسية يندرج في إطار المعاهدات المبرمة بين الطرفين منها إتفاقية 1817 التي تنص على ذلك و هي في نظر الداي جزء من السيادة الوطنية ، أم خشونة الداي في تعامله مع القنصل الفرنسي كان طبيعيا بعد رفض السلطة الفرنسية في تسديد الديون بل عدم الإعتراف بها.
و برغم ذلك كله فإن الحصار الذي ضرب على الجزائر قد ترك جملة من النتائج يمكن ذكرها في النقاط التالية :
1/ ساد الأيالة جو من التوترساهم في تعطيل الموارد الإقتصادية المختلفة .
2/ تعطيل الموانىء الجزائرية و الإهتمام بالحرب، وكل ذلك أثر سلبا على الميدان الزراعي لدى الفلاحين الذين نقص تصدير منتوجهم من الحبوب للخارج .
3/ أنه فتح آفاقا جديدة للمسيحية بدخولها لشمال لإفريقيا و محاربتها للإسلام .
4/ وضع حدا للتنافس الفرنسي البريطاني الذي ظل قائما منذ أمد طويل حول التمركز و الوصول لإحتلال الإيالة و الأستفادة من خيراتها الإقتصادية و موقعها الجيو إستيراتيجي .
وهكذا ففي جلسة 30 جانفي من سنة 1830 قرر مجلس الوزراء الفرنسي بعد دراسة إستغرقت أربع ساعات الأتفاق على الشروع في الحملة على الجزائر ، و في 7 فبرلير أقر الملك الفرنسي شارل العاشر مشروع الحملة ، و أصدر لذلك مرسوما ملكيا بتعين الكونت دي بورمون قائدا عاما للحملة ، و الأميرال دوبيري قائدا للأسطول البحري ،ووقتها بدأت الإستعدادات الرسمية لتنفيذ المشروع ال‘ستعماري الذي دام بقائه في الجزائر أزيد من قرن و نصف كله إستغلال ونهب وخدمة مستقبل فرنسا في الجزائر .

الممادر و المراجع المعتمدة في المحاضرة :
1/ أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوكنية الجزائرية ، الجزء الأول ، القسم الأول ، ط1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1992 .
2/سعد الله ، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث ( بداية الإحتلال ) ط3 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982 .
3/ سعد الله ، أبحاث و آراء في تاريخ الجزائر ، القسم الأول ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1981 .
4/العربي الزبيري ، مدخل إلى تاريخ المغرب العربي الحديث ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1985 .
5/أحمد توفيق المدني ، كتاب الجزائر ، ط2 ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1984 .
6/ حمدان بن عثمان خوجة ، المرآة ، ترجمة العربي الزبيري ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982
7/مجاهد مسعود ، تاريخ الجزائر ، الجزء الأول ، بدون إسم المطبعة و لا سنة الطبع .


إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

21/07/10, 11:13 pm
المحاضرة الثالثة :
الحملة الفرنسية على الجزائر 1830.

في يوم 30 جانفي 1830 قررت الحكومة الفرنشية برئاسة بولينياك بشن الحملة العسكرية على الجزائر .و في يوم 4 فباير أقر شارل العاشر مشروع الحملة ، و أصدر مرسوما ملكيا بتعيين الكونت دى بورمون قائدا عاما للحملة ، و الأميرال دو بيري قائدا للبحرية ، و منذ ذلك التاريخ بدأ الفرنسيون بتجهيز الحملة بصفة رسمية ، و حتى تكون مستعدة مع أواخر شهر ماي و أوائل شهر جوان على الأكثر خاصة لصلاحية الملاحة في البحر المتوسط ،
و هكذا صدرت الإدارة الفرنسية بتكوين ثلاثة لجان لإعداد الحملة ، يعمل كل واحد منها منفردا ُم تجتمع سويا برئاسة بولينياك ، و تقدم تقارير عن أعمالها أمام مجلس الوزراء ، و في يوم 2 مارس أعلن الملك عزمه على مهاجمة الأيالة مدعيا أن هذه الحملة لم تكن إلا إنتقاما للداي حسين عن الإهانة التي لحقت بالشرف الفرنسي ، و أوضح أن ذلك العمل يخدم الصالح العام بما فيه العالم المسيحي .
كما إستغلت الصحافة اليمينية المتطرفة هذه التصريحات و أخذت تكرر أتهامات فرنسا للداي، وعملت على الرفع من الروح المعنوية للجيش الفرنسي و ذكرت أن الجنود الفرنسيين سينتقمون لكرامة التاج ، و سيخلصون فرنسا و كل الدول المسيحية من إستعباد رعاياها ، و يبطلون الإتاوات التي كانت مفروضة عليهم من قبل الداي ، هذا فضلا على توقيف القرصنة التي كانت تهدد التجارة و الأمن الأروبيين في البحر الأبيض المتوسط ، و من ثم تمت الإستعدادات و التجهيزات لإنجاح الحملة .
و لإنجاح ذلك المشروع الإستعماري إجتمعت القوات البرية و البحرية و نسقت فيما بينها لترتيب شؤون الحملة من معدات و دخيرة ، و كان ذلك في المنطقة الواقعة بين ميناء طولون و مرسيليا ، و قد المؤرخون مجموع عساكر الحملة ب 37.600 جندي و 45000 حصان و 91 قطعة مدفعية ، دكما وصل عدد قطع الأسطول إلى 600 سفينة . و تجدر الإشارة هنا إللا أن الحملة قد إشتملت على بعض الضباط و الجنود اللذين خدموا في جيوش نابليون ، و ظلوا يحلمون بعظمة فرنسا و إمبراطوريتها ، و كان بعضهم من الموالين لللآراء الملكية ، و من رجال لويس الثامن عشر و شارل العاشر و المقربين .كما إشتملت الحملة أيضا على بعض الجنود الذين في الحملة الفرنسية على مصر .
و كان الهدف من تكوينها بهذا الشكل هو تقريب وجهات النظر بين فصائل الجيش الفرنسي بين التوجه الإمبراطوري و المالكي منذ سنة 1815 ، و جعل هؤلاء العسكريين يفكرون في مهمنهم بذلا من التفكير فيما آلت إليه فرنسا بعد سقوط نابليون ،و للرفع من معنويات الجند الفرنسي وقتها عقد تجمع هام في ميناء طولون قبل إقلاع القوات و توجهها إلى الجزائر ، وقام ولي العهد الفرنسي بتفتيش القوة المعدة للحرب، و كانت الرحلة بطيئة بسبب الرياح الغير مساعدة ، و لذلك إضطرت الحملة للعودة إلى جزر البليار بالمتوسط بعد أن كانت قد وصلت إلى السواحلالإفريقية في أواخر شهر ماي ، و بقيت في البليار حتى يوم 9 جوان ، ثم رجعت إللا السواحل الجزائرية يوم 12 من نفس الشهر ، و بعد وؤية الجنود الفرنسيين لمدينة الجزائر تردد الأميرال في الذهاب و الرسو عند منطقة سيدي فرج .
و وقتها أمر الجنرال دوبورمون قائد القوات البحرية و البرية جنده بالرسو في الحال ، و تمت عملية إنزال الجنود في الخليج الغربي لشبه جزيرة سيدي فرج ، و إستمرت عملية إنزال المدفعية و المعدات الحربية ، و خلالها قام الفرنسيون بتحصين شبه الجزيرة و جعلها قاعدة عسكرية لجندهم تشمل مخازن المؤونة و المعدات و المستشفيات ، وواجه الفرنسيون ردود فعل جزائرية تجلت في معارك ثلاثة في منطقة اسطوالي و مصطفى والي و سيدي خالف و قلعة السلطان .
و كانت الأولى أهم هذه المعارك و أشدها وطيسا ، و إشترك فيها ما يقرب من 6000 جندي جزائري بقيادة إبراهيم آغا صهر الداي حسين ، و باي قسنطينة و حاول إبراهيم آغا أن يفصل مسيرة الفرنسيين عن بقية قوتهم بمنطقة سيدي فرج ، و قد هاجم هجوما عاما على الخطوط الفرنسية يوم 19 يونيو ، و لإشتدت الهجومات على القوات الفرنسية لكن المعركة خلصت لصالح الفرنسيين ، و حسب رأي الكثير من المؤرخين أن سبب هزيمة الجزائريين يعزى إلى تصرفات الداي غير الرشيدة ، حيث أصدر القيادة إلى صهره آغا إبراهيم الذي لا يعرف أي شيىء في الشؤون العسكرية و ليست له خبرة في شؤون الحرب ، و كان ممكنا للداي حسين أن ينجح في المقاومة لو أنه إلتزم ببعض الأمور منها :
1/ عدم إمهال القوات الفرنسية التي نزلت إلى البحر حتى تكتمل لأن ذلك كان من أسباب رجحان كفتها و تمكينها من التمركز .
2/ إسناد القيادة لمن هو أهلا كباي قسنطينة مثلا الذي أ ظهرمن ملاحظاته و إنتقاداته على خطط إبراهيم آغا ، و أن الباي أحمد كانت له مقدرة و جدارة في الميدان القتالي و العسكري .
و على أية حال فإن الفرق كان واضحا بين الفرنسيين و الجزائريين في التكوين و التسليح و المقدرة و المهارة العسكرية ، ذلك أن الجزائريين كانوا يعتمدون على الشجاعة و الكد و الفر السريعي الحركة ، أي أنهم كانوا يعتمدون على مرونة حركاتهم كما إعتمدوا بنادق كانت أقدم من بنادق الفرنسيين ، و إعتمد بعضهم على السيوف في الوقت الذي إعتمد فيه الفرنسيون على خطوط منتظمة تعززها نيران المدفعية مكنها من الثبات في الخطوط بعد توظيفها للأسلحة الحديثة . و هكذا إنتصرت الأسلحة و التكتيك على الشجاعة و المرونة في الحركة .
سقوط العاصمة و توسع الغزو في البلاد
هكذا إذا أصبح على سكان مدينة الجزائر العاصمة أن يستعدوا للدفاع عن مدينتهم و في يوم 25 جوان عزز الفرنسيون من إمكاناتهم القتالية بالمعدات الكافية لمحاصرة مدينة الجزائر ، بعد أن كانوا قد أنشئوا طريق حربي يصل سيدي فرج بأسطاوالي .، و في يوم 28 من نفس الشهر إجتمعت قوة الفرنسيين و أخذت تزحف في إتجاهات مختلفة نحو قلعة القصبة ووجهت نيرانها صوب برج مولاي الحسن ( قلعة الإمبراطور ) الذي كان يحمي قلعة القصبة بإعتبارها مركز و مقر حكومة الداي حسين ، و كان ذلك يوم 3 جويلية من نفس السنة و لم ينتهوا عن قذفه حتى أسكنوا كل المدافع التي كانت منصوبة فوقه .
و تحرج الموقف في المدينة و إنتشرت الفوضى العارمة ، و تأزمت الحالة بين الداي و سكان العاصمة ، و كان من رأي الداي أن يستمروا في المقاومة ، و لكن كثيرا من الناس ألحوا عليه و هددوا بإجابة طلب الفرنسيين و الحوار معهم ، و أمام توسع الهوة بين الداي و عشيرته أرسل الباشا كاتبه مصطفى يعرض على دى بورمون مشروع الصلح بالشروط التالية
1/ يتنازل الداي عن كل الديون التي له على فرنسا.
2/ يدفع الداي نقدا كل ما يطلبه منه للإعتذار على حادثة المروحة .
3/يعيد للتجارة الفرنسية جميع إمتيازاتها.
4/ يدفع لفرنسا جميع نفقات الحملة .
و لكن دي بورمون قائد الحملة الفرنسية رفض هذه العروض و أمر و أصر على ضرورة تسليم الحصون و الميناء و القصبة له، ومن ثم كشف للداي عن مقدرته ، مما دفع بالداي من جديد إلى بعث وفد آخر للتفاوض كان من بين رجاله أحمد بوضربة و حمدان بن عثمان خوجة ، و قدمت المجموعة المفاوضة للقائد الفرنسي رأي الداي ، لطن دي بورمون إمتنع عن ذلك و طلب بتسليم المدينة فورا و قدم جملة من الشروطالإضافية منها :
1/أن يسلم الداي للقوات الفرنسية قلعة القصبة و الميناء و حصون المدينة كلها و أبوابها في الصباح أي يوم 5 جويلية .
2/ يتعهد القائد العام بحفظ حياة الداي و حيازته لجميع ممتلكاته الشخصية .
3/يختار الداي بعد ذلك بين البقاء في المدينة مع أسرته في حماية القائد العام ، أو يرحل بهبمن يلوذ به إلى المكان الذي يراه مناسبا له .
4/يقر القائد العام لجميع الجنود الأتراك نفس الحماية من دون تعرضهم لأي أذى .
5/ يتعهد القائد العام بشرفه أن يحفظ حرية الديانة الإسلامية و أملاك الأهالي .
و أمام ضعف الداي و هزيمته العسكرية و الديبلوماسية و إنهياره النفسي لم يجد أمامه سوى الرضوخ لهذه الشروط المجحفة في حقه، ووقع معاهدة الإستيسلام مع القائد الفرنسي المنتصر و ذلك يوم 5 جويلية على الساعة العاشرة صباحا و سلم مفاتيح المدينة و خزائنها لفرنسا ، و في يوم 10من نفس الشهر غادر هو الجزائر إلى نابولي فالأسكندرية حيث قضى فيها بقية عمره حتى توفي سنة 1838 ، و برحيل الداي حسين عن الجزائر رحل معظم جنود الأتراكعن البلاد إما خيارا أو قصرا كما نرى لاحقا .
أما القوات الفرنسية فبمجرد أن دخلت المدينة وضعت يدها على خزائن الداي و الدولة بعد أن نالت منها يد السلب و النهب من قبل الجنود و الضباط و قد المؤرخون قيمتها وقتئذ ب100 مليون فرنك ، ثم هبط العدد إلى 48 مليون ، و ذلك ما أثار الشكوك لدى إدارة دوبورمون و كون لذلك لجنة خاصة للتقصي و معرفة الحقيقة ، و لكنه أقفل الموضوع حرصا على سمعته و سمعة فرنسا التي قالت للرأي الدولي أنها جاءت للجزائر للثأر من الداي لا غير .
و مع ذلك إقترح قائد الحملة أن تقسم الأموال على الجنود و الضباط ، كما يكافئون بتوزيع عليهم الأراضي و إبعاد أصحابها منها ، و لو أن الحكومة الفرنسية رفضت الفكرة . و قد بعث قائد الحملة إلى خزينة فرنسا مامقداره 43 مليون فرنك كتعويض على نفقات الحملة ، و إحتفظ ب 5 ملايين لتسيير الإدارة . و من هنا يتضح جلاء الهدف من الحملة الفرنسية على الجزائر سنة 1830 ، إذ أن هذه الحملة قد إرتبطت بعوامل سياسية و إقتصادية و إجتماعية و دينية صليبية.
و مما سبق ذكره نجد أن حادثة المروحة التي ضخمته الإدارة الفرنسية لتحقيق أهدافها التوسعية بشهادة أكبر الساسة الأروبيين محافظية و رجعية في ذلك الوقت إلا سببا واهيا ، فهذا الزعيم ميترنيخ رئيس وزراء دولة النمسا الذي كان من أكبر المحافظين الرجعيين يقول في ذلك الصدد أنه لا يعارض أكثر من 40 ألف رجل للموت و ينفق أكثر من مليون فرنك من أجل لطمة مروحة و الواقع أن فرنسا قد فقدت مستعمراتها الواسعة في كندا بأمريكا الشمالية ، و كذلك في مصر و الهند بآسيا و إفريقيا ، وبدلك زين لها ساستها أنه يتم تعويض ذلك النقصان بإحتلال الجزائر التي تحتوي على نوافع مادية ضخمة ، كما تحصل على خزائن الدولة المملوءة ذهبا و خيرات واسعة كما تجعل من الجزائر موطنا لتصدير الفائض من سكانها الغير مرغوب فيهم ببقائهم في فرنسا من المجرمين و حتى المعارضة ، كما تجعل من مناطق نفوذها بالجزائر سوقا لمنتوجاتها الصناعية و موردا هاما اابحث على الأيدي العاملة الرخيصة و الموارد الغير متوفرة في فرنسا.
وبرغم نشوة الإنتصار و الوصول إلى تحقيق الغاية الفرنسية المتمثلة في الغزو و التوسع في الخارج و بناء أبراطورية جديدة ، إلا أن ذلك لم يرق كل الفرنسيين و ظهرت المعارضة بشكل قوي مما أطاحت بشارل العاشر بعد قيامها بثورة جويلية الباريسية سنة 1830 ، و من ثم فقد أسقطت هذه الثورة الحكومة ،كما أحدثت آثارا خطيرة في العلاقات الدولية و في مركز فرنسا نفسها ، ومما يلاحظ أيضا توقف بريطانيا عن معارضتها المألوفة و خصومتها المعهودة لفرنسا فيما يخص القضية الجزائرية .
وكل ذلك جعل من السلطة الفرنسية الجديدة أن تحول الرأي العام الفرنسي ‘لأى النظر في مشكلة الجزائر من زاوية المصلحة الفرنسية الإستعمارية و التمسك بالإحتلال التدريجي ريثما يتم التوسع ، و قد عرفت هذه الفترة حتى 1834 ما يعرف بمرحلة التريث .ولو أنها لم توقفالتوسع منذ إستسلام القصبة و تسليم مفاتيح خزائنها ، وبذلك يمكن القول أن الإدارة الجديدة إختارت سياسة التوسع و السيطرة على الأراضي المجاورة للعاصمة وخصوصا أراضي منطقة متيجة برغم المقاومة الشعبية التي لم تنقطع .
و الخلاصة من هذا كله أن الإستعمار الفرنسي في الجزائر لم يكن بغتة ، بل كان وفق خطة و منهجية مدروسة منذ قرون خلت ، و إتضح ذلك في مطالبة فرنسا دوما من الايالة الحفاظ على إمتيازاتها في السواحل الجزائرية دون غيرها من الدول الأخرى المنافسة لها .كما أن الإحتلال جاء سهلا بسبب الضعف السياسي و العسكري و الإ قتصادي الذي كانت تعاني منه الجزائر في أواخر المرحلة العثمانية من جهة و من جهة أخرى قوة فرنسا و بناء نفسها من جديد بغية إستعادة ما ضاع منها في المستعمرات الأخرى سواء في العالم الجديد أو في آسيا
و بالفعل فقد عوضت فرنسا من جراء إحتلالها للجزائر كل ذلك ، و ما وجدته في خزينة الداي حيبن عوض لها تكاليف الحملة ، بل مسح لها الديون التي كانت عليها للجزائر، و أصبحت فرنسا المنتصرة على الجزائر المهزومة لأن الداي فضل المنفى في الإسكندرية و ترك وقتها الشعب الجزائري تحت نير الإيتعمار الفرنسي الذي دام بقاؤه في الجزائر أزيد من القرن و النصف وكانت الجزائر إحدى جوهراته الإستعمارية .
المصادر و المراجع المعتمدة في المحاضرة :
1/ حمدان بن عثمان خوجة ، المرآة ، تعريب محمد العبي الزبيري ، ط2 ، المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982.
2/وليام شالر ، مذكرات وليام شالر قنصل أمريكا في الجزائر 1816/1824 ، تعريب إسماعيل العربي ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982 .
3/أرجمند كوران ، السياسة العثمانية تجاه الإحتلال الفرنسي للجزائر 1827/1847 ، تعريب عبد الجليل التميمي ، ط2 ، تونس 1974
4/ أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية، القسم الأول ، ط1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب 1992 .
5/ سعد الله ، أبحاث و آراء في تاريخ الجزائر ، الجزء الثاني ، ط1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب 1986 .
6/ جمل قنان ، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحديث ، ط1 ، المؤسسة الجزائرية للطباعة الجزائر 1987 .
7/ محمد المهدي بن علي شغيب ، أم الحواضر في الماضي و الحاضر ، تاريخ مدينة قسنطينة ، ط1 ، مطبعة البعث قسنطينة 1980
8/ المتحف الوطني للمجاهد ، مجلة الذاكرة ، العدد 3 ، الموافق ل خريف 1995 .


إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

21/07/10, 11:19 pm
المحاضرة الرابعة :

ردود الفعل الجزائرية تجاه الاحتلال الفرنسي
دور حضر الجزائر .
تمهيد/
إن الدارس للاحتلال الفرنسي للجزائر و ما ترتب عنه من نتائج و بالخصوص ردود الفعل الجزائرية يخلص على حقيقة هامة و هي سمة الاستماتة التي أبداها سكان الجزائر العاصمة وما جاورها من قرى و مداشرالى مشاركة باقي المناطق الأخرى من الوطن باختلاف الزمان و المكان ضد المحتل الفرنسي الدخيل منذ جويلية 1830الى جويلية 1962، و أن الشعب الجزائري لم ييأس و لم يمل من رفضه للتواجد الفرنسي مستعملا الوسائل العديدة و الإمكانات المتاحة بحسب الظرف الزمني لمقاومة الاحتلال .
ولعل من خصائص الرفض الجزائري للاحتلال الفرنسي هو قدرة الجزائريين على الاستفادة من تجارب الماضي و تراكمات الأجيال ، و قد تجسد ذلك في فترة المقاومة الشعبية الممتدة ما بين 1830و 1871 برغم وجود بعض المحاولات السياسية التي ظلت محتشمة ولم ترقى إلى الحصول على المطالب التي رفعها الشعب الجزائري وقتها و الممثلة في رفض الوجود الفرنسي في الجزائر ، هذا في حين امتازت الفترة ما بين 1871 و 1926 بوجود إرهاصات مهمة برزت في التحول الى العمل السياسي المنظم الذي تجسد فيما بعد في بروز الخريطة السياسية الوطنية المنظمة بكل أطيافها ، و التي عاد لها الفضل الكبير في تنظيم المجتمع الجزائري و السير به نحو المطالب الوطنية بعد أن تبلور المطلب الاستقلالي بعد ميلاد نجم شمال إفريقيا سنة 1926 بباريس .
1/ مفهوم حضر الجزائر :
يقصد بالحضر الشريحة الجزائرية التي كانت تملك من الثروة و الجاه و تمثل أعيان الجزائر العاصمة و مهاجري الأندلس ، ولكنها تحتل المرتبة الثالثة سياسيا بعد فئة الأتراك و الكراغلة خلال الفترة العثمانية في الجزائر مع العلم أن هذه الشريحة لم تطمح إلى تولي المناصب السياسية بقدر ما كانت تمثل فئة التجار و الزراع في سهول منطقة متيجة ، مع وجود بعض الإستثناءات للحضر الذين تولوا السلطة مثل عائلة حمدان خوجة التي كانت قريبة من دار السلطان بل كانت تعمل مع طاقم الداي حسين و هو آخر الدايات الذين حكموا الجزائر .
2/ دوافع اهتمام فرنسا بفئة الحضر :
لقد نسقت الإدارة الاستعمارية جل جهودها مع هذه الشريحة من المجتمع الجزائري منذ تواجدها في القصبة بغية تكسير بنية المجتمع و الاعتماد على عامل التفرقة و تجزئة المجزأ ، وذلك بعد أن شعرت بأن طبقة الحضر من الداعين لعودة الحكم الإسلامي و الحفاظ على قيمه ، هذا فضلا على نقمة هذه الشريحة على الأتراك ، و لذلك فلا غرابة من أن نجد أن الإدارة الفرنسية قد أبعدت العنصر التركي و عوضته بالحضر و منحت لهم بعض المناصب و تولوا الإدارة و وصلوا إلى المناصب الهامة وقتئذ و من أمثلة ذلك تولي أحمد بوضربة أمين السكة المجلس البلدي بالعاصمة ، و باي التيطري لمصطفى بن عمر .
و كان الغرض من كل ذلك هو تهدئة المقاومة الجزائرية و ربح الوقت لفرنسا من أجل ترتيب شوؤنها في الجزائر مع بداية الاحتلال ،و كل ذلك ما كشفت عنه الأحداث لاحقا بعد تجريد الحضر من ممتلكاتهم و أرزاقهم ، بل عملت فرنسا على تأميم أراضيهم التي تعرضت للاعتداء و النهب من قبل الجيش و قواده ،برغم ما تضمنته معاهدة الاستسلام من بنود و التي أبرمت بين الداي و القائد الفرنسي في 5 جويلية و التي تنص على احترام ممتلكات الجزائريين .
3/ موقف الحضر من سياسة الاحتلال :
لم يكن الحضر من جماعة المرابطين الذين أعلنوا الجهاد ضد فرنسا كما فعلا الشيخ محي الدين وابنه الأمير عبد القادر ، و لم يكونوا زعماء قبائل كما فعل بن زعمون في منطقة متيجة ، و لم يكونوا من بقايا الإدارة العثمانية كما فعل باي التيطري بومزراق و أحمد باي في بايلك قسنطينة ، بل كانوا طبقة متميزة ثرية بالأمس و فقيرة بعد ما جردت من كل أموالها و أرزاقها فيما بعد أي بعد الفترة الأولى من بداية الاحتلال .
و قد عبرت هذه الفئة في الكثير من الأحيان عن تذمرها و استنكارها من سياسة الإدارة الاستعمارية المنتهجة في حقها ، و ذلك عن طريق الشكوى و تقديم العرائض ة البعث باللوائح و كذا الاتصالات المباشرة و غير المباشرة بالسلطة الفرنسية سواء في الجزائر أو في باريس و من أمثلة ذلك الإسهامات التي قام بها حمدان بن أمين السكة في الكثير من لقاءاته بالفرنسيين بسبب كثرة التهم الموجهة إليه على أنه من دعاة عودة الحكم الإسلامي في الجزائر بحسب ما أشار إليه الدكتور أبو القاسم سعد الله .
كما تذكر الكثير من المصادر التاريخية أن طبقة الحضر التي هاجرت إلى فرنسا عنوة أو طواعية كونت لنفسها فيما بعد حلقة متميزة من المعارضة و نسقت الجهود مع كل الجزائريين المنفيين مناك بغية تقوية الصف ، و من الأسماء اللمعة في ذلك التحرك السياسي الهام في مرحلة عويصة من تاريخ الجزائر بعد الاحتلال نذكر حمدان بن عثمان خوجة و بن عمر. و ظلت الكثير من هذه الوجوه محافظة على مواقفها بل متشبثة بمقوماتها الدينية و الوطنية برغم كثرة الدسائس و سياسة الإغراء و الاستمالة التي انتهجتها فرنسا مع هذه الوجوه الجزائرية الثائرة بمواقفها السياسية .
4/ بعض الوجوه البارزة في طبقة الحضر :
1/ المفتي الحنفي بن العنابي :
لقد عاصر هذا الشيخ الجليل الحملة الفرنسية على الجزائر ، و قد هاله ما كان يجري في البلاد لأنه و رآه منافيا لشروط التسليم من جهة ، ومن ة يتنافى و مبادئ الثورة الفرنسية التي كانت فرنسا تتبجح بها دوما ، ولم يبق بن العنابي مكتفى الأيدي و راسل القائد العام كلوزيل في العديد من المرات حول الموضوع ، وفتح معه قضية تنكر الإدارة الفرنسية لبنود معاهدة الاستسلام التي تم الاتفاق فيها بين الطرف الجزائري و الفرنسي و من بين بنودها احترام فرنسا للطرف الجزائري ، كما أبلغه بالعواقب التي سوف تنجر عن ذلك ضد فرنسا نتيجة تهورها السياسي ، و أن ذلك لا محال سوف يشكل خطرا على أمنها في الجزائر . و الظاهر أن بن العنابي لم يجد المناورة السياسية و عبر عن ردود أفعاله بكل وضوح مما جلب له الكثير من المتاعب من قبل فرنسا ، واتهمته فرنسا بالتآمر ضدها و تحريض العامة عليها لما كان له من الاحترام الديني بين سكان الجزائر العاصمة و ما جاورها ، و قامت الإدارة الاستعمارية بسجن بن العنابي ، بل نفته إلى المشرق العربي رغم الوساطة التي قام بها حمدان خوجه مع القائد العسكري كلوزيل ، ولو أنها لم تفلح ، و كان هدف حمدان هو إبقاء زميله المفتي كي يجده سندا له في الدعوة و المقاومة السياسية ولو أنها ظلت محتشمة مقارنة بالمقاومة الشعبية الجهادية .
2/ أحمد بوضربة :
يعد من أعيان الجزائر العاصمة و أكبر تجارها ، كانت اه علاقات وطيدة بحمدان خوجة ، كما كانت له إسهامات كبيرة في المفاوضات الجزائرية الفرنسية فبيل إبرام معاهدة 5 جويلية ، ويقال عنه أنه تفاوض لتسليم دار السلطان للفرنسيين لاقتناعه وقتها أن الوجود الفرنسي وجود مرحلي ذاهب لامحال ، و أن مجيئه الى الجزائر بهدف تحرير الجزائريين من ربق الأتراك و الاضطهاد الذي كانوا يلاقونه في العديد من المرات على أيدي بعض من الحكام الذين كان شغلهم الشاغل لجمع الإتاوات و رفع الضرائب
لذلك كانت لبوضربة علاقة جيدة مع دوبورمون. هذا الأخير هو الذي ولاه رئاسة أول مجلس بلدي للجزائر العاصمة ويعد أيضا من مستشاريه السياسيين ، كما أولاه القائد الفرنسي كلوزيل إدارة أملاك مكة و المدينة وهي أحباس لها مكانتها في العمل الخيري للمهاجرين الجزائريين و العرب في دول المشرق العربي و خصوصا أثناء أداء فرائض ومناسك الحج و العمرة و احتياجاتهم الماسة لمثل هذه المعونة .
كما اتهمه الفرنسيون بأنه ترأس لجنة المغاربة التي كانت تعمل لصالح عودة الحكم الإسلامي في الجزائر ، وكان بوضربة سريع التأثير على الجالية الجزائرية و المغاربية في المهجر ، وكل ذلك ألق الدوق دوروفيقو الذي تولى حكم الجزائر و غير من نظرته تجاه طبقة الحضر ، بل اعتبرهم حلقة مخيفة ضد المصالح الفرنسية في الجزائر ، و أنهم يشكلون خطرا على مستقبل التواجد الفرنسي بالمنطقة و على مستقبلها وقرر التخلص منهم و نفى الكثير منهم إلى فرنسا ، مع العلم أن بوضربة كانت له نشاطات مكثفة مع اللجنة الإفريقية التي زارت الجزائر في جويلية من سنة 1833 للوقوف عند أحوال المستعمرة ولو أن هذه الزيارة كانت لصلح فرنسا لأنها كللت فيما بعد بتقديم المعلومات الكافية و الدقيقة عن الوضع في الجزائر ومن نتيجة ذلك قناعة الفرنسيين بمستقبلهم الذهبي في المستعمرة البكر ومن نتائج ذلك صدور المرسوم الملكي القاضي بإلحاق الجزائر بفرنسا سنة 1834 و الإبعاد النهائي عن مرحلة التردد التي ظلت جلية لدى ساسة فرنسا .
3/ حمدان خوجة :
يعد من بين أثرياء الجزائر العاصمة تربى في بيئة علمية و اجتماعية مرموقة ،تعلم العديد من اللغات فأكتسب الخبرة الواسعة ، أخذ عن والده الأستاذ في الشريعة و العالم بقضايا الساسة وكان كاتبا عاما للدولة ، سافر حمدان برفقة والده و بمفرده إلى دول عديدة مشرقية و أروبية و عاصر الكثير من أحداثها ووقف مليا عند حيثياتها .
وعند احتلال فرنسا للجزائر كان حمدان حاضرا و عايش الوقائع ، و كان حمدان محل ثقة الداي حسين ولذلك فقد تولى التفاوض مع الفرنسيين ، كما أشرف خلال عهد كلوزيل على تقرير تعويضات الأملاك المصادرة .كما تولى ملف ديون اليهود في الجزائر ، و شؤون مراسلات بومزراق مع فرنسا ، وبرغم ذلك كله فقد ظل حمدان من المقاومين و المدافعين عن القضية الوطنية و كان ساخطا على سياسة كلوزيل المتقاربة و الخادمة لليهود و المحافظة على مصالحهم ، برغم ما تعرض له هذا الأخير من محاولة جلب و إغراء بعد أن أعاد له كلوزيل بعض من أملاكه المؤممة ، كما كلفه القائد الفرنسي بالتفاوض مع الحاج أحمد باي الثائر في بايلك الشرق بغرض الاعتراف بالسيادة الفرنسية ، وكل ذلك لم تمنح فرنسا كل ثقتها في خوجة و ظلت تتابعه و تتحرى كل نشاطاته .
و في ماي من سنة 1933 دافع حمدان عن القضية الجزائرية أمام الرأي العام الفرنسي و العالمي وتعاون مع الجالية الجزائرية في فرنسا ومع العديد من المنفيين بباريس للضغط على حكومة فرنسا و برلمانها ،كما ساهم في اللجنة الإفريقية من أجل توضيح القضية الجزائرية ، و أرسل مذكرة لحكومة فرنسا عن حالة الجزائر المزرية ، و أبلغها إلى المارشال سولت وزير الحربية ، ومن جملة مطالبه تكوين لجنة للتحقيق فيما آلت إليه الجزائر ، وكانت مطالب خوجة واضحة تصب في ضرورة تمتع الجزائريين بكل حقوقهم ، بل لجأ أيضا إلى الإسهام في الكتابة لتنوير الرأي العام ودون المرآة التي تعد بالفعل مصدرا ثريا عن حالة الجزائر وقتئذ . لكن آمال خوجة لم تتحقق ففي 26 سبتمبر كان مصيره مصير زملائه و طرده كلوزيل من الجزائر بعد أن اتهمه بالتآمر ضد مصلحة فرنسا ونفي إلى فرنسا ثم عاش في إسطمبول التي وجد بها راحة البال و الضمير، و بنفي خوجة انتهت حركة لجنة المغاربة التي كانت تضم العناصر المثقفة و رجال المال و التجارة ، لكن رومانتيقية خوجة و اعتدال بوضربة وعدم وجود قاعدة شعبية قد ساهم كل ذلك في إجهاض ردود الفعل الجزائرية من الوجهة السياسية ، و التف الجميع حول ضرورة العمل بالمقاومة المسلحة التي تركت بصماتها هي الأخرى على صفحات تاريخ الشعب الجزائري خلال القرن التاسع عشر ، و كانت بحق مرحلة مضيئة من بسالة و استماتة الجزائريين ضد الغزاة الفرنسيين الذين تنكروا للعرف الدولية و احتلوا الجزائر عنوة و خرجوا منها عنوة .
المصادر و المراجع المعتمدة في المحاضرة :
1/ أبو القاسم سعد الله ، محاضرات في تاريخ الجزائر بداية الاحتلال.
2/ نفسه ،شيخ الإسلام المفتي بن العنابي
3/ نفسه ، الحركة الوطنية، القسم الأول
4/ عميراوي حميدة ، دور حمدان خوجة في تطور القضية الجزائرية .
5أرجمند كوران ، السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر .
6/ محمد بن العنابي ، السعي المحمود في نظام الجنود
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

21/07/10, 11:23 pm
المحاضرة الخامسة :

نماذج من المقاومة الشعبية المنظمة
وانعكاسها على القضية الوطنية .
تمهيد /
هناك العديد من الأسئلة التي لا تزال تطرح من حين لآخر للتشكيك في مدى صدق المقاومة الشعبية ، وهل هناك بالفعل ردود أفعال جزائرية قاومت الاحتلال ؟ أم أن ردود الفعل اقتصرت على دار السلطان و بعض القبائل المجاورة للعاصمة .؟وماهي الأسباب التي جعلت بعض زعماء المقاومة يعملون بمفردهم وعدم التنسيق مع باقي المقاومات التي ظهرت من حين لآخر في ربوع عديدة من الوطن بما فيها أقاليم الصحراء .؟وهل مقاومة الأمير عبد القادر كانت رافضة لمقاومة أحمد باي في بايلك الشرق ؟ وهل الاختلاف في وجهات النظر بين الزعيمين كانت سلبا على المقاومة الوطنية ، و هناك المزيد من هذه الأسئلة التي لا تزال تبحث عن الإجابة المقنعة التاريخية و الموضوعية .
1/نماذج من المقاومة :مقاومة الأمير في الغرب و أحمد باي في الشرق:
لعل الدارس لمرحلة المقاومة الشعبية في الجزائر خلال القرن التاسع عشر يجدها متنوعة جغرافيا و حدثيا و نتيجة ، و لا يمنكن الإلمام بها في مداخلة ، بل تحتاج إلى العديد من المحاضرات حتى تتم معالجة الإشكالية بكل وضوح ، و تذكر العديد من الدراسات التاريخية أن ردود الفعل الشعبية كانت صادقة مع نفسها ضد الاحتلال الفرنسي و أ، فترة 1830إلى 1871ميزتها الانتفاضات المتكررة التي أجمعت كلها على رفض الوجود الفرنسي فوق تراب الجزائر ، و إن اختلفت في خصائصها و ووسائل عملها بحكم قوة و ضعف كل انتفاضة.
ونحن هنا لايمكن أن ندرس جل الانتفاضات بقدر ما نحاول التركيز على نموذجين هامين من هذه المقاومة لمكانتهما في التاريخ العسكري الجزائري الحديث وهما مقاومة الأمير عبد القادر في الغرب و الحاج أحمد باي في الشرق ومدى تأثير ذلك على العلاقة الفرنسية الجزائرية من جهة ومع الباب العالي من جهة أخرى ، فالمقاومة التي أعلنا الأمير كانت تنتسب إلى طريقة دينية رفعت لواء الجهاد في سبيل الله وطرد الكفار و الحفاظ على الدولة الإسلامية و تثمين مقوماتها التي ظل بعضها غائبا في أواخر العهد العثماني،و من ثم سعى الأمير إلى وضع أسس الدولة الجزائرية الحديثة ، هذا في حين كانت مقاومة أحمد باي تحلم ببقاء الحكم العثماني في الجزائر ،و نود هنا أن نلقي ولو نظرة موجزة عن طبيعة العلاقة بين جهاد الأمير المفعم بالحركية الدينية و المنتسب لفكر الجزأرة و مقاومة الحاج المرتبطة أساسا بالباب العالي و نفر من الكراغلة وبعض من فئة الحضر.مع الإشارة إلى جملة من الانعكاسات التي ترتبت على ذلك من دون التركيز على تفاصيل وحيثيات المقاومة .
2/أسباب التوتر في العلاقة بين الأمير و أحمد باي :
لعل الدارس لهذه العلاقة بين العائدين يجدها في الكثير من الأحيان تكاد تكون طبيعة لعوامل عدة سوف نعالجها في النقاط التالية :
أولا : العامل البسيكولوجي :
هناك اختلاف كبير في المكونات الشخصية لكلا الشخصين بحكم طبيعة الموقع الاجتماعي و الجغرافي لكل واحد منهما ، فالأمير كان لا يميل إلى العنصر التركي و لا يطمئن إلى جماعة الكراغلة و لا يثق في موظفي البايلك ، وذلك بسبب انتمائه للطريقة القادرية التي ورثها عن والده و هو ابن زاوية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى انتسابه لقبيلة هاشم العربية القحة الأصل ، وكل ذلك مكنه من الإلمام بالثقافة العربية و المقومات الدينية الإسلامية وتربى على الرجولة التي ظلت في وجه الظلم ضد السلوكيات المشينة التي سلكها حكام البايلك و أعوانه من القياد و الأعيان و الانتهازيين و أصحاب الامتيازات على حساب مستقبل الوطن .
ومن تم اعتبر الأمير فشل الداي في التصدي لاحتلال الجزائر بمثابة نكسة وهي بداية نهاية ارتباطا الجزائر بالباب العالي ، ومن تم أبطل الأمير في دولته الناشئة جميع الامتيازات التي كانت للأتراك و حتى الكراغلة لأن ذلك في نظره يعد من عوامل فساد المجتمع الجزائري ووجود ثغرة للاحتلال ، ولعل ما نلمس ذلك من خلال مراسلة الأمير التي وجهها إلى السلطان العثماني عبد المجيد جاء في مضمونها أن توسع فرنسا في البلاد الجزائرية كان مرده للتعاون الواضح الذي أبداه الكراغلة و الحضر مع الإدارة الاستعمارية للحفاظ على تواجدهم في هرم الدولة المستعمرة بغية حفاظهم على مصالحهم الضيقة وذلك كان على حساب المصلحة الجزائرية.
أما الحاج أحمد باي فقد كان يرى ضرورة الحفاظ على بايلك الشرق و ربط الجزائر دوما بالدولة العثمانية بسبب كونه كرغليا وتوليه بايا على إقليم قسنطينة منذ 1826 ، وطموحه الدائم للقب الباشا جعله يتمسك بكل ذلك حتى بعد هزيمته أمام فرنسا سنة 1837 بعد فك الحصار على قسنطينة و سقوط أسوارها .كما كانت خطة أحمد باي واضحة في تعاونه مع جماعة الحضر و بعض من أعيان قسنطينة منهم عائلة الشيخ الفقون ذات الشهرة الواسعة ،لذلك لا غرابة أن نجد مواقف الرجل حازمة و لا تعرف التردد وكان لا يثق في أقرب المقربين إليه للحفاظ على زعامته ، إذ قتل رسول باي التيطري الذي جاء يطلب من منه دفع الضريبة لباي التيطري بومزراق ، هذا الأخير الذي اعتبر نفسه دايا على الجزائر بعد تسليم دار السلطان ونهاية حكم الداي حسين ، و كانت صراحة أحمد باي قد كسبت له الكثير من الأعداء أكثر ما كسبت له الأصدقاء فقد عبر في الكثير من المرات عن رفضه لزعامة الأمير ، بل ألصقها تهما منها قوله : إن هناك منافق يعرف بعبد القادر بن محي الدين و يدعي الشرف ظهر في الغرب .وبنفس النظرة تقريبا عبر حمدان خوجة المتعاطف مع الحاج أحمد باي وكتب حول الأمير يقول : و من جملة ما فعل هذا المرتد أنه تحيل على أن يظهر واحدا من العرب بحبه للفرنسيين لعل أن يسلموا له البلاد ..
ثانيا :المكانة الاجتماعية :
لا يمكن إهمال الجانب الاجتماعي من الدراسات التاريخية ، إذ يعد من بين العوامل الفاعلة في الحد ث و مدى قوة أو فشل نجاحه ، وهذا يظهر جليا في طبيعة الاختلاف الذي ميز حركة المقاومة التي خاضها كل من الأمير و أحمد باي لاختلافهما الاجتماعي ، فبرغم مكانة الكراغلة و الأتراك و حتى اليهود في القيمة الاقتصادية و أحيانا في المكانة الثقافية إلا أن نشاط هذه الجماعة اقتصر على المدينة أكثر من انتشاره في الريف الذي كان يشغل قرابة 95 % من مجموع سكان الجزائر ، ومن تم كانت مقاومة أحمد باي قد تركزت في المدينة مثل قسنطينة و عنابة عكس مقاومة الأمير التي ربطت بين الريف و المدينة و اتصفت بالطابع الشعبي و التعبئة الواسعة حتى استمر عمرها 17 سنة كاملة ، وهناك خاصية أخرى ميزتها مقاومة الأمير و هي الدفاع عن الأرض و الملكية و هما عنصران أساسيان في ديمومة المقاومة وهذه الصفة ضعيفة جدا في المدينة
ونجد هذه الخاصية في المراحل الأولى للمقاومة لذلك برغم احتلال القائد الفرنسي كلوز يل لمنطقة معسكر في ديسمبر 1835، و تلمسان في شتاء 1836 ، فإن مقاومة الأمير ظلت متواجدة لارتباطها بعامل الريف و القرى المجاورة ، و هذا ما ميزته أيضا مقاومة أحمد باي في لإقليم الزيبان بعد سقوط مدينة قسنطينة سنة 1837 ، باعتبار أن الكثير من القبائل احتضنت مقاومة الجنوب .
كما أن أحمد باي لم يول في منهجه الإستراجي العسكري بالبعد الديني و تعزيز العلاقة الدينية و الروحية مع شيوخ الطرق الصوفية ، وهذا عكس الأمير الذي أسس مقاومته على البعد الروحي الجهادي ، وقد كشف أحمد باي عن مدى تخوفه من البادية في مراسلة له لحاكم طرابلس يقول فيها : إننا إن مكثنا بالبادية و طال عنا الأمر يحصل لهم الملل و الوطن دخلته رائحة الكفر و أهل البوادي ضعفاء القلوب لا سيما و ابن محي الدين هو الآن في إعانة العدو .لكن الإدارة الاستعمارية تفطنت للدور الذي يقدمه الريف في دعم المقاومة منذ الوهلة الأولى لتواجدها في الجزائر ، و اتضح ذلك في مخططاتها التدميرية لإبعاد الريف عن المدينة ، و انتهاج سياسة الأرض المحروقة التي باشرها القائد العسكري بيجو بعد توليه الحكم، و استطاع بذلك إجهاض مقاومة الأمير بل إنهائها و القضاء عليها سنة .1848 .
3/ الظروف السياسية :
هناك العديد من الظروف السياسية التي تحكمت في نوعية العلاقة بين الأمير و أحمد باي ، و قد تخوف كل طرف من الآخر بما كان يطمح إليه كليهما، فأحمد باي كان في اعتقاده أنه بإمكانه إنقاذ الإقليم الشرقي من الجزائر و حصر الخطر الفرنسي على السواحل ، في حين ظلت المناورة الفرنسية البسيكولوجية سارية على أن فرنسا جاءت لتأديب الداي حسين على فعلته مع دوفال ، حتى يوهمون الباي بذلك علما و أنهم قد اتصلوا به أثناء الاستعداد للحملة كي يبقوه حياديا هذا من جهة ، و من جهة أخرى أن الإدارة الفرنسية أجرت معه بعد الاحتلال مفاوضات تساوميه عن طريق قنصلها العام بتونس دي لسيبس، و قاضي عنابة السابق المدعو خليل و المقيم ببنزت ولو أن هذا الأخير عرف اللعبة الفرنسية و لم ينجر لذلك ورفض الدخول في اللعبة القدرة .
كما أن أحمد باي لم يمركز جهوده مع بقايا الكراغلة و الأتراك و حتى المعجبين بهم في باقي البيالك الأخرى و خصوصا في بايلك التيطري الذي كان يحوى العديد من الكراغلة ، كما كانت علاقته ضعيفة إلى حد ما مع طرابلس و حتى تونس القريبة منه جغرافيا ، واعتمد على جهوده في المقاومة ، و التي لم تكن كافية ، مع العلم أن بايات تونس قد تحالفوا في العديد من المرات مع فرنسا ضد المقاومة الشعبية في الجزائر ، و إبرام فرنسا للعديد من المعاهدات معهم ضد الجزائر منذ ديسمبر 1830 .و أما الأمير فقد كانت مساعيه أكثر دبلوماسية فقد حاول ربط علاقاته مع تونس و أرسل لها هدايا عن طريق ممثله الحسين بن عزوز و أحمد بن سالم و مساعي مصطفى بن التومي للحد من توسع فرنسا في الإقليم .
4/ موقف أحمد باي من معاهدتي دي ميشال والتافنة:
مما لا شك فيه أن الأمير كان يهدف من وراء إبرامه لمعاهدتي دي ميشال في 26فيفري 1834 و تافنة في 30 ماي 1837 مع الإدارة الفرنسية هو كسب رهان الوقت ،و ربط العلاقات الخارجية ، و بالتالي تحديث الجيش و بناء أسس الدولة الجزائرية الحديثة ، و يعد ذلك اعترافا رسميا للأمير بالسيادة الجزائرية . لكن قراءة أحمد باي للظرف كانت عكس رؤية الأمير ، و اعتبر الهدنة عدائية ضده وهي تفرغ الإدارة الفرنسي لتولي شؤونه و القضاء على مقاومته ، واتضح ذلك في رسالة وجهها لأحمد باي لأحد أعيان الدولة العثمانية يقول فيها : إن العدو أبرم السلام مع عبد القادر ، و أحد شروط هذا السلام أن عبد القادر متفق تماما مع العدو على القضاء على كل أثر بالبايلك ، و كان الباي دائما يسوء الظن في الأمير و يتصوره بالمتحالف مع فرنسا ضده و نلمس ذلك من خلال مراسلة هذا الأخير للباب العالي سنة 1838 و هو في إقليم الأوراس ، ومما تضمنته رسالته قوله : عبد القادر انظم للفرنسيين قائلا لهم إذا منحتموني قسنطينة و مقاطعتها فإنني آتي لكم بالحاج أحمد باي حيا ، و قد أجابه الفرنسيون عندما تسلم لنا الحاج أحمد باي فسوف نعطي لك قسنطينة و مقاطعتها ..
5/ موقف الأمير عبد القادر من سقوط قسنطينة :
برغم المقاومة المستميتة التي عرف بها جيش الباي في الشرق ، إلا أن الاختلاف في العدة و العدد بينه و بين الفر نسيين جعل الهزيمة تكاد تكون منطقية خصوصا عندما نقيم عمرها و محدودية الوسائل التي أتيحت لها، وكذا الظروف المحيطة بها ، وكان لحصار قسنطينة في فبراير 1836 و سقوطها في أكتوبر1837أثرهما في تدني معنويات الباي ، هذا في الوقت الذي كان يرى فيه الأمير حسب دراسة هنري تشرشل أن حصارو سقوط قسنطينة كان لصالحه، و أن انهزام الباي وسع آفاق توسع الأمير باتجاه الشرق .
كما أن انهزام فرنسا أمام ضربات الباي في أسوار قسنطينة في خريف 1836 مكن الأمير من فرض بعض شروطه و كذا إبرامه لمعاهدة تافنة ، ومن تم استغل الأمير لإخماد ثورة بايلك الشرق ، كما أن ضعف الأمير تجلى في موقفه المحايد من سقوط قسنطينة و بروز فرنسا كقوة جديدة و تراجع الأمير إلى الأراضي المغربية ،و استعماله لحرب العصابات سنة 1846 ، لكن تخاذل السلطان المغربي وتعاونه مع الإدارة الفرنسية جعل الأمير يضطر للخروج من التراب المغربي ، خصوصا بعد خروج بعض القبائل عن صفه، و كذا محاصرة فرنسا للبقية الباقية من جيشه و أتباعه كل ذلك دفعه للاستسلام للفرنسيين في ديسمبر 1848 بغرض الحفاظ على ما تبقى من الجزائريين .
6/ علاقة أحمد باي و الأمير بالباب العالي :
لقد ظل الحاج أحمد باي من المخلصين للباب العالي، وتمت بينه و بين السلاطين العثمانيين الكثير من المراسلات يطلب فيها الدعم المادي و المعنوي ، و كانت مراسلات الداي تحتوي بين طياتها في العديد من المرات صورة الأمير المعادي للعثمانيين ، بل و المتواطئ مع فرنسا ضد الدولة العثمانية ، و قد حملت إحدى مراسلات الباي : أن الأمير عبد القادر الذي يدعي الشرف اتفق مع الفرنسيين و حاول إقناعهم و إقناع الجزائريين بأنه سوف يظم قسنطينة لأملاكه، و يقضي على بقايا الأتراك في هذه الناحية .
و برغم ذلك فإن الباب العالي لم يقدم لأحمد باي المساعدة الكافية ، باستثناء التأييد المعنوي له بعد انسحابه من قسنطينة من خلال الإيعازات لباي تونس ليقدم لأحمد باي ما يراه ممكنا ، وقد استطاع أحمد باي أن يؤنب الباب العالي و سلكها الدبلوماسي ضد الأمير ، و يتضح ذلك في نشاط السفير العثماني بباريس الذي أبلغ وزير خارجية فرنسا: الكونت مولي بأن عقد معاهدة مع شيخ العرب مثل عبد القادر يعد عملا منافيا لعظمة فرنسا .
أما عبد القادر فلم يقطع الصلة مع الباب العالي ، و كان دوما يراسل حكامه ، حسب ما ذكره حمدان خوجة على رسائل الأمير بقوله : فاعتمدنا إشارتك بهذا لرأي الرشيد ، استعطفنا سيدنا السلطان عبد المجيد ، و عرضنا على حضرته العليا حالنا و عرفنا أفعالنا و أقوالنا لعله ينظر إلينا بعين الرحمة و الإشفاق .. كما برر الأمير دوافع عقد الهدنة مع فرنسا للباب العالي بقوله : لم أكن متفقا مع الفرنسيين ، و لم يقع ذلك البتة وحسب مبادئ الإسلام يسمح باستعمال الحيلة و المهادنة مع العدو ، وهذا ما قمت به تجاه الفرنسيين ..
و الخلاصة فإن فشل المقاومة الشعبية للزعيمين الوطنيين عبد القادر و الحاج أحمد يعود مرده بالدرجة الأولى إلى أسلوب المقاومة ،و ليس إلى طبيعة الصراع بين القائدين ، فلو تمكن الأمير من توحيد شطري المقاومة و كسب صف الباي لتغير سير التاريخ الجزائري وقتئذ ، لكن الزعيمين خسرا المعارك و لم يخسرا الحرب التي ظلت معلما من معالم جهد الجزائريين خلال القرن 19 ضد سياسة الاستيطان الفرنسي ، و إذا كان أحمد باي يهدف من مقاومته تمثيل الماضي و الحفاظ على أوضاع الجزائر كما كانت قبيل الاحتلال الفرنسي ، والانتساب للإرث العثماني ،فإن الأمير عبد القادر كانت مقاومته تهدف لتأسيس الدولة الجزائرية الحديثة المستقلة التي تعتمد في أسسها على المرجعية الإسلامية و البنية الوطنية ، المعتمدة على كاهل الجزائريين بجيش عصري ،لأن مقاومته اصطبغت بطابع الثورية لتوحيد الجزائر المبنية على العصبية الدينية ، و لذلك أعتبر الأمير رمز الوطنية الجزائرية .

المصادر و المراجع المعتمدة :
1/ سعد الله ، الحركة الوطنية ، ج1 .
2/ ناصر الدين سعيدوني ، دراسات في تاريخ الجزائر .
3/ عبد الرحمان الجيلالي ، تاريخ الجزائر العام ، ج4 .




إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

21/07/10, 11:26 pm

المحاضرة السادسة :

نماذج من سياسة الإستدمار الفرنسي في الجزائر
بعد الاحتلال
تمهيد/
لقد بشر الفرنسيون قبل دخولهم إلى الجزائر أنهم يدخلون الحضارة لهذا البلد الذي كان تحت وطأة الأتراك لقرون عديدة من الظلم و الغطرسة ، و أنهم بإمكانهم يخرجوه من تلك الظروف المزرية ، وروجوا أكاذيب عدة لكسب الرأي العام الفرنسي و العالمي، بل قالوا أن اهتمامهم بالقضية الجزائرية مرده لإهانة القنصل الفرنسي دوفال ، وطرد الأتراك الدخلاء على الجزائر و تحريرها منهم ، ترى هل وفت فرنسا بذلك ؟ و هل طبقت ما جاء في المنشور الذي وزعته على الجزائر عشية الحملة ؟ و هل أوصلت فرنسا الحضارة و الرقي و الإخاء و المساواة للجزائريين بعد أن إستقرأمرها في أرجاء الوطن ؟ أسئلة كثيرة سوف نقف عندها من خلال هذه المداخلة التي توضح نماذج من سياسة القهر و الغطرسة و التهور والنهب و الإقصاء و المتابعة و النفي و الاستنزاف، وكلها صفات ميزت الاستعمار الفرنسي في الجزائر .
1/ طرد الأتراك:
لعل الشيء الذي بكرت به الإدارة الفرنسية في التنفيذ بعد سقوط الجزائر العاصمة و استلام مفاتيح القصبة هو التكفل بقضية العنصر التركي حتى توهم الجميع أنها وفية لما وعدت به ، و بعد المفاوضات التي دارت بين الإدارة الفرنسية و ممثلين عن الداي أفضت إلى اختيار الداي حسين للمنفى بنابولي ، بعد أن تبادل الزيارة مع قائد الحملة الفرنسية دوبورمون في 7 جويلية ومعه قرابة 50 شخصا من الترك و العرب ، و طلب باسترجاع حوائجه المسلوبة و التي من بينها كيسا يحتوي على 30 ألف قطعة ذهبية ،أما زيارة القائد الفرنسي للداي فكانت في اليوم الموالي وهي تندرج في سياق ترتيب نقل الداي إلى خارج الوطن .
و في 31 جويلية وصل موكب الداي نابولي على متن السفينة الفرنسية جان دارك وكان برفقته 110 ممن فضلوا النفي معه من بينهم الآغا إبراهيم قائد الجيش المهزوم و الخز ناجي بصفته وزيرا للمالية و 57 امرأة من خدام الداي و جواريه. وهكذا تخلصت فرنسا من المسؤول الأول في الجزائر لتتولى أمر ترحيل الأتراك الذين جاء دورهم بعد ترحيل الداي، وتذكر الكثير من الدراسات أن عدد الإنكشارية بلغ عشية الاحتلال زهاء 5000 منهم 891 مدفعيا نقلوا بواسطة السفن الفرنسية إلى بلاد الأناضول بعد تجريدهم من الأسلحة ، و بعد أن خصص لهم القائد الفرنسي أجرة شهرين ، وهذا في الظاهر تكرما من الإدارة الفرنسية لهذه الشريحة المقاتلة ولو أنه في الواقع ليس ذلك، ويعد تخلصا من هذا الجيش الذي كثيرا ما أقلق الدول الأوروبية، ومنها فرنسا ، كما أن الأموال التي خصصا دوبورمون ليست فرنسية وهي أموال جزائرية .
2/ نهب الخزينة :
يذكر العديد من المعاصرين للحملة الفرنسية على الجزائر منهم حمدان خوجة و إسماعيل أو ربان أن معظم الجيش الفرنسي كان جاهلا وأن معظمه يتكون من الفلاحين و العامة، ومع ذلك كان أكثر تحمسا للغزو و الاحتلال و التوسع و الهيمنة و ركوب البحر للتخلص من البحرية الجزائرية ، و إبعاد الخطر المخيف الذي أقلق الدول الأوروبية قرونا عديدة و من تم محاربة الأتراك وشعوب الشمال الإفريقي و تخليص المسيحية من هذه الشعوب ، ومن دون شك أن هذا التكوين الحسي الوطني لدى المقاتلين الفرنسيين لم يكن صدفة بل هو نتاج مرحلة هامة من الترويض و الدراسة و التمكين بغرض إنجاح الحملة و خدمة سمعة فرنسا .
و كان إلى جانب الجنود النظاميين يوجد صنف آخر من المغامرين الشباب ، هذا ناهيك عن فئة المثقفين و رجال الأدب و التراجمة و الصحافيين و الرسامين و المحامين و غيرهم ممن هبوا لنصرة فرنسا و إرضاء المسيحية جمعاء .
وبعد وصول الجيش الفرنسي إلى دار السلطان أخذ مباشرة في نهب خزينة الدولة الجزائرية التي كان بها ما لا يقل عن 50 مليون دولار ، ولعل ما يفسر ذلك أن الداي حسين عندما نقل مقره من قصر الجنينة إلى أعالي القصبة استغرق ما يقارب عن نصف الشهر ، وجهز لنقا محفوظات الخزينة 50 بغلا لكل ليلة . لذلك كانا فرنسا اعتبرت نفسها أنها نجحت في الحملة من دون تكلفة مالية مقارنة بما وجدوه في خزينة الداي ، بعد أن سلم الخز ناجي مفاتيح الخزينة لدوبورمون ، وقدر الفرنسيون رسميا قيمة ما وجدوه في الخزينة ب 55.684.527 ف موزعة بين الذهب و الفضة و الجواهر ونقود و نحوها .
و إذا كان دوبورمون قد اهتم ببيت مال الداي، فإن جنوده قد نهبوا القصبة وما احتوته من كنوز ثمينة وخلعت أبواب المحلات و المنازل ونهت الأموال و الأثاث و الحلي و كثر الاعتداء على الأشخاص و انتشرت الفوضى و اللصوصية ، ومن تم انتهكت حرمة الأملاك سواء التابعة للدولة أو أملاك الخواص ، وقدرت أملاك البايلك ب5000 ملكية ، بالإضافة إلى عقارات الخواص ، وأملاك الوقف التي كانت مصنفة إلى سبعة أنواع هي : أوقاف مكة و المدينة وهي كثيرة و غنية ، وأوقاف المساجد و أهمها الجامع الكبير و أوقاف الزوايا و أوقاف الأندلس و أوقاف الأشراف ، و أوقاف الإنكشارية ، و أوقاف الطرق العامة و أوقاف عيون الماء ، وقد استحوذت فرنسا على جميعها وو وصف أحد المؤرخين الفرنسيين : بول آزان تلك الحالة المأساوية التي كانت عليها العاصمة بأنه ليست هناك مدينة في العالم قد شهدت عند احتلالها ما شهدته مدينة الجزائر بقوله : إن الجنود ارتكبوا أعمالا وحشية فخربواالفلات وقطعوا أشجار الحدائق وخلعوا أعمدة المنازل لإيقاد النار و أتلفوا أنابيب المياه وهدموا السواقي كي تشرب حيواناتهم ، وتسببوا في تفجير مخزن للبارود ، ولم يحافظوا على صحتهم و كثر المرض فيهم حتى أعلن المتصرف : دينييه يوم 24 جويلية أن المستشفيات دخل بها 2500 مريض .
3/ تنظيمات الاستيطان :
إن أول ما قام به قائد الحملة الفرنسية و تحرير المسجونين الفرنسيين في الجزائر الذي قدر عددهم وقتئذ ب 122 سجين مع العلم أنهم لم يطلقوا المساجين المكبلين في السفن الفرنسية ، كما وضع دوبورمون نواة أولى للإدارة الفرنسية في الجزائر ، وكلف لها لجنة مالية حكومية برئاسة دينييه و جعل أعضائها من الفرنسيين و العرب و اليهود و أبعدوا منها العناصر التركية، ومن مهام اللجنة تسيير المدينة و توفير حاجيات الجيش و السكان ، و إيجاد الأمن ، وتعد هده اللجنة بمثابة نواة الحكومة الفرنسية العامة التي ستلد بعد توصايت اللجنة الإفريقية سنة 1834 .
أما اللجنة الثانية التي برزت في عهد دوبورمون فهي لجنة البلدية المشكلة من أعيان الحضر و كبار اليهود الذين وجدوا الفرصة سانحة للانتقام من الجزائريين ، و كانت اللجنة برئاسة الفرنسيين ، ومن بين الجزائريين الذين كانوا ضمن اللجنة أحمد بوضربة و حمدان خوجة و إبراهيم بن مصطفى .
أما اللجنة الثالثة فهي دينية مالية تشرف على الأوقاف و مواردها ، وقد سموها اللجنة الخيرية للغوث ، وهي مؤلفة من 9 أشخاص هم: 5 جزائريين وقد عمل بها حمدان بن عثمان خوجة .
وخلال السنوات الأولى للاحتلال لم يكن هناك نموذج إداري اتبعه الفرنسيون ، وقد دام الحال كذلك ‘إلى مجيء اللجنة الإفريقية و صدور قرار جويلية 1834 الذي ألحق الجزائر بفرنسا ونظم إدارتها على نحو شبيه بما كان يجرى في فرنسا ، ومن الذين تولوا خلال السنوات الأربعة الأولى بعد دوبورمون الجنرال كلوز يل وبر تزين و الدوق دي رو فيقو وفوار ول ، وكلهم كانوا مهتمين بمشاريع الاستعمار ، ومحاربة الثوار أكثر ما كانوا مهتمين بالتنظيم الإداري ، ومنذ 1834 أعطت الحكومة الفرنسية الموافقة على إلحاق الجزائر بفرنسا و إعطائها إدارة خاصة في منصب الحاكم العام الذي كان مسؤولا أمام الحكومة الفرنسية عن الأمور المدنية و العسكرية في الجزائر .وهكذا ظلت الجزائر تحت الحكم العسكري إلى عهد الجمهورية الرابعة وإلغاء الإدارة العسكرية في الشمال و إبقاء الجنوب تحت النظام العسكري حتى استقلال الجزائر.
4/ طمس المعالم الجزائرية و إبطال القيم الوطنية :
منذ أن وطأت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر وهم يحاربون المعالم العربية الإسلامية و طمسها وتحويلها إلى المعالم الفرنسية ، وقد شمل ذلك المدن التي احتلوها و تجسد ذلك في تغيير أسماء الشوارع و تهديم المنازل و الأسواق ، مع إحداث الساحات بذلها بأسماء قادة الحملة الفرنسية وبعض زعماء فرنسا ، كما حولت العديد من القصور إلى مؤسسات عسكرية و مستشفيات ونحوها .كما حولت المساجد إلى كنائس وأغلقت المدارس و الزوايا ودور القرآن و التعليم .
ومن أهم المدن التي تعرضت في العشرية الأولى للاحتلال للطمس و التهديم ، مدينة الجزائر باعتبارها دار السلطان ورمز القوة البحرية، ومن أمثلة ذلك نقل بعض المدافع الجزائرية إلى فرنسا مثل مدفع بابا مرزوق الذي تعود صناعته ‘إلى القرن 16 وهو يمثل رمز قوة البحرية الجزائرية وخلال وقت قصير جدا هدم الفرنسيون مئات المنازل في الجزائر لإقامة ساحة عمومية تسمى حاليا ساحة الشهداء ، وكانت طريقة البناء تؤدي إلى سقوط العديد من المباني لارتباطها ببعضها البعض ، كما أطلقت أسماء رومانية و أروبية و حتى تاريخية على العديد من الأزقة مثل شارع يوبا و شارل الخامس وشارع كليبر وغيرت اسم باب المرسى بباب فرنسا ، كما أدخلت تعديل على اللباس مثل القبعة ونزع اللحاف وكذلك بناء المخامر ومقرات الموسيقى و المراقص و الكحول و المشروبات وغيرها من أماكن المجون و اللهو .و التي من خلالها غرس الثقافة الجديدة الأوروبية في الجيل الجزائري الجديد ، وهي متناقضة كل التناقض مع ما كان لدى الجزائريين باعتبارهم متمسكين بالتقاليد و العرف و الديانة الإسلامية .


5/ الاستهتار بالمؤسسات الدينية و نشر المسيحية :
في يوم الأحد الموالي لدخول الفرنسيين القصبة أي 11 جويلية أقاموا حفلا دينيا في حي القصبة حضره الجنرالات و ضباط الحملة بزعامة دوبورمون ، وكان الحفل استفزازيا للجزائريين ، وعبر عن نشوة الانتصار وغلبة فرنسا على الجزائر وقد حط ذلك من معنويات الجزائريين ورفع من ثقة الفرنسيين ، وقد عبر عن ذلك النصر الكبير أحد الفرنسيين بقوله : إن الاحتفال الضخم جرى في القصبة التي بناها أبناء محمد ص لمواجهة أبناء عيسى عليه السلام ، وقد رتلوا آيات الإنجيل بأصوات عالية أمام آيات القرآن التي أصبحت ميتة والتي كانت تغطي كل الجدران .
كما يذكر الفرنسي بوجولا أن الانتصار هو انتصار المسيحية وأن الفرنسيين علقوا الصليب على ثلاث مآذن في مدينة الجزائر و أن الذين ماتوا هم شهداء الحضارة و الوطن و المسيحية ، كما جعلوا من مسجد كتشاوة الذي بناه حسن باشا سنة 1794 كاتيدرالية ، وفي سنة 1838 أسسوا أسقفية الجزائر الناطقة باسم المسيحية في المستعمرة .
و إذا كانت مساجد الجزائر حسب إحصائية أحد الرحالة الهولنديين خلال القرن 17 هي 700 مسجدا ، فإن عددها تقلص سنة 1830 إلى 176 ، وفي سنة 1899 لم يبق سوى 5 مساجد على مستوى الجزائر العاصمة وهي: الجامع الكبير، و الجامع الجديد، و جامع سيدي رمضان، وجامع سفير وجامع عيسى باشا.
كما هدمت الكثير من المساجد منذ بداية الاحتلال مثل مسجد السيدة الذي زركشة حسن باشا بالرخام المستورد من إيطاليا ، كما حولت العديد من المساجد على كنائس كجامع القصبة و جامع القائد وغيرهم ، ولذلك لا غرابة أن نجد الشاعر محمد بن الشاهد الذي عاصر الحملة الفرنسية و تولى الفتوى قبيل الاحتلال وقد حز في نفسه ذلك المشهد الرهيب و ما أصبح عليه الوضع في الجزائر و دون كل ذلك في قصيدة تاريخية هامة جاء في بعض ـبياتها قوله :
و نالوا من الأموال يسرا ميسرا * و فازوا بها و القلب يصلى على الجمر
أموت وما تدري البواكي بقصتي * وكيف يطيب العيش و الأنس في الكفر
وخلال منصف القرن التاسع عشر رصدت الإدارة الفرنسية إمكانات مادية ضخمة لانجاح سياسة التغريب و الإلحاق و الدمج ، و اتضح ذلك في مشروع الكاردينال لا فيجري الذي راهن على جعل الجزائر بوابة لتمسيح إفريقيا بوسائل عديدة منها التعليم و التطبيب و المعونات الخيرية و جمع الأطفال اليتامى واستغلال الأزمات التي ألمت بالجزائريين مثل المجاعة وغيرها ، وقد ركز لا فيجري في مشروعه على بلاد القبائل ، و أسس منظمة الآباء البيض التي قامت على عاتقها نشر المسيحية ،وأشار إلى ذلك بقوله : ليس الهدف من فتح المدارس في شمال إفريقيا هو نشر التعليم ، ولكن الهدف هو تبديل لغة بلغة و دين بدين وعادات بعادات ..

المصادر و المراجع :
1/ سعد ، الحركة الوطنية الجزائرية ، الجزء الأول .
2/حمدان خوجة ، المرآة .
3/ عبد الرحمان الجيلالي ، تاريخ الجزائر العام ، ج4 .
André Canac ; la justice musulmane 4/

















إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

21/07/10, 11:28 pm


المحاضرة السابعة :

نشأة الإدارة الفرنسية في الجزائر

إن أو ل ما قام به قائد الحملة الفرنسية الكونت ذي بورمون هو حل الجيش منظمة الجيش الانكشاري التي كان عدد أعضائها العزاب في مدينة الجزائر 3500 و المتزوجين حوالي الألف ، و أمر بترحيل الانكشاريين غير المتزوجين إلى آسيا الصغرى بعد تجريدهم من الأسلحة ودفع لهم بعض الرواتب .
أما الداي فقد اختار المنفى وصل إلى مدينة نابولي يوم 31 جويلية بعد أن كان قد غادر الجزائر يوم 10من نفس الشهر على ظهر السفينة الفرنسية "جان دارك" برفقة 110 أشخاص من بينهم الآغا إبراهيم قائد الجيش المنهزم ووزير المالية أو الخزناجي و 57 امرأة من الحريم و الجواري .
وفي اليوم التالي من توقيع اتفاق الاستسلام أنشأ د بورمون"لجنة الحكومة" بغرض التحكم أكثر في الوضع بعد انتشار الفوضى، و تتلخص مهام هذه اللجنة في النظر في الحاجيات التي يمكن توفرها ، ومعرفة إمكانيات البلاد و النظم التي يجب تعديلها أو إلغائها وكذا ضرورة الفائدة من استخدام أعيان جزائريين من مختلف الطبقات الأهلية لملأ الفراغ الذي تركته الإدارة العثمانية بعد هروب و ترحيل وتهجير الإطارات و الموظفين الذين مارسوا الوظائف و المسؤوليات خلال الفترة السابقة للاحتلال ،ومن تم ضمان السير الحسن لهذه الهيئة الجديدة . و يتضح من تركيب اللجنة التي كان يرأسها و كيل التموين أنها هيئة فرنسية تجهل الشؤون الأهلية و حاجات الجزائريين و كانت مهمتها تأسيس الإدارة الفرنسية في الجزائر على إنقاض الإدارة العثمانية و كان "للجنة الحكومية" هدفان أساسيان هما: -جمع المعلومات و التحري عن الإدارة العثمانية السابقة للاستفادة منها، و توفير السكن و الراحة و المستشفيات للجيش الفرنسي الذي كللت مهمته بالنجاح .
وأما بالنسبة للنقطة الأولى فإن اللجنة قد فشلت في تحقيق أي شيء لأن سجلات ووثائق الإدارة السابقة قد اختفت نتيجة للفوضى التي عمت البلاد عند احتلال المدينة وخصوصا القصبة التي تعرضت للنهب و التلف من طرف الآثمين ، أما المعلومات التي توصلت إليها حول المداخيل و الأملاك فقد كانت من أفواه الناس فقط وخصوصا الفئة التي كانت قريبة بعض الشيء من دار السلطان ولو أن هذه النقطة تبقى مثار بحث لأنه لا يعقل أن تكون الدولة وقتها لا تملك مراكز أرشيفية و نحوها لما عرفته من صيت وقوة وإبرام للكثير من المعاهدات مع دول العالم ، لكن فرنسا وقتها ادعت أنها لا تعرف الشيء الكثير عما وجدته في الجزائر العاصمة ولعل ذلك لإبعاد نظر الآخرين عن المستعمرة البكر التي كانت تزخر بما لا يوجد في بلاد أوروبا كلها ، خصوصا أنه ظهرت في السنين الأخيرة دراسات فرنسية مفصلة عن ما وجدته فرنسا من أموال و نحوها في القصبة بعد أن سلمت لها المفاتيح . أما بخصوص النقطة الثانية فإن اللجنة الحكومية أنشأت "هيئة مركزية" تظم ممثلين عن المنظمات السبع الهامة في المدينة، كان معظمهم من حضر مدينة الجزائر منهم : الحاج علي بن أمين السكة ، و ابن المرابط ، وإبراهيم بن المولى محمد ، ومحمد بن الحاج عمر ، وبعض اليهود منهم: بن بكري ، وكان رئيس الهيئة المركزية هو أحمد بوضربة الذي أظهر حماسا كبيرا للوجود الفرنسي في الجزائر على الأقل في أول الأمر وخاصة أن هذا الأخير كان متزوجا مع امرأة فرنسية، ويحسن اللغة الفرنسية وكانت له مصالح كثيرة و قرابة مع الفرنسيين قبيل الاحتلال ، و ولذلك كان من الذين فاوضوا بورمون على تسليم المدينة ليلة الخامس من جويلية، بالإضافة إلى ذلك فقد كان ضمن اللجنة فرنسي يدعى "بروغيير" الذي كان يمثل الملك الفرنسي شارل العاشر لذي الهيئة المذكورة.
هذا من جهة و من جهة أخرى فقد كانت الهيئة تظم أعضاء آخرين من الإدارة الجزائرية العثمانية كما كانت تظم مفتي الحنفية و المالكية و قاضي الحنفية و المالكية وبإيجاز فإن الهيئة كانت عبارة"عن مجلس بلدي" يلعب فيه بوضربة دور شيخ المدينة على عهد العثمانيين ، وكانت مهمة الهيئة المركزية أو المجلس البلدي تتمثل في العمل على إنشاء إدارة محلية و توفير الحاجات المستعجلة للجيش و معرفة إمكانيات و طاقات البلاد عامة ومدينة الجزائر خاصة ، وهي بمثابة همزة وصل بين الحكومة القديمة التركية و الجديدة الفرنسية ، و إذا كان هناك تداخل بين مهمة الهيئتين فإنهما يسيران نحو هدف واحد وهو خدمة السيد الجديد أي فرنسا ، و توفير الراحة للجيش ووضع إمكانيات البلاد بين يديه ،و لعل الفرنسيين قد لجئوا إلى خلق هذه الهيئة لترضية الجزائريين في أول الأمر و لاسيما الفئة التي تعاونت معهم و كانت تظن أن إنهاء الإدارة العثمانية يعني انتقال الحكم إليها و لكن السلطة الحقيقية فقد كانت في يد اللجنة الحكومية .
وقد حاولت لجنة الحكومة أن توفر الغذاء للمدينة فنظمت الجمارك و المكوس غير أن الموظفين الذين عهدت إليهم بذلك كانوا يجهلون مهمتهم لا لشيء سوى لأنهم كانوا بعيدين كل البعد عن عمق المجتمع وقتئذ ، فكانت النتيجة ارتفاعا فاحشا في الأسعار و استغلالا كبيرا للضعفاء حتى أصبحت المدينة تفتقر إلى المواد الأولية كالملح و الخبز والخضر و نحوهم من مواد الغذاء الضرورية .
وقد سعى الفرنسيون منذ الوهلة الأولى إلى تنظيم الأمن و تنصيب شرطة المدينة ووضعوها تحت شخص عرف بمغامراته البوليسية والجاسوسية وهو" دوبينيو" وكان يعمل تحت مسئوليته مفتش للشرطة ومحافظون وفرقة عربية من 20 شخصا ممن تثق فيهم ، ولكن السلطة الفرنسية استبدلت الشرطة العربية بالشرطة الفرنسية بدعوى أن الجزائريين لم يحترموا عمل الشرطة العربية ، و بذلك الإجراء قد جعلوا السكان يحترمون الوضع الجديد عن طريق العصا كما يدّعي الفرنسيون .
و قد أظهرت الطائفة اليهودية في الجزائر ميلا واضحا إلى الفرنسيين كما أظهر لهم هؤلاء بدورهم عطفا أوضحا ، و أصبحوا عندهم من دوي الحضوة و الجاه ، ومنذ اليوم التالي للاحتلال عينت السلطات الفرنسية اليهودي سرور رئيسا للمترجمين غير الفرنسيين ، وقد أصبح بن بكري صاحب امتيازات كبيرة هو وطائفته حتى أن الجيش الفرنسي كان لا يفعل شيئا إلا باستشارته، و هذا الحيف هو الذي جعل حضر المدينة يتوجسون من الفرنسيين بعد أن رحبوا بهم،خاصة و أن بكري كان يطمح إلى أن يكون رئيس الطائفة اليهودية في العهد الفرنسي ، كما كان زمن الإدارة العثمانية .ولذلك لا غرابة أن نجده اتصل أيضا بمحافظي الشرطة و طلب منهم تسيلم كل القضايا الخاصة باليهود إليه، و قد فعل ذلك دون علم الهيئة المركزية "المجس البلدي" ورئيس الشرطة .
و يعزي الفرنسيون سخط الجزائريين عليهم إلى تأثير اليهود الذي أصبح واضحا بعد الاحتلال ،و لكن هذا أمر مبالغ فيه إلى حد كبير لأن ثروة الجزائريين على الفرنسيين كانت ترجع أساسا إلى مبدأ الاحتلال و اغتصاب الأرض و الإستلاء علي الأملاك و هتك الحرمات ، ولم يكن النفوذ اليهودي سوى نتيجة من النتائج الكثيرة التي تترتب على هذا الاحتلال . و خلال السنوات الأولى للاحتلال لم يكن هناك نموذج إداري اتبعه الفرنسيون و قد دام الحال كذلك إلى مجيء اللجنة الإفريقية إلى الجزائر و ترحالها في مناطق مختلفة من الوطن و صدورها لقرار جويلية 1834 الذي ألحق الجزائر بفرنسا الأم و نظم إدارتها على نحو شبيه بما كان يجري في فرنسا ، من بين القادة الذين تولوا الحكم خلال السنوات الأربع من بداية الاحتلال بعد د بورمون و كلوزيل و برتزين و الدوق دي روفيجو و فوار ول كلهم كانوا مهتمين بمشاريع الاستعمار و محاربة الثوار و المجاهدين أكثر مما كانوا مهتمين بالنظام الإداري وتنظيم المستعمرة ، وبالإضافة إلى ذلك فإن الحكومة الفرنسية نفسها كانت إلى سنة 1834 لم تتخذ موقفا واضحا من قضية الجزائر، حتى أطلق المؤرخون على الفترة مرحلة التردد، ولكن بعد زيارة اللجنة الإفريقية في هذا التاريخ و بتوصية منها قررت الاحتفاظ بالجزائر و إلحاقها بفرنسا و إعطائها إدارة قادرة في منصب الحاكم العام الجديد الذي كان مسؤولا لدى الحكومة عن كل الأمور العسكرية و المدنية في الجزائر ، وهكذا كانت الفترة الانتقالية من عهد الدولة الجزائرية العثمانية إلى العهد الاستعماري الفرنسي الذي أنتهج في حكمه للجزائر النظام العسكري لمدة طويلة ،و حتى بداية مطلع القرن العشرين تم تعويض ذلك بالنظام المدني في المناطق الشمالية في حين ظلت المناطق الجنوبية تحت الحكم العسكري حتى حصول الجزائر على استقلالها في جويلية 1962 .

المصادر و المراجع :
1/ سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية ، ج1و2 .
2/ سعد الله ، أبحاث و آراء في تاريخ الجزائر ، ج1 .
3/مجاهد مسعود ، تاريخ الجزائر ، ج 1 .
Merlot ;L organisation administrative de L, algerie 4/.
5/ Michel cornation ;les regroupements de la décolonisation en algerie.
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

21/07/10, 11:33 pm
الشكر والعرفان للدكتور المكلف بالدروس : أحمد مريوش
فوائد عظيمة استقيناها من محاضراتكم بارك الله فيكم ونفع بعلمكم الطلاب الأعزاء .

محمد
محمد
مشرف مرسى الرياضة
مشرف مرسى الرياضة
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
عدد المساهمات : 7229
نقاط تميز العضو : 200843
تاريخ التسجيل : 10/12/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

22/07/10, 01:18 am
بالفعل محاضرات قمة في الروعة والاهمية
شكرا لك استاذ اسماعيل على النقل المفيد
بوعلام م
بوعلام م
مشرف المرسى الجامعي
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 374
نقاط تميز العضو : 98221
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 41

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

15/01/12, 08:44 pm
عمل كبير جدا بارك الله فيك أخ اسماعيل ودمت في خدمة العلم والتعليم
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

15/01/12, 09:02 pm
الأخوان محمد وبوعلام سعدت لمروركما العبق دمتما رائعين .
أبو شهاب
أبو شهاب
عضو فعال
عضو فعال
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Marsa210
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 185
نقاط تميز العضو : 105576
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
العمر : 36

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

16/01/12, 04:08 pm
مجهود مبارك

جعله الله في ميزان الحسنات
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

17/01/12, 11:14 pm
شكرا أخي أبا شهاب دمت بود .
avatar
الصنهاجي
عضو جديد
عضو جديد
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Marsa210
عدد المساهمات : 1
نقاط تميز العضو : 80690
تاريخ التسجيل : 11/04/2013

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

11/04/13, 12:22 pm
بارك الله فيك على هذا الجهد الذي بذلته
إسماعيل سعدي
إسماعيل سعدي
مدير الموقع
البلد : محاضرات في تاريخ الجزائر  Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 3758
نقاط تميز العضو : 146514
تاريخ التسجيل : 03/04/2009

محاضرات في تاريخ الجزائر  Empty رد: محاضرات في تاريخ الجزائر

11/04/13, 09:14 pm
الصنهاجي كتب:بارك الله فيك على هذا الجهد الذي بذلته

العفو ،أهلا وسهلا بك في مرسى الباحثين العرب
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى