مرسى الباحثين العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط  الطاهر بونابي Support
دخول

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 18 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 18 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد - 7229
7229 المساهمات
بتول - 4324
4324 المساهمات
3758 المساهمات
foufou90 - 3749
3749 المساهمات
1932 المساهمات
1408 المساهمات
1368 المساهمات
1037 المساهمات
973 المساهمات
535 المساهمات

اذهب الى الأسفل
بوعلام م
بوعلام م
مشرف المرسى الجامعي
البلد : نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط  الطاهر بونابي Btf96610
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 374
نقاط تميز العضو : 98521
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 41

نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط  الطاهر بونابي Empty نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط الطاهر بونابي

29/02/12, 07:32 pm

نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط
من مجلةحوليات التراث
الطاهر بونابي
جامعة المسيلة
الأدب الصوفي هو الأدب الذي أنتجه الزهاد والصوفية بمختلف اتجاهاتها السنية والفلسفية ويبحث في النفس الإنسانية بعمق فلسفي يسعى لتطهير النفس والروح من حب الدنيا وزينتها وإدخال الطمأنينة إليها. ويطرح في أكمل صوره الفنية التجريدية كوامن النفس من حب وجمال وقيم أخلاقية ومعرفة. وفي مضمونه أيضا الخطوات التي يتدرجها السالك - المريد - في تطهير نفسه والبلوغ بها مرتبة الكشف.
كل ذلك يعكس الروح الدينية العالية عندهم وهو آما قصائد منظمة أم نثرا فنيا راقي البيان وأغراضه هي: الامتداح النبوية - رسائل الشوق إلى الأماكن المقدسة - الأحزاب والأوراد - التوسلات - الحكم - الرسائل الصوفية (المكاتبات السنية) - الحكايات الكرمية - شعر الزهد - شعر التصوف السني - شعر التصوف الفلسفي(1).
مقدمات الأدب الصوفي:
مثلما مهد لنشوء التصوف في المغرب الأوسط خلال القرن (6 هـ - 12 م) بحركة زهدية امتدت من القرن (3 هـ - 9 م) إلى القرن (6 هـ - 12 م) أنتجت التصوف بتيارات المتنوعة كان الأدب الزهدي أيضا قد سبق الأدب الصوفي من حيث الظهور وتعدد الأغراض. فقد برزت خيوطه الأولى في قصائد الشاعر بكر بن حماد بن سمك بن إسماعيل الزناتي التهرتي (ت 295 هـ - 909 م) الذي تأثر في رحلاته إلى المشرق ورحلاته المتكررة إلى أفريقية (تونس) بشعرائها وعلمائها وصوفيتها(2).
ومن أبرزهم بالقيروان الزاهد الفقيه سحنون بن حبيب التنوخي (ت 240 هـ - 845 م) فتجرع عنه منهجه القائم على الزهد في الدنيا والتبعد وفق الشريعة(3) لذا كانت أشعاره تتمحور حول محاسبة النفس والتذكير بالموت كقوله(4):
لقد جمحت نفسي فصدت أعرضت *** وقد مرقت نفسي وطال مروقه
فيا أسفي من جنح ليل يقودها *** وضوء نهار لا يزال يسوقه
إلى مشهد لا بد لي من شهوده *** وجرع الموت سوف أذوقه
ستأكلها الديدان في باطن الثرى *** ويذهب عنها طيبها وخلوقه
وكذلك أشعاره في الزهد والتذكير بالموت قوله(5):
الموت أجحف بالدنيا فخربها *** وفعلنا فعل قوم يموتون
فالآن فابكوا فقد حق البكاء لكم *** فالحاملون لعرش الله باكون
ماذا عسى تنفع الدنيا مجمعها *** لو كان جمع فيها كنز قارون
وفي الجملة تعكس أشعاره تجربته الزهدية التي عبر فيها عما يختلج في نفسه والتي سمحت لنا بتصنيفه ضمن الزهد الوجداني الذاتي وقد دخلت المغرب الأوسط مع الزاهد قاسم بن عبد الرحمان بن محمد التهارتي الذي تلقاها مباشرة عن شاعرها بالقيروان وعن طريقه انتشرت بحواضر المغرب الأوسط(6).
أما المظهر الثاني لأدب الزهد في هذه المرحلة المبكرة فيعود إلى أواخر القرن الرابع للهجرة / العاشر للميلاد، عندما شارك الزاهد أحمد بن نصر الداودي المسيلي (ت 402 هـ - 1013 م) من تلمسان(7) فقهاء القيروان بزعامة عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت 389 هـ - 999 م)(Cool في ردهم على الطائفة البكرية التي مثلها عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله البكري ادعى رؤية الله في اليقظة(9) بتأليفه كتابا بعنوان "الرد على البكرية" اقتفى فيه أثر ابن أبي زيد القيرواني في الجدل حول إثبات كرامات الأولياء فكان هذا المصنف أول كتاب في الأدب الصوفي بالمغرب الأوسط لم ينكر فيه الداودي كرامات الأولياء إلا أنه تبنى موقف ابن أبى زيد القيرواني في التشدد على التصوف المائل إلى الشعوذة(10).
وفي ذات السياق ظهرت مناهج زهدية متفرقة ارتبط أصحابها في علاقاتهم الأدبية بحواضر العالم الإسلامي فبينما ارتبط أبو محمد بن عبد الله التاهرتي (ت 313 هـ - 905 م) برباط سوسة واختص بفلسفة زهدية فكرتها المحبة والشرق(11) وثق أحمد بن مخلوف المسيلي المعروف بالخياط (ت 393 هـ - 1003 م) وعبد الله بن زياد الله الطبني (ت 410 هـ - 1011 م) صلتهما بقرطبة فلتزم الأول منهجه العملي القائم على المرابطة(12) واختص الثاني في أدب التنسك في حين وسع أبو القاسم عبد الرحمان الهمذاني المعروف بالخراز والوهراني (ت 411 هـ - 1018 م)(13) من علاقاته بحكم رحلته العلمية التي استغرقت عشرين سنة وشملت بيئات الزهد والتصوف كالبصرة وبغداد والحجاز ومصر وخرسان ونيسابور ثم الأندلس صنع من خلالها طريقة زهدية جمع فيها بين الالتزام بالسنة النبوية والانقباض والعلم(14) والورع والسخاء والمروءة(15).
وكذلك استفاد أحمد بن واضح من رحلاته إلى المشرق في القرن (5 هـ - 11 م) تعكسها تلك المناظرات التي خاضها مع فقهاء بجاية والتي تمثل أحد أوجه الجدال بين الفقه وأدب الزهد(16).
وفي المقابل تلقى أدب الزهد بالمغرب الأوسط جرعة قوية على يد النزلاء من الزهاد الأندلسيين ببونة حيث أطر أبو عبد الملك مروان بن محمد الأندلسي (ت 440 هـ - 1048 م) نشاطه الزهدي بتأسيسه لرباط درس فيه العلم وصنف فيه المصنفات(17) بينما اقتصر الزاهد علي بن محمد التدميري (ت 347 هـ - 958 م) على التأليف في الفقه وأدب الزهد(18) وحتى نهاية النصف الأول من القرن (5 هـ - 11 م) كان أدب الزهد بالمغرب الأوسط يستمد أفكاره ومواضيعه من أدب الزهد والتصوف الذي عرفته مدينة القيروان قبل خرابها من طرف القبائل الهلالية سنة (449 هـ - 1057 م) وكذلك من قرطبة والبصرة وبغداد والحجاز وقد نتج عن هذا الارتباط ظهور على المستوى العملي تيارين زهديين يعتمد الأول منهج المجاهدة العملية من خلال المرابطة في الثغور والسواحل لحراستها من الخطر المسيحي وتيار ثاني التزم أصحابه الزهد في الدنيا والاعتكاف على المجاهدات والمكابدة على نشر العلم الذي يعد أدب الزهد أحد محاوره الرئيسة.
مصادر نشاة وتطور الأدب الصوفي:
الثابت من الناحية التاريخية أن أدب الزهد إلى غاية نهاية النصف الأول من القرن (6 هـ - 12 م) لم يكن يرقى في نصوصه المنظومة والنثرية إلى مستوى يسمح بإدراجه ضمن أدب التصوف إلا بعد أن شهد المغرب الأوسط خلال النصف الثاني من نفس القرن دخول مجموعة من المصنفات الصوفية المشرقية والأندلسية والمغربية في فترات زمنية يصعب ضبطها ضبطا دقيقا مع فقهاء والعلماء العائدين من المشرق أو بواسطة صوفية المغربين الأدنى والأقصى الذين استقر بهم المقام بحواضر المغرب الأوسط(19) أو مع الأندلسيين المهاجرين إلى بجاية وتلمسان بقصد تجديد أنفاس الرحلة ذهابا وإيابا أو بغرض الاستقرار وكان لهؤلاء دور بارز في شرح وتبسيط محتوياتها لجمهور الطلبة والمهتمين(20).
ومن أكثر المصادر المشرقية والمغربية والأندلسية التي نهل منها أدب التصوف أفكاره. كتاب الرعاية لحقوق الله للحارث بن أسد المحاسبي (ت 243 هـ - 858 م) وقوت القلوب لأبى طالب المكي (ت 3 هـ - 9 م) والرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري (ت 465 هـ - 1072 م) وإحياء علوم الدين لأبى حامد الغزالي (ت 505 هـ - 1111 م) وهي مصنفات في التصوف السني تطرح الخطوات التي يقطعها السالك بواسطة المجاهدات للوصول إلى النجاة من عقاب الله كما حددها المحاسبي(21) وإلى تقويم النفس وتهذيبها عن طريق الإرادة والرياضة لبلوغ بها مرتبة الأنبياء والصديقين والصلحاء(22) ثم النزوع إلى الكشف عن عالم الغيب وهي مرحلة فراغ القلب عما سوى الله كما تبينها الرسالة القشيرية وإحياء علوم الدين(23).
وقد أصبحت هذه المصنفات منذ النصف الثاني من القرن (5 هـ - 11 م) متداولة بين القراء في حلقات الدرس بتلمسان وبجاية وقلعة بني حماد حيث كان الصوفي عبد السلام التونسي (ت 486 هـ - 1093 م) يدرس برابطته بتلمسان "رعاية" المحاسبي(24) ويدعو في أوائل القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، إلى قراءة "إحياء علوم الدين" وقد أفلح في تحسيس الوسط الفكري في تلمسان بأهمية "الإحياء" وقيمة أفكاره الصوفية وبهذه الطريقة شرع التلمسانيون في نسخ "الإحياء" وحفظه(25).
وبقلعة بن حماد انتصب الصوفي أبو الفضل ابن النحوي (513 هـ - 1119م) مدرسا للإحياء واستنسخه في ثلاثين جزءا فإذا دخل شهر رمضان قرأ كل يوم جزءا(26) ولشدة تمسكه بالإحياء نقل عنه قوله: (وددت أني لم أنظر في عمري سواه)(27) واستطاع أن يؤلف من حوله كوكبة من القلعيين ينهجون أفكاره الغزالية(28) وكذلك في بجاية التي حل بها أبو مدين شعيب (ت 594 هـ - 1189 م) منذ (559 هـ - 1163 م) ومكث بها خمسة عشرة عاما جعل من كتاب "إحياء علوم الدين" أفضل كتب التذكير لديه وأكثرها قراءة في مجلس تذكيره كما درس الرسالة القشيرية وأطلع الطلبة على "رعاية" المحاسبي(29).
أما معاصره أبو علي الحسن بن علي المسيلي المتوفى في أواخر القرن (6 هـ - 12 م) فقد نسج على منوال "الإحياء" كتاب (التفكر فيما تشتمل عليه السور والآيات من المبادئ والغايات)(30) أحاط فيه بالفقه والتصوف حتى لقب بأبي حامد الصغير وأضحى الكتاب متداولا بين البجائيين وغطى بشهرته شهرة "الإحياء" آنذاك(31).
وفي أواخر القرن (5 هـ - 11 م) وأوائل القرن (6 هـ - 12 م) هاجر من تلمسان وجزائر بني مزغنة كوكبة من الأطر الزهدية إلى الأندلس للتمدرس عن كبار صوفيتها إذ قصد كل من المحدث يوسف بن علي بن جعفر التلمساني والفقيه حجاج بن يوسف الجزائري أشبيلية. وأخذوا بها "الإحياء" عن القاضي أبي بكر بن العربي (ت 543 هـ - 1148 م)(32) بينما قصد كل من الفقيه أبي الحسن بن أبي القنون (ت 557 هـ - 1162 م) والزاهد أبى موسى عيسى بن حماد الأوربي ويعقوب بن حمود التلمساني مرسية. وأخذوا بها عن القاضي أبي علي الصدفي (توفي في النصف الأول من القرن 6 هـ)(33) وأخذوا عنه (آداب الصحبة للسلمي) و(رياض المتعلمين) و(حلية الأولياء) لأبي النعيم الأصفهاني(34) ولما عادوا إلى مواطنهم عملوا على نشرها بين الطلبة والمريدين.
كما شكلت مصنفات المغرب الأقصى أهمية كبيرة في بلورة أفكار الأدب الصوفي وصنع مخياله من خلال مؤلفات أبي محمد صالح الماجري (ت 631 هـ - 1234 م) شيخ رباط أسفي التي دخلت بجاية وقلعة بني حماد مع الصوفي أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم السجلماسي توفي في النصف الثاني من القرن (7 هـ - 13 م)(35) وهي كتاب (بداية الهداية)(36) و(تلقين المريد)(37) وشرح المقصد الأسني في شرح أسماء الله الحسنى لأبي حامد الغزالي وشرح الرسالة القشيرية(38) فضلا عن كتاب (قطب العارفين ومقامات الأبرار والأصفياء الصديقين) لعبد الرحمان بن يوسف البجائي في النصف الثاني من القرن (6 هـ - 12 م)(39) وإسهامات أبي زكريا يحي بن محجوبة القريشي السطيفي (ت 673 هـ - 1278 م) من خلال كتابه شرح أسماء الله الحسنى(40).
ويكاد دور صوفية المشرق الطارئين على المغرب الأوسط يكون بسيطا في جلب أو تبسيط مضامين المصنفات الصوفية إذا لم نعثر سوى على حضور الصوفي أبي محمد عبد الله الشريف الشامي وجهوده في التدريس كتاب الإرشاد لأبي المعالي ببجاية في القرن (7 هـ - 13 م)(41). في حين شكلت حركة هجرة صوفية الأندلس إلى المغرب الأوسط على مدار القرنين (6 و7 هـ - 12 و13 م) عاملا رئيسيا أدى إلى دخول المصنفات الصوفية ورواجها. فألف عبد الحق الأشبيلي (ت 581 هـ - 1185 م) ببجاية مجموعة من المؤلفات الزهدية أبرزها كتاب (الزهد) وكتاب (الصلاة والتهجد) وكتاب (أشعار زهدية في أمور الآخرة) فضلا على كتابه (العاقبة في ذكر الموت)(42) وقد ضلت مؤلفات عبد الحق الأشبيلي خاصة كتابه العاقبة مصدرا زهديا نهل منه الصوفية واعتمدوه مرجعا في كتاباتهم حيث اعتمد عليه عبد الرحمان الثعالبي (ت 875 هـ - 1475 م) في تأليف كتابه (العلوم الفاخرة)(43).
ولما اضطربت أوضاع الأندلس بفعل نشاط الثوار الطامعين في الحكم وتعاظم نشاط حركة الاسترداد المسيحي التي بلغت أوجها عام (633 هـ - 1236 م) بشرق الأندلس(44). تقاطر أعلام الأندلس فرارا نحو بجاية وتلمسان وحملوا معهم مصنفات التصوف فادخل أبو الحسن عبيد الله النفزي الشاطبي (642 هـ - 1224 م) مختصره على حلية الأولياء لأبي النعيم وعمل على تلقينه للطلبة. وكذلك درس ابن السراج الأشبيلي (ت 675 هـ - 1277 م) قوت القلوب لأبي طالب المكي والإرشاد لأبي المعالي وبسط مضامينهما للطلبة(45) فضلا على تلقين أبي العباس أحمد بن أحمد المالقي (ت 660 هـ - 1261 م) للطلبة كتاب الإرشادات والتنبيهات لابن سينا هذا الكتاب الذي يتضمن فلسفة التصوف الإشرافي أصبح له قراء ببجاية.
ناهيك عن تلقين أبي العباس أحمد بن عجلان القيسي (ت 675 هـ - 1277 م) لجمهور العامة طرق ومناهج الصوفية والصالحين(46) وتدريس أبي عبد الله محمد بن صالح الكناني الشاطبي (ت 699 هـ - 1300 م) لعدد من المصنفات المشرقية والمغربية مثل كتاب (فضل قيام الليل) و(فضل تلاوة القرآن) للإمام بكر الأجري(47) واقتصار أبي جعفر أحمد بن محمد المكتب في القرن (7 هـ) على تدريس قوت القلوب(48) وإلى جانب هذا الدور قاموا بإدخال إنتاجهم الصوفي إلى بجاية وتلمسان ونجحوا في تشكيل اتجاهات صوفية لم تكن معروفة بالمرة في المغرب الأوسط فبالنسبة للصوفي محي الدين بن عربي (ت 638 هـ - 1240 م) الذي يصمم بعض الباحثين إدراج مؤلفاته ضمن قائمة المصنفات التي أدت دورا بارزا في نشأة اتجاه وحدة الوجود في المغرب الأوسط من منطلق تأليفه لكتاب (مواقع النجوم) بالمرية قبل دخوله بجاية(49) ومن زاوية تعليق فقيه بجاية أبو العباس أحمد الغبريني عليها في قوله: (وفيها ما فيها فإن قيظ الله من يسامح ويسهل ويتأول الخير سهل المرام ويسلك فيه سبيل الأفاضل الكرام. وإن كان ممن ينظر بحسب الظاهر ولا يسامح في نظر ناظر فالأمر صعب والمرتقى وعر)(50).
أما تلمسان فنزل بها الزاهد أبو عبد الله بن عبد الرحمان التجيبي (ت 610 هـ - 1214 م) منذ عام (574 هـ - 1188 م) وأثرى الأدب الصوفي بمؤلفات أبرزها كتاب (الأربعين في الفقر وفضله) وكتاب (الحب لله).
كان يدرسها على الطلبة والمريدين وفي مضمونها دعوات إلى ترغيب النفوس في ترك الدنيا وحب الله والإقبال على التصوف لما فيه من فضائل ومزايا مستعملا في تبليغ هذه الأهداف الروحية أسلوب الوعظ والتذكير على طريقة شيخه الزاهد عبد الحق الأشبيلي (ت 581 هـ - 1185 م)(51) كما أنتج أبو العيش محمد بن أبي زيد عبد الرحيم الخزرجي في نفس السياق أشعارا دعى فيها إلى القول بوحدة الوجود(52). ووضع في نفس المضمار كتاب (شرح أسماء الله الحسنى)(53) وكذلك دعى عبد الرحمان الفازازي القرطبي أوائل القرن السابع الهجري في أشعاره الزهدية إلى ضرورة التشدد إزاء أهل البدع(54).
وهناك من الصوفية من اضطرهم طبيعة المناخ الفكري السائد في الأندلس إلى مغادرتها نحو تلمسان ومن هؤلاء أبو إسحاق بن دهاق المعروف بابن المرأة (ت 610 هـ - 1214 م) مؤلف كتاب (شرح أسماء الله الحسنى) وشرح كتاب (محاسن المجالس) لأبي العباس بن العريف (ت 536 هـ - 1141 م)(55). وصاحب الصوفي أبو عبد الله الشوذي الحلوي توفي أوائل القرن (7 هـ - 13 م) وكلاهما على الطريقة الشوذية في الوحدة المطلقة(56). بالإضافة إلى أبي علي بن أحمد الحرالي (ت 638 هـ - 1239 م) الذي دخل بجاية ومكث فيها زمنا غير معلوم(57) وألف خلالها عدة مصنفات (شمس مطالع القلوب وبدر طوالع الغيوب) وكتاب (صلاح العمل لانتظار الأجل)(58) وأذكار لحزبه كان يتلوه عقب صلاة الصبح وأشعار صوفية تجلي اتجاهه على طريقة السهروردي الإشرافية(59) وكذلك أدى وجود الصوفيين أبو محمد عبد الحق المعروف بابن سبعين (ت 669 هـ - 1270 م) وتلميذه أبو الحسن علي الششتري (ت 668 هـ - 1269 م) في بجاية منذ سنة (624 هـ - 1227 م) إلى انتشار مؤلفاتهما وتواشيحهما وأشعارهما في الوحدة المطلقة بين نخبة من طلبة بجاية(60). ومن أشهر مؤلفات ابن سبعين (بدء العارف) و(عقيدة المحقق المقرب الكاشف وطريق السالك المتبتل العاكف) وكتاب (لمحة الحروف) وكتاب (كنز المغرمين في الحروف والأوقاف) ورسائل عبارة عن نصائح صوفية، أما الششتري فقد ألف (المقاليد الوجودية والرسائل القدسية في توحيد العامة والخاصة) و(المراتب الأسمائية) و(ديوان شعر)(61).
وبعد هذا العرض لمصادر الأدب الصوفي بالمغرب الأوسط خلال القرنين السادس والسابع الهجريين / 12 و13 الميلاديين يتضح أن كل محاولة لفهم نصوص الأدب الصوفي المنظوم والنثري بدون العودة إلى هذه المصادر هي محاولة يائسة لا يمكنها أن تؤدي إلى الوقوف على خصوصيات أدب التصوف بالمغرب الأوسط في العصر الوسيط. بل أن كل الأدب الصوفي الذي أنجز بعد نهاية القرن السابع الهجري / 13 الميلادي حتى نهاية القرن التاسع الهجري / 15 الميلادي استقى كل خصائصه وأفكاره من هذه المرحلة المتطورة من عمر أدب التصوف بالمغرب الأوسط.
أنواع الأدب الصوفي:
الرسائل الحجازية والأمداح النبوية وتعتبر من ذيول السيرة النبوية وهي البذور الأولى للشعر الديني كما أنها وثيقة الصلة بالزهد والتصوف بل أن بعض الباحثين اعتبروها من فنون الشعر التي أذاعها التصوف.
الرسائل الحجازية فن شاع في العصر الوسيط يلجأ فيه الصوفية إلى النظم عندما تحول بينهم وبين أداء فريضة الحج وزيارة قبر الرسول (ص) فيكتفون ببعث رسائل يترجمون فيها أشواقهم وحنينهم إلى البقاع المقدسة. برز هذا الفن ببجاية مع الصوفي أبى عبد الله محمد بن صالح الشاطبي (ت 699 هـ - 1301 م)، يقول متشوقا إلى زيارة قبر الرسول (ص) (62):
أرى العمر يفنى والرجاء طويل *** وليس إلى قرب الحبيب سبيل
حباه إله الخلق أحسن سيرة *** فما الصبر عن ذاك الجمال جميل
متى يشفى قلبي بلثم تربه *** ويسمح دهر بالمزار بخيل
وفي الغرض نفسه يقول أبو عبد الله محمد بن الحسين التميمي (ت 673 هـ - 1275 م) (63):
وأني أدعوا الله دعوة مذنب *** عسى أنظر البيت العتيق وألثم
فيا طول شوقي للنبي وصحبه *** يا شد ما يلقى الفؤاد ويكتم
إليك رسول الله أرفع حاجتي *** فأنت شفيع الخلق والخلق هيم
فقد سارت الركبان واغتنموا المنى *** وأني من دون الخلائق محرم
وفي قصائد المدائح النبوية اشتهر ببجاية الصوفي أبو عبد الله محمد بن الحسين بن ميمون القلعي (ت 673 هـ)، سلك في شعره طريق حبيب بن أوس وتميز بكثرة أشعاره قال فيه الغبريني: (له شعر كثير شرع في تدوينه ولو تم تدوينه لكان في مجلدات كثيرة)، وأورد له قصيدتين في الزهد ومدح النبي (ص) في ثمانية عشرة بيتا منها هذه المقاطع(64):
أمن أجل أن بان فؤادك مغرم *** وقلبك خفاق ودمعك يسحم
وما ذاك إلا أن جسمك منجد *** وقلبك مع من سار في الركب متهم
وكذلك نظم عبد الرحمان الفازازي (ت 627 هـ - 1270 م) بتلمسان قصائد في مدح النبي وذكر صفاته والإشادة بمعجزاته والتشوق لزيارة قبره حتى لقب بصاحب الأمداح في سيد الوجود محمد (ص)، نستشف الخصائص الفنية لشعره في المدائح من خلال تعليق المقري: (له في مدح النبي (ص) بدائع خضع لها البيان وسلم أعجز بتلك المعجزات... وأوجز في تحبير الآيات البينات وجلا سحرا ورفع للقوافي راية استظهار تخير فيها إلا ظهر فعجم وعشر وشفع وأوتر)، ومنها قوله(65):
كملت بنعت محمد خير الورى *** غرر القصائد تلها وحجوله
واختص دون الأنبياء بدعوة *** وسمع العباد عمومها وشموله
وبالنظر في أشعار المدائح نجد الصوفية قد التزموا فيها بساطة الأسلوب وسهولة الألفاظ مستعملين الخطاب المباشر في مدح الرسول (ص) والاستنجاد به شفيعا للخلق من الذنوب وهو موقف لم نعهده من الصوفية في أشعار الزهد والابتهالات والتصوف ويعزى ذلك إلى كون المدائح أصبحت في هذه المرحلة من العصر الوسيط أثرا شعبيا يتناقله الناس ويرددونه كالأذكار والتسابيح فهي إرث ديني اجتماعي أكثر منه تجربة شوق ذاتية.
الأحزاب:
هي مجموعة الأذكار تكون مطالعها بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة يقرأها المريد في أوقات معينة وهدفها تقويته وتحصينه بطاقة روحية تمنحه الطمأنينة واليقين. والحزب لغة جمع أحزاب أي جماعة من الناس وحزب الرجل أصحابه وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم وذكرت في أكثر من سورة (المائدة - المؤمنون - الروم - المجادلة). يقول تعالى في المجادلة (ألا إن حزب الله هم المفلحون)(66)، وفي آية أخرى (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)(67).
وأول من سن الأذكار ووضع الأحزاب للمريدين الشيخ عبد القادر الجيلاني (ت 561 هـ - 1166 م) ووصلت عن طريقه إلى المغرب الأوسط بواسطة أبي مدين شعيب (ت 594 هـ - 1198 م) الذي التقى به في الحرم الشريف وألبسه الخرقة وأودع فيه كثيرا من أسراره منها الأذكار(68). ولما دخل بجاية رتب بدوره للمريدين أذكارا يلتزمون بها(69) وينبع اهتمامه بالأذكار من تأثره العميق بإحياء علوم الدين الذي اعتبر فيه الغزالي الذكر ضروريا يشغل به قلب المريد ولسانه وبه تختتم المجاهدات وينتهي الذكر بصاحبه إلى فراغ قلبه عما سوى الله(70). وقد أولى أبو مدين أهمية كبيرة في حكمه للذكر فقال عنه: (لذكر شهود المذكور ودوام الحضور)، (الذكر ما غيبك بوجوده وأخذك منك بشهوده)، (الذكر شهود الحقيقة وخمود الخليقة)، (جعل الله قلوب أهل الدنيا محلا للغفلة والوسواس)، (وقلوب العارفين مكانا للذكر والاستئناس)(71).
كما كان لأبي الحسن الحرالي (ت 638 هـ) ببجاية أذكار خاصة يجلس لقراءتها بعد صلاة الصبح متربعا، ذكرها الغبريني كاملة في كتابه عنوان الدراية(72).
الأوراد:
عبارة عن آيات وتحميدات وصلوات وتسليمات على النبي وآله وأصحابه يتخللها تضرع وتختم بالدعاء أو بالصلاة على النبي (ص) أو بتلاوة آيات من القرآن ومن الصوفية من يدمج الحزب في الورد فيسمى الراتب، ولا تختلف عن الأحزاب من حيث الصيغة والمضمون بل في توقيت قراءتها فالورد يكون في وقت محدد من كل يوم بعد الصلاة أما الحزب فيقرأ في كل وقت وهي أذكار يستعملها المريد للتقرب من الله والورد يقرأ جماعة أو على انفراد والحزب غالبا ما يقرأ جماعة ويعرف الورد عند الشاذلية بالوظيفة.
وتتميز الأوراد بأسلوبها الرفيع وخيالها الورع لأنها موجهة إلى العقل والروح وقد وقف العلماء مواقف مختلفة فتحدث ابن القيم الجوزية عن آثرها النفسي وأهمية الاستنجاد بها في دفع الآفات وتذليل المصائب(73)، واعتبرها الإمام الشاطبي بدعة مستحدثة(74)، وقال فيها أحمد زروق أنها ناتجة عن حاجة المريد إليها لسبب في نفسه(75).
الحكم:
هي من أنواع النثر يعكس فيها الصوفي تجاربه وخبراته في ميدان التصوف ومعاناته ظهرت في بجاية خلال القرن السادس الهجري على يد أبي مدين شعيب الذي استطاع أن يختزل ويبسط الأطروحات الصوفية التي جاء بها القشيري في رسالته والغزالي في إحيائه وابن العريف في كتابه محاسن المجالس، في عبارات بسيطة لكنها عميقة ودالة راع فيها الأسلوب والخيال الصوفي والرمزية وقد ضمن ذلك في كتابه (أنس الوحيد ونزهة المريد)(76). فهو يعبر مثلا عن رأي كل من القشيري والغزالي في مسالة فراغ القلب عما سوى الله(77) بقوله: (علامة الإخلاص أن يغيب عنك الخلق في مشاهدة الحق)(78). وشارك الغزالي رأيه في أن القلب هو المدرك للحقائق الإلهية بالذوق والكشف وليس العقل(79) في قوله (أسس هذا الشأن أي التصوف على الزهد والاجتهاد)(80)، ويبسط منهج محاسبة النفس الذي ورد في كتاب الرعاية للمحاسبي بقوله (بالمحاسبة يصل العبد إلى درجة المراقبة)(81) ولخص بطولة الزهد في كل شيء ما عدا الله، التي جاء بها ابن العريف في قوله (الملتفت إلى الكرامة كعابد الأوثان فانه يصلي ليرى)(82). ويعتبر عمل أبي مدين هذا نموذجا فريدا سهل على الطلبة والمريدين فهم أغوار التصوف وبسط لهم أمهات كتب التصوف ومصطلحاتها الصعبة.
وكذلك كان لأبي الحسن الحرالي (ت 683 هـ) حكم جمعها في مجموع (سعد الواعي وأنس القاري) وهي تضم أربعا وسبعين ومائة حكمة(83)، أما الحكم التي ذاع صيتها وانتشارها بين صوفية المغرب الأوسط هي حكم ابن عطاء الله السكندري الشاذلي (ت 709 هـ) أولوها عناية خاصة وأكثروا من شرحها(84).
الحكاية الكرامية:
هي نص نثري يروي موضوعا أو عددا من الموضوعات لفعل خارق للعادة ظهر على يد عبد صالح في دينه متمسكا بأوامر الله ونواهيه في جميع أحواله من غير تنبؤ(85) وهي أيضا نصوص أدبية تحمل صورة القصص القصيرة التي عادة ما تروي قصة الصوفي(86) في موضوعات قدرته الخارقة على شفاء الأمراض المستعصية وطي الأرض بالمشي على قوس قزح وفوق الماء أو الطيران في الهواء واستجلاب الأمطار وقت القحط وتكثير الطعام على الرغم من ندرته والتنبؤ بيوم الممات وتحقيق في أماني الناس ورغباتهم ورفع الضيم(87) عنهم وتحمل في مضامينها دلائل معنوية وفكرية تعكس مكانتها ومرجعيتها كبنية أساسية في الفكر البشري كالبنية العقلانية مرتبطة بنمط مجتمعي وبأسلوب معيشي في الوجود وممارسة لمعتقد ديني وتأكيد لهذا المعتقد(88)، وهي كذلك تعبير عن أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية سادة المغرب الأوسط وتتقدم كأداة سلمية لمعالجة الأوضاع وغالبا ما ينتج النص الكرامي في سياق المحن والظروف الصعبة.
وتتمفصل الحكاية الكرامية إلى ثلاثة مفاصل: حكاية الدليل وتكون حجة على الولاية. وحكاية التمتيع بالولاية وتروي الطريقة التي يتمتع بها أتباع الشيخ. وحكاية التمتع بالولاية وتحكي الكرامات التي يتمتع بها الولاية(89). وتحقق الحكاية الكرمية على المستوى الأخلاقي والتربوي مجموعة من النتائج أنها أداة للتربية وتطويع المريد وإقراره على طريقة صوفية معينة وتجيب أيضا عن الغاز الوجود وغوامض القدر وبالتالي فإن هدف الأدب الكرامي يتنوع حسب مقاصد المتصوف كمنتج مباشر للحكاية الكرامية أو حسب أهداف الرواة الذين يشعونها ومؤلفي كتب المناقب.
ومن ابرز كتب المناقب والطبقات التي أولت عناية للحكاية الكرامية بالمغرب الأوسط كتاب (عنوان الدراية) للغبريني (ت 704 هـ - 1304 م) و(أنس الفقير وعز الحقير) لابن قنفذ القسنطيني (ت 810 هـ - 1407 م) و(بغية الرواد) ليحيى بن خلدون (ت 780 هـ - 1378 م) و(التشوق) لابن الزيات (ت 617 هـ - 1220 م) و(البستان) لابن مريم (القرن 17 م) و(المجموع) لابن مرزوق (781 هـ - 1379 م) و(روضة النسرين) و(النجم الثاقب) لابن صعد (910 هـ - 1496 م) و(صلحاء وادي الشلف) للمازوني (ت 333 هـ - 1478 م) و(المواهب القدسية في المناقب السنوسية) للملالي، وغيرها بحاجة إلى قراءة متفحصة للحكاية الكرامية.
وقد وفق أصحاب كتب الطبقات في التأسيس لنمط من الحكاية الكرامية يعتمد طرد الشك في حقيقة الكرامة اعتمادا على الاستعانة بآليات علم الحديث في ضبط السند الصوفي والمصطلح الديني في دلالته السنية والفلسفية وتبريريها للرواية الكرامية باستثمارها لعناصر المعجزة عند الأنبياء بالنص القرآني واستخدامها لآليات الأدب في جوانب المقدمات والخواتم وفي الصياغة الجمالية والبلاغية والبعد الحكائي(90).
شعر التوسلات والابتهالات:
ارتبط ظهوره بالمغرب الأوسط باستفحال ظواهر الظلم والتعدي من جانب الولاة وجباة الضرائب والاضطراب السياسي والاقتصادي الذي طال المجتمع بما فيه الصوفية الذين لجأوا إلى الشكوى والتوسل والتضرع إلى الله ليخلصهم من الأزمات والمصائب. ويعد أبو الفضل ابن النحوي (ت 513 هـ) رائد هذا النوع من الأدب بقلعة بني حماد ومن أشعاره في التوسل(91):
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا *** وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا سيدي يا منتهى أملي *** يا من عليه بكشف الضر اعتمد
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها *** ما لي على حملها صبر ولا جلد
وقد مددت يدي للضر مشتكيا *** إليك يا خير من مدت إليه يد
كما نظم قصيدته الجيمية المسماة بالمنفرجة انعكس فيها إيمانه العميق بأن الأزمة مهما اشتد وطؤها فإن مآلها الفرج، داعيا إلى الاستعانة بالقرآن وقيام الليل في تأمل وتمعن مع الاجتهاد في العبادة قصد الوصول إلى الكشف معتبرا هذه الدرجة قمة العيش وبهجته وفي هذا المعنى يقول(92):
اشتدي أزمة تنفرجي *** قد أذن ليلك بالبلج
وظلام الليل له سرج *** حتى يغشاه أبو السرج
وقد نالت المنفرجة اهتمام العامة والخاصة أصبحت أثرا يستعينون به كلما حلت بهم النوائب وقد قام الفقيه أبو محمد عبد الله الخضرمي (ت 636 هـ - 1239 م) لما أدخله الموحدون السجن في قسنطينة بتخميس قصيدة المنفرجة مما يبين استمرارها وتأثيرها على النفوس وفي دفع الكرب وتخليص الناس من شدائدهم وقد قال عنها الغبريني: (مازلت هذه القصيدة - أي الجيمية - معلومة الإفادة ظاهرة الزيادة)(93)، بل إن الاهتمام بها تواصل في المغرب الأوسط إلى غاية القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي(94).
وشارك ابن النحوي في هذا الفن الصوفي ابن عبد الله محمد بن الحسين القلعي (ت 673 هـ - 1275 م) الذي يقول طامعا في رحمة الله وشفاعة رسوله(95):
فيا سامع الشكوى أقلني عثرتي *** فإنك يا مولاي تعفو وترحم
ويا سامعين استوهبوا لي دعوة *** عسى عطفة من فضله تتنسم
الرسائل الإخوانية:
وتعرف عند الصوفية بالمكاتبات السنية التي كان الصوفية يتبادلونها فيما بينهم وأغراضها التشوق والثناء والمدح والنصح وطلب الدعاء وفيها لم يلتزم الصوفية بأسلوب النثر المرسل فحسب بل أقحموا الشعر وكان ابن خلدون يستقرئ هذا النوع من المراسلات في قوله: (وقد استعمل المتأخرون أساليب الشعر وموازينه في المنثور من كثرة الأسجاع والتزام التقفية وتقديم النسيب بين يدي الأغراض وصار هذا النثور منباب الشعر وفنونه)(96).
شعر الزهد:
تتمحور أغراضه بين الدعوة إلى ترك الدنيا والزهد فيها والتذكير بالموت والدعوة إلى عمل الآخرة وممن اشتهر بهذا الفن أبو محمد عبد الحق الأشبيلي.
شعر التصوف السني:
وفيه التزم الصوفية ذكرى مجاهدتهم وأورادهم وأذكارهم بأسلوب بسيط الألفاظ والمعنى بعيدا عن الإفراط في الرموز والإشارات ومن رواده أبو مدين شعيب (ت 594 هـ - 1198 م).
شعر التصوف الفلسفي:
وفيه اعتمد الصوفية الرمزية والإشارات والإيحاءات للتعبير عن اتجاهاتهم في الإشراق ووحدة الوجود والوحدة المطلقة في قالب من المحسنات البديعية والبيانية تميل إلى الغموض غلبت عليهم فيها عاطفة الحب الإلهي التي كانوا يرتشفون منها حتى الغياب عن الوعي - السكر- فضلا على جنوحهم إلى توظيف الألفاظ الغزلية والخمريات للدلالة على حقائقهم الصوفية.
إن شعر التصوف الفلسفي تلون كثيرا بالفلسفة وحافظ على صورته الجمالية فضلا على أن القائلين به لم ينظموه على سبيل الصناعة الشعرية وإنما على سبيل الممارسة والاطلاع والشهود.
الهوامش:
1 - حول مفهوم واسع للأدب الصوفي انظر، نور الهدى الشريف الكتاني: الأدب الصوفي في المغرب والأندلس في عصر الموحدين، أطروحة دكتوراه، جامعة محمد الخامس، 2001، ص 19 وما بعدها.
2 - انظر، الطاهر بونابي: الحركة الصوفية في المغرب الأوسط خلال القرنين السادس والسابع الهجريين، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، 2000، ص 20 وما بعدها.
3 - أبو عبيد الله البكري: المغرب في ذكر بلاد إفريقية، نشر مكتبة المثنى، بغداد، (د. ت)، ص 68.
4 - ابن مخلوف: شجرة النور الزكية، ص 72.
5 - سليمان بن عبد الله الباروني: الأزهار الرياضة في أئمة وملوك الإباضية، القسم الأول، مطبعة الأزهار البارونية، (د. ت)، ص 72.
6 - الدباغ: معالم الإيمان، ج 2، ص 283 وما بعدها.
7 - أبو القاسم خلف بن بشكوال: كتاب الصلة، القسم الأول، الدار المصرية للتأليف، 1966، ص 84.
8 - عبد الرحمان الثعالبي: كتاب الجامع، مخطوط زاوية طولقة، ورقة 59.
9 - الهادي روجي إدريس: الدولة الصنهاجية، ترجمة حمادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1992، ج 2، ص 337.
10 - أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي: ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، تحقيق أحمد بكير محمود، منشورات دار الحياة ودار مكتبة الفكر، بيروت 1967، ج 2، ص 337.
11 - أبو عبد الله بن محمد المالكي: رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهادهم ونساكهم وسير من أخبارهم وفضائلهم، تح. البشير البكوش، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1981، ج 2، ص 182 وما بعدها.
12 - عياض: المصدر السابق، ج 4، ص 628.
13 - المالكي: المصدر السابق، ج 2، ص 182 وما بعدها.
14 - عياض: المصدر السابق، ص 690.
15 - المصدر نفسه، ص 533.
16 - المصدر نفسه، ص 445 – 446.
17 - المصدر نفسه، ص 710.
18 - المصدر نفسه، ج 3، ص 354 - 355.
19 - انظر، ابن الزيات التادلي: التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، تحقيق أدولف فور، مطبوعات إفريقيا الشمالية، 1958، ص 78 - 79.
20 - انظر، أبو العباس أحمد الغبريني: عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء من المائة السابعة ببجاية، تحقيق رابح بونار، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1981، ص 145 وما بعدها.
21 - المحاسبي: الرعاية، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، ط. 2، القاهرة 1970، ص 52 - 105؛ عبد الرحمان بن خلدون: شفاء السائل لتهذيب المسائل، نشر الأب أغناطيوس، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، (د. ت)، ص 34 – 43.
22 - ابن خلدون: المصدر السابق، ص 34 وما بعدها.
23 - أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، دار الكتب العلمية، بيروت 1986، ج 3، ص 82 - 83.
24 - ابن الزيات: المصدر السابق، ص 92 – 93.
25 - المصدر نفسه، ص 158.
26 - المصدر نفسه، ص 73.
27 - أحمد بن محمد بن القاضي: جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام بمدينة فاس، طبعة حجرية 1891، ص 346.
28 - انظر، محمد بن عبد الملك بن الأبار: التكملة لكتاب الصلة، تح. عزت العطار، مطبعة السعادة، مصر 1953، ج 2، ص 676 - 677.
29 - ابن الزيات: المصدر السابق، ص 58 وما بعدها.
30 - أحمد بابا التمبكتي: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، مطبعة السعادة، مصر 1329 هـ، ص 104.
31 - الغبريني: المصدر السابق، ص 67.
32 - يحي بن خلدون: المصدر السابق، ج 1، ص 114.
33 - الغبريني: المصدر السابق، ص 215.
34 - أحمد بن محمد المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت 1988، ص 91 - 92.
35 - الغبريني: المصدر السابق، ص 132.
36 - ابن قنفذ القسنطيني: أنس الفقير وعز الحقير، نشر أودولف فور ومحمد الفاسي، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، الرباط 1956، ص 63.
37 - انظر، المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف، تحقيق سعيد أعراب، ط. 2، المطبعة الملكية، 1993، ص 102.
38 - ابن قنفذ: المصدر السابق، ص 63.
39 - عادل نويهض: معجم أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر، مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والترجمة، ط. 2، بيروت 1980، ص 36.
40 - الغبريني: المصدر السابق، ص 120.
41 - المصدر نفسه، ص 177.
42 - ابن مخلوف: المصدر السابق، ص 156.
43 - عبد الرحمان الثعالبي: العلوم الفاخرة في نظر أمور الآخرة، تحقيق محمد بن مصطفى بن خوجة، طبع أحمد بن مراد التركي، (د. ت)، ج 1، ص 6 - 7.
44 - ابن خلدون: العبر، ج 6، ص 359.
45 - الغبريني: المصدر السابق ، ص 176 وما بعدها.
46 - المصدر نفسه، ص 116 وما بعدها.
47 - أبو عبد الله محمد العبدري: الرحلة، تحقيق محمد الفاسي، الرباط 1968، ص 28.
48 - الغبريني: المصدر السابق، ص 321.
49 - المقري: المصدر السابق، ج 2، ص 176.
50 - الغبريني: المصدر السابق، ص 158 – 159.
51 - ابن الأبار: المصدر السابق، ج 2، ص 579؛ ابن مخلوف: المصدر السابق، ص 173.
52 - يحيى بن خلدون: بغية الرواد، ج 1، ص 103 – 104.
53 - عبد الله محمد بن مرزوق الخطيب: المجموع، نسخة مصورة عن مخطوط الخزانة العامة، الرباط، رقم 20، ورقة 13.
54 - التنبكتي: نيل الابتهاج، ص 163.
55 - يحيى بن خلدون: المصدر السابق، ج 1، ص 128.
56 - ابن مخلوف: المصدر السابق، ص 173.
57 - العبدري: المصدر السابق، ص 136 – 137.
58 - حاجي خليفة: كشف الظنون، ج 2، ص 1061 وما بعدها.
59 - الغبريني: المصدر السابق، ص 157.
60 - المصدر نفسه، ص 148.
61 - المقري: المصدر السابق، ج 2، ص 185 وما بعدها.
62 - المصدر نفسه، ج 4، ص 340.
63 - الغبريني: المصدر السابق، ص 96.
64 - المصدر نفسه، ص 95.
65 - المقري: المصدر السابق، ج 4، ص 468.
66 - سورة المجادلة، الآية 19.
67 - سورة المجادلة، الآية 22.
68 - ابن مخلوف: المصدر السابق، ص 194.
69 - مؤلف مجهول: النتيجة في تلخيص الكرامات في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني، مخطوط ضمن مجموع، دار الكتب التونسية، رقم 9264، ورقة 93.
70 - أبو حامد الغزالي: المصدر السابق، ج 3، ص 83؛ ابن خلدون: شفاء السائل، ص 40 - 43.
71 - حكم أبي مدين شعيب، مخطوط ضمن مجموع الخزانة العامة، الرباط، رقم د. 1019، ورقة 262.
72 - الغبريني: المصدر السابق، ص 154.
73 - ابن القيم الجوزية: مدارج السالكين، المطبعة العامرة، مصر 1293 هـ، ج 1، ص 31.
74 - الشاطبي: الاعتصام، مطبعة المنار، مصر 1913، ج 2، ص 152.
75 - أحمد رزوق: قواعد التصوف المطبعة العلمية، مصر 1318، ص 44.
76 - توجد منه نسخة بدار الكتب التونسية ضمن مجموع، قطعة 7، رقم 2744.
77 - الغزالي: المصدر السابق، ج 3، ص 27.
78 - حكم أبي مدين، مخ، ورقة 263.
79 - ابن خلدون: شفاء السائل، ص 40.
80 - حكم أبي مدين: مخ، ورقة 264.
81 - ابن القنفذ: أنس الفقير، ص 18.
82 - ابن الزيات: التشوف، ص 321.
83 - نشر لأول مرة في مجلة "الباحث" التي كانت تصدر بباريس، العدد 3.
84 - عن شرح صوفية المغرب الأوسط لحكم ابن عطاء الله. انظر، ابن مريم المديوني: البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1986، ص 7 وما بعدها.
85 - الونشريسي: المعيار، ج 2، ص 395.
86 - الطاهر بونابي: المرجع السابق، ص 170.
87 - نور الهدى زطيط: المناقب الصوفية، أطروحة دكتوراه، جامعة محمد الخامس، الرباط، ص 90.
88 - إبراهيم القادري بوتشيش: الإسلام السري، دار سينا للنشر، ط. 1، القاهرة 1995، ص 132.
89 - الملودي شغموم: المتخيل والقدسي في التصوف الإسلامي، ص 2032 - 233.
90 - محمد مفتاح: التيار الصوفي والمجتمع في الأندلس والمغرب أثناء القرن الثامن الهجري، القسم الأول، أطروحة دكتوراه دولة، جامعة محمد الخامس، الرباط 1980 - 1981.
91 - رابح بونار: المغرب العربي تاريخه وثقافته، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1981، ص 271.
92 - ابن النحوي: المنفرجة، مخطوط ضمن مجموع دار الكتب التونسية، رقم 8372، ورقة 100 و101.
93 - الغبريني: المصدر السابق، ص 272.
94 - المصدر نفسه، ص 278.
95 - المصدر نفسه، ص 97.
96 - ابن خلدون: المقدمة، ص 351.
avatar
الملتزمة
مشرفة مرسى الإسلاميات
مشرفة مرسى الإسلاميات
البلد : نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط  الطاهر بونابي Marsa210
عدد المساهمات : 1037
نقاط تميز العضو : 109857
تاريخ التسجيل : 10/12/2010

نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط  الطاهر بونابي Empty رد: نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط الطاهر بونابي

03/03/12, 12:40 am
موضوع حريّ بالدراسة بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى